ونحن الذين عرفنا الشيخ ناصر الدين في مجالسه وندواته وكتبه ومقالاته مدافعا عن السنة أشد الدفاع ، محبا لها عظيم الحب ، ساعيا إلى نشرها ما وسعه الجهد ، حربا على خصومها ألهب الحرب ، كل ذلك في قوة عارضة وسلاسة بيان ، وتطبيق دقيق لما رسمه علماء المصطلح رحمهم الله تعالى ، ولما قرره علماء أصول الفقه من القواعد الفقهية ، المستخرجة من أدلة الكتاب والسنة ، نحن الذين عرفناه كذلك ننشر هذه الأسئلة والأجوبة تنويرا للرأي العام ، وكشفا للحقيقة ، وتذكيرا بالسنة وعلومها وبعض كتبها ، وبيانا لبعض علم الشيخ ناصر الدين في خدمة السنة الحبيبة .
ولقد ذكرنا الشيخ _ جزاه الله خيرا ، بمعرفته للحديث وهمته العصامية العالية أعلام المشتغلين بالسنة المطهرة ، الذين طالما انحنوا على كتب الحديث _ والناس نيام _ يضمونها إليهم ويتفقهون فيها ، ويبينون الصحيح من الضعيف ، وينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وألاعيب المبتدعين !! لا يبتغون من وراء ذلك إلا أداء الأمانة ، والثواب من عند الله تبارك وتعالى .
والسنة اليوم في محنة ، فهي بين جهل الناس بها ، وخصومة المستشرقين وأذنابهم لها ، غير أنها كما ثبتت في الأزمنة الخوالي للأعاصير ، وسلمت من فتنة المتفلسفة والمعتزلة وتأويل الجهمية والمعطلة ودسائس المشبهة ، فستثبت اليوم بإذن الله تبارك وتعالى وتنتصر ، ويتهيأ لها رجال يؤثرونها على كل نفس ونفيس ، { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } ، { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
وإن من مصائب هذا الزمن المليء بالفتن ، أن طلع علينا ناس من جلدتنا ، ويتكلمون بلغتنا ، بإيقاظ بدعة نابية الملامح ، شوهاء الوجه ، ألا وهي المنع من الأخذ بأحاديث الآحاد الصحيحة في العقيدة وأمور الغيب ، أو على الأقل عدم إيحاب الأخذ بهذه الأحاديث فيها ! فكانوا كما قال الشاعر :
كناطح صحرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأهوى قرنه الوعل
ولم يكتف قوم حرموا عقولهم بالوقوف في هذا المزلق الخطر ، بل أنكروا السنة جملة واحدة ، وسموا أنفسهم قرآنيين _ وما أبعد القرآن عنهم ! _ وأنحوا باللائمة على أئمة الحديث !
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكن الذي سدوا
وإننا لننتهز هذه الفرصة ، فنذكر السادة العلماء _ والذكرى تنفع المؤمنين _ أن يضطلعوا بهذه المكرمة العظيمة ، والمأثرة الخالدة ، ويهتموا بالسنة : أسانيدها ومتونها ومخطوطاتها ومطبوعاتها ، وليعتنوا بها ، ويقربوها للناس ، وينشروا بينهم هديها ، بما آتاهم الله تعالى من علم ومعرفة وحكمة ، ويجعلوا الناس والعامة يألفون سماع ما ترتقي إليه مداركهم منها ، ويقربوهم رويدا رويدا من السنة ليأخذوا منها بحظ وافر ، وإذا فعل العلماء ذلك _ وإنهم لفاعلون إن شاء الله تعالى _ فعسى أن يسلكوا في عداد أهل الحديث .
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وليس شيء أبرد لقلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأثلج لصدره من انتشار السنة ، وانقماع البدعة .
ونحن إذ نزجي هذه الذكرى لعلمائنا وقادة الرأي فينا ، نرجو أن تتجه قلوبهم إلى خدمة السنة ونشرها ، فإن أحدا من المؤمنين لا يزهد في الأجر العظيم ، والثواب الجزيل الذي كتبه الله لمن فعل ذلك ، وإن كل واحد من العلماء لا بد أن يرغب في أن يكون ممن دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قال : ( نضر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه غيره .. ) الحديث .
هذا ظننا بعلمائنا ، وهذا هو أملنا ، ومن أولى بهذا الظن وهذا الأمل الذي يداعب القلوب من أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنصاره ومحبيه ؟
والعمل الطيب هو الذي يخلد ، وغيره يزول ولو ثبت إلى حين ، { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال } .
فإلى السنة أيها المسلمون حتى يرضى الله عنكم ، وتقر عين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وتسخن عين خصومه وخصومنا ، علموها أهلكم وأبناءكم ، وأحبوا من يحبها ، وعادوا من يعاديها ، وحكموها بينكم ، واجعلوها فيصل قضاياكم ، { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
23 من جمادى الآخرة سنة 1380 هـ
عمر العطار