منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

...وتحت ظل المحبة التي تلازم الروح ، محبة المقاطع الشاعرية المنفتحة على الإلهام و المعنى الفائق ، محبة السباحة على موجة نبض و خفقات و أنين الكلمات ؛ آثرتُ التوقف مرة أخرى أمام الحرف الساحر و الإبداع البليغ لأخينا الإبراهيمي . وددتُ و سعيتُ لقراءة العلائق الفنية التي تكشف عمق انتساب هذا الرجل إلى طينة الشعراء العرب الحداثيين و المغمورين بأصالة الايحاء و الصورة الفنية .

لن أجامل إذا قلت ، إن القصيدة حملت القلوب النازفة إلى تحويل العاصف و الحاد و المتوهج ، إلى ايحاءات قلبية ، ورسم صور الدفء و العاطفة الحالمة .. ويكفي المتلقي أن يتوقف هنيهة أمام الصورة الشاعرية ، أو بأدق تعبير الصورة المشهدية التي انسابت من بين أنامل مبدعنا ، ليستخلص شفافية و صدق اللفظ الرائق والأسرار الخفية لمكابدة الألم :

ولو انّ عيناً حدَّقَتْ في مبسمي
لعلمتَ أين تُحطَّمُ الأحلامُ

ولو انّ زفراتي تفرُّ من الجوى
حَرَقَتْ وما تقوى لها الأجسامُ

لكنّني بَرَّدتها في بسمةٍ
فلذا فإنّي دائماً بسّامُ

إنها ميمية بتراكيب لغوية دالة و كاشفة ، فالإستجابة الجمالية تنشأ من خلال التفاعل فيما بين النص و القارئ ، حيث يتم الظفر بفك شفرة الإيماءات التصويرية الموجزة .. فهي إشارة عفوية تنبئ المحبوب بمدى قدرة المحب على اختلاق الصبر و العيش بين تمنعاته .

وقبل مشهد حرقة الفؤاد والجوى ، أخذنا الشاعر إلى حزن أعمق ، وذاكرة تداعت شوقا طفوليا ، لكون هذه الأخيرة أكثر و فاءا و إخلاصا للمعشوق الذي احتواه النسيان ! فلقد حاول شاعرنا أن يختلق جسرا و علاقة مع الطرف الآخر ، عن طريق خصوصية الذات و الإحساس بالفردانية مع ذكره للحاجة الملحة للشفاء من ضر التهيام :

مَرَّتْ عليَّ بذكركَ الأعوامُ
والشوقُ يكبرُ والفؤادُ ضُرامُ

إنْ كُنتَ تنسى ما نسيتُك ساعةً
وهل الذي بين الغرام ينامُ

لا تحْسَبَنّي والعيون صحيحةٌ
فالقلبُ مني ضرَّهُ التهيامُ

بالفعل ، يأخذنا الشاعر إلى عالمه و يسرقنا من ذواتنا ! نظم يقتحم النفس بهدوء من خلال الاعتراف و تفسير المجهول الذي يعتري كيان الانسان نتيجة ضعفه الفطري ، والكمال لله وحده .

ويتواصل هذا التدفق الشاعري بعبارات احتفظت ببنائها و رؤيتها المُتجاوزة للعرضي و العابر ، دون إغفال الانتقاء المقصود لأجمل استعارات الحب و الجمال و الحلم .. إنها رغبة جامحة لإعادة صياغة الأسرار الخفية للذات ولصناعة نوع من التحدي " الرجولي " لتلك الأنا الناهية عن تجاوز الكبرياء المشهور عربيا !!!!

فلتقرأيني ليس من ثغري الذي
كتَمَ الغرام فسحرُهُ أوهامُ

لكنّما مسِّي تَنَهُّمَ زفرتي
فبها الجواب وبينها الأسقامُ

وبلغة خلاقة ، نظم الأستاذ الشاعر قصيدة تحبل بما يعسر على الوصف .. فالشعر يبقى شعرا ، ليس بموضوعه و إنما بصياغته التي ترتقي إلى الأفق الذي ترتضيه النفس و الذات .
كانت قراءة عجلى ، حاولتْ الاقتراب من النص و مساءلة مخياله و رؤيته ..

مع جميل المحبة لشاعرنا الشافعي .