2011-08-03, 02:48
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | ثنائية الصورة في الحديث النبوي الشريف | ثنائية الصورة في الحديث النبوي الشريف / محفوظ فرج إبراهيم
قال الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) :
( إن مَثًل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كَمَثل غيث1 أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ2 والعشب الكثير وكان منها أجادب3 أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان4 لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلِّم5 ومثل من لم يرفع بذلك رأسا6 ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلت به ) فتح الباري شرح صحيح البخاري 2: 159ـ 160 وصحيح مسلم 15: 37ـ 38، متفق عليه من رياض الصالحين ص88
1 ـ الغيث : المطر وفي صحيح البخاري كمثل الغيث الكثير
2 ـ الكلأ : المرعى والعشب: النبات الرطب
3ـ أجادب : هي الأراضي غير الخصبة وقد ذكر القرطبي رحمه الله ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا أي شبهه
4 ـ القيعان : جمع قاع وهي الأرض التي لا نبات بها
إذ جاء التكثيف لاستجلاب الإنتباه
5 ـ لمن علم وعلم هذان مثلان لمن علم وعلم الناس / ام يعمل فكسب لنفسه الخير وإنما انتفع به غيره / الألف المختارة ج1 ص 32
6 ـ لم يرفع بذلك رأسا / أي تكبر فلم يلتفت إليه من غاية تكبره فهو كالأرض التي يغادرها الماء فلا تنفع نفسها ولاينتفع بها الناس الألف المختارة ج1 ص33
ثنائية الصورة الفنية
في الحديث النبوي الشريف صور متعددة تنطلق تفرعاتها الُمحَسّة وغير الُمحَسّة بدقة متناهية لا مثيل لها عندما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه من الهدى والعلم بمنزلة الغيث في نزوله على الأرض فقال / كمثل غيث أصاب أرضا / ففي دعوته تتعدد آثار هذه الدعوة وتتنوع بصور متعددة وتكون فوائدها ليس لها حدود وتقبلها يكون بنسب حسب طبيعة الأقوام فجعل تعامله مع البشر كما يتعامل الغيث مع الأرض . قال القرطبي رحمه الله ( ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا ـ أي شبهه ـ بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه ، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ، فكما أن الغيث يحي البلد الميت فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت ، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث فمنهم العالم المعلم فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها ، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع أداه فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به ، ومنهم من يسمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره فهو بمنزلة الأرض السبخة الملساء التي لاتقبل الماء أو تفسده على غيرها ) وقد سلك النص طريق التكثيف الذي يتبعه ، كما يعبر العاصرون ويسميه الأولون بالاجمال الذي يتبعه تفصيل ،إذ جاء التكثيف لاستجلاب الانتباه لإدراك التفصيل ، وإثارة لهفة القلوب إليها ، مما يدل على تماسك النص وترابطه ، لا في الربط الفني بين الهداية والماء ، لأنهما ضروريان لحياة الإنسان . وفي هذا القسم أيضا تقديم الأهم ، فقد قدم الهدى على العلم ، وهذا يدل على أن الإسلام يصل بالمرء إلى أعلى مراقي الصلاح والفلاح ، ثم ينطلق به إلى الحقيقة الكبرى التي تساند فكره إزاء تخرصات الاتجاهات الفكرية . في هذا القسم أيضا الإشباع ؛ إذ عبر بالغيث الكثير للدلالة على الخيرية العالية التي يحملها الإسلام المشبه بالغيث لأنه يأتي دائما ملائما نافعا غير مؤذ ولو كثر . كما أشبع بأنه أصاب أرضا مما يفيد التبليغ ، وعبر بالقول ( بعثني .... أصاب ) دلالة على الحركة ونهايتها من الله إلى باطن القلوب المجسمة في عملية الغيث .
فكانت الصور الفنية المتوالية من الدقة والترتيب بحيث يعجز عن مثلها غير شخصه( صلى الله عليه وسلم) ففي حال نزول الغيث على الأرض يكون أثره محسا وغير محس .
والمحس منه هو طائفة طيبة من التربة تتداعى منها صورتان صورة منها /قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير/ وصورة فنية أخرى / منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا / ولك أن تتأمل في هذه الصور الفنية المحسة ليذهب بك الخيال نحو أرض خضراء تزينها أنواع من النباتات وألوان من الورود .
ثم تنتقل إلى صورة محسة بجانب الصورة السابقة وهي الماء بما فيه من الجمال والنضارة .
أما غير المحس منها من التشبيه في / طائفة منها إنما هي قيعان يغيب الأثر فيها ولا يكون محسا ولكن هذا الأثر له صورتان ، صورة / لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ / وهذه تقابل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم / وصورة أخرى / مثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به /
وكل هذه الصور قائمة على صورتين تتداعى فيها من كل صورة صورتان
1ـ مثل ما بعثني الله غيث
2 ـ من الهدى والعلم أرض
ثنائية الصورة في الأرض
1 ـ طائفة طيبة
2 ـ طائفة منها أخرى إنما هي قيعان
ثنائية الصورة في الطائفة الطيبة القائمة على طباق المقابلة
1 ـ قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير
2 ـ وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا
ثنائية الصورة في طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ
1 ـ مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله فعلم وعلّم
2 ـ ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به
كما نجد التوازي بين الصيغ (لا تمسك) و (لا تنبت ) و( قبلت الماء ) و ( أمسكت الماء ) مما يرسم ذلك إصرارا على المعنى وجمالا موسيقيا مع الطباق وهنالك طابعا موسيقيا لتقسيم الفكرة ( منها طائفة طيبة ) و (منها أجادب ) ، ونلاحظ في ( إنما هي قيعان ) توكيد بالقصر للتأكيد على العناد واختناق ليكون عبرة في كل عصر . والبناء في الحديث النبوي الشريف من النوع المغلق الدائري لأنه انتهى بالمعنى الذي ابتدأ به فقوله ( مثل ما بعثني الله به ) فاتحة النص ثم ختمه ب ( هدى الله الذي أرسلت به ) أي جاء النص محققا وحدته العضوية من البداية إلى النهاية ؛ فالنص حاز على جماليات رائعة إذ جاء التصوير في لوحة اكتنفت مشاهد متعددة حافلة بزمن وحركة وألوان كما جاءت المادة الفنية موضحة للمعنى موافقة إياه فتحقق التأثير والإقناع
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
سامراء محفوظ فرج
التوازي: هو استمرار التوازن أي تعاد=ل فقرات الكلام وجمله في الايقاع القولي / ينظر الاسس النفسية لأساليب البلاغة العربية ، د. مجيد عبد الحميد ناجي،ص59
الطباق هو الجمع بين الشيء وضده / ينظر حسن التوسل في صناعة الترسل ، شهاب الدين الحلبي تحقيق أكرم عثمان يوسف ص199
الوحدة العضوية: هي ترابط أجزاء النص موضوعيا وعاطفيا وصياغة
الجزء الأول من كتابي (من ملامح الصورة الفنية في الأحاديث النبوية)محفوظ فرج إبراهيم ،المطبوع في مطبعة النحلة،مجمع باب المعظم ،بغداد ،2006م | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=412211 آخر تعديل همس الروح يوم 2011-08-04 في 12:41. |
| |