"سربيس لوذن"

تنتهي، اليوم (الخميس)، اختبارات الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد (الباكلوريا)، وسيشرع موظفو وزارة التربية الوطنية في إحصاء الخسائر الفادحة لعمليات الغش والتسريب التي بدأت، منذ الساعات الأولى من صباح اليوم الأول بنشر أسئلة مادة الفيزياء على العموم على موقع "الفيسبوك" الاجتماعي، حتى قبل أن يغادر الممتحنون مراكز الاختبارات. لا أحد يشكك في الإرادة القوية لوزير التربية الوطنية وحرصه الشديد على إخراج شهادة الباكلوريا، هذا الموسم، بيضاء ونقية مثل كف رضيع، كما لا يمكن لأي مغربي إلا أن يثمن الإجراءات الاحترازية التي أصدرتها الوزارة في شكل مرسوم وزاري يمنع دخول الأجهزة الإلكترونية بكل أنواعها إلى قاعات الامتحانات وتوقيع عقوبات صارمة على المخالفين، لكن هل يكفي فعلا أن نقضي على "النقلة" بمجرد قرار وزاري ورغبة وزير. الغش والتزوير والتدليس "قيم" تتداول، اليوم، في بورصة المجتمع على نطاق واسع، لها زبناؤها الأوفياء وأرباحها الطائلة. ولا يقتصر الأمر على فضاء المؤسسة التعليمية والتربوية، بل يمتد إلى مختلف مناحي الحياة إذ تجثث قيم الاستحقاق والكفاءة والاجتهاد والاعتماد على النفس، وتنبت مكانها ثقافة "الفهلوة" و"السنطيحة" ويرفع عاليا شعار "من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه". لقد تحول الغش إلى مكسب لدى عدد كبير من التلاميذ والتلميذات الذين "يحفون" عقولهم، طيلة الموسم، ليس من أجل الفهم والتحصيل والحفظ، بل لإيجاد طرق جديدة ومبتكرة لـ"النقلة" والاجتهاد بشتى الطرق لمراوغة الحراس والمراقبين. والمصيبة أن التكنولوجيا التي تعتمد، اليوم، آلية لتطوير المجتمعات، تصبح في المغرب وسيلة لتوسيع دائرة التخلف والتدريب على التزوير والتدليس. نهاية الأسبوع الماضي، عرف سوق درب غلف بالدار البيضاء حالة طوارئ وازدحام شديد من طرف عدد من الأمهات والآباء جاؤوا رفقة أبنائهم لاقتناء جهاز صغير بحجم "عدسة" يؤدي وظيفة بلوتوت يوضع داخل الأذن ويرسل موجات صوتية تلتقطها الهواتف المحمولة من مكان بعيد، وقيل إنه آخر ابتكارات التواصل التكنولوجي للغش في الامتحانات. ما العمل في هذه الحالة؟ هل المطلوب العودة إلى "سربيس الوذن" الذي كان معمولا به في عهد الحماية، وأن يترك موظفو الوزارة وأطرها وحراسها كل أشغالهم ليتفرغوا لتفتيش آذان آلاف التلاميذ، وتغريم كل من ضبطت وسط طبلته هذه "العدسة" العجيبة؟