2009-10-19, 23:10
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | قم له وفّه التبجيلا | قم له وفّه التبجيلا -"اخرجوا بأقل ضجيج ممكن ...رجاء." تكالبوا على الباب يتدافعون,فارتدت إلي كلماتي تصفعني كعادتها دائما كلما أرسلتها تبث صمتا . انكببت على مذكرتي أملأ فراغها,ظلالها المتراقصة على مساحة مكتبي تحول بيني و بين ضوء النافذة اليتيمة .تلكؤها في جمع أغراضها على غير عادتها , جعلني أطيل فيها التحديق علني أستشف سببا . بخطوات مترددة تقدمت,عيناها تائهتان في أرضية الحجرة , و شفتاها ترتجفان بين رغبة في الكلام و إحجام . أمام ناظري , قفزت صورة الفتاة الخجولة التي كنتها , لا أقوى على لحظات خلوة مع أستاذاتي أو أساتذتي ,فتتلألأ بلورات دمع في مقلتي رهبة و إكبارا و احتراما . -"أستاذتي...." قالت بعد أن استجمعت أخيرا قواها و استدعت شجاعتها التي كادت تخونها في لحظة حاسمة . -"تحدثي صغيرتي, كلي آذان صاغية ". أشبكت يديها بقوة في محاولة يائسة لمنع ارتعاشهما و انتزعت نظراتها من على الأرضية, تحاول جاهدة رفعهما إلى مستوى أعلى, فما يكون إلا اندحارهما من جديد إلى أسفل . أي مصاب جلل هذا الذي يتلاعب بأعصابها, يرج نفسيتها, و يمعن في إخجالها أمامي و أمام نفسها...لك الله صغيرتي ماذا بك ؟ مخاض عسير يعتمل داخلها, احتقن وجهها حمرة, فاندفعت كلماتها حمما تلهب مسامعي من بركان جوفها الذي تعب توجعا : -"إنه يسيء معاملتي ,يسمعني كلاما ليس كالكلام ...تصرفاته معي مريبة ...و قد أصبحت أكثر جرأة ...لا يترك فرصة دون أن يستغلها لإذلالي...و التنفيس عن جنونه و ضغوطات نزواته الشيطانية ......". انهمرت أمطار عينيها غزيرة بعد مجاهدة و مكابرة و عناد... مصاب الفتاة جلل فعلا, بين ذراعي في محاولة لتهدئة توترها و امتصاص المهانة التي تشعر بها أضافت: -"كرهت المدرسة بسببه ....آتي إليها زاحفة على طريق لا أخالها تنتهي ..كلها أشواك". توطدت علاقتي بطاولتي من شدة ما أبحث بين نتوءات خشبها عن وجوه بلا حدود, بقلمي أعيد رسمها و معها أخلق حوارات... أو حروف مبعثرة أجمعها فأكون كلمات رفض و ثورة و غضب...أودعها صدر طاولتي الرحب ...في محاولة يائسة أن لا أسمع صوته و لا أرفع بصري حتى لا أرى خلقته . تمر حصته هكذا ...يسرد على مسامعنا مغامراته المجنونة ,يتفنن في استحضار من القصيد ما يخجل المجون نفسه...يشجعه تجاوب نصفنا و سكوت النصف الآخر . -"كيف يكون رد فعلك ؟". أحنت رأسها في خجل و أجابت بعد تردد:-"يعقد الرعب لساني و يشل حركتي....أتقوقع في جلستي ...يخفق قلبي بجنون حتى أوقن انفجاره في أية لحظة ...كل جوارحي تصرخ كفى و لا أستطيع فعل شيء سوى الصمت ...أخشى انفجاره في وجهي و أخشى انقلابه علي وأصبح المخطئة... إنه الأستاذ ,ملك القسم.........". "طاولتي العزيزة إلى متى السكوت....؟ لا يزيده إلا تطاولا و حماسا " "فكري جيدا ثم أعلني ثورة ".كانت نصيحة طاولتي اخترقت فكري دون أن تنطق بها . حقيبتي على كتفي و شجاعتي أثبت بها أعصابي المتوترة ...مررت أمامه تلاحقني عيون الجميع مستغربة محملقة...أنفاسي تتسارع في شوق لاستنشاق و زفير خارج هواء هذه الحجرة الملوث . وصلتني حشرجة صوته, مشيعا, كفحيح أفعى من بين ضحكته المقززة الساخرة : "ستعودين غدا وستسمعين الكلام نفسه" . في آخر الصف جلسنا معا, ركبتاي إلى ركبتيها و كفيها بين كفي تستمدان هدوء و أمنا. -"لماذا لا تخبرين والديك, أمك على الأقل ؟". -"سيكون آخر يوم لي بالدراسة... أبي رجل قروي بسيط و الباب الذي سيدخل إليه الريح يسده و يستريح ..." العالم القروي و الرجل البسيط ,لماذا الصراع و هناك حلول أسهل...كلها على حساب المرأة ,البنت تجلب العار ,الأحسن استقرارها في الدار ,و سترك نطلب يا ستار . دموعي تسابق شعري إلى الوراء و أنا أعدو بسرعة ,بإرادتي عطلت حواسي, لا أريد رؤية أحد ,و لا سماع صوت, حتى أرتمي في أحضان أمي أشكوها بلوتي .... انهارت ثلوج ضعفي و ترددي و انفجرت براكين كلماتي في حضرتها ...وقفت أمي جامدة تنظر إلي, استنكرت : -"الأستاذ...! في الصف...! يفعل ذلك ؟". -"لن أعود للدراسة بعد الآن ". -"سنرى حبيبتي .......ابتسمي فقط ". شعرت بارتجاف يديها بين يدي من جديد ضغطت عليهما برفق أهدئ روعها ,بصوت خفيض عادت تسأل : -"ماذا أفعل سيدتي ؟ لا أريد مغادرة الدراسة ؟". بعقل شارد و بصوت محمل بنبرات أمي الواثقة أجبتها : "سنرى حبيبتي....... ابتسمي فقط". | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=33254 |
| |