منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

أدب الأطفال وتأثيرة التكاملي على الطفل

قال الله تعالى في كتابه العزيز: " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " (الاعراف 176) هذه اشارة لطيفة من القران الكريم الى أهمية القصة ودورها في التأثير على مسار الحياة الشخصية, فالقران ينبهنا بأن القصص يجب أن تثير التفكير والتأمل واستنتاج النتائج وبالتالي الأخذ بالقيم التي تطرحها.

ولكي نعرف مدى تأثير القصة في نفس الطفل ما علينا الا أن نعود بذاكرتنا الى أيام الطفولة, فنتذكر القصص التي حكاها لنا الاهل أو قرأوها لنا, ومن ثم نستذكر مدى تأثيرها فينا, والى أي العوالم نقلتنا.

يقول د. نزار وصفي في كتابه "أدب الطفولة واقع وتطلعات"2001 : ليس من شك أن الأدب هو الغذاء النفسي والفكري والعاطفي للطفل فعن طريقه تتحقق له المتعة, وبه تتوسع قدراته, وتتنوع ثقافته, ويشبع فضوله, ويمكن اجمال الغايات التي يتطلع الى تحقيقها عن طريق أدب الاطفال بما يلي:

1. تسلية الطفل وامتاعه وملء فراغه وصقل مواهبه.
2. تشكيل ثقافة الطفل بحيث يتم تزويده بأطراف من الثقافة العامة التي تعينه على فهم الحياة من حوله.
3. تمكين الطفل من التعرف على أفكار واراء الكبار من حوله.
4. تنمية القدرات اللغوية للطفل والعمل على اثراء مفرداته اللغوية وتمكينه من القراءة والفهم الجيدين.
5. المساهمة في النمو الاجتماعي والعقلي والوجداني لدى الطفل.
6. تعويد الطفل دقة الملاحظة والتركيز.
7. العمل على تنمية الذوق الجمالي للطفل.
8. تكوين الاتجاهات التربوية والاجتماعية عند الطفل.
9. ترسيخ الشعور بالانتماء الى العقيدة والأمة والوطن.

ان ذاكرتنا الطفولية تفيد بأن للقصة مفعول السحر في نفوس الاطفال وهي بالنسبة لهم كالماء للنبة لا نرى كيف امتصته, فأورقت وأينعت واشتد ساقها ثم أزهرت وأثمرت. كذلك القصة من خلال قناة المتعة تصل الى عدة قنوات تصب جميعها في صقل شخصية الطفل وتزويدها بالكفاءات الحياتية, التي تسهم في اكسابه مهارات كافية لبناء شخصية قوية تتلاءم مع نسيج المجتمع الذي نعيش فيه, بحيث تساعده على اعتناق الكثير من الاتجاهات والمبادىء المحببة له والتي تلائم شخصيته, وقد يكتسب العديد من الخبرات والعادات والأنماط السلوكية والقيم المختلفة, وذلك من خلال تفاعله وتوحده مع شخصيات محببة في القصص التي يقرأها أو تقرأ له.

تأثير القصة التكاملي:

لا يمكن أن يكون تأثير القصة على مركب دون الاخر من مركبات شخصية الطفل, فان تأثيرها متكامل يشمل جميع مركبات النمو السليم للشخصية.
النمو اللغوي: عندما نقدم للطفل أدبا جيدا وجميلا فلا بد أن تكون اللغة جيدة وجميلة, وهكذا تسنح له الفرصة لاكتسابها وزيادة ثروته اللغوية وارتفاع مستواها الى المستوى الفصيح بعدما كان يصعب عليه فهمها واكتسابها, وذلك بتعويده على سماعها وزيادة فرصة استيعابها واكتسابها. وهكذا تساهم القصة بتنمية قدراته اللغوية لأن اللغة عبارة عن رموز ابتكرها الانسان لتحمل معاني تسهل عملية الاتصال البشري.

النمو العقلي: ان اكتساب الطفل للغة هو مؤشر جيد لنمو قدراته العقلية والتي تبدأ بالمستوى الحسي الحركي وتصل به الى الذكاء العام الذي يعتمد على نمو وتكامل الجهاز العصبي, بحيث يستطيع الطفل التذكر فهو يتذكر شخصيات وأحداث من القصة وينتبه ويحفظ كلمات أو جمل أو أغنية صغيرة تترد في سياق القصة ويشغل خياله في تصوير الشخصيات والأحداث والأمكنة والأزمنة حسب ما ترد في القصة وهو كذلك يفكر عندما تعرض مشكلة في القصة ليجد حلا لها. وتسهم القصة في تنمية الوظائف العقلية مثل الذكاء العام والقدرات العقلية المختلفة مثل اللغة, قوة الادراك وكذلك القدرات المكتسبة التي تعتمد على التعليم والتدريب مثل التفكير, التذوق الأدبي والابداع والانتاج عند الأطفال. ولا يفوتنا أنها تعمل على توسيع الخيال, عندما تخاطب عواطفه من خلال الصور الابداعية والخيالية التي تلائم مرحلته الادراكية بحيث يسهل عليه أن يعيش في جو من الخبرات الخيالية الموجودة في القصة. وقد يتفاوت الأطفال في قدراتهم الخيالية والابداعية وهذا يتجلى واضحا لو طلبنا تصوير قصة استمعوا اليها بحيث نلاحظ اختلاف خيالهم وطرق تجسيدهم للصور التي ذكرها الكاتب بالكلمات.

النمو الاجتماعي:تحتوي القصة على اتجاهات اجتماعية تتلاءم والعادات والتقاليد والقيم التي تسود المجتمع, والتي يرجى الحفاظ عليها. ولعل القصة من انجح استراتيجيات تعليم واكساب هذه العادات والقيم والاخلاق الكريمة. وبهذا فهي تدفع الاطفال الى حب الخير الذي يبرز في كلمات النص بحيث تقوي أواصر الانتماء للأسرة والمجتمع وتهيئه للتعامل باسلوب أفضل مع الاخرين كالمحبة والاحترام والتسامح ونبذ العنف واكتساب أفضل المهارات الاجتماعية للاتصال الايجابي الناجح مع الغير.

النمو النفسي: للقصة دور فعال وايجابي في النمو الانفعالي النفسي للطفل فهي أقصر الطرق الى ملامسة ومخاطبة عواطفه والتأثير على جهازه الانفعالي بحيث يكتسب القدرة على التحكم في الانفعالات المختلفة غير الحميدة, ويكتسب انفعالات مقبولة كالسرور والمشاركة الوجدانية والبهجة.
والقصة وصفة سريعة النتائج لتخفيف حدة التوتر والقلق لهذا فهي تستخدم في العلاج الطبي والنفسي للأطفال كعلاج الاكتئاب والاضطراب والخوف. ونأخذ بعين الاعتبار أنه من أهم أهداف القصة للطفل هو التعبير عن النفس واتاحة الفرصة للطفل للتعبير الحر عن نفسه بحيث يصرح بما يسبب له الضيق والتوتر, وبما يسبب له الفرح والسعادة, وهي بهذا تساهم في تنمية قدرته على النقد وتكوين صورة ايجابية نحو ذاته أولا ونحو الاخرين. وبهذا تكون القصة قد ساعدت في تنمية حاجات الطفل كحاجته للتوجه بحيث يطلع على الأنماط السلوكية المرغوبة التي تناسب مجتمعه الذي يعيش فيه, وحاجته للحب فهو يتعرف على علاقات من الحب تجمع المحيطين به كأفراد الأسرة او الاصدقاء أو الكائنات الحية. وكذلك الحاجة للنجاح والتقدير فمن خلال بعض مواقف النجاح والمثابرة والاجتهاد لايجاد الحل المناسب في عمل أسند الى أحد شخصيات القصة تسهم القصة في اشباع هذه الحاجة لدى الطفل. وكذلك الحاجة في الاستقلال والاعتماد على النفس والحاجة الى التقدير الاجتماعي.

فلسفة أدب الاطفال

لم يعد يختلف اثنان على أن أدب الاطفال الجيد هو أداة فعالة وناجعة من أدوات تنشئة الطفولة التي ينظر اليها بمنظار المستقبل المشرق, فهو من أقوى الوسائل لبناء شخصية طفل اليوم رجل الغد, وهو أفضل الطرق لتعريف الطفل بالحياة في أزمنتها الثلاثة: الماضي, الحاضر والمستقبل وذلك بتعريفه على خبرات ماضية تساعده على فهم أعمق وأدق للحاضر ومن ثم الاستعداد الجيد للمستقبل.

ويعتبر أدب الاطفال بساط الريح الذي ينقل الطفل الى أمكنة وأزمنة مختلفة فيطلق العنان لخياله وطاقاته الابداعية وينمي ادراكه الروحي ويصقل قدرته على تذوق الجمال وحب المعرفة والمثابرة والاكتشاف ويستمد أدب الاطفال فلسفته من فلسفة المجتمع وعاداته وتقاليده وقيمه. كما يستمد من فلسفة التربية الحديثة التي التفتت الى الطفل فأولته أهمية ورعاية خاصة جسديا, عقليا, نفسيا, واجتماعيا.

لعلي أكون قد القيت الضوء على أهمية قراءة وتقديم القصة للاطفال وذلك مساهمة في بناء شخصية الطفل رجل المستقبل الواعد, وايمانا بأن أدب الاطفال أداة للنهوض بالطفل وبالمجتمع بأسره .