2011-10-24, 03:10
|
رقم المشاركة : 4 |
إحصائية
العضو | | | رد: نصوص سردية للفذافي ... | منتجة.. طيبة.. هادئة.. مترابطة.. صحية مزهرة.. إلى خلية مظلمة قاتمة مريضة، جزء من كل ثقيل.. مريض.. مجهد بلا إنتاج.. متعب بلا عمل.. عائش بلا هدف.. موجود بلا غاية.. المدينة تقتل الحس الاجتماعي والمشاعر الإنسانية، وتخلق التبلد واللامبالاة، وذلك بسبب تعود سكانها تكرار سلوك ومشاهد مما يكون ملفتا للانتباه في القرى.. والواحات.. والأرياف.. والبوادي.. ففي المدينة، لا تسأل ولا تسأل عن حركة سريعة أو تجمع، أو حركة بطيئة، أو تفرق، وذلك لتعودك مشاهدة ذلك.. وبالتالي لا يلفت انتباهك حتى تسأل عنه.. فالمشاجرة.. أو بكاء إنسان.. أو سقوطه في الشارع.. أو حتى اشتعال النار في أي مكان.. بشرط أن يكون غير قريب من بيتك.. أو المرور على البائسين والنائمين على الأرصفة والواقفين على النواصي.. والمستندين إلى الحيطان.. أو جذوع أشجار المدينة حتى لو خاطبوك.. أو مدوا أيديهم إليك سائلين أو متوسلين، فهذا المشهد يتكرر في المدينة بصورة مستمرة، فيتبلد بطبيعة الحال الإحساس نحوه بمرور الزمن، ويصبح من الرسوم المكملة لصورة المدينة.. ويحسب هكذا من المشاهد المألوفة التي عندما تتكرر أمامك لا تشذ انتباهك.. حتى لو انها في بداية الأمر تستحق التوقف عندها.. أو معالجتها.. أو المساهمة في شأنها، لكن الحياة في المدينة لاتسمح بهذا، فالذي يتوقف عند مثل هذه الأمور لا يتمكن من ممارسة حياته في المدينة.. لأن ذلك يتكرر، وإذا توقفت عنده كلما تكرر، إذن، تصبح مشغولا بها باستمرار، ولأن سكان المدينة كثرة، ومن فئات مختلفة، ومستويات متباينة ثقافيا واجتماعيا.. ولأن الروابط والعلاقات الاجتماعية تتقطع بحكم العيش في المدينة.. فالجار لا يعرف حتى من هو جاره.. لأنه متغير.. ومشغول.. ولم يختر أحد أحدا.. إذن، هذا الذي يؤلمك ألمه في المدينة، أو تشاطره أفراحه، أو أتراحه.. أو يشغلك حاله، هم أناس لا يهتمون بك.. فكيف تهتم بهم؟ من أجل هذا أوكلت المدينة لمنظمات مدينية مسؤولية معالجة تلك القضايا.. فالحريق ليس من شانك، فهو من شان جهاز المطافئ. وهذا تبرير لساكن المدينة بأن لا يهتم بحريق شعت هنا أوهناك، فالمطافئ هي المسؤولة.. أنا لست رجل مطافئ .. أنا مشغول.. والمتسول من مسؤولية المنظمات الاجتماعية، ولو أعطيت كل متسول صادفني في شوارع المدينة، لأنفقت كل ما عندي على الشحاذين. فهو ليس هذا الذي أمامي، فقط، بل في كل شارع، إذن، لا تهتم بسؤاله.. ثم من قال: إنه محتاج ومسكين حقا..!؟ قد يكون أحد الكسالى، أو أحد النصابين.. فلا تتأثر بالمظهر، فكل المدينة مظاهر خادعة.. !! تظهر غير ما تبطن.. إن المشاجرة مسؤولية الشرطة، وأنا لست شرطيا حتى أتدخل بين المتشاجرين.. حتى العرض يعتدي عليه أمام سأكنى المدن فلا يكترثون.. إن ذلك مسؤولية المحتسب أو شرطة الآداب.. أو جمعية النص عن المنكر. لو توقفت عند الحريق والمشاجرة.. والعدوان على العرض.. والمتسول.. والباكي.. والشاكى.. والمسكين.. وهي مشاهد تتكرر كل يوم، وفي كل ناحية من المدينة، فهل تستطيع الوصول إلى المكان الذاهب إليه.. أو العودة إلى بيتك وعندك قدرة لمعالجة تلك الحوادث المختلفة؟ من هنا، وشيئا فشيئا يتبلد الإحساس في المدينة تجاه تلك الأمور، وتتكون قناعة بعدم المسؤولية.. ويصبح من السذاجة التصرف غير هذا التصرف البليد في أي مدينة في العالم. إن موظفا فصل من عمله لأنه خرج من مكتبه وأسعف مصابا في حادث تصادم في شارع من شوارع المدينة، فصل بتهمة ترك العمل، والتدخل في اختصاص غيره الذين هم الشرطة والإسعاف، وكل تلك المنظمات المدينية لا تشكرك إذا قمت مقامها متطوعا مساعدا.. بل تتحسس منك وتغار؟ لأنك تنافسها فيما هو مبرر عيشها في المدينة . هذه هي المدينة، طاحونة لساكنيها، وكابوس لمشيديها، تجبرك على تغيير مظهرك.. وتبديل قيمك.. وتقمصن شخصية مدينية ليس لها لون ولا طعم.. ولا رائحة ولا معنى.. حياة دودية.. (بيولوجية) تجبرك على استنشاق أنفاس الآخرين غصبا.. وعدم الاكتراث بهم مع ذلك. وتحتمي بهم فلا يحمونك ولا تحميهم.. وتجبرك المدينة على سماع أصوات الآخرين مع أنك لا تخاطبهم.. وتستنشق أنفاسهم دون أن تطلب منهم ذلك.. وتستمع إلى أصوات كل المحركات والمطارق بالكامل مع أنك غير معنى بتلك الأصوات أما أطفال المدينة فانهم أتعس من كبارها.. فهم من ظلمات إلى ظلمات.. من ظلمات ثلاث إلى الرابعة.. فمنازل المدينة ليست بيوتا بل هي جحور وكهوف محاطة بتيارات متعاكسة من حركة شوارع وزقاق المدينة.. والناس فيها تماما مثل القواقع المحتمية بأصدافها بسبب ضغط تيارات البحر وأمواجه.. فالمدينة بحر له تيارات وأمواج وبراريم وقاذورات وآتيان و زبد.. و قواقع .. فالقواقع هي الناس واطفالهم المساكين الذين يضغط ضدهم كل ما هو في المدينة، فذووهم يضغطون عليهم إلى الداخل إلى القوقعة خوفا عليهم من الشارع التيار الذي لا جدوى من عبوره لأن ثمة قواقع أخرى وكهوفا أخرى وأصدافا متجمدة هي الأخرى على الجانب الأخر من الشارع، فالى أين أنتم ذاهبون أيها الأطفال الأبرياء تلك بيوت الناس.. إنكم لا تعرفونهم، أن الذين كانوا هنا انتقلوا، هؤلاء جدد. ثم أن الشارع ليس لكم وحدكم. انه للسابلة.. الشارع يا أبنائي ليس للعب.. والشارع يضغط عليهم كذلك.. أن صغيرا دهس يوم أمس في ذاك الشارع ألانه حاول اللعب فيه.. والسنة الماضية مرت العجلات المسرعة على طفلة وهي تعبر الشارع فتمزق جسدها الصغير ولملموها في رداء أمها قطعة.. قطعة.. وأخرى خطفها محترفون.. وغيبوها أياما ثم وضعوها أمام منزل أهلها بعد أن سرقوا احدى كليتيها!!.. وطفل وضعه أطفال الشارع في صندوق ورق فداسته السيارة دون أن لخم أن فيه طفلا مسكينا. تابع ... | التوقيع | " أن تنتظر مجرد الثناء على فعلك التطوعي، فتلك بداية الحس الإنتهازي '' محمد الحيحي | |
| |