عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-03-30, 22:12 رقم المشاركة : 1
مريم الوادي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية مريم الوادي

 

إحصائية العضو







مريم الوادي غير متواجد حالياً


وسام المراقبة المتميزة

b7 الإعلام والصهيونية القادمة من دول التطبيع





التطبيع، بريشة الفنانة الفلسطينية الكبيرة أمية جحا

بدأ المشروع الفكري الصهيوني يحقّق العديد من الأهداف في مرمى الفضاءات الإجتماعية العربية، من خلال دراسته المحكمة لتركيبة الواقع النفسي والإجتماعي للشارع العربي، فاتجه إلى الاستثمارات القوية في مجال وسائط السمعي البصري، فهو قد فهم جيدا أن تحقيق التطبيع عن طريق السياسة، فيه الكثير من الموانع والصعوبات، بحكم التباينات الواضحة في تراكيب الأنظمة العربية الحاكمة، لكنه بالموازاة مع ذلك عرف هذا المشروع الصهيوني من أين تؤكل الكتف، لصالحه وصالح أجياله المتصاعدة كالفطريات.

والحديث عن اجتهادات المشروع الفكري الصهيوني وخباياه لم يعد بالصعوبة التي كانت قبل ظهور مجتمعات التكنولوجيات الحديثة، بحيث ترتسم معالم هذا المشروع الحيوي، بكثير من الآنية والسرعة والتدفق، في غفلة واضحة أو ربما مقصودة من قبل العديد من النّخب العربية، ذات التأثير الواسع في الشارع العربي، وإن كانت هذه النخبة هي صنيعة مسارات تاريخية عربية كثيرة، جرى التمهيد لها من قبل المشروع الفكري الصهيوني، بالغ العلمية والدقة، كونه يرتكز على منابع الفلسفة اليهودية، الرّاغبة في تمتين ركائز وجودها الثقافي، كحل ّ جذري، بامكانه يحقّق كلّ ما يريد، بعيدا عن السياسة والقوة العسكرية.



نافذة الإعلام، لنفث السموم

الصهيونية ليست فكرة انفعالية عابرة، وإنما هي فكرة جوهرية، نابعة من أصالة الفكر الإسرائيلي، الباعث على الصراع وديمومة النّخر من الداخل، لذلك عندما برزت الفضائيات العربية المستقلة، في أول الأمر على مستوى بعض دول الخليج ودولة مصر على وجه التحديد، لم يكن أحد يثير الإنتباه إلى المشاريع الفكرية / الأيديولوجية لهذه الفضائيات، أكثر من مجرد الحديث عن أنها تأتي في سياق الانفتاح الإعلامي واستقلالية المنابر، إلى غاية مرور أزيد من عشرية كاملة، بل إن ّ الشارع العربي تجاوب في عموميته مع طروحات هذه الفضائيات، في مسائل معالجة قضاياه وأخباره، معالجة تميل في الغالب إلى تمويه الرأي العام العربي، من خلال إبراز مآسيه الإجتماعية والاقتصادية وتفجير طاقاته الثقافية والفنية والرياضية المكبوتة.



قناة الجزيرة المصرية

ظلّت فضائية الجزيرة التي تبث من دولة قطر– كلما واجهتها مشكلة مهنية – تردّد عبارة "خدمة المشاهد العربي"، إلى درجة أفقدتها هيبتها الإحترافية التي سادت كانطباع في بداية ظهورها، لتتحوّل من جهاز إعلامي مستقل ّ باحث عن الحقيقة إلى جهاز سياسي، يخدم مصالح سياسية وأيديولوجية خفيّة، من خلال ما لعبته من أدوار "قذرة" هي ليست من وظيفة الإعلام المستقل (أو) الحرّ، بحيث كلّما حاولت عرض القضايا العربية بحياد، كلّما وجدت نفسها طرفا متورطا، لتخلص إلى " ممارسة السياسة " على حساب البحث عن الحقيقة والانتصار للحقيقة فقط، مهما كلّف الأمر، وهي وظيفة الإعلام الحرّ الذي يحترم شرف المهنة ولا يهادن بها طرفا على حساب طرف آخر، بل وتحاول في كلّ مرّة أن تفرض على المشاهد العربي خاصة، أن يكون حبيس رؤيتها، فهي تارة تمارس التجاذب والوسطية، كما يفعل السياسيون والدبلوماسيون تماما، وهو الخلط الواضح بين السياسة والإعلام المستقل (أو) الحرّ.

وبهذه الرؤيا، تصبح فضائية الجزيرة، بكل قنواتها الخاصة، دكاكين تجارية أكثر منها شيئا آخر له صلة بمبادئ الإعلام الشريف، بل إن الجزيرة عملت عن قصد أو غير قصد على إيصال مشروع الفكر الصهيوني، باعتبار أنه فكر "هدمي" و"تفكيكي"، من خلال تغذيتها غير الواعية – ربما – للعديد من التباينات بين الشعوب العربية والاختلافات الحاصلة في هذا الشارع العربي عن ذاك، وقد ظهر ذلك واضحا من خلال تلاعبها الأيديولوجي بالشارع المصري من جهة والشارع الجزائري من جهة ثانية والشارع العربي من جهة أخرى، جراء محاولتها لعب الدور الدبلوماسي، على حساب البحث عن الحقيقة، من خلال تغطيتها المفضوحة لتلك الجريمة اللاّأخلاقية التي ارتكبها النظام السياسي الحاكم في مصر إثر إعتدائه المنظم على البعثة الرياضية الرسمية للمنتخب الجزائري يوم 12 تشرين الثاني- نوفمبر 2009، عندما سالت دماء الضيوف الجزائريين في طريقهم من مطار القاهرة إلى الفندق، فخسرت فضائية الجزيرة الحياد الإعلامي، أمام مهنية الفضائيات الأوروبية وخاصة أمام قناة تلفزيون كنال + الفرنسية، فباعت "الجزيرة" شرف المهنة إلى الاعتبارات الأخرى.



نسمة صهيونية موجهة للمغاربة

والمتتبع بخطى متأنية لفلسفة المشروع الفكري الصهيوني في المنطقتين العربيتين "المشرق" و"المغرب "، تتضح له رؤية تنفيذ هذا المشروع بأدوات عربية أو هي تنتسب للعرب، أغلبها من الأسرة الإعلامية العربية الحاملة لطموح الرأسمالية، فتمّ توظيفها ضمن مناخ جيو استراتيجي، يعتمد سياسة الحق في المعلومة والانفتاح الإعلامي والديموقراطية الحديثة، فعرف المشروع الفكري الصهيوني مكمن قوته، في ضعف الفكر العربي، الذي تراجع، تاركا مكانه لأصحاب السوابق العدلية من متسربي التربية والتعليم في العالم العربي، الذين أصبحوا نجوما في هذه الفضائيات العربية من حيث تسميتها، فوجدت الصهيونية بذور محاولة إقناع المجتمعات العربية بخطابات التزييف والإنحلال الخلقي والإنهيار القيمي، من خلال الترويج للسلع الرديئة، فاعتمدت أساليب الجذب والمراوغة، على حساب مبادئ وقوانين هذه المهنة وغيرها ممن له صلة في ذلك.

ويبدو جليّا اليوم قبل أي يوم آخر أن ّ انتهاج بعض دول التطبيع العربي مع إسرائيل، أو تلك الدول المحبّة لليهود في مجتمعاتها، والتي تعتبر من ساكنتها، كانت ولا زالت هي الأرضية الخصبة للمشروع الصهيوني الكبير، الذي يأتي في هذا العصر من أبواب الفضائيات التي تبث صورها من الدول العربية التي تسمي نفسها بدول الاعتدال (في محاولة لصرف الأنظار عن النوايا)، بحيث استطاع المشروع الصهيوني بدرجة ذكائه العالية امتصاص وتمييع كل روح عربية مستقيمة على طريق وجودها المعنوي، لذلك أصبح من الواجب على أشباه الإعلاميين العرب، حاملي بذور المشروع الصهيوني – عن جهل أو عن دراية – مواصلة المزيد من الأعمال التي تفضح خلفياتهم المعرفية والأيديولوجية، ليس بالنسبة للفئات الواعية في المجتمعات العربية ولكن للدهماء من عامة الناس، لكون أي مواطن عربي اليوم يعرف أن "الجزيرة" غير بريئة في ابتزاز مشاعره، لأنها لم تنتصر للحق الذي يبحث عنه الضمير الإنساني العربي أو غير العربي. كما يعلم هذا المواطن العربي أن فضائية "نسمة" التي تبث من تونس في المغرب العربي عدم صفاء رؤيتها، كونها جاءت على عبارة أنها دكان تجاري، يروّج لخلفيات في الذاكرة الجماعية لسكان المغرب العربي، هي ليست بريئة منها، وسيكون المستقبل هو الوحيد الكفيل بفضح هذه المساحيق الإعلامية، التي تحرّكها من وراء الستار أيادي القراقوز الصهيوني، رغم أن ّ الجميع يتمنى أن يكون العكس هو الصحيح، لكن هيهات.



إبراهيم قرصاص، إعلامي وشاعر جزائري






آخر تعديل mustapham يوم 2010-04-01 في 18:22.
    رد مع اقتباس