تكناويت - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2012-01-29, 22:20

رقم المشاركة : 1

tagnaouite

أستـــــاذ(ة) مــــاسي

إحصائية العضو

tagnaouite غير متواجد حالياً

تكناويت

http://http://

تكناويت

عجيب سحر هذه الموسيقى الكناوية .. سرت في عروقي ، وتخللت أعصابي ، بل سكنت عظامي حين تربعت على عرش روحي منذ كنت طفلا لم يتجاوز الخامسة من العمر .
كان ذلك عندما نزور عمتي بحي سيدي موسى .. أدخل بيتها فلا أجد زوجها .. أسألها بإلحاح عنه ، فتخبرني بأنه خرج قاصدا البحر ليعزف على آلته الوترية مقابلا الأمواج بمحاذاة ضريح الولي سيدي موسى الدكالي المشرف مرقده على البحر .. كان الضريح والبحر قريبين بخطوات قلائل .. وقبل أن أقترب إلى الضريح تنفذ إلى مسامعي نغمات اكناوية غاية في الروحانية ، وزوج عمتي ينشد عازفا " بابا موسى ... بواب المرسى ..." .. لحظات جميلة أقضيها بجانبه أشنف أذني بتوقيعاته البديعة المشيدة بمهارة عزفه ، ورسوخ قدمه في فن " تكناويت " .. فهو اكناوي أبا عن جد ، وقد علمه جده منذ كان صغيرا ، وكان جده أحد أعمدة الكناويين البارعين في العزف على " الهجهوج " ، ولا يجسر أحد أن يعزف في حضرته حتى يأذن له احتراما لمكانته وتقديرا لبراعته إلى درجة أن كل من أشرب قلبه تكناويت يرسل عبراته غزيرة وقت يكون اللحن حزينا ، لكنه مستعذب ولذيذ .
كان حديث زوج عمتي لي ونحن أمام البحر يعرفني بكثير من أسرار هذه الموسيقى ذات الجذور الأفريقية . وما استخلصته من حكاياته أن هذه الموسيقى تمرد وثورة أولئك الزنوج على الرجل الأبيض الظالم .
وبالفعل ، فالعزف على وتر الهجهوج عزف على عصب كل من يمقت العبودية ويتطلع إلى التحرر وإلى الكرامة والإباء ..فحتى" التحير " في ليالي الحضرات الكناوية ما هو سوى شطحات وفيوضات لروح كبلها القهر الاجتماعي والسياسي والنفسي ...
كان يقول لي زوج عمتي بأن " القراقب " هي محاكاة رمزية لتلك السلاسل والأغلال التي قيدت معصم وقدم الرجل السوداني وهو في طريقه للاسترقاق إلى بلدان الرجل الأبيض .
لكن الأجمل في هذه الحكايات والأسرار هو الحس الفني الرقيق والرفيع لدى زوج عمتي ... كان إنسانا عاطفيا رومانسيا يحب الخير لكل الناس ، ويحب الأمن والمسالمة ، ورغم أن تقاسيم وجهه تعطي الانطباع بالصرامة ، لكنه عندما يبتسم تشرق على ملامح وجهه ذي البشرة الدكناء بسمة أمل وحب للجميع ... هذا الحب يزداد عندما يصير بيته ذلك الفضاء الرحب لكل جيرانه الذين يشتركون في اقتناء تيس كبير لإحياء " شعبانة " ، فتفيض روح زوج عمتي بالعطاء ، ويتجسد في إبداعه لنغمات عذبة صافية .
وفي الغرفة الأخرى لبيته ، تتجمع نسوة الحي ، فأشاهد الحسناوات منهن وقد أرسلن شعورهن الفاتنة رقصا و " تحيرا " حتى تفيض أرواحهن ب" التحير " في قمة العزف المؤثر ، فيقعن فاقدات لوعيهن من شدة سحر " الهجهوج " وإيقاع " القراقب " .
مات زوج عمتي ولم أتجاوز العاشرة من عمري .. لكن نغمات عزفه وحكاياته عند صخور البحر ، وذكريات " شعبانة " وطقوس بعض الليالي الكناوية كل ذلك رسخ عندي ، فصرت منذ تلك الطفولة ممسوسا بتكناويت ، وكلما سمعت عازفا اكناويا ماهرا يعزف على الهجهوج إلا ( وركبتني الكناوية ) .
كان زوج عمتي يحب أن يسمع العزف على الهجهوج عن غيره ، بشرط أن يكون العازف يتقن عزفه .
هكذا تمر الطفولة ، ويمر معها ميراث الأجداد ، والموسيقى الكناوية هي جذور للفن التراثي الرفيع ، ولا هوية وطنية بدون الحفاظ على الجذور .
إن نغمة تكناويت تحمل ذاكرة أرواح عاشت ببلادنا ، وتأصلت بمناخها وثقافة سكانها .. ولا هوية لمن لا ذاكرة له ولا جذور له .
وما يلفت النظر هو أولئك الأجداد رغم بساطتهم ، كانوا يحملون عمقا إنسانيا رفيع الذوق والمشاعر بقلب رحب يسع الخير والتضامن والمسالمة مثلما كرهوا الضيم والعبودية .
بقلم : محمد الزاكي((tagnaouite
* قاص وناقد أدبي وفني- سلا

: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=497990

التوقيع

محمد الزاكي ( tagnaouite)

آخر تعديل الشريف السلاوي يوم 2012-01-30 في 07:42.

2012-01-29, 22:26

رقم المشاركة : 2

pro

بروفســــــــور

إحصائية العضو

pro غير متواجد حالياً

Merci pour l'article

2012-01-29, 22:37

رقم المشاركة : 3

الشريف السلاوي

مدير الإشراف

إحصائية العضو

الشريف السلاوي غير متواجد حالياً

رد: تكناويت

على الرغم من أنني لست كناويا , فإنني أحب الاستماع إلى فرقة كناوية يعزف مقدمها على آلة الهجهوج و تصاحبه آلات لقراقب ...فلا أحسّ إلاّ و رأسي يتمايل على نغمات هذا الإيقاع التراثي الجميل .
مع خالص تقديري .