كم سئمت هذا التأفف في شفاههم..همهماتهم المبهمة ..حنق وجوههم،كلما ساقك قدرك المحتوم..حاجتك الملحة..عجزك الوخيم،لأن تطرق باب عطفهم..لأن تستجدي يدا ما تحرك هذا الجسد الغارق في الجمود..هذا الجسد القابع ها هناك في زاوية ما على رصيف الزمن المر..هذا الجسد الممدد فوق الجحيم..
كم سئمت نظراتهم اللاسعة كشظايا قنبلة عنقودية حارقة..تحس شعاع أعينهم يخترق صدرك..ويوغل..يوغل كي يصل إلى كهوف الروح السحيقة..ويحرق آخر المناطق البهية في أعماقك.
منذ صرختك الأولى ،كنت لعنة القدر في عيونهم ..كنت شوكة يابسة في حلوقهم..وكنت خيبتهم السرمدية العظيمة.كم سئمت جدرانهم..متاريسهم..دستورهم الذي يلغيك..يسحقك ..يذلك..ويستفز براكين الغضب النائم في عينيك اللتين فقدتا القدرة على البكاء.
كم سئمت هذا الرفض المسافر في شرايينك..هذا الصهيل المتمرد الهائج المصلوب..هذا الطائر الحر المكبل الذي يسكنك،ويقيم في أفكارك الساردة.
كم سئمت هذا التناقض المخبوء في ذاتك.. جسد هامد..متعب..يتوق إلى قبر ما..في زاوية ما..كي ينام نومته الأخيرة،وروح متوثبة..حالمة..مرفرفة في الفضاءات البعيدة..روح عنيدة تأبى الذل وتأبى الانطفاء..
وتبحث ..تبحث عن مرافئ الفرح الغائب..عن سعادة مذعورة ..مختبئة خلف أسوار الوجع..والخيبة..والشقاءْ..
وتبحث عن صرخة أخيرة،تقول لا..لا..لتراتيل الأوف في شفاههم..لا لفلسفة الرفض في عيونهم..لا لخطوطهم الحمراءْ.



''انقلها لكم من منتديات الشروق اون لاين''