الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى المواضيع الأدبية المنقولة > قصص وروايات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2011-07-05, 21:04 رقم المشاركة : 1
abou_oussama
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو








abou_oussama غير متواجد حالياً


افتراضي الصورة ... و الألوان الضائعة.



الصورة ...




و الألوان الضائعة.



كان مسكنه الذي، لشدة ضيقه، لا يكاد يكفيه، يتكون من غرفة مستطيلة، يشغل جانبا منها سرير عريض، قبالته في طرف قصي من الحجرة طاولة صغيرة، عليها تلفاز، و بضعة كتب موضوعة كيفما اتفق، و في الجهة الأخرى من الحجرة خزانة عتيقة للملابس، استحال لونها، و اهترأ خشبها. و أمام الغرفة فسحة مساحتها لا تزيد عن المتر المربع إلا بقليل، ينفذ منها إلى مرسمه الصغير، أو إلى المطبخ و الحمام، و هي كل مرافق هذا المسكن الواقع في حي من أحياء وجدة النائية، على الطريق المؤدية إلى الغرب. و كان المَرْسم فضاءه الأثير الذي يقضي فيه بعضا من نهاره، و أكثر ليله. و الرسم بالنسبة إليه، و إن كان هواية يمارسها في وقته الثالث، فإنه كان حياة ثانية بكل ما تحمل له كلمة الحياة من معنى. و كان هذا الركن من شقته، أكثر الأركان غرابة، و أقلها ترتيبا و نظاما، إذا جاز أن يقال إن الفضاءات الأخرى فيها شيء من النظام. فقد كان المرسم غاصا بأدواته و أصباغه المختلفة، الموضوعة على طاولة مستطيلة الشكل تتوسط الغرفة، أما اللوحات فقد وضعت في كل مكان ، و على مختلف الهيئات. علق بعضها، على الجدران الأربعة، و وضع بعضها على الطاولة، أو على الأرض مباشرة.
و كان في المرسم لوحات كثيرة، في طور الإنجاز، بيد أن واحدة كانت في المِِسْند الواقف في ركن من المرسم، بعْدُ لم تنشف ألوانها، كانت أكثر اللوحات شدا للانتباه، و ربما كانت أكثرها جمالا. كان يظهر على اللوحة وجه طفولي لامرأة تطل من عينيها البراءة، و تزين محياها ابتسامة لذيذة، معانيها مفتوحة على كل احتمال. و لم يكن فيما يبدو ينقصها غير لمسات قليلة، وقف لكي يكملها... و كان في كل لحظة ينظر إلى ساعة يده، أو ساعة أخرى على الحائط، في حركة دالة على القلق أو الانتظار أو نفاذ الصبر.
ترك الفُرَش و الأصباغ، و اتجه إلى المطبخ يصُبُّ فنجان قهوة، من كظيمته الموضوعة على طاولة المطبخ. و كان شرب القهوة و التدخين من أقبح عاداته التي لا تفارقه مُدَّةَ انشغاله بالرسم... صب فنجانا و أشعل سيجارة، ثم أخرج رأسه من نافذة المطبخ الصغيرة يرنو إلى الشارع الذي يبدو مقفرا جدا في هذا الوقت من النهار، فالحر يُلْجِئ الناس جميعا إلى منازلها اتقاء لشدته، خاصة أن هذا الصيف كان استثنائيا، كما لاحظ الجميع، في شدة حرارته.
عاد يائسا إلى مرسمه، و انكب على اللوحة، و حالة القلق، ما تزال تلفه، و تبعث برعشة ملحوظة في حركة يده. و لم يمض إلا قليل منذ عاد إلى لوحته، حتى سمع طرقاتٍ متواصلةً على الباب، هرع عقبها إليه يفتحه.
انفتح الباب عن امرأة، اجتازت الثلاثين بقليل، فيما تشي بذلك قسمات وجهها. و بدا عليها جمال صامت، تحسه العين كلما أمعنت في النظر. و كانت قامتها متناسقة، و كسوتها تعكس شيئا من الراحة المادية.
دخلت مسرعة ما إن انفتح الباب، كالهارب، و حين دلفت أخرج ك.. رأسه، و نظر يمنة و يسرة ليتأكد من خلو الشارع، و أن عينا لم تقع على زائرته.
حين التفت إليها، بعد أن سد الباب، كانت على وجهه ابتسامة رضى أشرق بها وجهه الذي كان قبل قليل غائما، و قال:
ــ تأخرت قليلا ...لا ؟.
ــ لم أهتد إلى العنوان بسرعة...
ثم أضافت وهي تنزع ملاءتها الرقيقة:
ــ هل ظننت أنني لن آتي؟
ــ ليس تماما.. أنا لا أيأس بسرعة.
ــ بل لا تيأس إطلاقا... ( عقبت و هي تبتسم ابتسامة دالة، ثم أضافت ) لولا إصرارك لما استطعت استدراجي لهذه الغرفة القََصِيَّة.
ضمَّها إليه قائلا في نفس متقطع، يشي بانفعاله الزائد :
ــ لم ترهقني امرأة ، كما أرهقتني أنت .
و انخرطا في قبلة فاجرة، جرها عقبها إلى ذلك السرير العريض القائم في ركن مظلم من حجرته الضيقة.
وحين خرجت من الحمام، على رأسها منديل أبيض، ليمنع عن شعرها البلل، و على جسمها فوطة أخرى تغطي ما بين الصدر و الركب، كان قد مضى على قدومها ساعة كاملة.
كان " ك ." يحضر الشاي و بعض ما تيسر لاستضافة زائرته العزيزة، وضع الصينية على طاولة صغيرة في المطبخ، و وقف منتظرا حتى تكمل ارتداء ملابسها. و عندما خرجت من الغرفة، اتجهت رأسا إلى المرسم، تستطلع في فضول تفاصيله و فوضاه، و وقفت طويلا أمام الوجه الطفولي المستقر على المسند، و الذي لم تنشف بعد ألوانه... وقفت تتأمله مليا، و قالت لـ " ك. "، دون أن تلتفت إليه، بعد أن أحست بدفء جسده في ظهرها، و حرارة أنفاسه تلفح رقبتها:
ــ لوحة رائعة... رائعة جدا.
ــ ليست أروع منك ( قال و هو يطوقها بذراعيه، و يطبع قبلة على عنقها ).
ــ لم لا تعرض لوحاتك؟؟ أنت رسام موهوب فعلا.
التفتت إليها، و ذراعاه ما يزالان يطوقانها، و تلاقت الشفتان مرة أخرى.
سحبها من يدها إلى المطبخ، و جلسا إلى الطاولة يرتشفان الشاي الساخن، و سألته مجددا :
ــ ماذا تمثل لك تلك الصورة ؟؟
ــ يبدو أنها شغلتك ... ( قال باسما، و بعد صمت أضاف) لا شيء... لا أظنها تعني لي شيئا...
ــ تقصد أنك لا تعرف ماذا تعني لك بالتحديد ...
ــ لا ... لم أعن ذلك.. و إنما قصدت أنها لا تعني لي شيئا بالفعل.
ــ كيف ذلك ؟
ــ لا أظن أن امرأة بتلك المواصفات لها وجود... لا في الواقع و لا في الحلم.
سكتت للحظة تتأمل كلامه، ثم قالت :
ــ قد أسلم لك بأنها غير موجودة في الواقع، كما تقول، من باب الجدل، لا أكثر... أما أن تقول إنه لا وجود لها في الحلم فكلام ملتبس.
ــ تقصدين أنها لو لم تكن موجودة في الحلم لما اهتديتُ إلى رسمها؟
ــ صح ... و لما كنت فكرت فيها.
وقف ليشعل سيجارة، فقد كانت القداحة في جيب سترته التي علقها على باب المطبخ، و واصل دون أن ينظر إليها:
ــ لقد فقدت إيماني بكل القيم البالية التي حفظناها صغارا... البراءة و الطهر و الجمال و الخير و الحب و .... و .... كل ذلك قوالب اخترعها الإنسان لتبرير عجزه حين يعجز، أو طغيانه حين يقتدر. و خارج هذا لا وجود لها جميعا.
قالت و هي تبتسم، في لهجة مجروحة، و صوت مبحوح:
ــ و ما الذي كنت تردده على مسامعي كل صباح منذ أن التحقت بكم في العمل؟؟ أكان كذبا و زورا ؟؟ ألم تحبني ، كما كنت تزعم ؟؟
ــ نحن لا نختلف في التسميات و القوالب... و إنما في الحقائق.. أنا أحبك وفق تصوري للحب.. و أنت تحبينني وفق تصورك..
ــ الحب عندك متعة عابرة...
لم يستطع أن يرد، لإحساسه بأن الرد، قد ينعكس سلبيا على علاقتهما الناشئة، و أحس أن موضوع القيم التي يُبْغِضها، و لا يراها غيْرَ خُدعةٍ أرستقراطية، من الهوان بحيث لا تستحق أن يُضيع لأجلها جسدا غضًّا، و وجها صبوحا, فاكتفى بتحريك رأسه في حركة خالية من المعنى، بل يمكن أن تلبس جميع المعاني. و ليخرج من المأزق الذي وجد نفسه فيه، قال في حركة مُلْتوية لتغيير الموضوع :
ــ هذه اللوحة رسمتها، لأعز أصدقائي، أردت أن أهديها له بمناسبة ذكرى زواجه... يحب زوجته كثيرا.. و لا يرى في الدنيا سواها... رسمتها له في الصورة التي يراها فيها، وجها ملائكيا نورانيا، لكن يبدو أنك أحق بهذه الصورة منه. سأهديها لك ...
همَّت أن تقول شيئا، و ربما قالته، لكنه لم يسمع لأنه قام رأسا إلى الصورة، و نزعها من مسندها، ثم لفها في ورق جريدة موضوع على الطاولة المستطيلة التي تشغل وسط حجرة المرسم، دون أن يكلّف نفسه عناء توقيعها، فكأنه يتخلص من عبء ثقيل.
حين خرجت من الشقة، وقف ك .. عند نافذة المطبخ يتأملها و هي تقطع الشارع الخلفي، في حركة سريعة ليلا تقع عليها العين، حتى اختفت خلف المنازل العتيقة التي تقع في ظهر الشقة التي يستأجرها. و تنفس حينها الصعداء، فقد انزاح عنه ذلك الهاجس الذي يؤرقه، و لا يعرف له مصدرا، حين يستضيف عنده إحدى الزائرات العابرات اللواتي يقاسمُهُنَّ سريره، و جسده، دون أن يقاسمَهُنَّ شيئا آخر من تناقضاته، و أحاسيسه، و أشيائه الصغيرة.
دخل إلى المرسم مجددا، يبحث في اللوحات المنجزة عما يصلح هدية لصديقه الأعز، محسن ... فليس أمامه من الوقت مُتَّسع ليشتغل على لوحة جديدة... وقع اختياره بعد بحث لم يطل على لوحة أخرى تمثل مِرْآة ينعكس عليها وجه غائم الملامح لا يكاد يبين، و على جانب المرآة طرف من الشمس المشرقة، و نهر جار، يبعثان في اللوحة حياة و بهجة.
عزل اللوحة، و وضعها على رف قريب، و دخل على الحمام يغسل دنسا لا يزول بالغسل.
في التاسعة من مساء ذلك اليوم، كان يقطع الشارع إلى بوابة فيلا صديقه محسن... كان صديقه مهندسا معماريا، اشتغل بعدد من مدن المغرب منذ تخرجه، قبل أن يعود به المطاف إلى مدينته الأثيرة، مدرج صباه، و منبت هواه. لم يتيسر لـ " ك." أن يجتمع به كعادتهما، طوال الفترة التي قضاها بعيدا عن وجدة، و هي فترة طويلة تمتد لثلاث عشرة سنة تقريبا، و اللقاءات التي كانت تجمعهما خلال هذه الفترة كانت، بحكم ظروف عمليهما، سريعة عابرة. و لكن اتصالهما لم يكن ينقطع، فما كان يحمله كل منهما للآخر من مودة وحب كان أكبر من أن تفصل بينه المسافات.
صداقتهما كانت مضرب مثل... ابتدأت في طفولتهما بحي من أحياء وجدة الفقيرة، فعاشا معا حياة الضيق و الشدة، و خضعا معا لظروف الحرمان التي كانت تفرض عليهما أن يقضيا عطلهما في الأسواق عونيْن للباعة حينا، و حمَّاليْْن حينا آخر... و كان عملها الصيفي أمرا ضروريا يهيئ لهما أن يوفرا حاجياتهما الدراسية. و حين شبا، كانا ملاذا أحدهما للآخر، و مرت المرحلة الثانوية، كأنها العمر كله... عرفا خلالها اللهو و المتعة و الفن و الإلحاد، و عرفا النجاح و الاجتهاد، فكانا دائما على رأس النجباء، و المجدين، الذين لا ينسيهم العبث أن يخططا لمستقبلهما، و يعملا على الخروج من حياة الحرمان و الفقر... كانت سنوات مشرقة، لولا أن كدرها الفراق.
في هذه السنوات الثلاث عشرة، تغير كل شيء، و اختلفت تصوراتهما كثيرا جدا، و شق كل منهما طريقا مخالفا للآخر، و عاش كل منهما نجاحاته و إخفاقاته الخاصة، لكن شيئا واحدا لم تستطع يد التغيير أن تدركه، ذاك هو رباط الصداقة المتين، و مشاعر الود الصادقة.
حين دلف للمرة الأولى إلى فيلا صديقه القديم، أحس برغم اختلاف المظهر، و الفضاء، و الأثاث، و رغم اختلاف الزمان و المكان، كأنه يدلف إلى بيت صديقه القديم، في ذلك الحي المنسي من أحياء وجدة... أحس كأنه يدخل إلى جزء من ماضيهما العطر...
ثلاث عشرة سنة مرت، شعر خلالها كأن الزمن توقف، ليستأنف حركته اليوم فقط...
أدخلته الخادم إلى بهو واسع مؤثث على الطريقة المغربية، و جلس ينتظر مقدم صديقه، و هو يتطلع إلى الجدران المزينة بصور باهرة الألوان، تدل على أن هوس صديقه بالفن ما يزال حاضرا لم يتغير منه شيء، و استوقفت بصره وهو يتأمل الصُّورَ صورةٌ، في إطار فضي، تتوسط الجدار الذي يستقبل الداخل إلى البهو، كانت صورة قديمة رسمها هو لصديقه، قبل أن يغادر في اتجاه حياة مجهولة، و لم يكن يظن أنها ستبقى كل هذه السنوات... صحيح أن الفن يقاوم الزمن، و يجاور الخلود...
و ما هي إلا دقائق قليلة حتى جاء محسن متلففا في ملحفة قطنية، خفيفة، مشرق المحيا، باسم الثغر. و عانقه عناقا حارا، ثم تجاذبا أحاديث طويلة، طافت بكل مواضيعهما القديمة، حتى قال محسن :
ــ سامحنا الله ... لقد كانت الوجودية شرا عشنا تحت تأثيره سنوات طويلة، حتى حجبت عنا الرؤية السليمة... كان علينا أن نغادر روايات سارتر، لنرى الحياة على صورتها الحقيقية.
رد ك.. بعد صمت :
ــ أنا لم أغادر يوما روايات سارتر أو كامو ...
ــ ألم تغادر بعد الذباب و الطاعون ؟ قال محسن في استغراب... ثم أضاف :
ــ كنت أظن أنها أفكار مراهقة، نجتازها حين يسمو تفكيرنا...
ــ أنا بعد لم يسم تفكيري ...
قال محسن مستدركا :
ــ لا .. لم أقصد ذلك. و إنما عنيت أنها أفكار براقة، تخدع البصر، لكن التأمل فيها مع الوقت يظهرها على حقيقتها... كل من أعرفهم تخلوا عن إلحادهم، و عن إعطاء معاني العبثية لكل شيء، و كل قيمة... و أظنك أيضا، تجاوزت تلك القناعات، و ما يبدو لك الآن ليس سوى خضوع مؤقت للواقع المعيش، سرعان ما ستتجاوزه... أكاد أجزم بذلك.
امتد الصمت جدارا ثقيلا بينهما للحظات، غاب كل منهما في تأملاته، حتى كسره ك...، بقوله :
ــ ما الذي يجعلك متأكدا إلى هذه الدرجة...
ــ شيء واحد .. هو أنني أعرفك.
ــ ربما لم تعد تعرفني...
ابتسم محسن ابتسامة هادئة، و قال في لهجة رقيقة :
ــ أعرفك جيدا... و حتى حين لا أعرفك، فالإنسان فينا جميعا واحد، و العبثية والإلحاد و الإيمان بنسبية كل شيء حتى القيم و المعارف، كلها ظواهر مخالفة لفطرة الإنسان، و إيمانه بها لا بدأن يكون مؤقتا... فإذا استمر، فليس سوى محاولة يائسة لخداع النفس، و التغطية على عجزها بالاعتراف بالحقيقة..
ود ك... أن يقول له إن الحقيقة التي تتكلم عنها، ليست سوى انطباع مؤقت في ذهنك، و لذلك فكل ما تبنيه على أساس التسليم بها من نتائج يصبح عرضة للزوال... و لكنه لم يرد لهذا النقاش المرهق أن يستمر، فسكت كأنه يوافق على ما ذهب إليه صديقه.
انتبه محسن إلى اللوحة الموضوعة على الطاولة الركنية بجانب ك... فقال سائلا :
ــ هل تلك لوحة جديدة؟؟
التفت إليها ك ... ثم مدها إليه، وهو يقول :
ــ لا أدري حقيقة هل هي قديمة أم جديدة... تفهم ما أعني؟
ــ بالتأكيد ... و لكني لا أسألك إلا عن تاريخها لأستطيع أن أقرأها بشكل سليم..
أجاب ك .. بعد لحظة صمت لم تدم طويلا:
ــ رسمتها منذ مدة.
أخذ محسن يفتح الغلاف البراق، و كشف عن وجه اللوحة، ثم شرع يتأملها في إعجاب شديد، وحين هم بالحديث دخلت الخادم، تخبرهما بأن المائدة جاهزة.
وقف محسن، ودعا ضيفه إلى أن يقوم معه... و قطعا الردهة القصيرة المؤدية إلى غرفة الجلوس، و مد محسن يده إلى لوحة أخرى كانت موضوعة على خوان صغير في زاوية هناك... و جلسا متقابلين، و كان محسن ما يزال ينظر إلى اللوحتين، في يديه، و يقلب بينهما بصره، و انتهت به المقارنة إلى أن يقول و هو يمد اللوحة الثانية التي كانت على الخوان، إلى ك .. ليراها :
ــ تأمل هذه اللوحة الرائعة... أجد شبها كبيرا بينهما، رغم أن راسميهما مختلفين، ألا ترى ذلك.. و هو ما يؤكد وجهة نظري في أن الإنسان واحد، و القيم واحدة...
مد ك.. يده في غير اهتمام، و تطلع إلى الصورة بعين ناعسة، لكنه سرعان ما تيقظ، و نظر في اندهاش شديد لم يخف على محسن، لقد كانت الصورة تمثل وجها طفوليا لامرأة تطل من عينيها البراءة، و تزين محياها ابتسامة لذيذة، معانيها مفتوحة على كل احتمال، وجها بريئا كان قبل ساعات في مرسمه... ذهل، و اعتراه شحوب و قلق، و قبل أن يفهم الوضع الذي وجد نفسه فيه، وجَّه بصره إلى أسفل اللوحة ليرى هل عليها توقيعه، فقال محسن الذي كان يتابع حركات عينيه في ابتسامة ظافرة:
ــ اللوحة ليست موقعة ... الرسام الذي أبدعها زميل لليلى، و قد أهداها إياها حين علم بأننا نحتفي الليلة بذكرى زواجنا...
و بدا كأنه تذكر شيئا، فنظر إلى الخادم يسألها :
ــ أين السيدة ؟؟
لم يسمع ك .. من كل ذلك شيئا فقد كان يحاول أن يفهم الموقف، و يهتدي إلى تفسير لهذه الصدفة اللعينة ... أيعقل أن تكون ليلى زوجة صديقه ؟ ألم تخبره بأن زوجها إنسان منغلق، مقيت لا يحتمل ؟؟ أتكون تلك صفات لمحسن الرجل الطاهر المحب ؟؟ أو لا يقع، و النساء كحب الرمل إلا على زوجة صديقه ؟؟ اعتراه ألم، و خنقته غصة، و شعر بأن العالم كله ينقلب في هذه اللحظات رأسا على عقب... لم يُحِرْ جوابا، و لم ينبس ببنت شفة، و استفاق على صوت محسن يقول :
ــ أراك ذهلت... ألم أقل لك إن الإنسان واحد.. و إلا كيف أقررتما معا، لا شعوريا أن القيم تحكمنا، و لا نستطيع أن ننشط خارجها ؟؟ ألم أقل لك إنني أعرفك حق المعرفة... ؟؟
و فاجأه سؤال، من أعماق ذاته المهتزة عن سبب هذه الغصة في الحلق، و ذلك الألم الثاوي في الصدر كأثقل ما يكون عليه إحساس. و ما الذي يجعله يجد في نفسه، للمرة الأولى، شعورا قاتلا بالذنب؟؟
كانت الغصة ما تزال تقف في حلقه، لكنه تحامل على نفسه، و قال في وعي غائب:
ــ و أنا قلت: ربما لم تعد تعرفني... ربما... فأنا ما عدت أعرف نفسي.



تندرارة في : 05/06/2011






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=395866
    رد مع اقتباس
قديم 2011-07-06, 23:06 رقم المشاركة : 2
فاطمة الزهراء
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء

 

إحصائية العضو








فاطمة الزهراء غير متواجد حالياً


مسابقة الصحابة والصحابيات 1

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام المرتبة الاولى لصناعة النجاح عن ورشة التفوق ه

وسام المراقبة المتميزة

وسام المركز السادس في دورة التقنيات الأسرية

افتراضي رد: الصورة ... و الألوان الضائعة.


قصة جميلة أخي أبو اسامة
اسشتمتعت فعلا بالقراءة
شكرا لك على إدراجها






التوقيع

الوفاء أن تراعي وداد لحظة ولا تنس جميل من أفادك لفظة"

    رد مع اقتباس
قديم 2011-07-07, 01:27 رقم المشاركة : 3
abou_oussama
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو








abou_oussama غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الصورة ... و الألوان الضائعة.


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء مشاهدة المشاركة
قصة جميلة أخي أبو اسامة

اسشتمتعت فعلا بالقراءة
شكرا لك على إدراجها

شكرا لك أختي فاطمة الزهراء على المرور الكريم، و الكلمة العطرة ..





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
... , الألوان , الصورة , الضائعة.


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 13:40 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd