2011-07-12, 14:52
|
رقم المشاركة : 11 |
إحصائية
العضو | | | رد: أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية | الأصل الثامن :
الإنصاف في ذكر ما للمبتدعة من محامـد ومـذام، وقبـول ما عندهم من حق، وردّ ما عندهم من باطل، وأن ذلك سبيل الأمة الوسط
قرر شيخ الإسلام أن منهج أهل السنة والجماعة في الثناء والذم، قائم على الكتاب والسنة والإجماع، فقال : (وأهل السنة والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وهو أن المؤمن يستحق وعد الله وفضله والثواب على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته، وأن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يُثاب عليــه ومــا يعــاقب عليــه، وما يحمد عليه وما يذم، وما يحب منه وما يبغض منه) (238).
وبيّن رحمه الله، أن هذا هو المنهج الصواب، فقال : (والصواب أن يُحمد من حال كل قوم ما حمده الله ورسوله، كما جاء به الكتاب والسنة، ويذم من حال كل قوم ما ذمه الله ورسوله، كما جاء به الكتاب والسنة) (239)، ووضح الشيخ أن هذا المنهج يضاده منهج أهل البدع، الذين لا يعذرون من أخطأ مجتهدًا، فيذمونه متغافلين عن حسناته ومحامده، فقال : (ومن جعل كل مجتهد في طاعة، أخطأ في بعض الأمور، مذمومًا معيبًا ممقوتًا، فهو مخطئ ضال مبتدع) (240).
وقد أظهر شيخ الإسلام مسلك أهل السنة والجماعة، في ثنائه وذمه للرجال والطوائف والكتب، وبيانه لقربهم من الحق وبعدهم عنه، متبعًا في ذلك سبيل الأمة الوسط، القائم على العدل والإنصاف، وإعطاء كل ذي حق حقه، من غير مداهنة في باطل، ولا غمط في حق، ومن الأمثلة على إنصافه :
أ ـ ذكره بعض محامد أهل البدع والأهواء، وبيانه أن أهل السنة يتبعون معهم العدل والإنصاف، يقول رحمه الله : (والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة، والزيدية(241) من الشيعة خير منهم، وأقرب إلى الصدق والعدل والعلم، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العـــدل والإنصــاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقًا، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء، خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقـــولون : أنتــم تنصفوننــا ما لا ينصف بعضنا بعضًا، وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد، مبني على جهل وظلم، وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين، فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس، ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض.. والخوارج تكفّر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفّرون من خالفهم، وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يكفّر فسّق، وكذلك أكثر أهل الأهواء، يبتدعون رأيًا ويكفّرون من خالفهم فيه، وأهل السنــة يتبعــون الحـق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يكفّرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحـــق وأرحـــم بالخلــق، كمــا وصــف الله به المسلمين بقولــه : (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (آل عمران : 110)، قال أبو هريرة(242) رضي الله عنه : (كنتم خير الناس للناس) (243)، وأهل السنة نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس) (244).
ويقول في موضع آخر : (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين، من الرافضة والجهمية وغيرهم، إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا) (245).
ب ـ تفصيله في الحكم على الصوفية والتصوف، بما يظهر الإنصاف : فقد بَيَّن رحمه الله تعالى، أنه وقع الاجتهاد والتنازع في طريق الصوفية (فطائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا : إنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونُقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام، وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين مــن قد يجتهـــد فيخطئ، وفيهـــم من يذنـب فيتـوب أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم، كالحلاج(246) مثلاً، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه من الطريق، مثل الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره، كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمـــن السلمي(247) فــي طبقات الصوفية(248)، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب(249)، في تاريخ بغداد(250)) (251).
جـ ـ دفاعـــه عـــن اعتقـــاد بعـض مشايــخ الصوفيــة، فقــد ناقـش أبا القاسم القشيري(252)، في دعواه أن اعتقاد أكابر مشايخ الصوفية مثل : الفضيــل بن عيــاض(253)، وأبي سليمــان الداراني(254)، ويوسـف ابن أسباط، وحذيفة المرعشي(255)، ومعروف الكــرخي(256)، والجنيــد ابن محمد، وسهل بن عبد الله التُّسْتَري(257)، موافق لاعتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية بما يطول نقله، لذلك أقتصر منه على مقدمته : (فصل فيما ذكره الشيخ أبو القاسم القشيري في رسالته المشهورة، من اعتقاد مشايخ الصوفية، فإنه ذكر من متفرقات كلامهم، ما يستدل به على أنهم كانوا يوافقون اعتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية، وذلك هو اعتقــــاد أبي القاســـم الذي تلقـــاه عن أبي بكــر بن فــورك(258)، وأبي إسحاق الإسفراييني. وهذا الاعتقاد غالبه موافق لأصول السلف وأهل السنة والجماعـــة، لكنه مقصـــر عن ذلك، ومتضمن تـرك بعض ما كانوا عليه، وزيادة تخالف ما كانوا عليه، والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ، يوافق ما كان عليه السلف، وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر، فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشايخ، مثل : الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، ومعروف الكرخي، وأبي الجنيد بن محمد، وسهل ابن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء، ما يبين حقيقة مقالات المشايخ) (259).
وفي موضع آخر قال مفصلاً حال أهل التصوف بما يدل على الإنصاف والعدل : (والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وأبو القاسم القشيري في الرسالة، كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب أهــل الحديث، كالفضيـل ابن عياض، والجنيد بن محمـــد، وسهــل بن عبــد الله التستـري، وعمــرو بن عثمان(260) المكي، وأبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي، وغيرهم، وكلامهم موجود في السنة، وصنفوا فيها الكتب، لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد، ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة، وإنما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين، فصارت المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث، وهم خيارهم وأعلامهم، وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة كهؤلاء الملاحدة) (261)، أي القائلين بوحدة الوجود، الملحدين في الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر.
وبيّن رحمه الله، منهجه في مناقشة ما ذكره أبو القاسم فقال : (اجتهدتُ في اتباع سبيل الأمة الوسط، الذين هم شهداء على الناس، دون سبيل من قد يرفعه فوق قدره، في اعتقاده وتصوفه على الطريقة التي هي أكمل وأصح مما ذكره، علماً وحالاً وقولاً وعملاً واعتقادًا واقتصادًا، أو يحطه دون قدره فيهما، ممن يسرف في ذم أهل الكلام، أو ذم طريقة التصوف مطلقًا، والله أعلم.. والذي ذكره أبو القاسم، فيه الحسن الجميل الذي يجب اعتقاده واعتماده، وفيه المجمل الذي يأخذ المحق والمبطل، وهذان قريبان، وفيــه منقـــولات ضعيفــة، ونقول عمــن لا يقتدى بهم في ذلك، فهذان مردودان، وفيه كلام حمله على معنى، وصاحبه لم يقصد نفس ما أراده هو، ثم إنه لم يذكر عنهم إلا كلمات قليلة لا تشفي في هذا الباب، وعنهم في هذا الباب من الصحيح الصريح الكبير ما هو شفاء للمقتدي بهم، الطالب لمعرفة أصولهم، وقد كتبتُ هنا نكتًا يُعرف بها الحال) (262).
د ـ تأكيده على اتباع منهج العدل، في قبول قول المخالفين وآثارهم ورواياتهم وردها، وذلك تصديقًا لقول معاذ بن جبل(263) رضي الله عنه : (اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كان كافرًا -أو قال فاجرًا- واحذروا زيغة الحكيم، قالوا : كيف تعلــم أن الكافــر يقـول الحــق؟ قال : على الحق نور) (264)، وهو ما عبّر عنه ابن تيمية بقوله : (والله قد أمرنا ألا نقول إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني، فضلاً عن الرافضي، قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون مافيه من الحق) (265).
ووضّح شيخ الإسلام كيفية الاستفادة من هذا المنهج، في التعامل مـــع مـــرويــات المخالفين وآثارهــــم، ممثـــلاً لهــا بمــــا (جمعـــــه الشيــخ أبو عبــد الرحمن السلمي ونحوه في تاريخ أهل الصُّفَّة، وأخبار زهّاد السلف، وطبقات الصوفية، يُستفـــاد منه فوائـــد جليلــة، ويتجنب منه ما فيه من الروايات الباطلة، ويتوقف فيما فيه من الروايات الضعيفة، وهكذا كثير من أهل الروايات، ومن أهل الآراء والأذواق، من الفقهاء والزهاد والمتكلمين وغيرهم، يوجد فيما يأثرونه عمن قبلهم، وفيما يذكرونه معتقدين له، شيء كثير.. وأمر عظيم من الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسولَه، ويوجد أحيانًا عندهم من جنس الروايات الباطلة أو الضعيفة، ومن جنس الآراء والأذواق الفاسدة أو المحتملة شيء كثير، ومن له في الأمة لسان صدق عام، بحيث يُثنى عليه ويُحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم، وعامته من موارد الاجتهاد التي يُعذرون فيها، وهم الذين يتبعون العدل والعلم، فهم بعداء عن الجهل والظلم، وعن اتباع الظن وما تهوى الأنفس) (266).
هـ ـ دفاعه عن بعض طوائف أهل الكلام(267)، وتفضيله لهم على من دونهم، لانتسابهم إلى مذهب أهل السنة والجماعة، في ردهم على أهل البدع المشهورين بمخالفة السنة والجماعة، كالخوارج، مما يدل على إنصافه، قال رحمه الله : (ومعلوم باتفاق المسلمين أن مَن هو دون الأشعرية، كالمعتزلة والشيعة الذين يوجبون الإسلام ويحرمون ما وراءه، فهم خير من الفلاسفة الذين يسوّغون التدين بدين الإسلام واليهود والنصارى، فكيف بالطوائف المنتسبين إلى مذهب أهل السنة والجماعة كالأشعرية والكرامية والسالمية(268) وغيرهم؟ فإن هؤلاء مع إيجابهم دين الإسلام وتحريمهم ما خالفه، يردون على أهل البدع المشهورين بمخالفة السنة والجماعة، كالخوارج والشيعة والقدرية والجهمية، ولهم في تكفير هؤلاء نزاع وتفصيل، فمن جعل الفيلسوف الذي يبيح دين المشركين واليهود والنصارى، خير من اثنتين وسبعين فرقة فليس بمسلم، فكيف بمن جعله خيرًا من طوائف أهل الكلام المنتسبين إلى الذب عن أهل السنة والجماعة) (269).
و ـ ثناؤه على بعض علماء المسلمين ممن لهم قدم راسخة، واعتذاره عن خطئهم، من أمثال القاضي أبي بكر الباقلاني(270)، وأبي ذر الهروي(271)، وهما من علماء الأشاعرة :
قال عن القاضي الباقلاني : (فيه من الفضائل العظيمة، والمحاسن الكثيرة، والرد على الزنادقة والملحدين وأهل البدع، حتى إنه لم يكن في المنتسبين إلى ابن كُلاّب والأشعري أجلَّ منه، ولا أحسن كتبًا وتصنيفًا، وبسببه انتشر هذا القول) (272).
وقال عن الهروي : (أبو ذر فيه من العلم والدين، والمعرفة بالحديث والسنة، وانتصابه لرواية البخاري(273)، عن شيوخه الثلاثة، وغير ذلك من المحاسن والفضائل، ما هو معروف به، وكان قد قدم بغداد من هراة، فأخذ طريقة ابن الباقلاني وحملها إلى الحرم، فتكلّم فيه وفي طريقته من تكلّم، كأبي نصر السجزي، وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني(274) وأمثالهما من أكابر أهل العلم والدين، بما ليس هذا موضعه، وهو ممن يرجح طريقة الضبعي(275)، والثقفي(276)، على طريقة ابن خزيمة(277) وأمثاله من أهل الحديث.. وأهل المغرب كانوا يحجون فيجتمعون به ويأخذون عنه الحديث وهذه الطريقة، ويدلهم على أصلها، فيرحل منهم من يرحل إلى المشرق، كما رحل أبو الوليد الباجي(278)، فأخذ طريقة أبي جعفر السمناني(279) الحنفي، صاحب القاضي أبي بكر(280)، ورحل بعده القاضي أبو بكر العربي، فأخذ طريقة أبي المعالي(281) في الإرشاد. ثم إنه ما من هؤلاء إلا مَن له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من مسائل أهل السنة والدين، ما لا يخفى على مَن عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء، احتاجوا طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك : منهم من يعظّمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخيار الأمور أوسطها، وهذا ليس مخصوصًا بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات : (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (الحشر : 10)، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين، من جهة الرسول صلى الله عليه و سلم، وأخطأ في بعض ذلك، فالله يغفر له خطأه، تحقيقًا للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين، حيث قالوا : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (البقرة : 286)، ومن اتبع ظنَّه وهواه، فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنَّه صوابًا بَعْدَ اجتهاده -وهو من البدع المخالفة للسنة- فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه) (282).
ز ـ دقة تقويمه لكتابي قوت القلوب وإحياء علوم الدين، وإنصافه في إثبات ما لهما وما عليهما، في إجابته لمن سأله عنهما، قال رحمه الله تعالى : (أما كتاب قوت القلوب، وكتاب الإحياء تبع له فيما يذكره من أعمال القلوب : مثل الصبر والشكر والحب والتوكل والتوحيد ونحو ذلك، وأبو طالب(283) أعلم بالحديث والأثر، وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم، من أبي حامد الغزالي(284)، وكلامه أسدُّ وأجود تحقيقًا، وأبعد عن البدعة، مع أن في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة، وأما ما في الإحياء من الكلام في المهلكات، مثل الكلام على الكِبْر والعُجب والرياء والحسد ونحو ذلك، فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في الرعاية، ومنه ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، ومنه ما هو متنازع فيه، والإحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة، تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدوًا للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين، وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد الغزالي هذا في كتبه(285)، وقالوا : مرضه الشفاء، يعني شفاء ابن سينا(286) في الفلسفة، وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُرَّهَاتِهم، وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية، العارفين المستقيمين، في أعمال القلوب، الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب، ما هو موافق للكتاب والسنة، ما هو أكثر مما يرد منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه) (287). | |
| |