2011-08-09, 14:02
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | سوسيولوجية المعرفة التربوية | د. محمد مريني يمكن أن نقوم بتحديد المعرفية التربوية باعتبارها مجموعة من الأنساق العقلية المحضة. هذا التأطير المنطقي للموضوع قد يبدو مناسبا لأول وهلة، من المنظور المعرفي والعلمي. لكن، لا ينبغي أن ننس أن كل معرفة تربوية لها جوانب اجتماعية عدة؛ ذلك أن المعرفة الإنسانية –بشكل عام- ليست مستقلة عن التوجهات العامة للمجتمع، وعن التكوين الاجتماعي والمعنوي للمفكرين التربويين الذين أنتجوا هذه النظريات. لذلك وجب البحث عن العوامل المؤثرة في المعرفة الإنسانية: لقد انصبت بعض نظريات علم الاجتماع على إزالة وهم "براءة وحياد النظريات التربوية". على أساس أن إنتاج واستهلاك المعارف خاضع لتصور سياسي إيديولوجي معين. إذ لا يمكن التدقيق في معرفة تربوية ما دون الحديث عن الجوانب الاجتماعية التي تشرطها من الداخل والخارج معا. إن الفرد الذي يرسل أويتلقى نظرية من النظريات التربوية مشروط بسياقات ومؤسسات وعلاقات اجتماعية يطبعها الإكراه. إن النظريات التي اشتغلت على مثل هذه الموضوعات كثيرة: ندرج في هذا الإطار أطروحة "إعادة الإنتاج" Thèse de reproduction ل"بيير بورديو"P.Bourdieu و"باسرون"Passeron، وهي نظرية اشتغلت أساسا على النظام التعليمي، لكنها تعرضت أيضا لمسألة إنتاج المفاهيم والنظريات المعرفية، والحدود التي تحكم هذا الإنتاج. إن النظام التعليمي يعمل على إعادة "إنتاج الوضع" القائم، بما يحمله هذا الوضع من تباين طبقي. لذلك فهو لا يسمح بانتاج النظريات والأفكار التي لا تسعف هذا النظام في تأبيد الوضع القائم. إن النظام التعليمي يفرض قيما لغوية معينة هي أقرب إلى لغة الطبقة السائدة، كما يخلق نظاما قيميا باطنيا يسميه بورديو "الأبيتوس" Habitus؛ وهو نسق من الاستعدادات المكتسبة من خلال التعامل مع مجال معين، إنه الحياة الاجتماعية وقد حلت واستقرت في الجسم. وهو النظام المولد للاستجابات المتكيف مع متطلبات مجال معين . إنه نسق من مخططات الإدراك والتقويم والفعل التي غرسها المحيط الاجتماعي داخل الفرد في زمان ومكان معينين؛ فهو بهذه الصورة أشبه باللاوعي الثقافي. أيضا نشير إلى فكرة "الأجهزة ألإيديولوجية للدولة"Les appareils idéologiques de l'état، ل"ألتوسير"Althusser؛ التي يعني بها مجموع الآليات التي تعتمدها السلطة لإدماج الأفراد والجماعات. ما يميز هذه الآليات هو كونها تشتغل على الإيديولوجيا أساسا (عكس ما يسميه الأجهزة القمعية للدولة التي تشتغل بالقمع، بما في ذلك القمع الفيزيائي). من هنا فهو يعتبر الأدوات الرمزية - مثل الآداب والإنتج المعرفي والفكري- جهازا إيديولوجيا للدولة . وسيقترب "روني باليبار"R.Balibar أكثر من أفكار "ألتوسير"، وهو يحدد الوظيفة الإيديولوجية لبعض الظواهر التربوية والثقافية، وتلقيها في المؤسسات التي تحكمها الدولة، مثل" المدرسة " و"الجامعة". وهذا ما حاول تأكيده من خلال كتابه "الفرنسيون الخياليون"fictifs Les Français. يوضح -في هذا الإطار- كيف تؤثر بعض الظواهر الأسلوبية في تعلم اللغة في المدرسة. وقد وقف مطولا عند تدريس رواية الماضي البسيط ل''ألبير كامو''. لقد كان كامي ـ بتفضيله استعمال ''الماضي المركب: Passé Composé"، "دون الماضي البسيط: Passé simple"- يحمي لغة التعليم الابتدائي، (في مواجهة التعليم الثانوي). وقد تناول ''باليبار'' هذه الظاهرة في علاقتها بالمؤسسات التعليمية التي يدرس فيها النص. وهو يرى أن الكتابة الأدبية ـمن حيث توظيفها في المؤسسات المدرسية- تشكل جزءا من ''الأجهزة الإيديولوجية للدولة'' . من المفيد الإ شارة هنا إلى التقارب بين آراء ألتوسير وآراء مفكر كان قد ظهر في وقت سابق، هو المفكر الإيطالي"أنطونيوغرامشي" Antonio Gramsci. لقد وقف غرامشي عند دور المؤسسات التعليمية في تكييف المفاهيم والنظريات. وأهتم-في هذا الإطار- بالفيلسوف الإيطالي" بنتوكروتشي" B.croce وفلسفته المثالية، وأظهر كيف أن هذه المثالية سيطرت على المؤسسات الثقافية والتعليمية، وكان لها أثر في توجيه العلوم والنظريات المعرفية المختلفة. نشير –في الأخير- إلى مفهوم "السلطة" عند "ميشال فوكو"، وذلك قصد الوقوف عند إجراءات المنع التي يتعرض لها الخطاب التربوي: يفترض "فوكو" أن إنتاج الخطاب، في كل المجتمعات، مراقب ومنظم بمجموعة من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطة هذا الخطاب، والتحكم في انتشاره. إذ لكل مجتمع نظامه الخاص في إنتاج "الحقيقة"، وتداول المعرفة. كما يسن هذا المجتمع أيضا الآليات والهيئات التي تمكنه من التمييز بين المنطوقات الصحيحة والزائفة. ويبلور الأطراف التي تمتلك السلطة لتحديد ما يمكن اعتباره حقيقيا. يرى فوكو -في هذا الإطار- أنه ليس لدينا الحق في أن نقول كل شيء، هناك ثلاثة أنواع من إجراءات المنع التي يتعرض لها الخطاب المعرفي: - هناك الموضوع الذي لا يجوز الحديث عنه. -هناك الطقوس الخاصة بكل طرف. - هناك حق الامتياز أو الخصوصية الممنوحة . تمارس الإيديولوجيا تأثيرا كبيرا ضد أعدائها ومناوئيها في العالم الواقعي؛ وذلك حين تستخدم باعتبارها أداة لإدارة الصراع من أجل الاحتفاظ بمواقع السلطة. إن الإيديولوجيا ترى عدوها دائما في أتباع الموقف المضاد لها. يرى معتنقي الإيديولوجية المذكورة أن من واجبهم تحطيم قوة الخصم، لكي يتاح للمبادئ التي يؤمنون بها أن تسري على العالم. أيضا تعمد الإيديولوجيات إلى تسخير العلوم، فتستدعي النظريات التي تصلح أن تكون شاهدة على حقائقها الإيمانية، كما تحاول أيضا "ممارسة النفوذ والتأثير على العلوم بالذات، فتطرح الأسئلة العلمية وتبحثها من زاوية افتراضاتها الجامدة، وبذلك تنفذ إلى التفكير العلمي وتتخلله بتصوراتها الإيديولوجية، وعن طريق تنظيماتها الإيديولوجية، تقوم الإيديولوجيات بتعزيز هذا النفوذ الذي أخذت تمارسه على العلوم" . | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=416386 |
| |