منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى المواضيع الأدبية المنقولة (https://www.profvb.com/vb/f210.html)
-   -   الصباط (https://www.profvb.com/vb/t84871.html)

رشيد زايزون 2011-12-19 15:53

الصباط
 
لقد مرّ وقت كنت أحلم فيه بحذاء؛ أن يقتني لي أبي حذاءُ جلديا. فقد كنت كلما طلبت واحداً ذهب لمحل الشباشب المطاطية و أحضر لي حذاء مطاطيّا و ذكر لي مزاياه التي قد لا تخطر على بال أحد بما في ذلك البائع الذي يرغب في صرف سلعته من محلّه. أحيانا أشعر أن الحذاء المطّاطي يذوب إحراجاً من مبالغات أبي عنه، و لا غرابة في ذلك فبعض الأحذية لديها كرامة أيضاً !

مأساتي كانت عندما أتوجّه للمدرسة التي أغلب التلاميذ فيها يأتون بأحذية جلدية، و حول إن كانت جميلة أو قبيحة فكل حذاء جلدي جميل حتى يتمزّق. كنت أتخيّل نفسي كثيرا و أنا أنتعل حذاء جلديّاً و تكون صورة قدميّ حينها على شاكلة قدميّ زميلتي بيضاء البشرة، التي يعتقد كل من يراهما و هي على السبّورة تكتب نصّا أو تحلّ تمريناً إلا و ظنّ أنهما خلقتا و هما تنتعلان حذاءً. لا يجب التعجّب من هذه المبالغة، عليكم أولاً أن تشاهدوا ذلك بأعينكم، لا يوجد فراغات بين قدمها و فردة الحذاء صاحب الكعب الصغير الذي يظهر و كأنه تحفة صغيرة في أحد متاحف أوروبا. عندما تمشي لا تعرج و أيضاً لا يتنصّل الحذاء من قدميها. على عكسنا نحن الذين ترافقنا أكثر من حجرة في الصبّاط بسبب هذه الفراغات.
أعود للبيت محطّمة نفسيا و معظم الوقت أقول:
- أريد حذاءً.
فيردّ أبي من الغرفة المجاورة:
- ألم أحضر لك واحداً الشهر الماضي؟ هل تمزّق يا ابنتي؟ قولي لي هل تمزّق، سأترك كل شيء من يدي الآن و سأحضر لك آخر، كم من ابنة عندي؟ واحدة فقط يا عزيزتي.
- لم يتمزّق يا أبي. إنه لا يتمزّق، أتمنى أن أراه يتمزّق كبقيّة الأحذية، أتمنى أن تنتشر منه الروائح الكريهة، أشتهي أن أرى مساميراً تترك مكانها، كم اشتهي أن تجرحني هذه المسامير و تداوي أمّي جراحي.
- إذا لا داعي لطلب حذاء آخر. قالها بتذمّر.
أبي لا يحضر حذاءً - حتى لو كان مطاطيا- إلا إذا تمزّق، و لا يعترف بالملل من الأحذية و السأم منها، و لذلك أضطرّ لشقّها بالسكّين و ألصق التهمّة بقطع الزجاج المرمية في الطريق، أو أضيّعها في المزابل البعيدة حيث لا تستطيع العودة إلى بيتنا، فبعض الأحذية لديها أقدام !
آخر مرة ضاع منّي الحذاء بالطريقة التي تعرفون، و طلبت حذاءً و أحببت أن أعجز أبي و قلت:
- أريد حذاء بكعب يا أبي.
نظر إلي والدي بغرابة، فالأحذية المطاطية لا يُصنع لها أكعاب.
محل الشباشب يقع في سوق الخضر، ذهب أبي ليبتاع ما يمكن أن تحضّره أمّي للغداء. و عندما عاد كان وجهه باسما يبحث عنّي في أرجاء البيت.
- أين أنت يا ابنتي. ألم تطلبي حذاءً؟!

و أنا أراقبه من الغرفة الأخرى غير متحمّسة لما يفعله و هو يحاول أن يصنع لي مفاجأة، يظهر جزءً من الحذاء و يخفي الجزء الآخر داخل الكيس، عندما شاهدت المطّاط أصابني دوار لكن أبي أسرع في كشف الجزء المتبقي من الحذاء و الذي كان كعباً مطّاطياً. كان أبي فاتحاً فمه منتظراً أن أفتح فمي فرحاً و دهشة، لقد أصبح لي حذاءً بكعب !
في أحد الأيّام زارتنا قريبة لأمّي و أحضرت لي هدية، كانت حذاءً جلدياً رائعاً. من فرط الصدمة لم أفهم ما يحدث لي، لقد شعرت أن حياتي ستتغيّر و لست مستعدة لها، بدأت أجري في الفناء دون وعي، أدخل المطبخ، أخرج منه، أذهب للحمّام دون حاجة أخرج منه، غير أني لم أكن أدخل غرفة أبي، كان شيئا يخيفني منها.

الأمور صارت بخير ، ففي يومي الدراسي الأول بالحذاء الجلدي تجمّع حولي الزملاء و راحوا يهنئونني، و لم يتفرّقوا إلا بعد أن تدخّلت عصا المدرّس. لم يكن كل شيء بهذه السعادة فقد عانيت من الغبار الذي كان يترك كل الأحذية القديمة التي تمشي فوق الأرض و يتوضّع فوق حذائي، كنت أمشي مطأطئة الرأس لأمسحه أكثر مما أمشي و أنا مستقيمة، لكن كانت أياماً طويلة و جميلة بمعيّة الحذاء الجلدي، الذي استهلكته أكثر مما يحتمل، فقد زار محل تصليح الأحذية أكثر مما يزور المريض مرضا مزمنا أي طبيب. و عندما كان لابدّ أن يموت كان لابدّ من أن أشهِد الأصدقاء و الزملاء على ذلك، فذهبت به و هم يتبعونني إلى المزبلة القريبة من بيتنا، و هي مزبلة لا تمرّ عليها شاحنة البلدية، بل تبقى الأشياء ملقية فيها حتى تمرّ عليها السنين و تقضي عليها. كانت أول جنازة لحذاء في القرية. عن القرى المجاورة لا أعلم شيئاً.

لم أتقبّل هذه الخسارة و قد عدت من جديد للحذاء المطّاطي. و أصبحت عند كل سنة دراسية يتجدّد فيها الزملاء أو كلما انتقل إلى حيّنا جيراناً جدد أخذت أطفالهم للمزبلة القريبة و أطلعتهم على حذائي الرائع الذي أملكه.

منقول

الشريف السلاوي 2011-12-19 22:38

رد: الصباط
 
سلم اختيارك أخي الكريم رشيد زايزون
تم نقل الموضوع للقسم المناسب ( المواضيع المنقولة)

رشيد زايزون 2011-12-20 11:25

رد: الصباط
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشريف السلاوي (المشاركة 479121)
سلم اختيارك أخي الكريم رشيد زايزون
تم نقل الموضوع للقسم المناسب ( المواضيع المنقولة)


سرني مرور أستاذي الشريف السلاوي ، وبما أنك أول المارين فلن أبخل عليك بهذه الهدية البسيطة التي أتمنى أن تنال اعجابك

http://1.bp.blogspot.com/_0rvKBz67lt...-shoes-mid.jpg

فطيمة المراكشية 2012-06-04 10:48

رد: الصباط
 
صراحة منكذبش عليك

كنقرا ونضحك حتى سالو دموعي وما باقيش كنشوف :)
ربما الأمر غير مضحك ولكنني ضحكت ولا أعرف السبب ..

موضوع جدا رائع وقد أتاني بأفكار لكتابة شيء على أول حذاء امتلكته :)

رشيد زايزون 2012-06-04 13:00

رد: الصباط
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فطيمة المراكشية (المشاركة 565665)
صراحة منكذبش عليك

كنقرا ونضحك حتى سالو دموعي وما باقيش كنشوف :)
ربما الأمر غير مضحك ولكنني ضحكت ولا أعرف السبب ..

موضوع جدا رائع وقد أتاني بأفكار لكتابة شيء على أول حذاء امتلكته :)


أضحك الله سنك أستاذتي الكريمة ، أشكرك على الحضور الجميل وكم سرني لما كان لاختياري فضل في ان تفكري بالكتابة حول حذائك الاول ههههههههههههه ، بما أني السبب أريدك أن تهدي النص الذي ستكتبينه لي هههههههههه


الساعة الآن 10:17

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd