منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية (https://www.profvb.com/vb/f89.html)
-   -   خطبة "فياط أونو" (https://www.profvb.com/vb/t8345.html)

mustapham 2009-10-26 03:10

خطبة "فياط أونو"
 
دخل الإمام والناس جلوس ينتظرون. فسحوا له في أدب، اخترق جمعهم بعصاه وجلابيبه وعطره ووقاره وبياضه. اعتلى المنبر فسلم على الحاضرين وردوا السلام، ثم تعوذ وبسمل وحمدل وحوقل وصلعم. ثم قدم بين يدي خطبته بمقدمة أراد فيها أن يذكر بعض مستجدات الأمور ومستحدثاتها مما يعني الناس ويشغلهم في حياتهم اليومية، حتى يبين لهم حكم الشرع فيها، وينير لهم طريق الهدى، وينبههم إلى منزلقات الغي والضلال.
أما بعد، فإنه لا أعلم منكم بما يجول في خواطركم من حب الدنيا واشتهاء ملذاتها. وإن كثيرا من ملذات الدنيا حلال طيب، بل الأصل فيها كلها الإباحة، وإنما التحريم قد يرد، وقد لا يرد، فالسابق الأصيل واللاحق الوارد الدخيل، وإنما لزمكم من أمركم مراقبة الخطو أين يوضع، فإن في كثير من الأمور لشبهات، وإن من الشبهات لما يضر المؤمن ذا المروءة من حيث لا يدري.
فالخطو حمل الرجل تلو الأخرى، ووضع الرجل تلو أختها، والدوس رفس الشيء بالقدم، وضغطه بها، كما تداس دواسات الدراجات الهوائية أو كما تداس المداسات التي في ما استحدثه الأعاجم من الحديد وأخلاط ما أودع الله في بطن الأرض من المعادن الأخرى من عربات سخرها لنا، فنحن عليها وفيها راكبون، حتى صارت لنا مركوبا ذلولا نطوي على متنه المسافات، ونحمل فيه من الأهل والولد والمتاع ما نشاء، ونحمد الله إن ذكرنا، وكثيرا ما ننسى، نطلب الله العفو، ونعوذ به من النسيان.
ولما كانت العربات على ذلك القدر من الفائدة، ونعمة من النعم التي وجب شكر الخالق المنان عليها، فما لي لا أرى في شعرنا ولوحاتنا احتفاء بالسيارة يضاهي احتفاء الأولين والآخرين بالفرس؟ إنه تقصير أيما تقصير، وإن في الأمر من الجحود ما فيه. أفلم تنظروا إلى السيارة الكريمة، والعربة الأصيلة، ذات الشأن الرفيع، والباع الطويل؟ ألم تسمعوا بسيارة "أونو" وما أدراك ما سيارة أونو!
ذقنها ممدود في أنفة جمعتها إلى طيبة، فكان منها في باطن ذلك محرك بين أحشائه وخيوطه وأسلاكه وأنابيبه وتروسه من القوة ما لو اجتمعت عشرة جياد ما قدرت عليه، بل لضاهتهم مجتمعين وفاقتهم، وكسرت شوكتهم وأطاحت بأنوفهم إلى التراب. أفليس يجري فيها البنزين نارا وتستحيل النار قوة تحملك في الطرقات ما استقام منها وما انعرج، وتسافر بك عبر الأصقاع ما انبسط من أرضها وما ارتفع من هضابها وجبالها، وما تقعر من ثناياها ووديانها؟ كل ذلك على دواليب أربعة ليس سوادها إلا نقيضا لبياض صنيعها، وليس انتفاخها إلا نقيضا لتواضعها وانصرافها إلى عملها تؤديه بإتقان تُرحم عليه.
عباد الله،
أمنكم من ينكر أن في جبهة الأونو حسنا وبهاء لم تبلغه عربة غيرها، بل لم يبلغه مصنوع آخر من مصنوعات البشر منذ العصر البرونزي وإلى الآن وحتى الآن، لا جهرا ولا سرا، لا ليلا ولا نهارا، انتفاء اتصال وانقطاع؟ جبين الأونو الوضاء زجاجها الذي إن جلست إلى مقودها بدت لك منه الطرق سالكة من الرصافة إلى سباتة، ومن عين سيحند إلى نواذيبو.
طيعة القياد منساقته، إن دست باليمنى على الأيمن زادت النار في أحشائها اضطراما وزادت سرعتها ومضت بك تنساب كالطائر في الهواء، كالسمكة في الماء، كالطفل في الأحلام، كأبطال قصة رومانسية في ثنايا قصتهم الرومانسية، لا حياء في الدين. وإن أنت دست باليمنى على الأوسط كبحت جماحها، ولطفت شرارة نارها، وثنيتها عن سرعتها، وقد تضغط أكثر راغبا في إيقافها فتقف، كل ذلك وشعلة حمراء في الخلف تعلم بها الأونو من يريد أن يتعظ أن هانحن نبغي الوقوف فأرعض، أليست هذه الأونو يا من لا يعرف الأونو. فكل من لا يعرف سيارة الأونو وفضائلها، فعليه أن يستغفر ربه، ويعود عن غيه، ويلزم طريق الهدى والرشاد، ويشكر لله نعمته؛ فإن شكر النعمة يبقيها ويزيدها ويرفع الشاكر درجات.
أفلم تخرجوا من فاس، وفاس مدينة العلم، وربما كانت مدينة علماء أيضا، وقصدتم ما والاها من الجبال والمرتفعات الفاصلة بينها وبين قرية با محمد؟ من فعل منكم رآى ولا شك أرضا يطرحون بها القمامة امتدت مسافات، ورآى طيرا علاها الوسخ فلا هي البلشون الأبيض ولا هي الغراب الأسود، وأبقارا أشبه بكلاب أكلها الجوع والجرب. قرد بقرة برتقال. القرد في أمكنة كثيرة يدعي العلم، والبقرة ها هي ذي تجر قوائمها والموت يجرها بينما قرد يريد أن يجرها إلى قرد آخر يذبحها ليبيعها للقردة الأخرى، والبرتقال ها أنذا آكله وأنا خلف مقود الأونو. وانطلقت بي الأونو تتسلق تلك التلال وتتسلل بين المنعرجات كأنها تحفظ ثناياها عن ظهر قلب.
ولما أشرقت شمس اليوم الآخر، انطلقت بنا الأونو في طريق العودة، بنفس ما رأينا منها من ثقة في النفس وسهولة القياد وأمانة لا تفتر، فما هو إلا وقت وجيز حتى بدأت مدينة فاس يظهر منها جزء وتختفي ليظهر جزء آخر هناك ويختفي، حتى وجدنا أنفسنا في ممرات أحاط بنا فيها القصب وحجب رؤيتنا إلا لمسافة قصيرة، فكأنما كان ذلك إغماضة عين قبل نفتحها على المفاجأة: أنتم في مدينة العلم (والعلماء؟). هاهي الأونو تختال بنا في مواكب وجموع من العربات اغتسلت وتزينت وخرجت في أحسن هيئة، فكانت هيئتها تخجلها أمام سيارة سيمتها التواضع والإباء، في محركها ثقة وجسارة، وفي هيكلها صلابة وشطارة، وفي مصابيحها نور وإنارة، وفي صوتها أنس كعزف قيثارة.
فبوركت أونو من سيارة، وبورك مال من ابتاع أونو لنفسه ولذويه وأهله، وبورك من سبق فضله فكان كمن حمل أخاه على ظهره أكثر من شهر بالتمام والكمال، فكان في حق نفسه وقدره عادلا، وكان في حقنا وقدرنا يما عرمرما شاهقا عظيما لا تطاوله منا الأنظار ولو اشرأبت، ولا تحيط به الأفكار ولو ادعت، ولا توفيه الجوانح شكره مهما حاولت.
عباد الله، اتقوا الله، واتبعوا من القول أحسنه، وأستغفر الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله.

ميمون بوجنان 2009-10-26 09:16

رد: خطبة "فياط أونو"
 
خطبة مرحة....نص يغري بالقراءة....تقبل مروري...

أحمد أمين المغربي 2009-10-26 18:06

رد: خطبة "فياط أونو"
 
خطبة عصماء
لكن هل ألقاها وهو ممتط كوسان فياط أونو أم أن منبره مزين بالفارات الكاشفة؟
تلك هي المسألة
ههه

bermuda 2009-10-26 21:39

رد: خطبة "فياط أونو"
 
لله درك يا أخ مصطفى اضحكتنا جزاك الله عنا خيرا لكننا ننتظر مرور و ردود أصحاب الأونو لتزكية كلام فقيهنا أو تفنيده

بلابل السلام 2009-10-27 10:10

رد: خطبة "فياط أونو"
 
فبوركت أونو من سيارة، وبورك مال من ابتاع أونو لنفسه ولذويه وأهله.
هههههههههه


الساعة الآن 13:53

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd