2011-11-07, 23:11
|
رقم المشاركة : 15 |
إحصائية
العضو | | | رد: عصيد والخطابات الملكية | حادثة الشورى المصطنعة الشورى وسقيفة بني ساعدة :
اعتمد أهل السنة والجماعة على المرتكز الأساس والواقع الشرعي الذي من خلاله قد حكموا لأبي بكر بالخلافة بطرح نظرية الشورى كوسيلة لتنصيبه خليفة للمسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله فسوف أستعرض لك عزيزي القارئ حادثة السقيفة والشورى التي هي التطبيق الخارجي لهذه النظرية .
لنرى من خلال التحليل وعرض الأدلة مدى صدق الالتزام بهذه النظرية أم عدم الالتزام والأخذ بها .
السقيفة في تاريخ الطبري ذكر الطبري هذه الحادثة بشكل مفصل في تاريخه ج 2 مطبعة الاستقلال بالقاهرة سنة 1385 ه - 1929 م - ننقل منه مختصرا على قدر الحاجة من ص 455 - ص 460 - كالآتي : اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ،
وتركوا جنازة الرسول يغسله أهله ، فقالوا : نولي هذا الأمر بعد محمد ، سعد بن عبادة ، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض . . فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر سابقة الأنصار في الدين وفضيلتهم في الإسلام ، وإعزازهم وقال : استبدوا بهذا الأمر دون
الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت ، نوليك هذا الأمر ، ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا : فإن أثب مهاجرة قريش فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه ،
فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعد ؟ فقالت طائفة منهم : فإنا نقول إذا : منا أمير ومنكم أمير فقال سعد بن عبادة : هذا أول الوهن .
ص 351
سمع أبو بكر وعمر بأمر الأنصار ، فأسرعا إلى السقيفة مع أبي عبيدة بن الجراح وانحاز معهم أسيد بن حضير وعويم بن ساعدة وعاصم بن عدي من بني العجلان ، تكلم أبو بكر - بعد أن منع عمر من الكلام - فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر سابقة
المهاجرين في التصديق بالرسول دون جميع العرب ، وقال : ( فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالرسول ، وهم أولياءه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم ) .
ثم ذكر فضيلة الأنصار ، وقال : ( فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ) .
فقام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وينتقض عليكم أمركم . فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير .
فقال عمر : هيهات ! لا يجتمع اثنان في قرن واحد والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، وولي أمورهم منها ، ولنا على من آمن الحجة الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مول بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة ؟ !
فقام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق
ص 352
بهذا الأمر منهم فإنهم بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يك يدين به . أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب . أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة .
قال عمر : إذا يقتلك الله .
قال : بل إياك يقتل .
فقال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار ، إنكم كنتم أول من نصر وازر فلا تكونوا أول من بدل وغير .
فقام بشير بن سعد الخزرجي أبو النعمان بن بشير فقال : يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين ، وسابقة في هذا الدين ، ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي النعمة وأولى ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم .
فقال أبو بكر : هذا عمر ، وهذا أبو عبيدة ، فأيهما شئتم فبايعوا . فقالا : والله لا نتولى هذا الأمر عليك . . .
وقام عبد الرحمن بن عوف ، وتكلم فقال : يا معشر الأنصار إنكم وإن كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي ،
وقام المنذر ابن الأرقم فقال : ما ندفع فضل من ذكرت ، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد - يعني علي بن أبي طالب - . ( فقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع إلا عليا ) .
فقال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف قلت : إبسط يدك لأبايعك ، فلما ذهبا ليبايعاه ، سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه .
ص 353
فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير سعد عققت عقاق ! أنفست على ابن عمك الإمارة ؟
فقال : لا والله ، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعوا إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض - وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء - : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة ، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه ، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجتمعوا من أمر . . . فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة .
فقال أناس من أصحاب سعد : اتقوا سعدا لا تطأوه .
فقال عمر : اقتلوه قتله الله . ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك .
فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر فقال : والله لو حصصت منه شعره ما رجعت وفي فيك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلا يا عمر ! الرفق ها هنا أبلغ . فأعرض عنه عمر .
وقال سعد : أما والله لو أن بي قوة أقوى بها على النهوض لأسمعت من في أقطارها وسككها زئيرا يحجرك وأصحابك ، أما والله إذا لألفينك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره .
أقول : هذه الحادثة لا تحتاج إلى شرح وتعليق فهي بنفسها تكشف عن كيفية
ص 349
تولي أبي بكر للخلافة .
أين هي الشورى التي تنسجم مع الحوار والتفاهم العقلاني ؟ !
هل الشورى تتم في سقيفة أو في مزرعة خارج المدينة .
ولماذا ؟ لا تتم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى بانعقاد الأمر فيه لماذا تتم في مزرعة خارج عن المدينة ؟ وجسد الرسول صلى الله عليه وآله مسجى بعد لم يدفن .
فأين أبو بكر وعمر ( رض ) لماذا لم يشهدا دفن الرسول ولا تغسيله ولا تجهيزه حيث كانوا مشغولين بمتاعب الانقلاب ( 1 ) ومن باب أولى أن لا يشهد الغسل والتكفين والتجهيز ، عائشة زوجة النبي فقد قالت : ( ما علمنا بدفن النبي حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء ) ( 2 ) .
هل هناك عاقل يسمي هذا الأمر شورى ؟ !
فقول سعد : استبدوا بهذا الأمر دون الناس ، أجابوه ، أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ، نعدوا ما رأيت .
وقول عمر : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته .
وقول الحباب : املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهب بنصيبكم من هذا الأمر .
* هامش *
( 1 ) كنز العمال : 3 - 140 تجد أنهما لم يشهدا الدفن .
( 2 ) سيرة ابن هشام : 4 - 344 ، تاريخ الطبري : 2 - 452 و 455 طبعة أوروبا ، تاريخ ابن كثير : 5 - 270 ،
ابن الأثير في أسد الغابة : 1 - 34 في ترجمة الرسول ، وطبقات ابن سعد : ج 2 ت 2 - 78 ، وتاريخ الخميس : 1 - 191 ،
تاريخ الذهبي : 1 - 327 ، مسند أحمد بن حنبل : 6 - 62 . ( * )
ص 355
فكل هذه الكلمات من الطرفين تجد أن القوم يريد سلطة وجاها .
بالإضافة إلى المفردات الحادة التي صدرت من عمر لسعد بن عبادة : اقتلوه قتله الله . وقول عمر للحباب : قتلك الله . وقام قيس بن سعد لعمر وهو ماسك بلحيته : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة .
هل هذا مستوى الشورى يا مسلمون ؟ ! !
علي عليه السلام لم يحضر في السقيفة لماذا . . ؟ لأنه كان مشغولا في دفن سيد الكائنات ، وخاتم الرسالات بوصية من نبيه ومعلمه محمد صلى الله عليه وآله أنت تغسلني ، أنت تكفنني ، أنت تهيل علي التراب ، أنت تصلي علي ، لم يهتم بقضية الخلافة أو الزعامة وهو القائل ( إن خلافتكم لا تساوي عندي عفطة عنز أو ورقة تقضمها جرادة ) .
فكان ماكثا في بيته هو ومجموعة من أصحابه فقال في صدد ذلك أبو بكر الجواهري في احتجاج علي عليه السلام : وعلي يقول : ( أنا عبد الله وأخو رسول الله ) حتى انتهوا به إلى أبي بكر ، فقيل له : بايع فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم
وأنت أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من
الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلا فبوؤا بظلم وأنتم تعلمون . فقال عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع .
ص 356
فقال له علي : ( إحلب له يا عمر حلبا لك شطره ، أشدد له اليوم أمره ليرده عليك غدا ) . . . . لا والله لا أقبل قولك ولا أتبعك ) ( 1 ) .
فحاولوا بعدة طرق أن يكسبوا عليا عليه السلام فقد حاولوا يوما أن يغيروا العباس فقالوا أعطوه نصيبا يكون له ولعقبه من بعده فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب وتكون لكم حجة على علي إذا حال معكم ( 2 ) .
وجاء في رد العباس : ( فأما ما قلت إنك تجعله لي ، فإن كان حقا للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم ترضى ببعضه دون بعض ؟ ! وعلى رسلك فإن رسول الله من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها ) ( 3 ) .
وعندما لم ينجح هذا الأسلوب لجأوا إلى أسلوب الإكراه . قال عمر بن الخطاب : وإنه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة ( 4 ) .
فبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة . وقال له : إن أبوا فاقتلهم . فأقبل - عمر بن الخطاب ومن معه - بقبس من نار على أن يضرم عليهم
* هامش *
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 2 - ص 2 - 5 .
( 2 ) الإمامة والسياسة : لابن قتيبة : ج 1 - ص 14 ، تاريخ اليعقوبي : ج 2 - ص 124 و 125 .
( 3 ) تاريخ اليعقوبي : ج 2 - ص 124 .
( 4 ) مسند أحمد بن حنبل : ج 1 - ص 55 ، الطبري : ج 2 - ص 466 ، ابن كثير : ج 5 - ص 246 ، ابن الأثير : ج 2 - ص 124 . ( * ) | |
| |