الهدر المدرسي و إشكالية محاربته داخل المنظومة التعليمية - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2010-06-15, 19:15

رقم المشاركة : 1

ابن خلدون

بروفســــــــور

إحصائية العضو

ابن خلدون غير متواجد حالياً

الهدر المدرسي و إشكالية محاربته داخل المنظومة التعليمية

الهدر المدرسي و إشكالية محاربته داخل المنظومة التعليمية

شبه أحد المتخصصين في الشأن التعليمي، الهدر المدرسي بالوباء لأنه يذهب ضحيته العديد من الأرواح، فيما يذهب الآخر ضحيته العديد من الأطفال في سن التمدرس، واصفا أن معالجة موضوع الهدر المدرسي متعددة ومتداخلة، لأنه من المفاهيم التي تبقى عائمة وبالتالي يصعب تحديدها، فهي ملتبسة مابين الفشل الدراسي وانقطاع التلميذ عن متابعة مساره الدراسي، والتكيف الدراسي والقابلية الدراسية acceptabilité واللاقابلية، وغيرها من المصطلحات التي تتداخل عند العديد من الفاعلين التربويين عمليا أو نظريا.

ومع ذلك يجزم أغلب المتخصصين التربويين، أن الهدر المدرسي هو الانقطاع عن متابعة الدراسة، أو مقاطعتها بشكل نهائي دون إتمام حلقات التعلم بكاملها، مما يخلق ارتباكا حقيقيا لشريحة معينة من المجتمع، فتبقى عرضة للجهل والتخلف عن ركب المتعلمين في سنوات دراستهم المقاربين لأعمارهم، ومن تم تصبح هذه الفئة عالة على المجتمع، تنضاف إلى جيش الأميين الذين يربكون معادلات التنمية والتطور في جميع الميادين، خاصة حين تصل نسبة الأمية إلى 47 في المائة.

ولا يمكن تقدير حجم المشكل الذي يطرحه الهدر المدرسي داخل المنظومة التعليمية المغربية، وخاصة في العالم القروي، إلا إذا علمنا أن نسبة الانقطاع عن الدراسة حسب بعض الدراسات، في مجموع المرحلة الابتدائية تصل إلى حوالي 4 في المائة بينما تصل إلى 14 في المائة في صفوف الفتيات و في مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي، فتصل نسبة الهدر إلى حوالي 7 في المائة بالنسبة للمجموع و حوالي 6 في المائة في صفوف الفتيات، فيما تبلغ النسبة في التعليم الثانوي التأهيلي، للمجموع حوالي 3.50 في المائة و تقاربها في صفوف الفتيات.

و تمثل مرحلة الانتقال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي الإعدادي أكثر حدة لهذا النزيف، إذ قاربت 10 في المائة، لتصل إلى 5 في المائة في مرحلة الانتقال ما بين التعليم الثانوي الإعدادي و التأهيلي، وبناء على هذه المعطيات، يطرح التساؤل الجوهري عن أسباب هذا الهدر، الذي يعتبر نزيفا حقيقيا للموارد المادية والبشرية.
تبقى أسباب الهدر المدرسي متشعبة ومتداخلة، تساهم فيه المدرسة والأسرة والمجتمع
والاقتصاد وغيرها من العوامل الظاهرة منها والخفية، ليبقى العامل الأسري أكثرها طفوا على السطح، بل عاملا استراتيجيا يساهم بشكل واضح في تعزيز و تمتين حلقات المنظومة التعليمية أو إضعاف سلسلتها.

يعتبر استقرار الأسرة وانتظام وضعها بسيرورة متوازنة، عاملا أساسيا في ترتيب سيكولوجية الطفل واستقرار نفسيته، وكلما تعثر هذا الاستقرار لأسباب ما، كان الأثر الفعلي على الطفل سلبيا، فالأسرة التي تعاني من الاضطرابات والتوترات من طلاق وخصام مستمر بين الوالدين، أكيد أنه يجعل الناشئ في هذا المحيط جانحا إلى سلوكات جانبية تؤثر سلبا على مساره الدراسي، فيعمد إلى التهرب من الفصل والمدرسة، واعتماد أسلوب المراوغة والابتعاد عن أداء الواجبات، مما يفرز تقهقرا في التحصيل المعرفي وتكون النتيجة الرسوب المتوالي، لينتهي بمقاطعة الدراسة لفترة معينة دون أن تعلم تلك الأسرة الغارقة في مشاكلها الخاصة، فيذهب ضحيتها الطفل الذي يدور في فلكها.

وبعيدا عن المشاكل المباشرة التي تكون حاضرة في هذه الأسرة أو تلك، قد يكون الضغط اليومي في العمل، والإرهاق واللامبالاة والتهاون في متابعة التحصيل الدراسي اليومي لهذا الطفل أو ذاك، وكذلك المشاكل المادية للأسر التي تعاني الفاقة، من شأنها تجعله بعيدا عن مواكبة التعلم بعدما تتراكم عليه الصعوبات والتعثرات اليومية داخل الفصل الدراسي، ليجد نفسه في دوامة من المعارف المعقدة في ظل عدم اهتمام الراشدين لحلها معه وبالتالي تضيع فرصة تدارك الأخطاء، وما يزكي هذا الطرح على طرفي نقيض لهذه المعادلة، النتائج المرضية جدا، في واقع يكون رب وربة الأسرة على وعي تام بضرورة المتابعة اليومية للأبناء، ومساعدتهم على تجاوز المشاكل قبل تفاقمها.

ولعل هذا الطرح قد يكون مغاليا في جعل مؤسسة الأسرة عاملا أساسيا في تفعيل الهدر المدرسي وتكريسه، مغيبا في الوقت ذاته دور المدرسة، فإلى أي حد تساهم هذه الأخيرة في تعثر المنظومة التعليمية وسيرورتها لدى المتعلم؟
و تعريف المدرسة على أنها مؤسسة تعليمية، يتعلم بها التلاميذ الدروس بمختلف العلوم، و تكون الدراسة بها عدة مراحل و هي الابتدائية و الإعدادية و الثانوية و تسمى بالدراسة الأولية الإجبارية في كثير من الدول، وتنقسم المدارس إلى مدارس حكومية وأخرى خاصة، يجعلنا نميط اللثام يقول المتخصص ذاته، عن سيادة المناهج التي تحول التلميذ إلى وعاء يستقبل المعارف بشكل جاف خال من أي محفزات للإقبال عليها، وبتعبير أدق هناك مرسل لمعارف جاهزة ومرسل إليه سلبي، يستقبل تلك المعارف في عملية لولبية تصبح ميكانيكية روتينية، تجعل كلا الطرفين يمضع ويجتر تلك المعارف لتترسخ قاعدة"سلعتنا ردت إلينا"، ناهيك عن المقررات المغرقة في تكديس تلك المعارف البعيدة عن محيط المتعلم، ولا تستجيب لمقدرات الطالب ورغباته، والنتيجة هو العزوف عن مدرسة لا تقدم معارف مشوقة وحديثة.
فيصبح واقع الحال أن أغلب التلاميذ خاصة في المستوى الثانوي التأهيلي والإعدادي، غير مهتمين بما يعرض عليهم من دروس ومعارف فتتكون لديهم قناعة بعدم جدوى التعلم، فينعكس ذلك على سلوكهم داخل الفصل الدراسي بممارسة الشغب واستفزاز المدرس، والاجتهاد في خلق جو من الفوضى والعبثية بابتداع أساليب تجعله في وضعية لا يحسد عليها، باستفزاز مشاعره أو إثارة أعصابه، وفي هذه الحالات كثير من هؤلاء التلاميذ من يتعرض للفصل بقرار إداري، مما يطرح ضرورة إعادة النظر في منظومة العقوبات واستبدالها بأخرى، تكون منتجة دون اللجوء إلى الطرد والرمي بالمشاغب في الشارع حيث الضياع إلى الأبد.

ولعل إحساس الوزارة الوصية رسميا بخطورة ما يلحق هذا المجال الحيوي، جعلها تؤسس خلية يقظة وطنية لمواجهة ظاهرة الهدر المدرسي، ولكن مع ذلك يبقى هذا الإجراء غير كاف، يؤكد أحد المتخصصين التربويين، في ظل عدم إشراك الجمعيات والفاعلين التربويين و التلاميذ والآباء عبر حملات تحسيسية متواصلة تبثها القنوات التلفزية والإذاعية، واستدعاء أولياء التلاميذ بين الفينة والأخرى، وتحميلهم مسؤولية السهر على تتبع أبنائهم دراسيا، وإعادة تشجيع الجمعيات بدور الشباب، من أجل المساهمة في تقديم دروس للتقوية و التوعية الذاتية ومحاربة الفشل الدراسي، وكذلك الأحزاب كما كانت تفعل بعضها خلال سبعينات القرن الماضي.
كما دعا إلى تشكيل خلايا تعيد التلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة، وإعادة تمكينهم من التمدرس مع حثهم على عدم تكرار أخطاء الماضي، مع إبراز أهمية التعلم، واعتماد مناهج تربوية فاعلة تقترب من محيط المتمدرس، مع تحقيق التكافؤ التربوي داخل المنظومة التعليمية، مشيرا إلى ضرورة تغيير فكرة أن الامتحان النهائي كمقياس وحيد للتقييم الدراسي، حيث يشكل إجحافا في حق التلميذ، واستبداله بكفايات أخرى، كذلك استفادة المدرسين من تكوين مستمر، يمكنهم من أساليب حديثة نابعة من الواقع المغربي تشرك المتعلم في الفعل التربوي بطريقة إيجابية وتفاعلية تجعله ذاتا اقتراحية وليس باستعارة نماذج دخيلة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة التي تيسر العملية التعليمية التعلمية، و اعتماد أخصائيين اجتماعيين ونفسانيين، بالمؤسسات التعليمية تقف على وضعية المتمدرس النفسية والاجتماعية والاقتراب من مشاكله الخاصة وحلها عن قرب، وتشجيع التلاميذ الذين يعانون ماديا، وتوفير داخليات بالمدارس و دور للطالبة والطالب للذين تضطرهم الظروف إلى استكمال دراستهم بمناطق أخرى بعيدة عن محل سكناهم، وخاصة متمدرسي العالم القروي، مع تحفيز العاملين به من أساتذة.

ذ.الحسين النبيلي
عن المدرس
14-6-2010

: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=162112


	للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :