منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى أخبار التربية والتعليم (https://www.profvb.com/vb/f13.html)
-   -   الواقع التعليمي والإصلاح: علاقة نسقية بالضرورة (https://www.profvb.com/vb/t98543.html)

abo fatima 2012-06-02 15:22

الواقع التعليمي والإصلاح: علاقة نسقية بالضرورة
 
الواقع التعليمي والإصلاح: علاقة نسقية بالضرورة












إعداد: يونس فيرانو
باحث في الحقوق
ترددت طويلا قبل وضع قلمي بين أناملي لأنحت المكونات اللفظية لهذا المقال، مخافة إعطاء الأفكار المنبثقة عنها تأويلات مغلوطة ومشوهة، وتوجيه منحى إدراكها نحو تثبيت قاعدة الهجوم المقصود والتحامل المجاني على نظام بنيوي قائم - النظام التعليمي المغربي-، يسهر المنضوون تحت عباءته على إسداء خدمة مجتمعية هامة، على قدر المستطاع طبعا، تتجلى في إزالة ظلمة الجهل عن عقل الفرد وتنويره بقبس العلم، لاسيما في ظل واقع تعتريه صعوبات جمة، وتشوبه إشكالات بنيوية عميقة.
فهذا المقال لا يشكل في جوهره سهما يطلق صوب الأسرة التعليمية من سفحها إلى قمتها، وإنما يأتي كمحاولة بسيطة لنصب الميزان التقييمي لنظامنا التعليمي انطلاقا من تبيان انعكاسات لغة الإصلاح عليه، وعرضه للمحاكمة العادلة في ظل الاحترام الأكيد لمبدأ الدفاع اعتمادا على ما خلفته التجربة الطويلة من آثار، واعتمادا على صكوك المساءلة المجتمعية المعززة بحجج ودلائل موضوعية مستقاة من الواقع التعليمي لبلادنا.
ولا أحد يجادل بداية في كون التعليم الجيد النابع من الأصول والجذور التاريخية، والمنفتح على مستحدثات العصر الإيجابية، يمثل بوابة التحضر الإنساني، ومدخلا أساسيا لنهضة أمة من الأمم، إذ لا يتصور بناء الذات الفكرية المجتمعية وتكريس علوها وسموها الحضاري من دون الإشاعة المثلى لقاعدة "اقرأ وتعلم"، حتى يستطيع كل فرد التفاعل مع الثوابت الفكرية المكونة على وجه أخص للخصوصية الذهنية لكل مجتمع، ويساهم عندئذ في تحديثها وتطويرها، إذن فالتعليم وفق هذا المنظور يعد أداة تجعل المتعلم ينفض عنه مظاهر اللاوعي، وينزع صفة الحياد السلبي الجاثمة على فكره وإرادته، فيتمظهر في صورة المساهم والمشارك في صيرورة التطور المجتمعي.
ويشهد نظامنا التعليمي بجميع مستوياته ديناميكية تفكيرية معهودة تجسدها حاليا الإصلاحات المنهجية، والبرامج الإستراتيجية، والمخططات البيداغوجية المتبناة، لكن بالمقابل يظل واقعيا يتحرك بعقلية تنامت فيها موجبات الاتكالية واليأس، وتغلغل في جزء كبير منها معطى فقدان الحس بالمسؤولية، فأضحت تأبى لاشعوريا التفاعل التام مع مضامينه، وترفض الدخول كلية في لعبة التغيير الإيجابي، لتضع مسافة ذات أبعاد زمنية بين الواقع التعليمي القائم، وجوانب مهمة من المخططات الإصلاحية، ويدل على ذلك التجاهل المقصود والعزوف المستمر عن الإدراك العميق لفلسفة الإصلاح وأهدافه في إبانه، مما يؤدي إلى الإبقاء على الظواهر التعليمية السلبية الشاهدة على ضعف الإبداع التعليمي، من قبيل استمرار العملية التأطيرية في قيامها على مبدأ العطاء الأحادي للمحاضر، وغياب تفاعل المتعلم وحصر دوره في التلقي، والاعتماد في التقويم السنوي على عنصري الحفظ ثم الاستعراض الكمي للمعلومات المستقاة خلال السنة التعليمية أو بما يصطلح عليه في اللغة الجامعية بـ:" بضاعتنا أرجعت لنا"، دونما صقل أكاديمي لملكة التفكير المعمق والمناقشة والتحليل، مما يجعل المتعلم يتآلف رويدا رويدا مع ثقافة الاستهلاك، ويتنافر مع عنصر الإنتاج الفكري، فيصبح عندئذ فردا مستهلكا بالتطبع على جميع الأصعدة، ناهيك عن تواتر تداول بعض المؤلفات الجامعية ذات المفاهيم المتجاوزة أكاديميا، وعدم وضوح الرؤية ميدانيا بشأن العلاقة الواجب إحداثها بين المنظومة التعليمية والمحيط المهني والاقتصادي، والضعف الحاصل على مستوى البنية التحتية للمؤسسات التعليمية، وقلة الأطر التعليمية، لاسيما بتلك الموجودة في العالم القروي.
وهذه الصور الشائعة تشكل في عمقها نموذجا فقط للصعوبات الظاهرية الموجودة، وتجسد بحق الكينونة المادية للإشكالية المعتادة المتمثلة في التباين الحاصل بين التغيير كخطاب والتغيير كواقع، بمعنى وجود بون ملحوظ يفصل التخطيط التنظيري عن الواقع التعليمي الهش، وفي حقيقة الأمر فالبرامج الإصلاحية مهما اتصفت بسمات الوجاهة والدقة سواء من حيث أسسها المنهجية أو من حيث أهدافها الإستراتيجية، فلا يتأتى تحقيق المراد من اعتمادها إذا ما اصطفت الثقافة السائدة واقعيا ضدها، وعملت على إفراغها من محتواها، وأهدرت فرصة الاستفادة الكلية منها، ولذلك ينبغي تكثيف الجهود لإعادة الاعتبار لزاما للإدارة التعليمية - التربوية، عبر توفير جميع الإمكانيات المادية المطلوبة، وإقامة منظومة تكوينية شمولية وفعالة، وإعمال الوسائل المجسدة للتدبير التعليمي المبني على النتائج، مع الحرص على تحديث آليات الرقابة والمتابعة، وإقرار مبدأ التقييم والتقويم الدوري، حتى تستشعر الأسرة التعليمية نفسيا بأهميتها وبالمسؤولية التاريخية الملقاة على أكتافها، فتسترجع الثقة في ذاتيتها ومؤهلاتها، ثم يبدأ شعور الأمل بالتدفق من جديد في ذهنيتها، لتنصهر عندئذ في بوتقة الإصلاح، وتتولد تلقائيا ومع مرور الوقت ثقافة تعليمية جديدة تتحدد عملتها الوحيدة في العطاء والبذل ونكران الذات، حتى لا يبقى طموح النهوض بالمنظومة التعليمية مجرد شعار سرعان ما يفقد بريقه عند اصطدامه بالتراكمات الصلبة المتراصة في الواقع التعليمي.


الساعة الآن 08:42

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd