منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   علم الفلسلفة (https://www.profvb.com/vb/f357.html)
-   -   جيل دولوز وفلسفة الاختلاف (https://www.profvb.com/vb/t98270.html)

tagnaouite 2012-05-28 20:55

جيل دولوز وفلسفة الاختلاف
 
جيل دولوز وفلسفة الاختلاف
http://www.almustaqbal.com/images/blank/blank.gifhttp://www.almustaqbal.com/images/blank/blank.gifhttp://www.almustaqbal.com/images/blank/blank.gif

اشتهر دولوز صديق فوكو الحميم بفلسفة الاختلاف بوصفها الفلسفة التي اشتغل عليها معرفياً ومفهومياً، وقد مثلت فلسفة الاختلاف محوراً جامعاً لدولوز في مختلف مشاريعه وأعماله وكتبه. فهو ينطلق من هاجس يظهر باستمرار في طيات تعبيره وثنايا كلماته، أنه هاجس يتعلق بالمختلف وبالمغاير وبالمتعدد، إذ ثمة نزوع الى العثور على "المغاير" في اليومي والمحلي والجزئي، عندما يصبح العالم بالنسبة لدولوز عبارة عن منبسط أرض تبرق فوق أديمه شهب "المفارقة" هنا أو هنالك. وعلى مثل هذه الأرضية انبنى خطاب الاختلاف: الواحد لا يقابله المماثل، وإنما يقابله الآخر، والواحد إذ يقدم على التعامل مع الآخر فلا بد وأن يضحي بانسجام مكوناته مع بعضها.
ففلسفة الاختلاف على حد تعبير فيليب مانغ الذي يعد أحد أبرز دارسي دولوز تطمح الى تغيير بنية وعي الأفراد بأن تصدهم عن الرغبة في الحنين الى بناء وحدة شمولية وتضامنية، إنها فلسفية تحترز وتحتاط من كل ما هو مشروع توحيدي تكون الدولة هي التجسيم الفعلي له، وفلاسفة الاختلاف إذ يحترزون من مثل هذه المشاريع فلأنهم يخافون أن يؤدي ذلك الى الانغلاق، وفلسفة الاختلاف تقول بالصدر الذي تتفتح رحابته على المتشتت والمتعدد فيما يشبه التضامن الاجتماعي، ولكنه تضامن مستتر لا ينزع الى الإفصاح عن اجتماعية بشكل مفضوح، لئلا يتحول الى سلطة قمعية منغلقة لا تسمح بالاختلاف، وتكون فيه الدولة الأداة المنفذة.
الاختلاف والتكرار
لقد ابتدأ دولوز مشروعه في كتابه الأول الضخم الذي حمل عنوان (الاختلاف والتكرار)، فبالنسبة الى الوعي السائد ليس "الاختلاف" هو "التكرار"، لأن "التكرار" هو الشيء نفسه يعود مرة ومرات، كما أن "الاختلاف" ليس "التكرار"، لأن "الاختلاف" هو التمايز وهو الإتيان بالجديد، غير أن الطرح الدولوزي يرى عكس ذلك، فالتكرار والاختلاف بالنسبة لدولوز يدخلان في علاقة تضامن، وهو ما ينطوي على مفارقة، والمفارقة تمثل وجه الفاجعة بالنسبة للفلسفة، ذلك أن الوعي السائد تعود الاعتماد على مبدأ "التمثل" بوصفه آلية تفكير، غير أن النشاط الحقيقي للفسلفة لا يعتمد على المعنى الوجيه الذي ينفي "اللبس" وإنما هو يعتمد على "المفارق".
لقد اعتمد دولوز في بناء فلسفته بشكل كبير على إعادة قراءة نصوص فلاسفة عصر الأنوار، فضلاً عن المكانة الخاصة والمتميزة التي يحتلها نيتشه بوصفه نبي الفلسفة الحديثة بامتياز، ولذلك يتتبع مانغ قراءة دولوز لنيتشه وفق فلسفته الاختلافية المتمثلة في كشف اللثام عن كل "الماقبليات" والأفكار المسبقة التي تنخر جسد الفلسفة، فأن نفكر بالنسبة لنيتشه يعني بالنسبة لدولوز أيضاً خلق معنى وخلق قيم جديدة، إذ ليس المشروع الدولوزي والنيتشوي تثبيتاً للقيم القائمة ولا هو تسويغ وتشريع لتلك القيم، بأن يخلع عليها نوعاً من البركة الدائمة بما ينم عن تواطؤ مع تلك القيم، غير أن التفكير عند دولوز هو منح حق الوجود للمباغت والمفاجئ وهو تشريع للأسئلة المتطفلة. وإذا كان نيتشه قد أحدث "ثورة كوبرنيكية" عندما فتح على أفق فلسفي تم من خلاله العثور على المفهوم القادر على الإمساك بما يقول المختلف، فإن نيتشه قد رسخ من خلال مفهومه عن "العود الأبدي" أن الهوية تكف عن تبوؤ موقع الصدارة، ومكان الأسبقية التي تحدد اللاحق لتصبح مفهومة، ومستوعبة من خلال المختلف، فلا يمكن افتكارها إلا باعتماد وبالاستناد الى المختلف، لذا، استوجب القول بأن التكرار هو عودة المختلف. عندما يرتبط التكرار بالاختلاف، فعندما يتكرر الاختلاف فإنما ليحافظ على اختلافه، وليس الكائن هو الذي يعود، ويتبدى متمظهراً من خلال الاختلافات، متحصناً في وحدة هويته المتسترة وراء قناع الاختلافات التي تعدده، وإنما الذات العائدة ليست الكائن، وإنما هي الاختلافات وهي المتعدد، ومن خلال الاختلافات وما يتعدد يقع الإخبار من الكينونة، عبر معنى أحادي يوحد الشتات في معنى شمولي ومماثل.
ينتقل مانغ بعد ذلك لقراءة كتاب دولوز الشهير مع غاتاري "ألف ربوة وربوة"، إذ يرى أن مؤلف دولوز هذا يقطع الصلة نهائياً بالخطاب الفلسفي التقليدي المعهود وتصبح الفلسفة عندها عبارة عن خط متكسر من المفاهيم، فهو خطاب فلسفي دائم التعثر، يظل يصطدم، دائماً بالعوائق التي تحول دونه ودون انبساطه، امتدادياً وخطياً، فهو عبارة عن عدد من الربوات التي ستظل متزامنة، ولذلك فالمشروع الدولوزي، على تواضعه، يبتغي رج أركان الفكرة القائلة بأن ثمة تاريخاً وتواتراً زمنياً، ورج أركان هذه الفكرة يعني الإطاحة بالأسس التي تقوم عليها صروح الحقول المعرفية للعلوم الانسانية. فكتاب دولوز هذا هو عبارة عن كتاب في المنهج الجديد، يستند الى فرضيات خلاقة لها صلة بالعلوم الطبيعية وينطلق منها، لكن حذار أن نفهم أن الكتاب يقدم تصوراً جديداً للعالم، أو أنه يقدم خلاصة تركيبية لمجمل المعارف القائمة والمتداولة حالياً. إنه فحسب بمثابة المنهج الجديد لما بعد الحداثة، فهو يقوض العلاقة المعهودة القائمة بين الخطاب والواقع، وبين الخطاب والمعنى، وقد نخطئ كل الخطأ، إذا نحن فهمنا كتاب "دولوز" على أنه نقد لحقل التحليل النفسي ولوضع الدولة الحديثة، في ظل النظام الرأسمالي، فهذا الكتاب هو عبارة عن "إبستمولوجيا" جديدة كما يسميها مانغ تستجيب لأوضاع المعارف الراهنة، وهو يهدف الى خلق همزات وصل بين حقول معرفية منعزلة، وهو ينبغي خلق طرق واستراتيجيات تصل بين متفرقات المعارف المتفتتة والمتناثرة. فهو ينشئ منطقاً جديداً، بمقتضاه تتمكن المعارف والعلوم من أن تتجاوز فيما بينها ليثري بعضها بعضاً، على نحو خلاق، ولذلك اختار عنواناً له (ألف ربوة وربوة) فكل ربوة لا تتحدد ببداية ولا بنهاية، بل هي مجرد ربوة تقع في الوسط عند النصف، عند ملتقى الطاقات. وكل ربوة هي ربوة تتمتع باستقلالها الخاص. وليس ثمة اتصال أو استمرار يجمع الربوات، بعضها ببعضها الآخر، كما يحصل ذلك مثلاً في المتون الفلسفية المعهودة، بل إن كل ربوة قد تخلو هنا من كل الاستمرارية نسبية تسم خطابها الحجاجي.
وينتهي مانغ بدراسة علاقة دولوز مع الماركسية، إذ يقر أن لدى دولوز قطيعة مع الماركسية، إذ هو ينفي الخط التصاعدي للتاريخ، هو ينفي فكرة تطور الإنسانية، لأن تلك التصورات نشأت داخل منظومة المعنى، سواء أكان معنى أيديولوجياً أم ديالكتيكياً أو أي معنى آخر، كما أن مفهوم دولوز عن الدولة يبدو مختلفاً تماماً عن ما قدمته الماركسية. فمنظور دولوز من الدولة يتيح لها أن تكتسب وظيفة أخرى مغايرة غير حارسة بالنسبة لها، إذ وظيفتها تصبح وظيفة تنسيق وهذه الوظيفة التنسيقية للدولة هي وظيفة خاصة ومتميزة، والدولة بوصفها منسقة، تصبح آلة مجردة. غير أن مهام "الآلة المجردة" هي مهام عديدة ومختلفة، فالآلة المجردة الرأسمالية هي بديهية الدفقات، وهذه الدفقات من الرغبة تتجسد على نحو متغاير وبأساليب متعددة ومتميزة.
لكن الخلاف الأشد جذرية في موقف دولوز من الماركسية يتجلى في مفهومه من التاريخ، فالأحداث التاريخية بالنسبة له لا تجري في شكل كتل ضخمة، كبيرة الحجم، وإنما هي تحدث في شكل ذريرات، مجزأة متناهية الضآلة، والمسألة التاريخية المقترنة بالأحداث الضئيلة تنشغل بكيفية استقطاب الأغلية، وحشد أكثر عدد ممكن، واكتساح أو غزو أكبر فضاء ممكن، وما يحدث فعلياً في التاريخ هو من صنف الضئيل متناهي الصغر، فالضئيل المتناهي الصغر، هو الحدث الذي يمثل نزوع الصيرورة المستقبلية، بامتياز، وما التاريخ سوى تاريخ ما يظل يسقط ولا يصل، هو تاريخ الإسقاطات، التاريخ هو تاريخ ما يسقط فيه، فالتاريخ لا يفرز شيئاً ينشأ منه.
الكتاب: جيل دولوز أو نسق المتعدد
المؤلف: فيليب مانغ
المترجم: عبد العزيز بن عرفة
الناشر: حلب: مركز الإنماء الحضاري


المستقبل - السبت 13 آذار 2004 - العدد 1544 - ثقافة و فنون - صفحة 20

د. رضوان جودت زيادة


الساعة الآن 10:53

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd