الإسلام والفنون الجميلة بقلم: د. محمد عمارة الفنون هي المهارات التي يبدعها الإنسان, ويتوسل بها الي التجديد والترقيق والتنمية للملكات والطاقات الإنسانية, لتصبح الحياة أكثر جمالا, عندما تنفتح قنوات الاتصال بين النفسالانسانية وبين أيات الجمال التي خلقها الله وبثها في هذا الوجود. وهذه الوظيفة الراقية للفنون لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت هذه الفنون ذاترسالة أخلاقية, فهنا تكون الفنون جميلة حقا, لأن الجمال ــ الذي هو صفة من صفاتالله ــ سبحانه وتعالي ــ لا يمكن ان يقترن بالفن إلا إذا كانت لهذا الفن رسالة إيجابية في عالم القيم والاخلاق. فالله جميل يحب الجمال ــ كما جاء في الحديث الشريف ــ . وهو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم, وسخر له الزينة والجمال في هذاالوجود.. ولن يستطيع الانسان ان يشكر الله علي نعمة الزينة والجمال التي سخرها لهإلا إذا استمتع بهذه النعمة ووظفها لتحقيق المقاصد التي خلقه الله لتحقيقها: عمرانهذه الارض, لتزداد جمالا بالعمران الجميل, ولهذه الحقيقة ــ حقيقة ارتباط جمالا لفنون برسالتها الأخلاقية ــ قال الفيلسوف ابن سينا:! جمال كل شيء وبهاؤه هو أنيكون علي ما يجب له.. ووجدنا ذات المعني عند الأديب والناقد الروسي بلنسكي, 1811ــ1848 م] الذي قال: إن الجمال شقيق الأخلاق إذن, فمعيار الموقف الشرعي من الفنون التي هي مهارات ــ هو علاقتها بالجمال.. أي بمنظومة القيم والأخلاق.. وبهذا تتميز عن مهارات الشرور والأشرار.. ذلك لأن هذه الفنون ــ المهارات ــ لا تخرج عنكونها إبداعا إنسانيا يحاكي ــ علي نحو نسبي ــ الإبداعات الجمالية والجميلة التي بثها الله ــ سبحانه وتعالي ــ في هذا الوجود, والتي زين بها الأرض والسماء ومافيهما وما بينهما.. فإذا سخرت الزينة الإلهية والزينة الفنية في ترقية زينة النفس الإنسانية, وغدت وسيلة لتجديد الملكات وتنمية الطاقات لتزداد كفاءتها في التسابق على طريق الخبرات, كانت حلالا.. بل ولربما كانت مستحبة احيانا, وواجبة في بعضالأحايين. ولقد تفرد القرآن الكريم من بين الكتب المقدسة لدي أصحاب الديانات السماوية بأنه الكتاب الذي يعلم ويدرب القاريء له والمتدبر في آياته فنون البلاغة وجماليات التعبير بالصور الفنية.. كما تفردت العربية ــ لغة القرآن ــ بالحرف الذياستوي فنا جميلا في منظومة الفنون.. وكذلك تفردت عبادات المسلمين ــ التي يتقربونبها إلي الله ــ باقترانها بالزينة والجمال:, خذوا زينتكم عند كل مسجد] ــالأعراف: 31 ومن هنا رفض الاسلام التقرب الي الله بالقذارة والتجهم ومخاصمة الزينة والجمال. ولقد كان رسول الاسلام ــ صلي الله عليه وسلم ــ وهو القدوة والأسوة ــيقوم الليل إلا قليلا, ويعشق حياة المساكين, وفي ذات الوقت كان ريحه أطيب من المسك. وعرقه يضاهي اللؤلؤ, وكان يستعيذ بالله في دعاء السفر ــ من كآبة المنظر.. ويدعوربه ــ في صلاة الاستسقاء: اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها. ولأن هذا هو موقفالإسلام من الفنون الجميلة, التي تشيع البهجة في النفوس, وتعينها علي شكر الله ــبعمارة هذه الارض كي تزداد زينة وجمالا ــ ولأن هذه الجماليات الفنية التي يبدعهاالإنسان لا تخرج عن السعي لمحاكاة الجمال الذي خلقه الله في هذا الوجود, كان الموقف الإيجابي لعلماء الإسلام من هذه الفنون وهذه الجماليات. فحجة الإسلام أبو حامدالغزالي, قد ملك طريق العقل مع الشرع لنفي الحرج عن فنون السماع, وتساءل: لا أحديحرم الأصوات المنكرة, فهل تحرم الأصوات الجميلة لأنها جميلة؟! ولا أحد يحرمالأصوات الجميلة إذا جاءت من الطيور والأشجار, فهل تحرم إذا جاءت من الإنسان؟! ولاأحد يحرم النغمات المختلفة.. فهل إذا ائتلفت ــ في الموسيقي ــ تصبح حراما؟!.. ثمخلص الغزالي إلي أن قال: من لم يهزه العود وأوتاره, والروض وازهاره فهو فاسدالمزاج, ليس له علاج! أما رائد الإحياء والتجديد للإسلام, كي تتجدد به حياةالأمة الاسلامية ــ في عصرنا الحديث ــ شيخ الإسلام الشيخ حسن العطار ــ الذي كانله ولع شديد بفنون السماع, وعلم بأصول الألحان ــ فإنه هو القائل: من لم يتأثربرقيق الأشعار, تتلي بلسان الاوتار, علي شطوط الأنهار, في ظلال الأشجار, فذلك جلفالطبع حمار! أما إمام الظاهرية وفيلسوفها ابن حزم الأندلسي ــ وهو صاحب اليد الطولى في نقد النصوص والمأثورات ــ فلقد قطع بأن كل المأثورات التي تحرم فنونالسماع موضوعة, وقال: ولم يصح في هذا الباب شيء أبدا, وكل ما فيه موضوع. ولقدجاء الامام محمد عبده, لينطلق من تراث الاسلام الذي رفع الحرج عن الفنون الجميلة.. وليطرق باب الموقف الشرعي من الفنون التشكيلية.. وليقول: إن الرسم: شعر ساكت, يريولا يسمع, كما ان الشعر: رسم, يسمع ويري.. وحفظ الآثار ـ بالرسوم والتماثيل ــ هوحفظ للعلم بالحقيقة, وشكر لصاحب الصنعة علي الإبداع فيها.. والشريعة الاسلامية.. أبعد من ان تحرم وسيلة من وسائل العلم, بعد تحقيق أنه لا خطر فيه علي الدين, لا منجهة العقيدة ولا من جهة العمل. وليس هناك ما يمنع المسلمين من الجمع بين عقيدةالتوحيد ورسم صورة الإنسان والحيوان لتحقيق المعاني العلمية وتمثيل الصورالذهنية.. وإذا كان شيخ الاسلام حسن العطارقد كان خبيرا بأصول الألحان, وله ولع بفنون السماع فإن الفقيه الاصولي القرافي ــ أحمد بن إدريس ــ,684هـ 1285 م] قد مارس فنون النحت والتصوير, هكذا فتح الإسلام ابواب المشروعية أمام الفنون الجميلة, التي تتغيا بين الحياة الإنسانية بالجماليات, التي هي بعض من الطيبات التي أمر اللهسبحانه وتعالي ــ الإنسان ألا ينسي نصيبه منها.. وهكذا ميز الاسلام بين النفوس التي تحقق ــ مع الجمال ــ الأخلاق الفاضلة.. وبين تلك التي تشيع الخنا والفسق والفجور في المجتمعات والتي لا تستحق أن تسمي فنونا بأي حال من الاحوال. |