عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-04-25, 17:07 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

افتراضي المدرسة المغربية:ثقافة الصمت وثقافة التخريب د. محمد بوبكري


المدرسة المغربية:ثقافة الصمت وثقافة التخريب


د. محمد بوبكري


1- ثقافة الصمت:
إن أول شيء يثير انتباه المهتم بدراسة قضايا التعليم في بلادنا، هو سيادة ثقافة الصمت في المدرسة المغربية. فقد أصبح معتادا أن ندخل قاعة الدرس ونجد تلاميذ جد مستلبين حتى إنهم يرفضون التحدث خلال الدرس. فما هي أبعاد ثقافة الصمت داخل المدرسة المغربية؟. إن لها أبعادا عديدة بما في ذلك رد الفعل العدواني المعارض الصادر من التلاميذ. فالبعد الأول هو استضمار التلاميذ لأدوار سلبية يحتويها نص الفصل التقليدي. وهكذا تنشئ البيداغوجيا الرسمية التلاميذ باعتبارهم شخوصا سلبيين/ عدوانيين.
فبعد قضاء سنوات في غباء نقل المعرفة وفي دروس مملة يطبع أغلبها الكلام المسكن للمدرس، أصبح أغلب التلاميذ لا يشاركون وينتظرون من الأستاذ أن يحدد لهم القواعد التي يتصرفون على أساسها. ويبدأ سرد ما يجب عليهم تخزينه في ذاكرتهم. إن هؤلاء التلاميذ صامتون فهم لا يتوقعون أبدا تضمن التربية لمتعة التعلم والابتهاج المتولد عنه. كما أنهم لا ينتظرون منها توفرها على لحظات ولع أو إلهام أو فكاهة. وأكثر من ذلك أنهم لا يتوقعون من التربية مخاطبة الظروف الواقعية لحياتهم. وما ينتظرونه منها هو طغيان أزيز صوت المدرس ودندنته على كل المسافة الزمنية للحصة الدراسية. وهذا ما يشكل انسجابا للتلاميذ من المشاركة في الدرس.
يمكن أن يكون انسحاب التلاميذ هذا سلبيا. كما يمكن أن يكون صمتا غاضبا خامدا. فبعض التلاميذ يطيع. وانطلاقا من إحساسه بالواجب يقوم بأخذ النقط وتتبع ما يمليه صوت المدرس. والبعض الآخر يجلس صامتا في قاعة الدرس ويمارس أحلام اليقظة، منقطعا بذلك عن ظروف الفصل الدراسي البغيضة والمثيرة للاشمئزاز. وهناك أيضا تلاميذ آخرون يجلسون في غضب حيث يثيرهم الضجر والأرثوذوكسية اللذان فرضا عليهم فرضا. فهذه الأنواع من الصمت هي أنواع من الاستلاب ناجمة عن بيداغوجية نقل المعرفة في المدارس المغربية.
أما البعد الثاني لثقافة الصمت، فهو وجهها العدواني. العدوان المشاهد الذي يقوم به التلاميذ كرد فعل عليها. فهو عدوان ناتج عن فرض تعليم سلبي. وقد يبدو أنه واقع تم إعطاؤه بشكل غير ملائم اسم ثقافة الصمت. لكن يظهر لي أن عبارة ثقافة الصمت توحي بالتسامح إزاء الهيمنة. والرد السلبي على
البيداغوجية السلطوية هو فعلا أحد مظاهر جماعة الفصل الدراسي المغربي. فأغلب التلاميذ ينسحبون من المشاركة في الدرس ويمكثون في صمت رهيب داخل الفصل الدراسي. وآخرون يبتلعون ما يقدمه البرنامج الرسمي بدون حماس ولا حيوية، ولا يسائلون المقررات الدراسية. وإضافة إلى ذلك إنهم يمارسون مقاومة عدوانية وينتجون سلوكات سلبية.
إنه لا يمكن تجنب العدوان، لأن السلبية ليست شرطا طبيعيا للطفولة أو الشيخوخة. فهناك عنف رمزي في المدرسة والمجتمع يفرض الصمت على التلاميذ. إنه رمزي لأنه يكمن في نظام الأشياء. فهو ليس عقابا بدنيا وإنما هو محيط مشكل من قواعد وبرامج ومناهج واختبارات وعقوبات وشروط تعمل على تثبيت السلطات وترسيخها باعتبارها مسؤولة عن النظام التعليمي. وهذا المحيط هو قمعي
الفضاء التربوي........................................... .................................................. ............................. رمزيا لأنه قائم على الخداع والتهميش. إنه يدعى لنفسه الموضوعية رغم أنه ينتج ويعيد إنتاج اللامساواة. يقدم البرنامج الدراسي باعتباره معياريا وحياديا يسعى لأجل النفع العام. وهو في الواقع يؤهل أغلبية التلاميذ للبطالة في المستقبل أو في أحسن الأحوال سيحصلون على عمل هامشي يمنحهم مواقع هامشية داخل المجتمع.
وهكذا أصبح من الصعب على التلاميذ تصور بدائل للطريقة التي توجد عليها. لكنه من الصعب أيضا تقبلهم للفشل والهزيمة.
ففي المدرسة المغربية يتمرد الكثير من التلاميذ ضد مآل البطالة وهزالة الأجور وضنك الحياة الذي ينتظرهم بعد انهيارهم نتيجة المفعول التربوي للعملية التعليمية المغربية. وفي مواجهة هذه الظروف تفقد المؤسسة التربوية شرعيتها ويلجأ كثير من التلاميذ المستلبين إلى اختيار جواب عدواني.
2- ثقافة التخريب:
ينتج تمرد التلاميذ عن العنف الرمزي الذي يدخلهم في صمت غير طبيعي، ويدفع بعضهم إلى الانسجام والتراجع إلى الوراء ولو كان خيار العنف الرمزي ناجحا كليا، فلن تكون هناك مشاكل ناجمة عن غياب الانضباط في المدرسة المغربية. فانتشار الفوضى واللانظام في المدرسة يعني أن هناك مقاومة لهذه العملية التلقينية من قبل كثير من التلاميذ. وهكذا يحدث تطور السلبية والعدوان من خلال تجاربنا المؤسسية، وموضوع هذا التطور هم التلاميذ. وذلك قبل أن يكبروا ويفهموا آلياته جيدا ويواجهونه بفعالية. فقسم من التلاميذ يقذف به في القبول السلبي، وقسم آخر لا يخضع لقواعد اللعبة ولا يتصرف على أساسها. كما أنه لا يتمرد عليها وإنما يركز على التخطيط للنجاح في الامتحان. ومجموعة ثالثة تخرب القواعد المفروضة داخل المدرسة من خلال شن حرب مفتوحة عليها. ومجموعة رابعة تنخرط في النظام التعليمي وتساند بنشاط الوضع القائم.
عن عنصر العنف والعدوان الصادر من التلاميذ أصبح مزعجا للسلطات. فمن الممكن أن يكون مناسبا تسمية هذا الرفض العنيف للصمت من قبل التلاميذ ب "ثقافة التخريب". فالتلاميذ هم الذين يخربون العنف الرمزي للبرامج الدراسية للدفاع عن استقلالهم الذاتي. ويتم ذلك في أغلب الأحوال بطرق غامضة ومخربة لذواتهم. لكن ومع ذلك فإنهم يدافعون عن أنفسهم ضد طبيعة النظام التعليمي غير الملائم لهم والمفروض عليهم.
يتصادم السلوك العدواني مع نقل المعرفة. ويكون هذا التصادم لفظيا في أغلب الأحوال. ولكي أكون واضحا حول سياسة الخطاب هنا، أريد أن أحدد الصوت التلقيني الذي يتحداه عدوان التلميذ. إنه الصوت التدريسي المنوم. صوت المربي الذي يغني للتلاميذ ليناموا عند شحن أذهانهم بالمعارف، ويهدف هذا النغم الرتيب إلى نقل البرنامج الرسمي من المدرس والكتاب المدرسي إلى التلاميذ . إنه يحاول تعويدهم على طاعة أوامر السلطات وتنكرهم لفكرهم النقدي الخاص، وبالتالي لذواتهم.
إن هذا الصوت التلقيني مخرب لذاته. إنه يدعو التلاميذ إلى الإنصات المتقطع. كما أنه يثير مقاومة ضد ذاته. إن التلقين يشجع اللاانتباه. يطلب البرنامج الدراسي التقليدي من المدرس أن يملأ الحصة الدراسية بمواد لا تغري ولا يسمح بالإمساك بها نقديا. كما أنها لا تستحق تكريس الحصة الدراسية بكاملها للانتباه إليه. فما هي نتيجة ذلك؟. يتوغل المدرس في صوته الجوهري الذي يضجر ذاته
ويضجر التلاميذ أيضا. وبطريقة ما يشجع التلاميذ على التراخي. إنه في أحسن الأحوال يساعدهم علىالانتباه والإنصات غير المنتظمين. وكمثال على ذلك، يركز المدرس في جمله وفقراته على الكلمات التي يعتد بها .ولإثارة انتباه التلاميذ إليها فإنه يرفع صوته عاليا عند نطقها، وذلك لكي يكتبها التلاميذ وتشكل لاحقا جوابهم الجاهز عن أسئلته الامتحانية النمطية. فالتلاميذ يعلمون انه يمكن تجاهل كل ما يقوله المدرس والاهتمام فقط بما يركز عليه من حين لآخر. وهذا ما يشمئزون منه، فيقنع الكثير منهم بالانزواء الفكري في صمت، ويثير غضب الآخرين مما يجعلهم يعملون على تخريب هذه العملية التلقينية.
تواجه" ثقافة التخريب" العنف الرمزي المدرسي بعنفه الرمزي. إن مستوى مقاومة التلاميذ وعدوانهم قد أصبح اليوم أزمة بالنسبة إلى المؤسسة التعليمية في بلادنا.//..

عن منتدى مطر






    رد مع اقتباس