منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية (https://www.profvb.com/vb/f89.html)
-   -   صخرة الأحزان (https://www.profvb.com/vb/t7979.html)

محمد معمري 2009-10-22 12:37

صخرة الأحزان
 
صخرة الأحزان

كان يوم من أيام البيض، صمت وفطرت بالتمر والبيض.. ولما جن الليل، أقلعت سيارتي نحو الجبل، هناك في القمة توجد صخرة كروية عملاقة، نحتتها عبر القرون الطبيعة، كأنها موضوعة بين عمودين، أو كأنها مثبتة فوق جبلين. كنت قد هيأت من قبل كيف أتسلق إلى أعلاها، وكم كنت أجد نشوتي في منتهاها!
أوقفت السيارة، وحين نزلت ملكتني قشعريرة، فتحت الصندوق الخلفي وأنا أنظر ورائي! أخذت قضيبا حديديا والناي والعود والمصباح الضوئي.. وانطلقت المسيرة في رعب وخوف شديد، فسألت نفسي هل هناك من تهديد!؟ البلد ليس فيه النمور والسباع، هناك فقط الخنازير والضباع، وليس فيه الدببة والعقاب، هناك فقط القردة والثعالب والذئاب، وليس فيه النسور والفيلة، هناك فقط السنور والكلاب الضالة... فما بك يا نفسي ترتجفي!؟ هل صرت اليوم تخافي!؟
بينما أنا قد تجاوزت السفح قليلا وإذا بصوت أرعبني! فانتصب شعر رأسي وأنمل جلد جسدي واضطربت أحشائي وزاد قلبي في الخفقان وجف حلقي وتسربت قطرات من البول وعرق بدني.. إنهما حمامتان ضلا السبيل، فلم يجدا إلا حفرة للمبيت في الجبل، أنا أزعجتهما فطارتا إلى حيث لا أدري! لكن كاد أن يطير قلبي بسببهما إلى قبري!.. فسألت نفسي ما الفرق بين النهار والليل!؟ وما الفرق أن نكون بين البشر والانعزال!؟
كم جئت إلى هذه الصخرة نهارا فلم ألاق ما لقيت اليوم! واليوم جئتها أول مرة ليلا فلم أدر ما سر الظلام!؟ ورغم كل تلونات الرعب، تجاوزت كل الصعاب...
تربعت فوق الصخرة، والليلة كانت مقمرة، وقلت لنفسي هيت لك! اليوم جئت لخلوة بك! هذا البدر فوقنا ينشر نوره، وهذا السكون ملأ الأرجاء صمته، وهذا نسيم عليل يبعث فيك حياة جديدة، وهذه صخرة رغم صلابتها ليست عنيدة!...
وبعد مناوشة أنستني الخوف والتعب، أخذت الناي وعزفت سيمفونية القلب! وكان الصدى يردد اللحن الحزين! والدمع ينهمر على سائل خدي كأنه فيضان! كان المقطع الأول يذكرني حين وافت أبي المنية، والمقطع الثاني حين رحلت أمي وانتحرت في باطني كل أمنية!.. وضعت الناي بجانبي وأخذت العود وعزفت سيمفونية الحياة، وكانت التقاسيم الأولى تذكرني حين احترقت زوجتي!.. وبعدها بأسبوع في باب المدرسة صدمت سيارة ابنتي.. أما التقاسيم الثانية فقد خصصتها لولدي الذي دهسته شاحنة، كان قرب البيت يلعب فوق دراجة!...
وضعت العود على اليمين وكان الناي على اليسار، وقفت بينهما وقفة المحبط المقهور، فجأة! رفعت يدي مشيرا بالسبابة إلى أقصى مسافة! وبصوت حزين، كأن الجبل كان يبكي معي الشدو والأنين:

أبتاه! وا أماه! قلبي لازال يهواكما


كهذا البدر في السما نوره ساطع


صرت مهموما وقلبي مكلومــــــا


ضاق صدري والجفن صار دامع


صارت داري مرهوبـــــــــــــة


لما اغتالني الزمان في ثورة الفواجع


فيا ليل هذه يدي ممــــــــــــدودة


وهذه النيران تأججت بين أضلعي


حبيبتي! ابنتي! ولدي! حياتــــي


كل يوم أنظر قبوركم بقلب مصروع


مشغوف بحبكم بين عود وناي


ومنزل فارغ قد عدمت إليه الرجوع


حبكم رأس مالي ونبض قلبي


ومن غيركم الحياة ليل دون ما هو لامع


الزمان الذي يغرنا محا أحبابي


من فوق الأرض فشق مقطعي


أنا الضعيف المقهور مالي حيلة


استسلمت اليوم ورضيت بمصرعي


تبكيكم العيون وليست عنكم في غفلة


دفنت أحبتي في قلبي الذي بهم أنا مولوع


فيا أثر الحياة إني بقيت أطلالا


حتى أنفاسي صارت الرثاء الهلوع


وتعابيري أحزانا سنواتها طوالا


ولازلت في وحدتي للآلام أتجرع

حملت أدواتي وشرعت في النزول، صادفت في طريقي حية لاذت بالفرار تاركة عقلي في ذهول! نزلت ببطء شديد وخوف مديد، أتكئ على قضيب من حديد، وبالمصباح أنير مواضع أرجلي، إلى أن وصلت إلى سيارتي كأنني كنت أنتظر أجلي!
لم تبتسم نفسي حتى رأت أضواء السيارات والناس، ولم يطمئن قلبي حتى دخلت بيتي وغيرت الملابس...
وبعد شهر، عدت إلى المقر، فوجت تلك الصخرة في حفرة عريضة في السفح! لم يبق ظاهرا منها سوى السطح! فقلت في نفسي أأصعد إلى القمة.. أو أنزل لأجلس فوق الصخرة!؟...


بقلم: محمد معمري

أبو سامية 2009-10-22 13:05

رد: صخرة الأحزان
 
بارك الله فيك أخي الكريم و شكرا جزيلا لك على القصة التحفة تقبل مروري بود.

محمد رامي 2009-10-22 15:27

رد: صخرة الأحزان
 
رائع .. رائع
توقفت متاملا عرضا اخذني الى البعيد
قرات فيه الكثير
فوافتني ابعاده انه غير عادي
ليس بسرد . او تقرير
انه يمرر الينا الكثير
في جوف الليل السقيم
لقد جردتنا بحكمة العقل والتدبير
فكان مبررا ان ننصاع وراء الفكرة بدون تاويل
انني هنا اعانق الحرف الكبير
سلمت يمناك
كل الود .. تحيتي

محمد معمري 2009-10-23 12:07

رد: صخرة الأحزان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سامية (المشاركة 34452)
بارك الله فيك أخي الكريم و شكرا جزيلا لك على القصة التحفة تقبل مروري بود.

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريمأبو سامية أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة...
مودتي وتقدري

محمد معمري 2009-10-23 12:08

رد: صخرة الأحزان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد رامي (المشاركة 34524)
رائع .. رائع

توقفت متاملا عرضا اخذني الى البعيد
قرات فيه الكثير
فوافتني ابعاده انه غير عادي
ليس بسرد . او تقرير
انه يمرر الينا الكثير
في جوف الليل السقيم
لقد جردتنا بحكمة العقل والتدبير
فكان مبررا ان ننصاع وراء الفكرة بدون تاويل
انني هنا اعانق الحرف الكبير
سلمت يمناك

كل الود .. تحيتي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم محمد رامي أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك القيم...
مودتي وتقدري


الساعة الآن 16:22

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd