2012-02-23, 22:14
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | قراءة في كتاب ( ظلمات و أشعة ) | كُنْ سعيدًا من كتاب ( ظلمات و أشعة ) للأديبة مي زيادة إذا كنت محسناً كن سِعيداً ! لأنَّك ملأتَ الأيدي الفارغة , وسترْتَ الأجساد العارِية, وكوّنْت من لا كيانَ له فرَضِيتَ عن نفسك , ووددْتَ إسعاد عشراتٍ و مئاتٍ لتتضاعف مسيرتك النبيلة الواحدة بتعدُّد المنتفعين بأسبابها . إذا كنت شابًّا كن سعيدًا ! لأنَّ شجرة مطالبك مُخضلَّة الغصون , وقد بعُد أمامك مرمى الآمال فتيسّر لك إخراج الأحلام إلى حيِّز الواقع إذا كنت بذلك حقيقًا. وإذا كنت شيخاً كن سعيداً ! لأنَّك عركت الدَّهر وناسه وألقيت إليك من صدق الفراسة وحسن المعالجة مقاليد الأمور :
فكلُّ أعمالك إن شئتَ منافع , والدقيقة الواحدة توازي من عمرك أعوامًا لأنَّها حافلة بالخبرة والتبصُّر وأصالة الرؤى , كأنها ثمرة الخريف موفورة النضج , غزيرة العصير , أُشبِعت بمادَّة الاكتمال والدَّسم والرَّغبة . إذا كنت كثير الأصدقاء كن سعيدًا ! لأنَّ ذاتك ترتسم في ذات كل منهم . والنجاح مع الصداقة أبهر ظهورًا والإِخفاق أقلُّ مرارة .
وجمع القلوب حولك يستلزم صفات وقدرات لا توجد في غير النفوس ذات الوزن الكبير, أهمُّها الخروج من حصن أنانيَّتك لاستكشاف ما عند الآخرين من نُبل ولُطف وذكاء . وإذا كنت كثير الأعداء كن سعيداً ! لأنَّ الأعداء سلّم الارتقاء وهم أضمن شهادة بخطورتك .
وكلما زادت منهم المقاومة والتَّحامُل , وتنوَّع الاغتياب والنميمة, زدْتَ شعورًا بأهمِّيتك , فاتَّعظت بالصَّائب من النَّقد الذي هو كالسمِّ يريدونه فتَّاكًا ولكنك تأخذه بكمِّيات قليلة فيكون لك أعظم المقوِّيات , وتُعرِض عمَّا بقي - وكان مصدره الكيد والعجز - إعراضًا رشيقًا . وهل يهتم النسر المحلّق في قصيّ الآفاق بما تتآمر له خنافس الغبراء ؟ إذا كنت عبقريّاً كن سعيداً ! فقد تجلّي فيك شعاع ألمعيّ من المقام الأسنى و رمَقك الرحمنُ بنظرة انعكست صورتها على جبهتك فكرًا , و في عينيك طلسمًا , وفي صوتك سحرًا . والألفاظ التي هي عند الآخرين
أصوات ونبرات ومقاطع صارت بين شفتيك و تحتَ لمْسِك نارًا ونورًا تلذع وتضيء , وتخجَل وتكبر , وتذِلّ وتنشُط , وتوجِع وتلطُف , وتُسخط وتُدهش , وتقول للمعنى ( كنْ ) فيكون . إذا كنت حرّاً كن سعيداً ! ففي الحرية تتمرّن القوى وتتشدَّد الملكات وتتَّسع المُمكنات .
وإنْ كنت مستعبدًا كن سعيدًا !
لأنَّ العبوديَّة أفضل مدرسة تتعلَّم فيها دروس الحرية وتقف على ما يصيِّرك لها أهلاً . إذا كنت محبًّا محبوباً كن سعيداً ! فقد دلَّلتك الحياة و ضمَّتك إلى أبنائها المختارين , وأرَتْك الألوهيَّة عطفها في تبادل القلوب ,
واجتمع النِّصفان التَّائهان في المجاهل المدلهمَّة فتجلَّت لهما بدائع الفجر وهنَّأتهما الشموس بما لم تهتدِ بعد إليه في دورتها بين الأفلاك , وأفضى إليهما الأثير بمكنون أسراره . كن سعيدًا لأن أبواب السعادة شتى .. ومنافذ الحظِّ تحصى .. و مسالك الحياة تتجدَّد مع الدقائق .. كن سعيدًا دومًا .. كن سعيدًا على كلِّ حال . عن الكاتبة : مي زيادة (1886 - 1941) كانت شاعرة وأديبة فلسطينية ، ولدت في الناصرة عام 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة ، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد . كانت تتقن ست لغات ، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية . | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=518627 التوقيع | الوفاء أن تراعي وداد لحظة ولا تنس جميل من أفادك لفظة" | |
| |