عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-14, 20:44 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

b3 نحو منهجية للتعامل مع التراث الإسلامي 2/2


نحو منهجية للتعامل مع التراث الإسلامي 2/2
لما تركنا علومنا الجامعة لوحدتنا انقطع التفاهم بيننا

العلم

العلم : 14 - 05 - 2010
عقدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) والمعهد العالمي للفكر الإسلامي ومعهد الدراسات المصطلحية وكلية الآداب ظهر المهراز بفاس، ندوة علمية مهمة بعنوان »نحو منهجية للتعامل مع التراث الإسلامي«، وهي دورة علمية تدريبية لفائدة الأساتذة الباحثين في التراث العربي الإسلامي سنة 1417 ه/ 1996 م، وبين يدي أعمال هذه الندوة منسقة مشذبة في كتاب بنفس العنوان، وهو ضميمة لمشاركات الأساتذة د. طه جابر العلواني رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ود. علي جمعة مستشار المعهد في القاهرة، وذ. محمد بلبشير الحسني مستشار المعهد بالرباط، ود. شامل الشاهين مدير مركز البلقان للدراسات والأبحاث العلمية في إسطنبول، ود. علي الغزيوي من شعبة اللغة العربية بهذه الكلية، ود. فريد الأنصاري رحمه الله من شعبة الدراسات الإسلامية بكلية آداب مكناس، ود. عبد المجيد النجار من كلية آداب جامعة العين بالإمارات العربية المتحدة، ود أحمد أبوزيد من شعبة الدراسات الإسلامية بكلية آداب الرباط، ود. محمد المالكي من شعبة اللغة العربية بكلية آداب ظهر المهراز وذ. محمد كايزي مفتش التعليم الثانوي، أكاديمية فاس.

منهجية خدمة التراث

دعا د. عبد الله المرابط الترغي في ورقته »منهجية خدمة التراث« إلى توثيق الصلات أكثر بين المكتبات العامة في البلاد العربية والإسلامية فيما بينها من جهة أولى، وفيما بينها وبين المؤسسات الجامعية والمؤسسات الثقافية من منظمات ومراكز ومعاهد وغيرها من جهة ثانية، فيتم في مرحلة أولى توافر مواد الأعمال الفهرسية التي تكشف بدقة عن محتويات هذه المكتبة أو تلك، ويتم في مرحلة ثانية تبادل الأعمال وتلبية رغبات الباحثين على يد هذه المؤسسات وبواسطتها إما بالاطلاع في عين المكان على المخطوط، أو باقتناء مصورته.
ونبه ذ. الترغي إلى وضع المكتبات العامة وشبه العامة وما تضمه محتوياتها من مواد تراثية، وما تقوم به مهمتها من حفظ وصيانة لهذه المواد التراثية، وما تتبعه من تنظيم معين لاستقبال الباحثين وتلبية رغباتهم بالاطلاع على هذه المحتويات أو اقتناء مصورات عنها وما تستكمل به وظيفتها من تقديم هذه المعرفة التراثية بالتعريف بها وخدمتها وتهيئتها للبحث والاستفادة. ولفت الباحث النظر إلى المكتبات المهملة التي هي في طريق الضياع لتتحرك الجهات المسؤولة والمؤسسات المهتمة لتدارك ما يمكن تداركه بحفظ وصيانة ما تبقى من محتويات هذه المكتبات، إما بنقل هذه البقايا إلى الخزانة العامة لأجل استحداث دار كتب وطنية [وقد شيدت المكتبة الوطنية أخيرا] وإما بوضعها في المكتبات العامة الجهوية، وإما على الأقل بأخذ مصورات عنها توضع بالمكتبة الوطنية، مع التوصية بالحفاظ على بقايا هذه المخطوطات وتحميل مسؤولية رعايتها إلى مؤسسة علمية بتلك الجهة. وليكن الأمر في ذلك موكولا إلى مؤسسة جامعية، أو إلى مكتبة جهوية أو حبسية، أو إلى المجالس العلمية ونظارات الأوقاف في تلك الجهة. كما وجه دعوة إلى أصحاب المكتبات الخاصة الى أن يعددوا نسخ مخطوطاتهم المهمة عن طريق التصوير وإيداع نسخ منها في المكتبات العامة. وألحّ في شأن هذه المكتبات على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بما فيها الجامعات في أن تتدخل بثقلها المادي والمعنوي لوضع فهارس منظمة لها أولا، ولاقتناء مصورات للأهم من مخطوطاتها ثانيا.
وسجل الباحث غياب فهرس جامع للنصوص المحققة يمكن الاهتداء به لمعرفة ما سبق تحقيقه، وعدم مواكبة الجانب الإعلامي بما يتم إنجازه من أعمال تحقيقية، أو بما هو في طريق الإنجاز، وغياب التنسيق بين الجهات المختلفة التي تباشر عملية التحقيق خاصة الجامعات مما يتطلب مثلا استحداث مركز تتجمع عنده كل المعلومات المتعلقة بتحقيق التراث يكون رهن إشارة الباحثين، فيفيدهم عند استشارته بما هو الأمر عليه في المخطوط الذي يعمدون إلى تحقيقه.
وبالإضافة الى ماسبق هناك غياب للمواكبة النقدية لما ينشر من هذه الأعمال المحققة إلا في إطار محدود جراء وعدم وجود منابر منظمة وواسعة الانتشار يختص خطابها بتحقيق التراث والترغيب فيه.
ونادى د. فريد الأنصاري رحمه الله بضرورة الدراسة المصطلحية للتراث، لأهمية المصطلح في بناء العلم، فهو ليس مفتاحا له فقط، بل هو ميزان لقياسه ومعرفة حجم (العلمية) الكامنة في داخله. وعرف الدراسة المصطلحية بأنها بحث في المصطلح لمعرفة واقعه الدلالي، من حيث مفهومه، وخصائصه المكونة له، وفروعه المتولدة عنه، ضمن مجاله العلمي المدروس به.
والحقيقة أن ورقة د. فريد الأنصاري غنية جدا بالمعلومات والتوجيهات المنهجية ومن أهمها أن التجديد المصطلحي وإعمال مصطلحات التراث، لن يتم أبدا بتجاوز مرجعياتها كما دعا إلى ذلك د. محمد عابد الجابري بل ذلك هو ما سيؤدي إلى موتها وهلاكها، لأن مرجعية المصطلح هي قلبه النابض الذي به يعيش وإنما التجديد والإعمال رهين مواصلة، البحث العلمي الجاد الذي به يعيش يضيف إلى التراث ولا ينقضه. وهذا لايعني تحريم النقد، أو تقديس الجانب الاجتهادي من التراث، وإنما ضرورة اعتباره أساسا وأصلا، ينطلق منه للبناء، والتجديد.
المنزلة الدينية للتراث والالتزام المنهجي.

وقد حدد د. عبدالمجيد النجار الأساس المنهجي لتقويم التراث في أربعة مبادئ هي: المنزلة الدينية للتراث، والالتزام المنهجي، وتاريخ التراث، وشمولية التداول، »إن التراث الإسلامي متمثلا في جملة المعارف والعلوم النظرية والتطبيقية التي تراكمت في المخزون الثقافي للأمة منذ عهد الرسالة يمكن اعتباره شرحا وتطبيقا للتعاليم الدينية التي جاء بها الإسلام، وذلك لأن هذه التعاليم تناولت بالبيان والتوجيه كل مناحي الحياة، وبناء على ذلك فإن كل حركة إسلامية في بناء الحياة نظريا وعمليا كانت ناشئة بالداعي الديني، ومستجيبة لمقتضياته، ومن ثم كان التراث كله مصبوغا بصبغة دينية بصفة مباشرة أو غير مباشرة، سواء في ذلك العلوم الدينية بالمعنى الخاص أو العلوم العامة والفنون ومظاهر العمران، وهذا الوضع الديني للتراث الإسلامي يلزم المسلمين باحترامه وتكريمه. وإذا كان التراث غير ملزم دينيا بما فيه من الاجتهادات فإن الأمر ليس كذلك منهجيا. فمن المقتضيات المنهجية في البحث عن الحق النظري للتوجيهات الدينية، والحق العملي لتنزيلها على واقع الحياة أن يبسط التراث كله على مائدة النظر للدرس والاستيعاب والتمثل، وذلك في سبيل الاستعانة باجتهادات السابقين على تبين المراد الإلهي في اجتهاد الفهم، وتبين مافيه النفع في اجتهاد التطبيق. وفي حين يتصف الوحي الإلهي بالإطلاق الزمني، فإن التراث الإسلامي يتصف بالتاريخية الزمنية، فتاريخية التراث تستلزم في سبيل تقييمه أن يقع التعامل معه مؤرخا على معنى أن يعرض في تقريراته الوصفية مقرونا بظروفه وملابساته الواقعية التي نشأ فيها، وأن يرجع إليه في سبيل فهمه وتقييمه والتخير منه على ذلك الأساس من التأريخ الذي يربط فيه الاجتهاد التراثي في الفهم وفي التطبيق بالأسباب التي أفضت إليه من الظروف الحياتية التي عاش فيها المجتهدون، ومارسوا اجتهادهم من أجل معالجتها بالتعاليم الدينية.
والتراث الاسلامي تراث ثري واسع تناول كل مناحي الحياة المادية والروحية، إلا أن المتداول منه بين الناس أقل بكثير مما هو متاح للتداول بيسير، بله ما هو يتاح ولكن بشيء من العسر. وقد تحكمت في هذا الوضع من محدودية تداول التراث عوامل وأسباب متنوعة، منها ما يعود الى ما ترسب من تعصب مذهبي ضيق أفضى إلى أن أهل كل مذهب لا يتداولون إلا مدونات مذهبهم أو ما هو موافق لها، ويعرضون عما سواها إعراض الإهمال أحيانا، وإعراض الإقصاء والإلغاء أحيانا أخرى.
ومنها ما استقر بامتحان الاجتهادات السالفة عبر الزمن من أن بعضها قوي راجح وبعضها ضعيف مرجوح بموازين تخضع في الغالب للظروف الزمنية التي وقع فيها ذلك التقدير، ولكنه استصحب فيما بعد لمواتاته عهود الجمود والتقليد، فما اعتبر راجحا بتلك الموازين الظرفية يروج بالتداول، وما اعتبر مرجوحا يستبعد من دائرة التداول، ومنها التباعد الجغرافي والسياسي بين الأقطار الاسلامية وانقطاع بعضها عن بعض، فإذا بالتراث الاسلامي في الشرق الأقصى على سبيل المثال لا يعرف في بقية الأقطار ولا يتداول فيها والعكس صحيح أيضا. ويرى هذا الباحث أن من المبادئ المهمة في تقييم التراث وتوظيفه الشمولية في تداوله بين المسلمين بأكبر قدر ممكن. ونبه إلى أن الإهمال أو الإقصاء أو الإلغاء لأي عنصر تراثي موقف مخل بأحد مقتضيات الاجتهاد، وفي هذا السياق كان التراث الطبي الإسلامي الناشئ من اجتهادات في فهم التوجيهات القرآنية والنبوية في التطبيب يعتبر منذ زمن تراثا اجتهاداته مرجوحة بموازين الطب الحديث، ولكن تبين في ظروف الحياة الراهنة أن العلاج بالأعشاب والنباتات الطبيعية هو أفضل العلاج في الكثير من الأدواء. فإذا بتلك الاجتهادات التي كانت مرجوحة تصبح راجحة، وينشأ في سياقها منهج جديد في الصيدلة والتطبيب.
»البحث عن منهجية أصيلة لتحليل أو دراسة التراث« هو عنوان ورقة د.أحمد أبوزيد الذي بدأها بالإشارة إلى حقيقة التراث وأنّ هناك من يجعل مفهوم التراث محصوراً في الآثار المكتوبة الموروثة، وهذا رأي عبد السلام هارون، وهناك من يوسع هذا المفهوم فيجعله شاملا للمكتوب والشفوي والعادات والتقاليد والخبرات في مختلف المجالات، وهذا رأي جبور عبد النور. كما أشار إلى الصلة بين التراث الإسلامي والوحي، وقرر التمييز بين الوحي الإلهي والتراث البشري وذلك لأن هذا التمييز يحفظ للوحي قدسيته، وينزهه التنزيه الذي يليق به، فالوحي حق مطلق منزه عن الخطأ والباطل {لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}. وأعمال البشر يشوبها النقص والضعف، وتحتمل الصدق والكذب والخطأ والصواب وعدم التمييز بينهما يؤدي إلى الخلط والالتباس بين ماهو إلهي وماهو بشري عند العامة والمبتدئين، ويفتح الباب للطعن في الوحي من طرف خفي، تحت ستار تجديد التراث وإعادة قراءته، أو تحت ستار المنهج العلمي الجديد، أو المنهج النقدي. والتمييز بين الوحي والتراث لايعني إنكار الارتباط القوي بينهما، إن التراث العلمي الإسلامي يتصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اتصال الفرع بأصوله، فهذان الأصلان هما المنبع الفياض الذي تفجرت منه تلك العلوم الإسلامية النقلية منها والعقلية. وهذا الارتباط جعل من العلوم الإسلامية مفاتيح لفهم معاني الوحي في القرآن والسنة، ومن ثم كانت جديرة بالعناية والرعاية، وبأن تكون في مركز دائرة الاهتمام كي تبقى الأجيال الإسلامية في كل عصر قادرة على فهم كلام العلماء والاستفادة منه والانتفاع به في فهم معاني الوحي.

ضرورة أسلمة المناهج

وتحدث د.أبوزيد عن إهمال التراث، وبلوانا نحن المسلمين أن كبار مفكرينا وكتابنا في هذا العصر منقطعون عن علومنا التي هي أصول حضارتنا وثقافتنا وأنهم لايجدون غضاضة من المجاهرة بجهلهم بها، ويضيف الباحث: »لم أعرف في تاريخ الأمم أن جماعة جهلت علم أمتها وانقطعت عن هذه العلوم، حتى حسبت أنها من أمة لاعلم لها ثم عدوا مع هذا الجهل روادها ومفكريها وقادة التنوير والثقافة والتوجيه فيها، ويعلم كل من له علم أن من لم ينغمس في علوم أمته وينفذ إلى أصولها وجذورها لايكون له رأي فيها« (ص 304 - 305)
وأثار هذا الباحث، كذلك، موضوع ضرورة أسلمة المناهج، إذ آن الأوان للتخلص من التبعية الفكرية والعودة إلى تراث الأمة واستعادة الهوية الثقافية وذلك بتوجيه الأجيال إلى خدمة علوم الأمة وآدابها وثقافتها. لاسيما ونحن نعيش عهد الصحوة الإسلامية والدعوة إلى أسلمة المعرفة، وما هي إلا دعوة للرجوع إلى الأصل، وأسلمة المعرفة ترتكز في اعتقاده، على الانغماس في ا لتراث العلمي الإسلامي وتطوير مناهجه وتداول مصطلحاته وأدواته ومفاهيمه، كل ذلك بروح من الوعي الفكري والحضاري. وإن استخدام المصطلحات المستعارة ينطوي على خطر علمي وفكري وحضاري جسيم، يتمثل في إضعاف قدرة الأجيال الحاضرة من المثقفين على فهم ما يقرؤون من تراث أمتهم، في مختلف العلوم، حتى تلك التي تدخل في صميم تخصصهم، وذلك لأن تلك العلوم تأسست على مصطلحات أخرى هي مفاتيحها التي لاتفتح إلا بها.
فإذا جهل المثقف والمفكر المعاصر تلك المصطلحات وجد مشقة كبيرة في التعامل مع مصادر تلك العلوم، وشعر بنفور شديد منها، ولايلبث هذا النفور أن يتحول إلى عداوة مستحكمه، وتلك هي الغاية الماكرة التي يريد خصوم الحضارة الإسلامية تحقيقها. كما أنّ المصطلحات الدخيلة تعزل الطالب عن علوم أمته، والمناهج المستوردة لاتصلح في حقل العلوم الشرعية، ودليل فسادها أننا نتعلم مناهج البحث الجديد منذ قرابة قرن من الزمان، ونحن في هذا القرن لم نمل الإبحار على حروف الفرنجة - كما قال المرحوم صلاح عبد الصبور. ولم تستطع هذه المناهج، ولا هذا العلم المنقول، ولا هذه الدراسات الجديدة أن تحرك طاقات الإبداع والنبوغ في واحد منا، فيقدم لنا فكرة جديدة تكون جديدة بالعناية وجديرة بأن يلتفت إليها من عندهم عقل، كما يلتفتون إلى الفكرة العملاقة التي تسطع فتشغل الجميع. وقد عجزنا خلال هذا القرن كله أن نصوغ نظرية في البحث والدراسة فضلا عن أن نبدع فرعا من فروع المعرفة أو برعما من براعمها. وكل مافي أيدينا نقول ومترجمات وكأنه قد ماتت فينا قوة الابتكار والإبداع، التي لاتنبعث إلا بطول الصبر والجد، وبتعاون الجهود وتضافرها وتكاملها.. وكل هذا مفقود لأننا لما تركنا علومنا الجامعة لوحدتنا انقطع التفاهم بيننا، لأننا بدل أن تجمعنا علومنا الجامعة، تفرقنا بددا، فهذا آخذ من هنا، وهذا مقتبس من هناك.. فالغرب الإسلامي مثلا غارق في بحار اللغة الفرنسية، علومه من علومها ولسانه من لسانها، والمشرق الإسلامي غارق في بحار اللغة الإنجليزية، وإذا التقى عالمان مشرقي ومغربي لم يكن الحديث مشتركا بينهما كما هو الأصل والواجب يعني لم يتحاورا حول أفكار الشافعي والزمخشري والطبري والجرجاني وغيرهم، لأنه ليس عندهم من هؤلاء إلا حسو كحسو الطير أو تحلة العروبة أي ما يحل لهم به أن يكونوا عربا!
منطلقات لتدريس النص التراثي

وبحث د. محمد المالكي عن منهجية مثلى لتدريس النص التراثي، فتوصل بعد وقوفه على واقع هذا التدريس بمادته وموضوعاته ومناهجه ومقرراته إلى بعض المنطلقات الفكرية والنظرية والمنهجية والتربوية التي يجب أن يقوم على أساسها تدريس النص القديم بصفة عامة.
وهذه المنطلقات هي ضرورة الأخذ بشمولية المنهج (المعرفة وسيلة لا غاية) والأخذ بمبدأ وحدة المنهج (التكامل بين المواد)، وأصالة المنهج، ووجوب مراعاة طبيعة النص الخاصة، ووجوب التقيد بمعطياته، وفقه لغته (اللغة الموصوفة) وإتقان اللغة الواصفة، والخلاصة أن علينا الآن الانتقال من النقل إلى الإبداع ومن التراكم إلى ضبط العلم، ومن الأخذ إلى العطاء وللدكتور الشاهد البوشيخي كلمة دالّة، حيث قال: »إنّ الحال العلمية عندنا تشكو من عديد من الأمراض، منها التكديس بدل البناء، والاستهلاك بدل التصدير، والجمع بدل البحث، والارتجال بدل التخطيط، والفوضى في عدد من المجالات بدل الضبط، ومرد ذلك كله إلى فساد المنهج«.
واقترح ذ، محمد كيزي بعض الاقتراحات التي تخص منهجية تدريس نصوص التراث الإسلامي، وهي: الانفتاح على الطرق البيداغوجية، التي يمكنها أن تسهل مهمة التفاعل مع النص التراثي، وتكثيف الحوار بين الطالب والأستاذ إسوة بالعلماء المسلمين الذين كانوا يشجعون طلبتهم على الحوار والمناقشة والمناظرة، والعناية بالدراسات اللغوية التربوية الحديثة والاستفادة من تقنيات التدريس القديمة وتجريبها، والاستفادة كذلك من الطرق التواصلية، عن طريق المقارنة بين الوثائق، والإفادة من الدرس البلاغي في الكشف عن الكوامن الداخلية للنصوص التراثية وذلك من أجل إبراز الذوق اللغوي الذي كتبت به هذه النصوص، مع أخذ بيداغوجية الفوارق الفردية بعين الاعتبار، والاطلاع على ما يجد في مجالات التخطيط وتطوير الخطط والمنهجيات، واعتبار هذه العملية مسؤولية إسلامية تاريخية ، والتنسيق بين مدرسي نصوص التراث الإسلامي، والتكثيف من التطبيقات التدريسية الممنهجة وربط الجسور بين الجامعات والمعاهد التي تحتضن النصوص التراثية الإسلامية (بالأزهر القرويين الزيتونة اسطنبول إيران العراق...)، والعناية برسم الحرف العربي عامة، والرسم القرآني خاصة لأنهما يحيلان على رؤية حضارية تتعامل مع التراث الإسلامي تعاملا خاصا، جماليا ودقيقا.. وتحفيز الطالب على معرفة هويته الذاتية، وانتمائه التراثي الذي يربط هذه الهوية بالجذور والأصول،
نحو منهج استقرائي أصيل

وحاول د. عبد الحميد العلمي في ورقته »نظرات في منهج البحث في التراث«، إضاءة الصلة بين المنهج والتراث باعتبار هذا التراث لم يقف بعد على من يبوئه مكان الحماية من التزيد والمصادرة. وقد كان لاهتمام الإسلام بالمنهج والعلم صدى طيب في نفوس علمائنا فبسطوا نفوذهم بفضل امتلاكهم ناصية المنهج واعتماد مبدأ العلم للعمل. ولامتلاك الناصية في مسألة المنهج لابد من الاستعانة بمنهج تبرز في خصوصيته جهود المحققين من علمائنا مبتدئين بأول لبنة، وهي الخروج عن الاكتفاء بالدعوة إلى بيان ما يؤسس منطق البحث عند متقدمينا، ويمكن الاستعانة في هذا المجال بمنهج المحدثين في أصول النقد في الإسناد وتوسم السلامة في المتون، وبمنهج الأصوليين في قواعد الاستنباط وكيفية الاستدلال بالخطاب، وبمنهج المفسرين في فنون الاحتجاج باللغة ومعرفة الأسباب والتحقق بالمعاني والغايات. ولقد وضع هؤلاء في أعمالهم ركائز راسخة للنظر إلى النص في إطاره التاريخي واللغوي، وفي سياقه الدلالي بكل ما يتطلبه الفكر الاجتهادي من معطيات علمية ثابتة.
إننا بحاجة اليوم إلى صياغة منهج استقرائي يجمع بين دقة المحدثين وصناعة الأصوليين وحذق المفسرين يخولنا إمكان حماية تراثنا من كل دخيل. وهذا لا يتحقق إلا بعد النهوض بأصول يصدق عليها أنها من إنتاجنا فتؤمننا من الافتقار إلى غيرنا.
وخلص الباحث إلى أنّ أمر خدمة التراث موقوف على ضرورة الاهتمام بالمنهج والمصطلح. لأن بافتقادهما نفقد الحفاظ على تراثنا. فهما قطبان يتوصل بهما إلى حماية القصدين والجمع بين الطرفين.






    رد مع اقتباس