مُعَلّم يفترش العَلَم الوطني ويشهر السبحة ويشرب الشاي احتجاجا على مؤسسة عقارية بمراكش
من أجل استعادة شقة اتفق عليها مع المسؤولين عن مكتب البيع
لم يجد المُعَلّم «عبد المجيد. ح» من طريقة لاسترجاع «حقه»، الذي ضاع منه سوى افتراش الراية الوطنية الحمراء، وربط عنقه ب «تسبيح»، وإحضار «طبلة» تضم كأسا زجاجيا واحد، وبرادا صغيرا مملوءا بالشاي الساخن.
كان بإمكان «عبد المجيد»، البالغ من العمر 38 سنة
أن يصدح بالشعارات داخل إحدى المؤسسات السكنية الكبرى، التي قال إنها حَرمته من الشقة التي اشتراها منها قبل حوالي سنة، وبإمكان الدخول في إضراب عن الطعام أن يحقق مطلبه الذي قطع من أجله مسافات طويلة، لكنه فضل في صبيحة يوم الاثنين 28 يناير الماضي، بعد تناول فطوره رفقة أولاده الصغار، أن يتوجه إلى أمام مقر المؤسسة العقارية بمدينة مراكش، بَدَلَ عمله بإحدى المؤسسات التعليمية الخاصة بالمدينة.
حمل «عبد المجيد»، المزداد بضواحي المدينة الحمراء، وتحديدا بمنطقة أمزميز، التي تبعد عن مدينة مراكش بحوالي 9 كيلومترات، الراية الوطنية الحمراء وبرادا مملوءا بالشاي الساخن، وكأسا واحدا، وعقدا عبارة عن «تسبيح»، كان والده قد منحه إياه كهدية من الحرم المكي.
لم يخبر «عبد المجيد»، الحاصل على الإجازة من كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض تخصص قانون خاص، زوجته ولا أولاده الثلاثة بالخطوة الاحتجاجية التي سيُقْدم عليها، وهي للإشارة مقترح استقاه من ابن أخيه المعطل، والذي دأب على المشاركة في الوقفات الاحتجاجية أمام قبة البرلمان بمدينة الرباط إلى أن نال حقه في الشغل.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، عندما حل «عبد المجيد» محملا بأدوات ووسائل احتجاجه أمام المؤسسة العقارية الكبرى. عمد ابن منطقة أمزميز إلى الحضور أمام المؤسسة قبل حضور الموظفين والعمال إليها، من أجل إيصال الرسالة إلى من يهمهم الأمر، واستباق الاحتجاج بتوجيه «رسالة إنذارية» إلى القائمين على المؤسسة، لكن شيئا من هذا لم يحدث.
الشاي سم والسبحة مشنقة والراية كفن
افترش «عبد المجيد» العَلَم الوطني الأحمر، الذي كان طوله يتجاوز مترين، كتب عليه بالمداد الأسود، عبارة: «هذا ظلم لا يرضاه الله ولا الملك، ولا الوطن»، ووضع «الطبلة» والبراد والكأس الزجاجي أرضا، وأدار «التسبيح» حول عنقه. كانت أسباب اختيار «عبد المجيد» ل«الراية» و«التسبيح» و«الشاي»، ذات «معنى ورسالة أريد أن أوجهها للمسؤولين، سواء المكلفين بالإدارة، أو السلطات المحلية»، يقول «عبد المجيد» في لقاء مع «المساء».
اختيار «عبد المجيد» لهذه الأدوات والوسائل في الاحتجاج، لم يكن يخلو من رسائل مضمرة، على حد قوله. فقد اقترح عليه ابن أخيه «سعيد»، الذي يعمل في مجال التعليم، بعد سنوات من الاحتجاجات والإضرابات عن الطعام بالعاصمة الرباط، افتراش العَلم المغربي، لعله «يقيه» أي اعتداء أو تدخل أمني للقوات العمومية، يمكن أن يطاله، إضافة إلى حمل «التسبيح» الذي سيكون بمثابة الرعاية الإلهية التي ستحميه من أي مكروه يعترض طريقه في هذه المهمة الصعبة. تبقى «الطبلة» و«البراد» و«الكأس»، مثار استغراب، حول دواعي والمعزى من استعماله في الاحتجاج. يجيب «عبد المجيد» عن هذا السؤال المحير، بعدما انتهى من نوبة من الضحك رسم الاحمرار على وجهه، يقول «عبد المجيد» في لقاء مع «المساء»: إن الغرض من استعماله للشاي و«الطبلة» والكأس، هو «إثارة انتباه المارة، وجلب سخرية البعض، وتحريك جانب الهزل والضحك لدى رجال الأمن، الذين بلا شك سيكونون على استعداد لإشباعه ضربا واعتقاله في أسوأ الأحوال. وهنا يكشف عن سر الأساليب الغريبة، التي لجأ إليها «عبد المجيد» لنيل الشقة التي اختارها لما حضر رفقة زوجته إلى المؤسسة العقارية، حيث وقع اختياره على شقة لها واجهتان تطلان على الطبيعة الخضراء، وموجودة في مقدمة التجزئة السكنية الموجودة بمنطقة «المحاميد»، لكنه وبعد أدائه للمبلغ المالي الأولي (التسبيق) وقيمته 5 ملايين سنتيم، وحصوله على وصل بذلك إضافة إلى رقم الشقة والطابق ورقم العمارة، سيفاجأ بأن المكان الذي اتفق عليه مع المشرفين على التجزئة السكنية قد تغير. كيف ذلك؟
متاهات عقارية
يحكي «عبد المجيد»، كيف أنه اتفق مع المشرفين على المؤسسة العقارية على العمارة رقم (2)، الموجودة في مدخل التجزئة السكنية الجديدة بالمدينة الحمراء، وتحديدا الشقة التي تبلغ 56 مترا، وقد قام بزيارة لها رفقة زوجته، التي لا زالت تدرس بكلية الحقوق التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش. «صراحة عجباتني بزاف كاتحمق»، يقول «عبد المجيد». لكن الحمق الذي تحدث عنه «عبد المجيد»، ليس هو الحمق الذي كان سيصاب به عندما أخبر بأن العمارة التي سيقطن فيها والشقة التي سيسكن فيها ليست هي التي زارها وتجول بين أركانها.
يقول «عبد المجيد»، بعدما كانت العمارة رقم (2) عند مدخل التجزئة السكنية أضحت في الوسط، أي أن القائمين على المشروع، «اجتهدوا» في توزيع الأرقام، وإعادة ترقيم العمارات من جديد، لتتم إعادة الشقق السكنية وموقعها. حينها سيصاب «عبد المجيد» بالصدمة، لم يصدق ما يسمعه من المشرفين على عملية البيع. حيث أضحت العمارة رقم (2) وسط التجزئة السكنية، بحيث يجب أن يقطع مسافة تزيد عن كيلومتر تقريبا للوصول إلى شقته، بعدما كان يكفيه قطع حوالي 200 متر على الأكثر للوصول إلى شقته.
لم تنفع «عبد المجيد» الحوارات التي دخل فيها مع المشرفين على المشروع السكني، حتى أنه في يوم من الأيام جاء إلى المكتب المخصص لبيع الشقق، وفي خضم المفاوضات مع العاملين به، احتدم النقاش بينهم وتعالت الأصوات، ليقوم «عبد المجيد» بكسر زجاج الباب الرئيسي للمكتب، ليتطور الأمر إلى مشاداة بالأيدي بين عبد المجيد والعاملين بالمكتب تحول على شِجَار، تدخل على إثره بعض الزبناء وهدؤوا من روع «عبد المجيد» والعاملين لحساب الشركة. لكن بعد هذا الحادث سيفكر «عبد المجيد» في اللجوء إلى أساليب أخرى لاستعادة الشقة التي أعجب بها.
حينها سيلجأ «عبد المجيد» إلى الاعتصام أمام باب الشركة العقارية، إلى حين تحقيق مطلبه. وبعد يوم من الاعتصام مفترشا العَلم الوطني، ولافا عنقه ب «تسبيح» وواضعا أمامه براد الشاي وكأسا فوق «طبلة»، استطاع أن يعيد شقته المعلومة بعد مفاوضات بينه وبين المسؤولين بوساطة السلطات المحلية، التي عمدت إلى التدخل في الموضوع ب «خيط أبيض» من أجل فك اعتصام «عبد المجيد»، وإعادة الشارع العام إلى حركيته الطبيعية، بعدما تحلق المارة حول «عبد المجيد»، وبدأ السياح الجانب في التقاط صور فوتوغرافية للمعتصم أمام الشركة، مما جعل السلطات المحلية في موقف حرج، دفعها إلى التدخل بسرعة لدى الجهات المسؤولة، من أجل تسوية الملف، وإنهاء الوضع «الشاذ» أمام المؤسسة.
وهكذا استطاع «عبد المجيد» وبتضحية منه، أن يستعيد حقه وشقته، بعدما لم تنفعه الطرق السلمية والحوارية مع العاملين والمسؤولين عن الشركة العقارية. اليوم يقطن «عبد المجيد» رفقة أسرته الصغيرة في الشقة، التي كادت أن تضيع من بين يديه، وتكون «وليمة» في يد غيره، ولم يعد يقطع المسافة الطويلة للوصول إلى شقته.
المساء : 14 - 11 - 2010

ماضاع حق وراءه طالب
هكذا همة الرجال تكون امام المتلاعبين و اللصوص

شكرا على مرورك الطيب تحياتي.