في الثامنة والنصف من صبيحة أول أيام الشهر الفضيل ألتقى حسن بزميله عبدالله في موقع عملهما ,
وقُبيل بداية الشغل , جرى بينهما حوار بإسلوب راقي و هادف , بإسلوب يندر وجوده هذه الأيام ,
ولا أُبالغ أن قلت بإسلوب يفتقده الكثير من أهل العلم أصحاب الفضائيات والتفرقة والعصبية العمياء .
لنقرأ سويا هذا الحوار الذي دار حول فلسفة الصوم لعلنا نلتمس منه الفائدة والمعرفة.
بعد المصافحة الإسلامية ,
كل عام وأنتم بخير أخي عبد الله , ,وأنت بخير وصحة وسلامة أخي حسن .
وبعد الجلوس والاستقرار
حسن : أوه اليوم أول يوم من أيام شهر الصيام لذلك أنا اشعر بالعطش والجوع
ولكني سوف اصبر لعل الله يغفر لي ذنوبي ما تقدم منها وما تأخر
عبدالله : غفر الله لك ذنبك وتقبل صيامك .
ولكن أخي حسن ليكن صيامك علاقة عبادية بينك وبين الله وليكن بإرادة ومحبة وشوق ورضا ,
وأبتعد عن التفاخر والتذمر والإفصاح خشية من أن تقع في الشرك الخفي ألا وهو ’ الرياء ’
وأما عن غفران الذنوب فلم يفرض الله الصيام كي يغفر ذنوبنا فلو كان كذلك لكان فرضا على
الله وليس رحمة وتكرما منه .
بل إن الله فرض علينا الصوم لأغراض سأذكرها لك .
حسن متشدقا : أنا اعرف بعضها , أفتح يا عبد الله أصابعك وعد معي
واحد :إن الله فرض علينا الصيام لكي نشعر بالفقراء والمساكين وما يعانونه من جوع وحرمان !!
اثنان: لكي نبتعد عن الأخطاء والممارسات السيئة ,فلا نسرق ولا نكذب ولا نغتب ولا نشتم بعضنا بعضا .
ثلاثة :لكي نقضي على شهواتنا وأهوائنا .
أممممم فقط هذا الذي أذكره أو بالأصح أعرفه .
عبدالله : التمس منك العذر أخي حسن فكل الذي ذكرته آنفا يندرج تحت عنوان آثار الصيام وليس
من غرض فرض الصيام.
حسن : كيف تقول ذلك وكل الذي ذكرته أنا هو الشائع بين الناس .
عبدالله : ليس كل ما هو شائع بين الناس صائبا , ومن أراد أن يأخذ علما يقينا فليرجع إلى أهل الاختصاص والخالق سبحانه وتعالى
يرشدنا إلى ذلك بقوله ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
حسن : إذا ماهو الصواب برأيك أنت ؟
عبدالله : أولا ما سوف أصححه لك من معلومات ليست من رأيي أنا ولكن من قراءاتي لبعض كتب أهل العلم , لذلك أنصحُك أخي بالقراءة
التي هي من أهم محصولات العلم والمعرفة , وكما تعلم ويعلم الجميع أن أول أمر نزل من السماء على نبينا محمد صلى الله عليه وآله ( اقرأ ) .

ثانيا ما ذكرته أنت من أن الله فرض علينا الصيام لكي نشعر بالفقراء ـ ليس صحيحا
لأن العطف على الفقراء والمساكين لا يتولد من الإحساس
بالجوع بل من الخُلق الكريم , والدليل هناك الكثير من الناس ممن اعتادوا على الصوم
لا يشعرون ولا حتى يتذكرون الفقراء بل همهم أنفسهم
ترى الواحد منهم يعد الدقائق والثواني لأذان المغرب لأجل ملء معدته ,
ونقطة أخرى لو كان الغرض من الصوم هو الإحساس بالجوع لما فرضه الله
على الفقراء لأنهم يحسونهُ كل يوم .

وأما بخصوص النقطة الثانية من أن الله فرض علينا الصيام في شهر رمضان لكي نبتعد عن السيئات فأسألك أخي هل نسيت أن الله لا يرضى بالذنب
في كل شهور وليس في شهر رمضان فقط ؟

وأما قولك ثالثا لكي نقضي على الشهوات والأهواء فسوف أُعطيك معلومة
ربما غابت عنك إن الميل نحو الخطيئة ليس كامنا في الجسد
حتى يتمكن الصائم الارتقاء فوق هذا الميل بالإمساك عن الأكل والشرب ,
بل الميل إلى الخطيئة يقبع داخل النفس , ربما هناك ممن تعود على
ممارسة الفاحشة وزيارة الدول التي تشيع فيها الأماكن المحرمة يتوقف عن ارتكابها ظاهريا
في النهار إلا أنه في باطنه قد يشتهها ويفكر فيها ويتحدث عنها .
وفي هذا الصدد يقول الإمام علي بن أبي طالب رض الله عنه
( صيام القلب عن الفكر في الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام )

ونكتة أخيرة أخي حسن قتل الشهوات والأهواء والبعد عن الذنوب والخطايا المحرمة
ليست من أهداف الصوم وإنما من شروط صحته وقبوله
في الحديث: عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه سمع إمرأة تسب لها جارية
وهي صائمة , فدعا رسول الله بطعام , فقال لها : كلي فقالت : إني صائمة ـــ
فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببتِ جاريتك , إن الصوم ليس من الطعام والشراب فقط ))

منقوووووول

تشرفت باطلالتك الجميلة أستاذي المحترم