لطيف بولا
الحلاقة بين الامس واليوم في القوش

سألت رجلا بلغ من العمر عتيا عن مهنة الحلاقة ايام زمان ثم أخذ نفسا نفسين من غليونه وقال في الحقيقة ياولدي الحلاقة لم تكن كما هي عليه اليوم من راحه ووداعه وبساطة وسرعة بفضل الادوات الكهربائية التي يستعملها الحلاق الان فهي تمتاز بجودتها وحداثتها وتطورها لذلك تكون لينة وناعمة وملساء وسهلة الاستعمال وعمل الحلاقة اليوم هو تصفيف وتنظيم الشعر اكثر من ان يكون حلاقة لذا ترى الناس يضعون رؤوسهم بين يدي الحلاقة بطمانينه وقد يغلب عليهم النعاس ويأخذهم النوم وهم على كرسي الحلاقة والحلاق يمرر مشطه الناعم على رؤوسهم وعلى نظرات صليل المقص تتناغم مع حركات أصابع الحلاق المعاصر والعطور تنتشر في المحل حتى يخال للمر وكانه في حنينه غي أيامنا لم تكون الحلاقة هكذا في أحد الايام، وقبل تسعين عاما عدت مع أخي هرمز من البيدر وأشارت الينا والدتي بحلاقة رؤوسنا عند الحلاق العم شمعون طعان لان اليوم التالي كان يوم أحد ويوم عرس ابن خالي وعندما سمعت باسم الحلاق شمعون أمتلكني الرعب لان الحلاقة في تلك الايام تعني ماتعنيه من القساوه أي جلف الشعر كليأ واحيانا مع فروه الراس وبأدوات بدائية (تسمى ) (مكريتا) أي الشفره. وعليه كان على الشخص أن يخرج من دكان الحلاق وراسه مسلوخا سلخا ومخضبا بالدم لخروف هارب من يدي القصاب بعد ان عملت به السكين جروحا بليغة وهكذا ذهب مجبرا مع أخي هرمز الى الدكان العم شمعون الحلاق في سوق القوش القديم فنادى على ولده حبيب لنقع راسينا المدبوغات دبغا من العرق و التبن ولاسيما وكانت ايام الحصاد والبيدر في وقت لانعرف الاستحمام الا في العيد أو ايام العرس... جاء ولده حبيب وراح يبلل ويدلك راسي أخي هرمز وهو يصيح... أي راس عليك ياهرمز قد ملاه القش والتبن أهذا شعر ام شوك فأجابه أخي وهل ترأني قادم من الحفلة انني قادم من البيدر ثم جلس أخي هرمز على مسطبة صغيرة فوقها حصيره أمام الحلاق وكأنه أمام المفضلة وأنا انظر اليه والى الحلاق القاسي وهو يهيى سكينه المسماه (شفره) وقلبي يضطرب من الخوف وجسمي يرتعد كالورقة ثم راحه السكين تعمل برأس أخي هرمز وكأنه يقط قلم الرصاص وكل ضربه يقلع خصلة من الشعر معها قليلا من فروه الراس فيصيع أخي هرمز... أخ قتلتني ياعمي شمعون! بغضب... صحتا ايها الاحمق! اتظنني أصبغ رأسك بالحناء؟! هذه حلاقة وليست مزاح! اجل والله انها الحلاقة عذاب ورعب ورأيت الدم يسيل سواقي على وج اخي هرمز ولتلافي ذالك أخذ عمي شمعون قليلا من البوش وهو نبات جبلي كالقطن ووضعه على الجرح. وبعد قليلا اصبحا جرحان وثلاثة واربعة حتى أمتلا رأس أخي بشجيرات البوش! أمتلكني الخوف من ذالك المشهد المرعب وانا في تلك الحالة التي يرثى عليها سمعت صوت عمي شمعون كملاك الموت ينأدي ابنه هيئ لي الرأس الثاني! فقلت في نفسي جاء كالموت ياميخا! وكالمحكوم عليه بالاعدام تسنى له قبل التنفيذ الهروب فهربت بجلدي قفزت من الدكان راكضا لا الوي الى شي حتى دخلت الدار لاهثا وأنزويت في أحدى الزواية المظلمة ولما وصل أخي هرمز الى البيت مسلوخ الراس الا من البوش مصبوغا بالدم.. نادى جارنا العم كشو الى والدي: أو جبو؟ او جبو هل حصدتم شعر هرمز لتزرعوه بوش؟! فأجاب والدي: نعم وأسقيناه معجون طماطة

شكرا لك اخي الفاضل
على ماتفضلت بانتقائه وتقديمه لنا
تحيتي