منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   المنتدى الإسلامي (https://www.profvb.com/vb/f25.html)
-   -   الاجتماعات المهدورة (https://www.profvb.com/vb/t80601.html)

رشيد زايزون 2011-10-02 08:40

الاجتماعات المهدورة
 
سامي عبد الرؤوف عكيلة

رئيس نادي صناع الحياة_فلسطين



لم يسبق لأمة من الأمم عدا الأمة الإسلامية أن فرضت على أبنائها اجتماعاً أسبوعياً مُلزماً لا غياب عنه إلا بعذر قاهر, وهو اجتماع محدد بزمن ومكان واضحين, ولحضوره معايير جامعة وشاملة, ويعد الصمت والفهم والتعقل فيه من الواجبات فمن قال لأخيه مجرد كلمة "أنصت" فقد لغا.

لو كان الهدف من صلاة الجمعة هو الاتصال بالله فقط لكان أداؤها في البيوت يجزئ, ولكن الأمر يتسع ليشمل أهدافا سياسية ومجتمعية وجماهيرية وإعلامية لا تتم إلا من خلال هذا الاجتماع الجامع الدوري المقدس.

وليس هذا فحسب، بل مفروض على الأمة أيضا اجتماع سنوي عام لعموم المسلمين يعد حضوره فرض عين على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة على الأقل, لا رفث ولا فسوق ولا عصيان, وذلك ليس بهدف التقرب من الله فحسب بل لبحث هموم وقضايا الأمة وليشهدوا منافع لهم, حتى أن الوقوف بعرفة بما فيه سماع خطبته يعتبر ركناً أصلياً لا يصح الحج بدونه فقال صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة".

وإلى جانب هذه الاجتماعات الدورية الملزمة هناك اجتماعات دائمة اعتيادية مصغرة للمسلمين خمس مرات في اليوم والليلة عبر فريضة الصلاة, وكذلك اجتماعات موسمية في العيدين وفي رمضان, واجتماعات طارئة عند الكسوف والخسوف والاستسقاء وما هنالك.

هكذا نجد أن الأمة الإسلامية الأمة المتقدمة، دون منازع، على باقي الأمم في اجتماعاتها وقدرتها على جمع أبنائها عبر نظام إداري رباني محكم, وأمة فيها هذا الكم من الاجتماعات لا سيما الأسبوعي منها وفق هذه الضوابط التنظيمية الراقية, تُرى لماذا هذا حالها الذي لا يسر صديقاً وحتما يسر عدواً ؟! أين الخلل؟ هل في المجتمعين؟! أم في موضوعات الاجتماع؟! أم في الخطباء المكلفين بقيادة هذه الاجتماعات والتحدث للناس فيها؟! أم في مرجعية هذه الخطب والخطباء؟! هل هي مؤامرة ؟! أم من عند أنفسنا؟!

لأن رواد النهضة الإسلامية الغابرة استطاعوا أن يديروا هذه الاجتماعات إدارة حكيمة ولأنهم منحوها قيمتها الحقيقية, تمكنوا من جمع الأمة في مشارقها ومغاربها على قلب رجل واحد وهدف واحد وقضية واحدة, فاستطاعوا أن يلملموا جراح الأمة ويوجّهوا طاقاتها من أجل حلم النهضة فأصبح الحلم حقيقة على أيديهم.

أين الخلل في اجتماعات الأمة اليوم؟!

1. مهمة الخطابة وإدارة الاجتماعات في البلاد الإسلامية سُلبت من أيدي العلماء الذين يمثلون ضمير الأمة وأصبحت في أيدي الزعماء وخطبائهم الموالين, وباتت الخطبة الحرة الشريفة المنتمية للأمة وهمومها من المهمات الخطيرة أو قل "الانتحارية".

2. الخطابة أصبحت عند البعض وظيفة ومصدر رزق وتكسّب, وهذا حط من قيمة الخطبة والخطباء ونزع عنها القدسية الروحانية وجعلها تابعة للصرّافين وأهوائهم.

3. بعض خطباء الأمة الموكلين بالإشراف على الاجتماعات غير مؤهلين للقيام بهذا الدور السياسي والديني العظيم, وذلك إما لضعف في العلم والفقه أو في مهارات التشويق والإقناع أو العرض والإلقاء أو اللغة والفصاحة أو قل كلها مجتمعة.

4. موضوعات هذه الاجتماعات يوم الجمعة أو في غيرها لا ترتقي إلى الهم الإسلامي المتعاظم في الأمة, بل وصل الانحدار إلى أن تصبح خطبة الجمعة ورقة مصوغة في مطابخ المخابرات والأمن العام يتسلمها الخطيب كل يوم خميس ليقرأها على الناس يوم الجمعة, أو في أحسن الأحوال يعمم رجالات الدولة موضوعات الخطب على الخطباء ويحددون لهم الخطوط الحمر التي يجب ألا يقترب منها الخطيب حذر الموت أو السجن أو الإبعاد, وكل ما يمكنه أن يغضب مولانا المعظم بتلميح أو تصريح بإشارة أو عبارة ليس هو فقط بل حاشيته وزوجته وأبناؤه حتى حلاقه ..الخ

وما العمل؟!

1. العمل يكمن في تحرير خطب الجمعة وكافة الاجتماعات الدينية من أيدي الدولة وإعادتها إلى أيدي العلماء الأحرار الأتقياء الأنقياء.

2. الارتقاء بمستوى الخطباء ومهاراتهم الخطابية واللغوية والعلمية والثقافية وحظر الخطب على الضعاف والمنفّرين الذين لا يحق لهم أن يقفوا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتكلموا بلسان حال الأمة.

3. جمع الناس في الجوامع الكبيرة بدلا من نثرهم في مساجد صغيرة هنا وهناك مما يساهم في التغلب على مشكلة نقص الخطباء الأكفاء.

4. الارتقاء بمستوى الموضوعات المطروحة لتلامس هموم الناس وقضاياهم المحلية والإقليمية والأممية.

5. وجميع الحلول المقترحة سابقا لا تتم إلا من خلال إيجاد إدارة حرة ومستقلة تشرف على الخطب والخطباء لا تتبع لحزب أو نظام.

والسؤال في النهاية, ماذا لو كانت مثل هذه الفرصة في الاجتماعات الملزمة والدورية بهذا الضبط والانضباط متاحة لأمة من الأمم الأخرى اليوم, ماذا فعلت أكثر مما فعلت؟!


الساعة الآن 19:45

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd