السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هي دعوة صادقة إلينا جميعا لنراجع قلوبنا ولنعود بها إلى الله
ففروا إلى الله يا عباد الله
إن الشوق إلى لقاء الله - تعالى- درجة رفيــعة كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل الله - تعالى- إياها،
فقد روى الإمام أحمد بسنده عن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-
أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذا الدعاء... وفيه:
(وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ
وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)
رواه النسائي، وصححها لألباني.
ما هو الشوق إلى الله إذن؟
- والشوق هو سفر القلب في طلب المحبوب، ونزوعه إليه،
المحب دائماً مشتاق إلى لقاء حبيبه، لا يهدأ قلبه،
ولا يقر قراره إلا بالوصول إليه.
- وقيل:مَن اشتاق إلى الله -تعالى- اشتاق إليه كل شيء.
كيف نشتاق إلى الله؟
- والشوق إلى لقاء الله - تعالى- لا يكون إلا بالهروب
من مساخط الله -تعالى- ومعاصيه، كما أنه لا يرجو لقاء الله -تعالى- إلا من أحسن العمل؛لقوله -تعالى-:
(مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآَتٍ وَهُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
(العنكبوت:5).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: في الدار الآخرة، وعمل صالحاً - أي في الدنيا-، ورجا ما عند الله من الثواب الجزيل، فإن الله سيحقق له رجاءه،ويوفيه عمله كاملاً موفراً، فإن ذلك كائن لا محالة؛ لأنه سميع الدعاء، بصير بكل الكائنات" من التفسير.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "قيل: هذا تعزية للمشتاقين، وتسلية لهم.
أي: أنا أعلم أن من كان يرجو لقائي، فهو مشتاق إلي،
فقد أجَّلتله أجلاً يكون قريب؛ فإنه آتٍ لا محالة، وكل آتٍ قريب...،
وفيه تعليل للمشتاقين برجاء اللقاء.
لولا التعلق بالرجاء لقُطـِّعَت ***نفس المحب صبابة وتشوُّقا
حتى إذا رَوْح الرجاء أصابه *** سكن الحريقُ إذا تعلل باللُّقا
ويقول الله - تبارك وتعالى- عن موسى -عليه السلام-
(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
وهذا جواب موسى -عليه السلام- لربه - تعالى- عندما قال له:
(وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى . قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)(طه:83-84).
فالذي حمله على المبادرة هو طلب رضى ربه، وأن رضاه -تعالى- في المبادرة إلى أوامره.
وبهذه الآية استدل السلف على أن الصلاة في أول الوقت أفضل.
مثيرات الشوق إلى لقاء الله - تعالى-:
أولاً: الشوق إلى لقاء الله - تعالى- أثر من آثار المحبة،ومرتبط بها زيادة ونقصاً، وقوة وضعفاً.
وعليه فلابد للعبد المؤمن المشتاق إلى لقاء الله - تعالى- أن يتلبَّس دائماً بالأسباب الجالبة لمحبة الله - تعالى- من قراءة القرآن بالتدبر،والتقرب إليه - تعالى- بالنوافل بعد الفرائض، ومن دوام ذكره على كل حال،
ومن إيثار محابِّه على محابِّك لا سيما عند غلبات الهوى،
ومطالعة القلب لأسمائه وصفاته، وتقلبه في رياض هذه المعرفة،
ومشاهدة بره وإحسانه،وانكسار القلب بين يدي الله - تعالى-،
والخلوة به وقت النزول الإلهي، ومجالسة المحبين الصادقين،
والتقاط أطايب كلامهم كما يُنتَقى أطايب الثمر، ومباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله - تعالى-.
ثانياً: والشوق إلى لقاء الله - تعالى- ثمرة الشكر لله - تعالى-
فعلى قَدْر شكرالعبد ربه - تعالى- بالأعمال الظاهرة والباطنة،
وتصحيح العبودية يكون سروره به، واستبشاره بلقائه.
ثالثاً: استحضار رؤية الله - تعالى- في الآخرة،
فهي سبب عظيم للشوق إلى لقاء الله - تعالى-؛ ولذلك ربط
النبي - صلى الله عليه وسلم- بينهما في هذا الدعاء العظيم:
(وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ
مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ).
- وكذلك استحضار ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -:
(يتجلى لنا ربنا عز وجل يوم القيامة ضاحكا)رواه الطبراني، وصححه الألباني.
ولن نعدم من ربٍّ يضحك خيراً كما روي عن الصحابة - رضي الله عنهم-!
وفي حديث المرور على الصراط
(حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه يحبو على وجهه و يديه و رجليه...
وفيه الحوار الجليل العظيم بين الربِّ -جَلَّ جَلالُهُ- وبين هذا العبد
بعد أن أنجاه الله - تعالى- من النار... وفيه:
(ألا ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها
وعشرة أضعافه؟ فيقول أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب
- عزوجل- من قوله، فيقول: لا، ولكني على ذلك قادر...)
رواه الطبراني،وصححه الألباني.
من تأمل ذلك كان عوناً له على الشوق إلى لقاء الله - تعالى-
السلف والشوق إلى الله - تعالى-:
- هذه الأسباب والمثيرات هي التي هَيَّجت الصالحين على طلب الشوق إلى الله - تعالى-، والعيش على ذلك.
كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "أحب الموت اشتياقاً إلى ربي...".
فرح به أهله وأقاربه،وقعدت تبكي، فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت:
ذكَّرني قدوم هذا الفتى يوم القدوم على الله - عز وجل-!
وكان أبو عبيدة الخواص -رحمه الله- يمشي في الأسواق،
ويضرب على صدره، ويقول: "وا شوقاه إلى من يراني ولا أراه".
وقال عنبسة الخولاني:
وقال بعضهم: "طال شوقي إليك فعجِّل قدومي عليك".
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بداية أمره يخرج
أحياناً إلى الصحراء يخلوعن الناس، لقوة ما يَرِد عليه،
ويتمثل بقول الشاعر:
وأخرج من بين البيوت لعلَّني *** أحدِّث عنك النفسَ بالسر خالياً
يقول ابن القيم - رحمه الله- : "وصاحب الحال إن لم يرده الله - سبحانه وتعالى- إلى الخلق بتثبيت وقوة، وإلا فإنه لا صبر له على مخالطتهم"، والله المستعان.
- اسأل نفسك -:
هل نحن نحب ونشتاق إلى لقاء الله - تعالى- في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة؟
أم أن هناك عوائق وحوائل تحول بيننا وبين ذلك؟
- قال أبو بكر لعمر - رضي الله عنهما- حين وصَّاه:
"إن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت -ولابد منه-، وإن ضيعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت،ولن تُعجِزه".
وقال أبو حازم - رحمهالله -:
"كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه،ثم لا يضرك متى مت".
وقال بعض السلف: "ما يكره الموت إلا مُريب".
وأحسن القائل عندما قال:
أمستوحشٌ أنت مما جَنَيْتَ *** فأحسن إذا شئت واستأنس
اللهم إنا نسألك لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي
غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.
آمين