عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-09, 12:08 رقم المشاركة : 2
محمد يوب
أستـــــاذ(ة) مــــاسي
إحصائية العضو








محمد يوب غير متواجد حالياً


وسام المشرف المتميز

افتراضي رد: "خصائص الحروف العربية"








2-الثاء.‏ مهموسة رخوة. يقول عنها العلايلي: إنها (للتعلق بالشيء حسياً ومعنوياً) تعريف مبهم.‏

ويرى الدكتور أنيس أنه(لافرق بين صوتي (الثاء والذال) ، إلا الهمس بالثاء والجهر بالذال،

وذلك لتقاربهما في المخرج بين طرف اللسان واللثة.‏ وفي الحقيقة أن هناك تناقضاً كلياً في طبيعة صوتيهما.

فالنّفَس مع الثاء الملثوغة، يخرج بشيء من البعثرة، فيسمع له حفيف طري ، بينما يخرج النفَس مع الذال الملثوغة

بعد مخرج الثاء مباشرة بذبذبة صوتية عالية. ولذلك كانت ايحاءات صوتيهما في منتهى التناقض.‏

فالرقة والليونة والملمس الدافئ الوثير في صوت الثاء.‏ والخشونة والحرارة والفعالية في صوت الذال.

‏ وهكذا فإن تقارب الحروف في مخارجها لايمنحها تقارباً مماثلاً في ايحاءاتها الصوتية ولا في معانيها.

فالحرف الشقيق إذا حلّ محل شقيقه في لفظة ما، لاتظل اللفظة على معنى مقارب لمعناها قبل الإبدال،

وإنما قد يؤدي ذلك إلى التناقض في معانيهما أحياناُ كثيرة، كما في حرفي الثاء والذال، واحرف الخاء والحاء،

والباء والميم، والصاد والسين، كما سوف نرى. فالثاء، إنما هي تأنيق للسين الرقيقة، وتأنيث لتاء التأنيث.

وكأني بالعربي لم يبدع صوت هذا الحرف إلا خصيصاً للأنثى، ليميزها بالثاء حتى من النساء أنفسهن،

إيفاء لحقها من الرقة والدماثة والإحاطة واللين. فما كل امرأة تتوافر فيها خصائص الأنوثة وإن كانت أنثى.

فلفظة الأنثى إنما هي ألصق بالجنس من لفظة المرأة. قد قصّرت أنوثة الأشياء والكائنات الحية عن أنوثة الجنس في حرف الثاء، فأُنّثَتْ بتاء التأنيث. تفيض الثاء عليها من خلف هذا الحجاب الشفاف طيف رقة وعاطفة وأنوثة.

لتستقل الثاء وحدها بعرش الأنوثة في لفظة الأنثى، ضمّاً للنون الأنيسة إلى الثاء الأنثوية، لا أمسّ بالنفس حسّاً،

ولا أوقع في السمع جرساً.‏ لقد سبق أن نوهت في المرجع السابق (131-136)، بأن العربي قد عبرّ عن بعض معانيه

بطريقة النطق بأصوات بعض الحروف في المرحلة الزراعية.‏ فهل اعتمد العربي (الثاء) كحرف إيمائي ، أم كحرف إيحائي

للتعبير عن معانيه؟.‏ ورداً على ذلك أبيّن مايلي:‏ عندما يبدأ النّفَس بالخروج برخاوة وبطء مع صوت (الثاء)

على المدرج الصوتي يقوم طرف اللسان بشق الأسنان الأمامية السفلى عن العليا، ثم يتراجع قليلاً إلى الوراء،

وهنا تلاحظ ثلاث ظواهر: اثنتان منها بصريتان (إيمائيتان تمثيليتان)، والثالثة سمعية (إيحائية).‏

الظاهرة الأولى: انفراج الأسنان السفلى عن العليا عند خروج صوت (الثاء)، ومن ثم تراجع طرف اللسان إلى الداخل.

وهذا يماثل الأحداث الطبيعية التي تتضمن الشق والانفراج.‏ الظاهرة الثانية: بعثرة النفَس ببطء أثناء خروجه

بين طرف اللسان والأسنان العليا عند حدوث الصوت، مما يماثل الأحداث الطبيعية التي تتضمن البعثرة والتخليط.

‏ الظاهرة الثالثة: حفيف رقيق يسمع لصوت (الثاء) مع اللثغ، مما يوحي بالرقة والبضاضة والطراوة والدفء ،

وهي جميعاً أحاسيس لمسية.‏ فهل (الثاء) إذن بصرية أو لمسية؟.‏ وبتعبير آخر، هل وظيفة الثاء إيمائية أو إيحائية؟.

‏ للاجابة عن ذلك ، لابد من الاحتكام إلى المعاجم اللغوية.‏ بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على أربعة وتسعين

مصدراً تبدأ بحرف الثاء. كان منها سبعة عشر مصدراً تدل معانيها على الشق والانفراج والسيلان، مما يماثل

عملية شق طرف اللسان الأسنان السفلى عن العليا، مع ظاهرة انفراجهما عند خروج الصوت وهي بذلك إيمائية.

منها:‏ الثأي (الفتق وأثر الجرح). انثعّ الدم من الأنف (سال). ثعب الدم (فجرّه فسال). ثعرر الأنف (تشقق).

ثغب الشاة (ذبحها). الثغر (الفم والفرجة في الجبل). ثلم الجدار (أحدث فيه شقا).‏ وكان منها سبعة عشر مصدراً تدل معانيها

على البعثرة والتشتت والتخليط، مما يماثل بعثرة النفس بعد خروج صوت الثاء منها:‏ الثّدام (المصفاة، لبعثرة ثقوبها).

ثرثر في الشيء (أكثر منه في تخليط). ثرد الخبز (فتّه ثم بله بمرق). ثرّ (غزر وكثر).

الثرعلة (الريش المتجمع على عنق الديك). الثّريا (نجم تكثر أنجمه مع صغر منظره).

ثطّ(خف شعر لحيته). ثعر (كثرت بثوره).الثلج . ثمأ الخبز (فتّه). ثمج الأشياء (خلطها).

ثمغ الألوان (خلطها). ثار (هاج وانتشر).‏ وكان منها سبعة عشر مصدراً تدل معانيها على الرقة والطراوة والبضاضة

ومتعلقات الأنوثة، مما يحاكي الرقة والدماثة في حفيف صوت الثاء الملثوغة. منها:‏ الثأدة (المرأة الكثيرة اللحم).

الثدي (للمرأة، والضرع لأنثى الحيوان). امرأة ثيّب (غير عذراء). اثباجّ الرجل (صخم واسترخى).

الثّرب (لحم رقيق يغطي الكرش والأمعاء). الثّعد (الغصن الطري من البقل). ثجل ثجلا (عظم بطنه واسترخى).

الثرى (التراب الندي).‏ وهكذا فإن نسبة المصادر التي تدل معانيها على المرئيات المستمدة من طريقة النطق بالثاء

إيماء وتمثيلاً قد بلغت (36%)، بينما لم تبلغ نسبة المصادر التي تدل معانيها على مايفيد الطراوة والليونة

من اللمسات سوى (18%)، بما مجموعه (54%)‏ وعلى الرغم من ذلك فقد صنّفتُ (الثاء) في زمرة

الحروف اللمسية، وذلك للأسباب التالية:‏ أولاً-لطريقة النطق بهذا الحرف:‏ عطفاً على حديثنا عن

الجذور الغابية والزراعية في أصوات الحروف العربية في المرجع السابق (ص 125)، قد يتبادر الآن إلى

ذهن القارئ أن العربي أبدع حرف (الثاء) في المرحلة الزراعية للتعبير ايماء وتمثيلاً عن معاني الشق

والانفراج والبعثرة.‏ ولكن العربي قد أبدع حرف (الفاء) في المرحلة الزراعية خصيصاً للتعبير عن هذه المعاني

بطريقة النطق به ايماء وتمثيلاً كما سيأتي مفصلاً في دراسة صوته.‏ وإذن لابد أن يكون العربي قد أبدع حرف

(الثاء) لغرض آخر، فجاءت معاني الشق والانفراج آنفة الذكر عرضاً لا أصلاً.‏ فما هو هذا الغرض الأصل. ؟‏

لقد لفت انتباهي في بدء دراسة حرفي (الثاء) و (الذال) أن صوت (الثاء) هو أوحى مايكون بالأنوثة،

وأن صوت (الذال) هو أوحى مايكون بالذكورة. فعلى الرغم من التناقض الكائن في خصائصهما الصوتية.

فإنه لا ألصق منهما ببعضهما بعضا مخرج صوت.‏ كما لاحظت أيضاً أن مخرج (الذال) هو أقرب للظهور والبروز

بين الأسنان العليا والسفلى، بينما مخرج (الثاء) يتراجع عنه قليلاً إلى داخل الفم قريباً من اللثه بحشمة أكثر.

فاكتفيت بادئ الأمر بالكشف عن التماثل الكائن بين طبيعة صوت كل منهما وبين طبيعة الجنس الذي يمثله.‏

ولكن بعد دراسة حرف (الفاء) الإيمائي، لفت انتباهي أيضاً طريقة النطق بحرفي (الثاء والذال) من حيث قيام

طرف اللسان بشقّ الأسنان السفلى عن العليا قليلاً في حرف (الثاء) وأكثر منه في حرف (الذال).‏

ولما كان الانسان العربي قد استخدم طريقة النطق بحرف (الفاء) للتعبير عن أحداث القطع والشق والانفراج إيماء

وتمثيلاً، فلا بد أنه قد استخدم طريقة النطق في حرفي (الثاء والذال) في المرحلة الزراعية لأغراض أخرى. فماهي؟.‏

قبل أن تهتدي المرأة في تلك المرحلة إلى الأصوات المعبرة عن معانيها، يبدو أنها قد استخدمت طرف اللسان في شق

الأسنان السفلى عن العليا قليلاً للتعبير إيماء وتمثيلاً عن جنس الأنوثة.كما أنها استخدمت اللسان بمدّ طرفه خارج

الفم أكثر للتعبير عن جنس الذكورة. وكان لابد أن تترافق هاتان الحركتان الإيمائيتان بالإشارات والأصوات المناسبة،

جرياً على عادة الانسان البدائي في دنيا التواصل مع أبناء جنسه.‏ وفي مرحلة الرعي، قام العربي بتهذيب الأصوات

الغابية والزراعية، وعمل على التخلص من الإشارات اليدوية والحركات البدنية فلم يبق منها إلا القدر اللازم لخروج

أصوات الحروف الإيمائية.‏ وهكذا طور العربي في المرحلة الرعوية حركات اللسان والأسنان المعبرة عن جنس الأنوثة

والذكورة، تخفيفاً وتهذيباً، كما طوّر الصوتين المرافقين لهما لثغاً وجرساً بما يتوافق مع خصائص الأنوثة والذكورة، ليس ايماء

وتمثيلاً فقط، وإنما ايحاء صوتياً أيضاً. لتتوّزع بذلك خصائصهما وتأثيرهما في معاني الألفاظ بين الإيمائي والإيحائي.‏ وهكذا فإن

معاني الشق والانفراج في المصادر التي تبدأ بحرف (الثاء) قد جاءت عرضاً لاقصداً. وذلك بدليل أن معانيها تتطوى جميعاً على

الرقة واللين مما لايتطلب أي قوة أو جهد، على العكس من معاني الشق والانفراج في المصادر التي تبدأ بحرف (الفاء)، كما

في (فأس الخشبة (شقها)، فأى رأسه (فلقه)، فدع الشيء (كسره)، فرى الشيء (شقه)، فشق الشيء (كسره)، فقع الشيء

(شقه)الخ....).‏ ثانياً- لغلبة معاني الرقة ومتعلقات الأنوثة في المصادر التي تنتهي بالثاء.‏ بملاحقة (الثاء) في نهاية المصادر، عثرت

على ثلاثة وثمانين مصدراً. كان منها أربعة وأربعون مصدراً للبعثرة والتخليط والجمع العشوائي بشيء من الرقة، بما يحاكي

البعثرة في النفَس أثناء خروج صوتها . منها:‏ أث الشعر(التفّ).بأثه (بدّده وفرقه). بثّه(فرّقه ونشره). ارتبث القوم(تفرقوا).

رمث الشيء (خلطه). الشعث (ماتفرق من الأمور). الحثّ(المدقوق من كل شيء ، حطام التبن). ضغثّ الحشيش (جمعه

وخلطه. ومنها أضغاث أحلام) . عبث الشيء بالشيء (خلطه). علث الشيء (جمعه). غبث الشيء (خلطه) غلث الشيء

(خلطه). فرِث القوم (تفرقوا). نكث السواك (فرق رأسه ونشره). نبث الأرض (نبش ترابها وحفرها). نجث وبحث (نبشَ).

نقث الأرض (أثارها بفأس أو مسحاة). نثّ الوعاء ومث ومثمث (رشح).‏
يتبع ...

..........
















التوقيع

    رد مع اقتباس