الأقسام التحضيرية.. قنطرة نحو مصير غامض

الخميس, 21 يونيو 2012 11:10

وجه مشرق لمنظومة التربية والتكوين والجهود يجب أن تتكاثف لتوفير بنيات الاستقبال
يبقى أمل تخرج آلاف المهندسين سنويا، المراهن عليه من قبل الوزارة الوصية حين إحداث الأقسام التحضيرية، بعيد المنال بالنظر إلى الإكراهات والصعوبات التي تعترض وتقض مضجع هذه التجربة الجنينية التي لم يكتب لها النمو والنضج بالشكل المرسوم والمخطط له، رغم الجهود المبذولة.
عزا الاستاذ المبرز خالد عبد المومن تعثر نوايا تحقيق تخرج 10 آلاف مهندس سنويا، هدفا مرجوا ومنشودا من التجربة، إلى عدم استجابة بنيات استقبال الأقسام التحضيرية، إلى كل طلبات الالتحاق بها المقدرة بنحو 40 ألف طلب، ما يحرم شريحة عريضة من المجتمع من الاستفادة من هذا التكوين.
ويؤكد أن نسبة الاستجابة إلى تلك الطلبات، لا تتجاوز 20 في المائة في أحسن الأحوال، متحدثا عن شح في الأطر التربوية المتمثلة في قلة الأساتذة المبرزين، لطبيعة التكوين الذي يتلقونه ومباراة التبريز، وغياب قانون أساسي محفز لهذه الفئة التي قاطعت الامتحانات في قرار جريء لها.
هذه الفئة مصرة على مواصلة احتجاجها في كل المستويات والأسلاك، ما أثر سلبا على تلك الأقسام، بالنظر إلى ما أفضى إليه اجتماع تنسيقيتهم الأحد الماضي بالرباط، في انتظار ما سيسفر عنه جمعها العام المقبل المحدد في فاتح يوليوز المقبل، بالنظر لمدى تجاوب الوزارة مع مطالبها.
هؤلاء الأساتذة عملت الوزارة الوصية على تكوينهم بفتح سلك لتحضير التبريز منذ شتنبر 1986، لتعويض الأساتذة المبرزين الفرنسيين الذين تكلفوا بمهام التدريس في تلك الأقسام خاصة في مواد الرياضيات والعلوم الفيزيائية واللغة الفرنسية، تدريجيا في إطار التعاون بين المغرب وفرنسا.
وتعتبر الأقسام التحضيرية، بنظر عبد المومن، الوجه المشرق لمنظومة التربية والتكوين عبر ما تحققه من نتائج، خاصة على مستوى محتويات التكوين والنتائج المحصل عليها في المباريات الوطنية والأجنبية، دون أن ينكر وجود مثبطات ذكر بعضا منها أعلاه، تحول دون إنجاح التجربة بشكل كامل.
بعيد شتنبر 1983 تقرر خلق الأقسام التحضيرية في مختلف المدن المغربية، بعد قرار مصلحة التعاون والعمل الثقافي التابعة للسفارة الفرنسية بالرباط، حذف الأقسام التحضيرية للمدارس العليا، إذ تم إعداد برنامج وطني لهذا الغرض، بفتح 10 أقسام بالسنة الأولى من الأقسام التحضيرية بعد سنتين.
همت التجربة في بدايتها 4 أقسام بالبيضاء و3 بكل من فاس والرباط، بهدف "تمكين تلاميذها من التهييء لمباريات ولوج المدارس والمعاهد العليا المغربية والفرنسية" في قرار يقول خالد، إنه "يروم منح المدارس العليا الوطنية للمهندسين، إمكانية الرفع من الطاقة الاستيعابية بسلك تكوين المهندسين".
أما الآن فقد توسعت التجربة، إذ نجد في جهة فاس بولمان، 29 قسما تحوي 840 تلميذا بينهم 365 تلميذة، في السنة الأولى من شعب رياضيات فيزياء وعلوم المهندس (11 قسما، 334 تلميذا) وفيزياء وكيمياء وعلوم المهندس (قسمان و72 تلميذا) والمحاسبة والتسيير (قسم واحد و20 تلميذا).
ولا يتجاوز عدد تلاميذ السنة الثانية من شعبة المحاسبة والتسيير، 7 تلاميذ في قسم وحيد، فيما يبلغ عدد أقسام شعبتي "رياضيات وفيزياء" و"فيزياء وعلوم المهندس"، على التوالي 12 قسما وقسمين، يحضنان تباعا 335 و72 تلميذا، بينهم على التوالي 142 و35 تلميذة.
لكن هذا التوسع في عدد الأقسام التحضيرية بالجهة وإحداث قسم جديد خلال السنة الجارية بثانوية ابن الهيثم بفاس، لا يمكن أن يخفي طبيعة المشاكل الكبيرة المستعصية التي تعترض هذه التجربة الرائدة، وتقض مضجع العاملين فيها والمستفيدين من خدماتها من تلاميذ بمختلف المستويات.
وضمن هذه المشاكل التي أثرت سلبا على مستوى التحصيل العلمي لتلاميذ هذه الأقسام بثانوية مولاي إدريس، نقلهم في وقت سابق، إلى مدرسة باب ريافة، بشكل لم يستسيغوه، بداعي أن "القاعات غير متوفرة وتنتظر الإصلاح"، المشكل الذي كان يمكن تلافيه في العطلة الصيفية.
التلاميذ الذين أبدوا امتعاضهم من القرار المذكور، عللوا تخوفاتهم بانتشار الجريمة وتعرض بعضهم إلى اعتداءات إجرامية من قبل بعض المنحرفين أمام المدرسة غير البعيدة عن الثانوية الحاضنة لهم، دون أن يستسيغوا طبيعة الوجبات الغذائية المستفيدين منها، وتأخر فتح الداخلية في وجههم.
هذا المشكل انضاف إلى مشاكل أخرى مرتبطة بدراستهم، وطالما أرقتهم شأنها شأن "ويلات" ما بعد التخرج من تلك الأقسام التحضيرية، بالنظر إلى محدودية الولوج إلى المعاهد العليا للهندسة، خاصة بالنسبة إلى تلاميذ شعبتي علوم الفيزياء وعلوم الهندسة، ممن سبق لهم الاحتجاج أمام الوزارة.
خريجو الشعبتين من أبناء فاس، سبق أن شاركوا زملاءهم في الرباط وطنجة ومراكش، الاحتجاج ضدا على تخصيص مقاعد محدودة لا تتجاوز 1000 طالب وطالبة، في المباراة الوطنية المشتركة للسنة الجارية، ووجود تفاوت في تلك المقاعد بين شعب وأخرى.
ويقول بعض خريجي هذه الأقسام، إنهم يواجهون مصيرا غامضا بعد إنهاء سنتي الدراسة بها، في ظل ظروف صعبة والافتقاد إلى الحد الأدنى من شروط التحصيل العلمي العالي والتجهيزات الضرورية لمواكبتهم دراستهم على أحسن وجه، متمنين تدارك ذلك وفتح أبواب المعاهد في وجوههم.
وحجتهم أن تلك المغربية هي الوحيدة التي بإمكانها الانضمام إليها، بالنظر إلى صعوبة إجراء مباريات المعاهد الفرنسية، لغلاء كلفتها، وعدم استطاعتهم التنقل إلى فرنسا لإجرائها، لما تكلفهم من ميزانية ليست في مستطاع أسرهم الفقيرة أو المنتمية إلى الطبقة المتوسطة من المجتمع.
ويفتح هذا الوضع، المجال لهجرة الأدمغة المكونة، إلى البلدان التي "تصطاد العقول"، ما لن يكون خاسرا منه، إلا بلدنا الذي أنفق المال الكثير من أجل تكوينهم، ما يفرض إعادة النظر في المرحلة التي تعقب اجتياز عقبة هذه الأقسام التحضيرية التي تعتبر قنطرة، نحو المعاهد العليا.
حميد الأبيض (فاس)