منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   القصة (https://www.profvb.com/vb/f214.html)
-   -   الموت يليق بك.. (https://www.profvb.com/vb/t91591.html)

ابراهيم أوحسين 2012-03-11 11:26

الموت يليق بك..
 
الموت يليق بك..

... أدركت بفطرة الأنثى أنها على وشك وضع مولودها الأول..أوجاع..آهات..عرق..وحركات جنين لا تنثني..عبد الجليل بتلقائية البدوي يبحث في ذاكرته عن الجارة الأقرب إلى تخصص المولدات..ذاكرته لا تتضمن مستشفى ولا سيارة إسعاف..في القرى، وحدها الآلة الخشبية لنقل الأموات هي التي تقدم خدمات مضمونة، دون احتساب رسوم الشحن...
تصفح ذاكرته على عجل ،فصادف الأم يامنة ، كأنها رحمة من السماء..فقال مغتبطا: تكفينا الذاكرة نعين أنفسنا بها على شظف العيش..آه يا يامنة..لولاك ما أنجبت النساء..
ماوراء الجبال..ما وراء الفيافي..ما بين الصخور..ما وراء الحياة..
أغانينا شمس وماء وفراشات..حياة عظيمة..شريفة..كريمة..مبثوثة وموزعة على شكل نوتات، وهواء أعياه الذهاب والإياب وسط الحناجر..
أغانينا خبز وفير..أنهار وخرير..زرابي وحرير..لا فرق فيها بين الصغير والكبير..
أغانينا عدل ووفاء..أرض تفرح وتستبشر ببكاء السماء..
أغانينا لا بكاء ولا صراخ فيها..لا أوجاع ولا دماء فيها..لا فقر ولا ظلم فيها..لا سواد فيها..
أغانينا لا أحد يكره الحياة فيها..
على وجه السرعة لبت يامنة النداء، متوسدة منشفة جافة تكاد تنمحي من كثرة استعمالها وكثرة ولادات المدشر.وعبد الجليل يستأذن الجيران في بعض الحطب لإعداد ماء دافئ يعد من عدة الطبيبة !
- عبد الجليل .. زوجتك تكاد تصنف في عداد الأموات..
- سبحان من يخرج الحي من الميت ..
- ألا تطعمها ؟
- السلطات أغفلت مدشرنا في إعاناتها النادرة..والمنافذ كلها مطوقة بالبياض ..فمن أين لي بما تتمتع به نساء المدينة ؟؟
- آآآه .. لم يعد لنا طعام سوى الدعاء..!! أخرج .. وانتظر ..
أغانينا لا مكلوم فيها ولا جائع..كل قاض فيها أمين عادل..أغانينا لم تعد تُبنى فيها المحاكم..
أغانينا لا إضراباتٍ فيها ولا ثورات..لا عصيان فيها ولا احتجاجات..
أغانينا لا برد فيها ولاصقيع..الجميع فيها مستدفئ ..آمن من ويلات الزمان..لا ماء ينقصه ولا كهرباء..لا أحد فيها يمرض..لم تعد تبنى فيها المستشفيات..
أغانينا مدينة فاضلة..
بعد مخاض عسير، وحنكة أبانت عنها يامنة، ازداد ابن عبد الجليل الأول..ملأت صرخاته المتوالية كوخه الصغير..فاستبشر الأب بمولده على وقع آهات زوجته التى لم تتوقف بعد..تموت الأم بعدما أنهت واجبها الفطري..موت مقدس أنجب حياة أكثر قداسة...
تفرس الابن في تجاعيد جبهة أبيه،فأدرك بطفوليته الناضجة أن من يحمله رجل خرب الجبل جبهته العذراء أكثر مما خربتها السنون..جمع حروفه الأولى والأخيرة ، وقال: غَنِّ يا أبي، فالوطن لم يسمع أغنيتك المؤجلة..غَنّ يا أبي فالغناء يليق بك، أو مُتْ يا أبي فالموت أيضا يليق بك...



abo fatima 2012-03-11 12:43

رد: الموت يليق بك..
 
بارك الله فيك اخي الكريم

تحيتي وتقديري

ابراهيم أوحسين 2012-04-01 12:34

رد: الموت يليق بك..
 
أبو فاطمة أشكرك على مرورك..

أم الوليد 2012-04-01 12:54

رد: الموت يليق بك..
 
قصّة مؤثرة ، تُحاكي معانات صعبة وواقع مرير..
بوركت أخي الفاضل على ما سطّرته أناملك..

نزيه لحسن 2012-04-01 14:14

رد: الموت يليق بك..
 
ما وراء الجبال ، وما أمام الجبال .. مفارقة من إخراج أهل الحل و العقد ، أهل التوجيه و السهر على حاجيات البلاد و العباد .

والمفارقة تجعلك ، كملاحظ أو لاجئ في وطنه ، تعيش و ترى عالمين : عالم " يفتخر " بتقليديته و تخلفه و بؤسه المدقع ، وعالم آخر تتغنى به الأغاني ، و نصوص المسرحيات ، وخطب السياسيين السمان !!

و السي عبد الجليل يقبع في عالمه ، يسمع عن سيارة الإسعاف و الطبيب و المستشفى ، وإدارة البريد ، و مؤسسات التعليم ، و المحكمة ، و ...و.... ولكن هو - للأسف - لا يجد أمامه إلا رجال الدرك و المخزن ..

وحين ، أزف موعد مخاض زوجته ، علم أن لا مفر من مساعدة السيدة يامنة ، مع العلم أن السيدة الجليلة لا تتوفر إلا على أصابعها و علمها المكتسب ... فكانت النتيجة حسب ما كان مقدرا و مسجلا في علم الغيب .
وتبدو النتيجة طبيعية جدا : مزيدا من البؤس و الهم و الفقر و اليتم ... الكل سيقبع ببيت السي عبد الجليل إلى أن يجعل الله لذلك مخرجا .

الموت يليق بك ، قصة من كتابة و سرد المبدع ابراهيم ، و هي حكاية احتفت بجميل اللغة ، وحسن تدبير المشاهد التعبيرية ، والحوارات القليلة ، و التعليقات الصائبة للكاتب / السارد ... وهي حكاية تمتد في الزمان المستقبلي كشأنها حاضرا .
موضوع يلامس الشأن الهام للمواطن المسحوق ، و يطلق صفير الإنذار الذي لا تنفع معه الشاحنات المتلفزة ل " المساعدات " .

مزيدا من الإبداع أستاذ ..مودتي .


الساعة الآن 14:54

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd