منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   القصة (https://www.profvb.com/vb/f214.html)
-   -   بابا حمو (https://www.profvb.com/vb/t88560.html)

tagnaouite 2012-02-08 20:24

بابا حمو
 
قصة قصيرة


بابا حمو*


عاد حمو إلى صنع السناتر* ، هو بارع في صنعها .. تلقى هذه الصنعة من عمه أمين الجزارين ، وصانع هذه الآلات الوترية في وقت فراغه .

كان حمو يمتهن الجزارة في المجزرة المركزية لقريته.. حدث نفسه في يوم من الأيام وهو يعالج تمزق وتر من أوتار آلة السنتير المصنوع من أمعاء الماعز ، فقال : رحم الله عمي حين علمني أن أستأنس بصنع هذه الآلات الوترية ، فالجزار عند الناس شخص لا يعرف سوى الذبح ، يسكنه جني متعطش للدماء ، و يعشق اللون الأحمر .. هو من سماني حمو، وكان يصحبني معه إلى عمله حتى أولع بحرفته وأصير جزارا بارعا مثله .

رحم الله عمي .. لقد علمني أن أصبح كذلك فنانا اكناويا مثله ، أتقن العزف على تلك السناتر، فأجعل من اللون الأحمر الذي يحبه أصحاب الأحمر من الكناويين لون حياة بعد ممات .
رحم الله عمي .. كان كلما يعلمني إحدى مهاراته ، ويراني أتقنتها يناديني، والبسمة لا تفارقه : " شربت صنعة الأجداد يا ولدي ! .. وستملك من كل ما تعلمته مني أسرار اللون الأحمر عند مالكه بابا حمو..".

طرق ساعتها باب بيته زميله في العمل اليزيد ، صاحب الصوت المبحوح .. صعد مباشرة نحو السطح .. هو يعرف منذ عشرين سنة أين يقضي صديقه وقته الفارغ بعد الزوال ..
اعتاد الجلوس معه يشربان الشاي ، ويتحدثان لمدة من الزمن .. قال حمو لصاحبه اليزيد :
- كيف حال الخروف الصغير ؟
- حاولت أن أسعفه .. فلم أستطع ..
نظر حمو إلى الخروف الذي قدم به اليزيد ، فأمسكه برفق .. كان الخروف غارقا في وداعته ، أبيض اللون ، أنقطته نقط سوداء في رأسه ومؤخرته .
وضع يده بلطف على جميع أعضاء جسمه ، فتيقن من اهتزازات جسمه أن مواضع العلة هي الرأس والكتف الأيسر ، فخمن أن يكون تلقى ضربا من أحد ، أو سقط من أعلى إلى أسفل تسبب في غيبوبته وفقدانه للحركة ، فاعتقد أصحابه بفقدانه للحياة ، فرموه في القمامة .

نهض حمو من مكانه ليحضر منديلا منشورا على حبل الغسيل .. قطع ثوبه على أشكال ضمادات ، وأحضرت له ابنته ماءا ساخنا .. شرع يدلك بمنتهى اللين الأعضاء المصابة ، وحين انتهى من الدلك ضمد تلك الأعضاء واليزيد يراقبه ويمدحه بصوته المبحوح : ما أبرعك يا حمو!..

تابع حمو حديثه مع اليزيد .. اقترب الغروب ، فقام اليزيد ، وانصرف قائلا :
- أراك صباح الغد يا حمو .. وتخبرني – إنشاء الله – عن حالة الخروف..

وعندما انصرف اليزيد .. وضع حمو تلك السناتر ، ثم نزل من السطح إلى صحن الدار ..قال لزوجته :
- أوصيك العناية بالخروف .
قالت الزوجة بإشفاق ظاهر:
- هل يمكن أن يعيش ؟
- أتمنى على الله ذلك .

وانتقل حمو إلى تلك الحظيرة المجاورة لبيته .. هل يكبر التيس الأسود المشاكس أم لا ؟ .. سيذبحه في ليلة الاحتفال ( بشعبانة) حين يشاركه الجيران في فرحة هذا الاحتفال السنوي .. سيعيشون في رحاب طقوس روحانية اكناوية بعزفه البارع على تلك السناتر التي يصنعها .

وهل يسمن الكبش ؟ .. وهل اقترب وقت وضع النعجة العرجاء لحملها ؟
كان يبدي عناية خاصة بالكبش الذي اشتراه منذ أربعة أشهر من سوق الخميس بقريته .. تعهده بكامل الرعاية منذ تلك الفترة أكثر من البهائم الأخرى لكي يراه كبشا سمينا لعيد الأضحى .

دخل حمو إلى هذه الحظيرة الصغيرة حاملا معه أكياسا من قشور الخضر والنخالة والخبز اليابس ، وقليلا من حبوب الشعير والقمح .. بدأ بالكبش مزودا إياه بكل ما يحتاجه من علف وتسمين .. أفرغ له في معلفته النخالة المخلوطة بالشعير ، ثم نظر إلى يساره فوجد التيس يشاكس بفمه ورجليه الأماميتين ليفتح الكيس المملوء بقشور الخضر .
فتح له حمو الكيس ، وتركه يأكل بنهم .. اغترف شيئا من الكيس ووضعه جهة النعجة ثم انتقل صارفا نظره إلى اليمين مهتما بكبش العيد .. وضع يده على رقبته متنقلا بها على طول ظهره ، مهتما بنموه وسمونته ، بينما الكبش يعلف في غاية الهناء والاستهراء .. أطعم حمو الشياه وتفقد أحوالها وخرج من الحظيرة إلى بيته .

في الصباح كانت الساعة تشير إلى الخامسة ، فأفاقت الأسرة من نومها كالمعتاد على صوت اليزيد ليصاحب حمو للعمل .. كم كانت سعادة اليزيد وهو يرى الخروف الصغير تدب فيه الحركة وأن صحته تتحسن ساعة بعد ساعة .. فرح حمو وهو يشاهده يلتهم قشور الخضر ، ويشرب من مشربة الماء البلاستيكية .

عظم إعجاب اليزيد ببراعة حمو .. قال لصاحبه :
- ما كنت أدري أنك معالج عطوف على الحيوان !
لبس حمو وزرته ، وخرج من بيته يصحبه اليزيد .. بينما اليزيد ما يزال مندهشا بأمر الخروف وبمهارة حمو .

سلا : خريف 1999

إبداع : محمد الزاكي .
* هوامش :

* با با حمو : شبح متعطش للدم ، ويحب اللون الأحمر عند الكناويين .
* السناتر: جمع سنتير، وهو آلة وترية ذات إيقاع موسيقي اكناوي جميل وروحاني .

http://http://www.youtube.com/watch?v=_aD_N_AgkMA&feature=related

abo fatima 2012-02-08 23:11

رد: بابا حمو
 
سلمت وسلمت يمناك

تحيتي

tagnaouite 2012-02-09 11:25

رد: بابا حمو
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abo fatima (المشاركة 506091)
سلمت وسلمت يمناك

تحيتي

شكرا على القراءة والتفاعل ... تحيتي ومودتي

الشريف السلاوي 2012-02-09 11:34

رد: بابا حمو
 
بابا حمو
يا السالب لعقول ...
جميل و ممتع ما خطّت يمينك أخي المقتدر
خالص تقديري

tagnaouite 2012-02-09 11:40

رد: بابا حمو
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشريف السلاوي (المشاركة 506395)
بابا حمو

يا السالب لعقول ...
جميل و ممتع ما خطّت يمينك أخي المقتدر
خالص تقديري

ولك كذلك أخي الكريم الشريف السلاوي بالغ عبارات الشكر ، كما أنني أقدر لك قراءتك الفاعلة الرائقة والراقية .


الساعة الآن 18:52

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd