2012-11-30, 13:40
|
رقم المشاركة : 29 |
إحصائية
العضو | | | من خطب الشيخ محمد المكي الناصري | خطبة الجمعة في جامع حسان حول حادث الاعتداء على المسجد الحرام دعوة الحق 202 العدد خصصت خطبة الجمعة في جميع مساجد المملكة المغربية يوم 3 محرم الحرام 1400 لاستنكار جريمة الاعتداء على المسجد الحرام بمكة المكرمة. وننشر فيما يلي الخطبة القيمة التي ألقاها الأستاذ الشيخ محمد المكي الناصري بمسجد حسان الأعظم بالرباط. وقد أذاعته الإذاعة المغربية ثلاث مرات. الحمد لله فارج الهم، وكاشف الغم، اذهب عن المسلمين الحزن وكشف عنهم الغمة، وأعاد الطمأنينة والسكينة إلى قلوب هذه الأمة، والصلاة والسلام على على سيدنا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وحذرنا من الوقوع في المزالق والمهالك، وعلى آله الأخيار، وصحابته الأبرار، صلاة وسلاما تامين دائمين إلى يوم الدين. أما بعد – أيها الناس- لقد فضل الله بعض بقاع الأرض، فاختصها بتشريفه وتكريمه، وجعلها مواطن مفضلة لعبادته وتعظيمه، يضاعف فيها الأجر والثواب، وتنمو فيها الحسنات دون حساب، وعلى رأس تلك البقاع البقعة الفريدة والوحيدة، جوهرة الأرض، مكة المكرمة والحرم المكي الطاهر، الذي جعله الله مهبطا للوحي، وملتقى للرسل، ومجمعا للملائكة، ومعادا للصالحين من سائر أطراف الأرض، وقد أوجب الحق سبحانه وتعالى لحرمه الشريف من حقوق التعظيم والتكريم ما جعله فريدا في بابه، فمنع كل من لا يدين بالإسلام من دخول ذلك الحرم، وأوجب على المسلم نفسه إذا أراد الدخول إليه أن لا يدخله إلا إذا أحرم لحج أو عمرة، وفرض عليه أن يدخله متجردا من لباس الدنيا، مكشوف الرأس، متذللا متواضعا خاشعا، ولم يقبل صلاة أحد من عباده إلا باستقبال جهته، وجعله قبلة للمسلمين في مشارف الأرض ومغاربها، يتجهون إليه أحياء، ويوجهون نحوه أمواتا، ووعد المذنبين من عباده بحط أوزارهم عنهم إذا حجوا إليه مرة في العمر حجا مبرورا، وسعوا إليه سعيا مشكورا، وجعل دعاءهم فيع دعاء مستجابا، ومنحهم على مجرد النظر إلى الكعبة المشرفة جزاءا حسنا وثوابا، وحمى العائذ به والراتع في مسارحه من التعرض للآفات والفتن، والأهوال والمحن، ومنح الأمن فيه للإنسان والحيوان والنبات، فلا يرام فيه خائف، ولا يصاد له وحش، ولا يحتطب له شجر، وكيف لا ومكة المكرمة هي "أم القرى" التي حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، فلم تحل لأحد من الرسل والأنبياء، إلا ساعة من نهار لنبينا صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، ثم حرمت إلى يوم القيامة، وهي مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، والتي يرجع إليها المسلمون حجا واعتمارا، ويختارونها مقاما وجوارا. وكيف لا والبيت العتيق هو أول بيت وضع على الأرض، فكان بيت إبراهيم الخليل الذي أمره الله ببنائه، ورفع قواعده مع ولده إسماعيل، ثم أذن في الناس بالحج إليه، لتمجيد الله والاعتراف بعظمته وعليائه، فلم يزل الناس يهرعون إليه من كل صوب وحدب، لكونه مشهد المشاعر العظام، وموطن زمزم و المقام، ودار الإسلام الباقية والخالدة على الدوام، ومن أجل هذه الخصائص الربانية، والمزايا الإلهية حرم الله فيها إشهار السلاح وإثارة الفتنة والبدع بالقتال، وضمن فيه الأمن الدائم للأقوياء والضعفاء والنساء والرجال، حتى يظل بيت الله واحة أمن وسلام، وموطن راحة للأرواح واستجمام، وحتى يبقى بمنأى عن كل صراع، لا فرق بين صراع العمالقة وصراع الأقزام. أيها الناس لقد اهتز العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه للجريمة الشنعاء، والحادثة النكراء، التي تعرض لها بيت الله الحرام، واستنكر المسلمون في كافة أطراف الأرض ما أقدمت عليه عصابة الهوس والجنون وشرذمة البغي والإجرام، مما لم يسبق له نظير في تاريخ الإسلام، وشاء الله أن يكون حامي الوطن والدين، جلالة الملك الحسن الثاني أمير المؤمنين، أول عاهل مسلم بادر وجاهد بالاستنكار، وطالب بمعاقبة البغاة الفجار. ولندرك حق الإدراك مبلغ خطورة هذا الحادث وشناعته، وما فيه من عدوان بالغ على حرمة بيت الله الحرام وقداسته، وتحد شنيع لدين الحق وملته، نستحضر معكم قول الله تعالى في كتابه العزيز : "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات، مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا) ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين". وقوله تعالى : "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا، واجنبني وبني أن نعبد الأصنام". وقوله تعالى : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود، وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا، وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر". وقوله تعالى : "أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم، أفبالباطل يومنون وبنعمة الله يكفرون". وقوله تعالى : "إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة، الذي حرمها وله كل شيء، وأمرت أن أكون من المسلمين" وقوله تعالى "أو لم نمكن لهم حرما آمنا تجبني إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا، ولكن أكثرهم لا يعلمون". وقوله تعالى : "والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين". وقوله تعالى : "جعل الله الكعبة الحرام قياما للناس"، أي قواما لدينهم ودنياهمـ وعمرانا لبلادهم، وهكذا ترون أن الجماعة الباغية الفاجرة التي اعتدت على حرمة بيت الله الحران ضربت بهذه الآيات البينات عرض الحائط، وتحدت عن عمد وإصرار كتاب الله ودينه الحق، فروعت الآمنين من الطائفين والعاكفين، والراكعين والساجدين في بيت الله الحرام، وفي الشهر الحرام، وارتكبت جريمة لم يعرفها بيت الله الحرام حتى في عهد الجاهلية قبل ظهور الإسلام، فباءت بغضب من الله ورسوله والمومنين، وحقت عليها كلمة العذاب التي هي أكبر عقاب للبغاة المجرمين، قال عليه الصلاة والسلام (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يومن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فيها فقولوا له أن الله عز وجل أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب). وقال عليه الصلاة والسلام من خطبته بحجة الوداع (إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، ثم قال عليه السلام (ألا هل بلغت،) فقالوا : نعم يا رسول الله، فقال : اللهم اشهد –ثلاثا- ثم قال عليه السلام : ويلكم أو ويحكم. انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. ومن تحدى كتاب الله، وتحدى سنة رسوله وتحدى أمة الإسلام في المشرق والمغرب، وانتهك الحرمات التي أمر الله بتعظيمها، وسفك الدماء التي أمر الله باحترامها، ولم يراع في الله إلا ولا ذمة حرى بأن يخرج من ذمة الإسلام، ويتبرأ منه المسلمون في الحل والحرام. أيها الناس –جزى الله المملكة العربية السعودية وعاهلها الهمام خيرا عن الإسلام والمسلمين فقد أثلجت صدور المسلمين عندما وقفت في وجه الفئة الباغية، وطهرت المسجد الحرام من بغيها وعدوانها، وطبقت حكم الشريعة المطاع بكل صرامة على أفرادها، وقد نص أئمة الشريعة الأبرار على أنه يضيق على البغاة إذا اعتصموا بالبيت الحرام إلى أن يخرجوا أو يفيئوا، فإذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال يقاتلون على بغيهم، لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا تجوز إضاعتها، ولا يحق التهاون بها، وانعقد الإجماع بين أئمة الإسلام على أن من جنى جناية بحرم مكة لا أمان له، لأن ذلك يعتبر اجتراء على الله، وانتهاكا لحرمة بيته، وإلحاد فيه، والسيئة في حرم الله أكبر وأعظم من السيئة في أي طرف آخر من أطراف المعمور. قال تعالى : "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"، وقال تعالى : "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه"، وقال عليه السلام محذرا من وقوع مثل هذا الحادث الشنيع، ومحرضا على وجوب مقاومته والقضاء عليه حتى لا يتكرر ولا يتجدد : "أول من يستحل هذا البيت أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب" رواه أبو داود الطبالي في مسنده. نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبحديث سيد المرسلين، وختم لي ولكم بالخاتمة الحسنى ولجميع المسلمين آمين، والحمد لله رب العالمين. الرباط – المغرب الجمعة 3 محرم الحرام 1400 موافق 23 نوفمبر 1979 خطب جامع حسان الأعظم محمد المكي الناصري | التوقيع | محمد الزاكي ( tagnaouite) | |
| |