الموضوع: الدعاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-03-31, 20:40 رقم المشاركة : 1
سعيدة سعد
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية سعيدة سعد

 

إحصائية العضو







سعيدة سعد غير متواجد حالياً


وسام المنسق

وسام المركز الثالث مسابقة الإبداع الأدبي

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثاني بأكاديمية الأستاذ

وسام المشرفة المتميزة

افتراضي الدعاء


ارتفع صوت المؤذن عالياً ، مكبراً لصلاة العصر . تجلجل صوته القوي من مكبر الصوت ، وتراشقت بصداه تضاريس المنطقة الجبلية الوعرة.
إنه الصوت الفصل بين فترتين من فترات الحياة اليومية لأهل القرية !
أنهت النسوة الثلاثة أعمال البيت الكثيرة ، فتقاطرن إلى غرفة الحماة ، رفقة موقد الفحم الملتهب ،يلتمسن الدفء والأنس والراحة...
تحلقن حول الحماة العجوز المقعدة ، وجلسن يخضبن يديها
و قدميها بالحناء...
هي العروس لا هن !!!
عجوز أقعدها المرض ، لكنه لم ينل من حسن ملامح وجهها ،ولامن حلاوة معشرها...لها من الأبناء خمسة . تزوج ثلاثة منهم فأصبحت زوجاتهم بناتها اللاتي لم تجد بهن رحمها !!!
تبادلت الكنائن عبارات مازحة عن الحنكة ..والمهارة ..
وسرعتهن في إنجاز الأعمال الموكلة إليهن ، والحماة تمطرهن بسيل من الأدعية الطيبة :"الله يْبيض سعدك..الله يْفرشْ لك الرضى ويْغطيك بالرضى..الله يْكون مْنكم..."
سعادة غامرة تعتريهن وهن ينلن المديح والثناء ،ومعهما صالح الدعاء.
استرسلن في الحديث عن القرية وأخبارها ، وعن ابنة "المْعـلم سلام "..البناء ، التي تسللت في جنح الظلام من بيت أبويها ولم يعرف لها سبيل و لا سبب للرحيل المفاجئ !!
رددت الحماة كلاماً بصوت غير مسموع ،لكن الكنائن تعرفنه جيداً !! إنه تعليقها المعتاد على مواضيع كهذه :"الله يْدينا فْالضوْ."
ذات ليلة شتاء باردة، أفل نجم الحماة الطيبة ، وأسلمت الروح لبارئها .
انبعث الصراخ والعويل من جنبات البيت الكبير..تجمع الجيران ، وانتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم . أبلغ الحاضرالغائب .
بدأت وفود الأهل والأقارب تصل منذ طلائع الفجر الأولى.
صراخ وعويل من جديد .. مؤشر على وصول قريب آخر ...
انتظر الجميع وصول "السي احمد"- أصغر أبناء الفقيدة - من الجنوب.
يناديه جل أفراد العائلة ب"السي احمد" تكريماً لجده الذي يحمل اسمه .
اقترب الزوال ، والجثة هامدة ، مسجاة ، جاهزة للرحيل إلى مثواها الأخير..
التف حولها الأبناء والأحفاد و الإخوة وكل الأقارب ...يكتوون بلهيب الفراق . ولم يخف الرجال كما النساء سيول الدمع الحار.
أذن العصر من جديد ، فتعالت - مع صوت الآذان - أصوات الكنائن :"أينك يا لَلاَّ والوقت عصر ؟؟؟ آذان وعويل...
انسل عبد السلام - الابن الأكبر - فجأة من وسط الكتلة البشرية المتزاحمة حول النعش . سحب هاتفه النقال من جيب سترته ، ثم تبادل التحية مع محدثه . بعدها صمت وشرد وكأنه صمت للأبد !
لن يتمكن "السي احمد"من الوصول اليوم، فالمواصلات تكاد تكون منعدمة بمنطقته النائية التي يقطنها .
توسل المسكين ألا يسارعوا بدفنها حتى يجثو على صدرها الحنون ،ويلقي النظرة الأخيرة على محياها الحبيب . ثم وعد أخاه بأن يصل ولو مشياً على الأقدام !!!
أزاح "عبد السلام" الهاتف عن مسمعه بعد أن عجز عن وعد أخيه بألا يدفن أمهما قبل وصوله..نداءات ينفطر لها الفؤاد ، تنبعث من النقال: " أمي ..انتظريني..انتظروني..أمي ..
أمي..." كتمها عبد السلام بعدما دس هاتفه في جيب سترته...
لم يعد ما يدعو للانتظار ونهار الشتاء قصير!!!
حمل الرجال النعش على الأكتاف وساروا به يسرعون الخطى، فالشمس ستشرف على المغيب.
اختلطت عبارات التوحيد بالصراخ والعويل..سبحان الله والحمد لله .../لا تتركينا ..أمي الحبيبة../ولا إله إلا الله ../أللا الحْنينة..يالساخْية بنا../والله أكبر..بسْلامة .. فْ الجنة نْتلاقاو إن شاء الله .../ولا حول ولا قوة إلابالله...
انطلق الموكب المهيب ، ولم يغفل المشيعون عن حمل الفوانيس لتنير لهم مكان القبر ثم طريق العودة بعد الدفن.
اهنئي أيتها الأم الطيبة ، فقد سِرت إلى مثواك الأخير ..فْ الضو...











التوقيع











آخر تعديل سعيدة سعد يوم 2010-03-31 في 20:49.
    رد مع اقتباس