الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > المنتديات الــــتــــربـــــويــــة الــــعــــــامــــة > منتدى المكتبة التربوية العامة > المواضيع التربوية


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2011-07-03, 10:15 رقم المشاركة : 1
رشيد زايزون
مشرف منتدى التعليم العالي ومنتدى التفتيش التربوي
 
الصورة الرمزية رشيد زايزون

 

إحصائية العضو









رشيد زايزون غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي أصول النحو و صلته بأصول الفقه



في انتظار فتح قسم يهتم باللغة العربية



منقول

لأصول، في اللغة: جمع أصل و هو: «أسفل كلّ شي ء». و قال الراغب: «أصل الشي ء قاعدته التي لو توهّمت مرتفعةلارتفع بارتفاعها سائره، لذلك قال تعالي: أصلها ثابت و فرعها في السماء.
و يطلق الأصوليّون كلمة«أصل»علي معان منها: 1 (الدليل) أو المصدر الذي يستندون إليه في استنباطالحكم الشرعي، فيقولون مثلا: «الأصل في هذه المسألة: آيةالمائدة»أو: «الأصل : حديث ابن مسعود»و أمثال ذلك.
2 و منها (القاعدة الأصولية) التي مهّدوها لكيفيّة استنباطالحكم من الدليل، كقولهم : «الأصل أنّ النصّ مقدّم علي الظاهر»و«الأصل أنّ عامّ الكتاب قطعيّ»و هكذا.
3 و منها أنّ كلمة الأصل تطلق علي«الوظيفة»التي يعمل بها المكلّف عند عدم عثوره علي دليل من الأدلّة التي يستنبطمنها الحكم إلي أن يعثر علي الدليل، فيقال: «الأصل براءةالذمّة»، أو: «الأصل استصحاب الحال السابقة»، أو: «الأصل الاحتياط».
4 و منها ما يقابل الفرع في العملية القياسية، فيقولون: الخمر أصل النبيذ»أي إنّ حكم النبيذ ينبني علي حكم الخمر، لتساويهما في العلّة.
5 و منها ما يدلّ علي«الرجحان»، فيقولون: «الأصل الحقيقة»أي إذا تردّد الأمر بين حمل الكلام علي الحقيقة أوالمجاز فإنّ الحقيقة أرجح.
و لعلّ المعاني الثلاثة الأولي هي الأقرب إلي ما نسمّيه ب«أصول الفقه»فإنّ أصول الفقه تعني: الأدلّة التي يستنبط منهاالفقه، كما تعني القواعد التي تتمّ بها عملية الاستنباط من الأدلّة، و تعني أيضا الأصول العملية التي نجري عليها عند خفاءتلك الأدلّة، و هذه الثلاثة تشترك بالمعني اللغوي للأصل، أي: «الأساس الذي ينبني عليه الشي ء».
و في تشخيص الأدلّة و الأصول العملية اتّفق الأصوليون علي: النصّ الشعري من الكتاب و السّنّة و الإجماع، ثم اختلفوا، بعد ذلك، في أدلّة ما لا نصّ فيه: القياس، و دليل العقل، و الاستحسان، و الاستصحاب و المصالح المرسلة، و غيرها.
و في القواعد الممهدة لعملية الاستنباط من الأدلّة اتّفقواعلي اليسير منها، و اختلفوا في الأكثر، فتراهم مختلفين في: طرق وصول النصّ، و أوجه دلالته، و في كيفية حصول الإجماع و نقله، و في أركان القياس و مسالك علّته، و في مصاديق ما يمكن أن يكون مسرحا لإدراك العقل حكم اللّه فيه، و أمثال ذلك.
أمّا النحاة فيعنون بما يسمّونه: «أصول النحو»ما عناه الأصوليون من«أصول الفقه»بشقّيها، أي الأدلّة و المصادر التي يبني عليها النحو. . . و القواعد الممهّدة لاستنباط الحكم النحوي من هذه الأدلة و المصادر، و أبرز من كتب في أصول النحو و لعلّه أول من أسّس ذلك هو أبو الفتح عثمان بن جني (392 ه) في«الخصائص»ثم تلاه أبو البركات الأنباري (577 ه) في كتابه«لمع الأدلّة»ثم جلال الدين السيوطي (911 ه) في كتاب«الاقتراح»، و لم أعثر، في حدود جهدي، علي كتب لقدماء النحاة تعني بهذه الأصول غير ما ذكرت.
و قد كان لمنهج البحث الأصولي أثره الكبير في منهج البحث النحوي في كل من الناحيتين: تشخيص الأدلّة. . و أوجه دلالتها. و ربما علّل بعض النحويّين ذلك: بأنّ«النحو معقول من منقول، كما أنّ الفقه معقول من منقول».
لذلك نجد في تشخيصهم لأدلّة النحو نفس ما وجدناه عندالأصوليّين من: النصّ«السماع»، و القياس، و الإجماع، و الاستحسان، و الاستصحاب، و غيرها. و في أوجه دلالتها نراهم يبحثون كما بحث الأصوليّون في: طرق حمل النصّ، و ثقةالنّقلة و الرواة، عن التواتر و الآحاد، و المرسل، و المجهول،
143



شروط ذلك كما يتحدّثون عن إجماع أهل العربية، و متي يكون حجّة، و متي تجوز مخالفته، و عن أنواع من الإجماع أخري، كإجماع العرب، و الإجماع السكوتي، و إحداث قول ثالث.

و تكلموا عن أقسام القياس: قياس العلّة، و قياس الشبه، و قياس الطرد. و عن أركانه الأربعة من: أصل، و فرع، و حكم، و علّة و شروط هذه الأركان و قد خص ابن جني العلّة ببحوث غاية في الدقّة، تحدّث فيها عمّا تحدّث عنه الأصوليّون، فذكرفي الخصائص أبوابا: لتخصيص العلّة 1/114، و الفرق بين العلّة و السبب 1/162، و تعارض العلل 1/166، و العلّةالمتعدّية و العلّة القاصرة 1/169، و المعلول بعلّتين 1/174و أمثال ذلك ممّا بحثه الأصوليّون في باب العلّة القياسية.
و في مسالك العلّة تحدّث السيوطي عن: النصّ عليها و الإيماءإليها، و الإجماع، و السير و التقسيم، و الشّبه، و الطرد، و عدم الفارق. و كل هذه المسالك هي التي يذكرها الأصوليّون، عادة، في مسالك العلّة الشرعية.
و عرّفوا الاستصحاب بما يشبه تعريف الأصوليّين: «إبقاءحال اللفظ علي ما يستحقّه عند عدم دليل النقل عن الأصل»و وضعوه في نفس المرتبة التي وضعها به الأصوليّون بالنسبةللأدلّة الأخري، أي أنّه لا يجوز العمل به عند وجود الأدلّةو الأمارات.
أمّا الاستحسان فقد ذكره ابن جنّي، و لكنّ الأنباري و السيوطي لم يجعلاه من أدلّتهما مع ذكرهما له لأنّهماشافعيّان و الإمام الشافعي يبطله و يقول في رسالته: «الاستحسان تلذّذ»و نقل عنه قوله: «من استحسن فقد شرّع»أو«فإنّه أراد أن يكون شارعا».
و لم ينس النحويّون أن يختموا أصولهم بما تختم به أصول الفقه عادة من باب«التعارض و الترجيح»و قد ذكروا في هذاالباب: تعارض النصوص، و تعارض الأقيسة، و تعارض النصّ و القياس و أمثال ذلك.
بعد هذا العرض الموجز لما يسمّيه هؤلاء المؤلّفون ب«أصول النحو»نستطيع، بأدني نظر، أن نشخّص الأثر الكبيرلمنهجة أصول الفقه عليه، خاصة و أنّ الّذين ألّفوا هذه الأصول و إن ادّعي كل منهم أنّه مبتكرها كانوا حريصين علي الاعتراف باتّباعهم حدّ أصول الفقه . يقول ابن جنّي و هو أول من كتب في هذه الأصول : «لم نر أحدا من علماء البلدين البصرة و الكوفة تعرّض لعمل أصول النحو علي مذهب أصول الكلام و الفقه».
و قال الأنباري: «و ألحقنا بالعلوم الثمانية يقصد علوم الأدب علمين وضعناهما: علم الجدل في النحو، و علم أصول النحو. . . علي حدّ أصول الفقه، فإنّ بينهما من المناسبةما لا خفاء به، لأنّ النحو معقول من منقول كما أنّ الفقه معقول من منقول».
و قال السيوطي عن كتابه«الاقتراح»: «في علم لم أسبق إلي ترتيبه، و لم أتقدّم إلي تهذيبه، و هو أصول النحو الذي هو بالنسبةإلي النحو كأصول الفقه بالنسبة إلي الفقه»مع أنّه نقل في كتابه جلّ ما قاله الأنباري في اللمع، و ما قال ابن جني في الخصائص.
و كل من تتّبع أصول النحو في هذه الكتب الثلاثة و بخاصةاللمع و الاقتراح يجد أثر أصول الفقه شائعا في تعريفاتها، و تقسيماتها، و شروطها، و أحكامها. بل كانت الظاهرة الشائعةفي العصور المتأخرة تقليد المؤلّفين من النحاة للفقهاءو الأصوليّين في وضع كتب علي غرارهم، كما قال أبو البركات في مقدّمة كتابه«الإنصاف»إنّه وضعه في«المسائل الخلافيةبين نحويّي البصرة و الكوفة، علي ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي و أبي حنيفة»و مثل ذلك قال في مقدمة«الاغراب في جدل الاعراب»و تبعه السيوطي في«الأشباه و النظائر النحوية»كذلك .
و ليس المهمّ هنا هو معرفة تأثّر النحاة بالأصوليّين، و لكن المهمّ أن نسأل الطريقة التي اتّبعها هؤلاء النحاة في تأصيل هذه الأصول، لنحكم بعد ذلك علي مقدار قيمتها.
الطرق المتّبعة لتأسيس الأصول.
المعروف أنّ النحو ولد أشبه ما يكون بالصناعة الكاملة من ناحية المنهج و الاستنتاج في كتب المدرستين، و بخاصة في كتاب سيبويه و معاني الفرّاء و إذا كانت هناك إضافات تستحقّ الذكر، بعدهما، فهي بلا شكّ حدثت قبل تأسيس الأصول النحوية هذه، و ذلك لأنّ النحو بعد القرن الرابع بدأ يلوك نفسه، و يدور كما هو معروف في حلقة مفرغة من التعليلات و الأوهام، و لكنّها لا تخرج غالبا عمّا جاءت به المدرستان من مسائل و أحكام.
و الذي نعرفه عن«الأصول» أيّة أصول سواء أكانت للفقه، أم للنحو، أم للأدب، أم لأيّ فنّ آخر ما هي إلاّ مناهج و أصول
144

بحث تقوم عليها أحكام ذلك الفنّ و قضاياه، من أجل ذلك ينبغي أن تكون أصول البحث في رتبة سابقة، أو موازية للبحث أو المبحوث فيه، و هذه طبيعة كل أساس يراد البناء عليه، فماذايراد إذن بهذه الأصول التي جاءت متأخّرة جدّا عن النحو، باعتباره صناعة قائمة، هذه الأصول التي استعارها (مبتكروها) من أصول علم آخر قام جنبا إلي جنب مع النحو، و بدأ بناةالعلمين معا يقيمونها في عصر متقارب، و لا بدّ أن يكون لكل منهما أسسه و مناهجه الملائمة لطبيعته؟

من حيث الأساس هناك تفسيران مقبولان لتدوين أصول أيّ علم بعد قيامه و اكتماله: 1 الطريقة التأسيسية النظرية: و هي أن يكون هذا التدوين«نقديا نظريا»و ذا طبيعة جدلية منطقية، أي إنّ واضعي تلك الأصول نظروا في أحكام و مسائل الفنّ القائم، فلم تعجبهم أصوله و مناهجه المهزوزة، لذلك طفقوا يحقّقون القواعدو الأصول المثلي التي يجب أن يقوم عليها بناء الفنّ، سواءأكانت مسائله و أحكامه السابقة صحيحة في معيار هذه الأصول الجديدة أم فاسدة.
و علي هذه الطريقة أسّس الإمام الشافعي أصوله و بني فقهه، و خالف فيه الفقه القائم في مدرستي الكوفة و المدينة أصولاو أحكاما و فيهما فقه أستاذيه: مالك بن أنس، و محمد بن الحسن الشيباني، و ذلك لأنّ أصول الشافعي و مناهجه الجديدةتبطل من أصول مالك ما كان يعتمده من«إجماع أهل المدينة»و«المصالح المرسلة»و«سنّة الصحابة»و غيرها. و تبطل من أصول العراقيّين أبي حنيفة و طلاّبه ما كانوا يرونه من«الإجماع السكوتي»و«الاستحسان»و«الرأي»، و ما كانوايشترطونه للسّنّة من شروط تضيّق دائرة الاعتماد علي الحديث النبوي.
ثم جاء المتكلّمون من أتباع مذهب الشافعي و غيرهم، فصقلوا هذه الأصول و وسّعوها و أحكموا قواعدها، و خالفوا في بعضها ما ذهب إليه إمام المذهب، و لذلك كانت هذه الطريقة تسمّي أحيانا ب«طريقة الشافعية»و أحيانا ب«طريقةالمتكلّمين».
2 الطريقة الوصفية التسجيلية: و هي أن يكون هذا التدوين في جملته «وصفا»لخطوات أصحاب الفن القائم، و طبيعته حينئذ طبيعة تاريخية، أي إنّ واضعي هذه الأصول رجعوا إلي مسائل هذا العلم و أحكامه، فلاحظوا أنّ العلماء السابقين كانوايبنون حكمهم في هذه المسألة علي هذا الأصل، و في تلك المسألة علي ذلك الأصل، و في ثالثة علي أصل ثالث، و هكذاإلي أن استقروا مسائل العلم كلّها، و ضمّوا الأصول المتشابهةبعضها إلي بعض، فحصل لهم، نتيجة استقرائهم الشامل و ملاحظتهم الدقيقة، مجموعة من أصول هذا العلم و مناهجه.
و علي هذه الطريقة دوّنت أصول الفقه عند الحنفية، و سمّيت ب«طريقة الفقهاء»علي أساس أنّ المأثور عن أقطاب المذهب و فقهائه أبي حنيفة، و أبي يوسف، و محمد بن الحسن : هي كتب الفقه فقط، و كانت هذه الكتب تضمّ المسائل التي تعرض لهم فيحكمون فيها، و قد يختلفون فيمابينهم فيحتجّ كل منهم لرأيه، و من هذه الحجج استنتج فقهاءالمذهب بعد ذلك الأصول التي كان الفقهاء الثلاثة يبنون أحكامهم عليها، و لذلك تجد أصول الفقه عند الأحناف كثيرةالاستشهاد بفروع المذهب الفقهية.
أصول النحو ليست نظرية و لا وصفية: من خلال هذين التفسيرين نستطيع أن نقوّم«أصول النحو»التي جاءت متأخّرةعن النحو، لنجد أنّها ليست تأسيسية نظرية، و ليست وصفيةتاريخية، و إنّما هي عمل تقليدي صرف لأصول علم آخر، يبعدكثيرا بطبيعته و مصادر أحكامه عن علم النحو.
أ أما أنّها ليست تأسيسية نظرية فلسببين: 1 أنّ بناة هذه الأصول لم يعملوا عمل الشافعي، فيغيّروامن مناهج النحو و مسائله و مصادر أحكامه التي كانت قائمة في مدرستي الكوفة و البصرة النحويّتين كما فعل الشافعي مع أصول مدرستي الكوفة و المدينة الفقهيّتين فيقدّموا لنا«نحواجديدا»علي غرار فقه الشافعي و جدّة مناهجه، بل إنّ كل ماأحدثوه أنّهم عمدوا إلي تلك المسائل و الأحكام السابقة، فبحثوا في عللها و أسبابها، و تجادلوا في ذلك ثم طال بهم الجدل، حتي انتقلوا من علّة الحكم إلي علّة العلّة، و علّة علّةالعلّة، التي سمّيت أحيانا بالعلل الأول، و العلل الثواني، و العلل الثوالث، و أحيانا ب: العلل التعليمية، و العلل القياسية، و العلل الجدلية.
و حين جاء رجل مثل ابن مضاء القرطبي (592 ه) ردّ علي النحاة هذه العلل الثواني و الثوالث، و قبل العلّة الأولي في رفع«زيد»من«قام زيد»لأنّه فاعل، و ذلك لأنّ ما عدا هذه العلّة«لايزيدنا علما بأنّ الفاعل مرفوع، و لو جهلنا ذلك لم يضرّنا جهله، إذ قد صحّ عندنا رفع الفاعل الذي هو مطلوبنا، باستقراء المتواترالذي يوقع العلم».
145

و الحقّ في ذلك مع ابن مضاء لأنّ في هذه التعليلات المتتالية إثقالا لهذه الصناعة اللغوية، بمصطلحات صناعات أخري، كل امتيازاتها أنّها كانت أكثر جلبة منها، فظهرت كتبهم النحوية المتأخرة خليطا من فنون مختلفة، و هذا شي ء لاحاجة به للإطالة، لأنّه معروف.

2 أنّ بناة هذه الأصول كانوا يصرّحون بأن طريقتهم في جمعها هي«طريقة الفقهاء»أي إنهم جمعوها مما تفرّق من مناهج النحاة السابقين، كما جمع الأحناف أصولهم ممّا تفرّق من مناهج فقهاء المذهب.
يقول ابن جنّي و هو أقدم واضعي هذه الأصول، و أكثرهم دقّة، و ملاحظة و استيعابا، بعد بحث مستفيض في تخصيص العلل : «و اعلم أنّ هذه المواضع التي ضممتها، و عقدت العلّةعلي مجموعها قد أرادها أصحابنا يعني البصريّين و عنوها، و إن لم يكونوا جاؤوا بها مقدّمة محروسة، فإنّهم لما أرادواو إيّاها نووا، ألا تري أنّهم إذا استرسلوا في وصف العلّة و تحديدهاقالوا: إن علّة (شدّ) و (مدّ) و نحو ذلك في الإدغام، إنّما هي اجتماع حرفين متحرّكين من جنس واحد. . . »ثم يضرب أمثلةأخري يقول في نهايتها: «فهذا الذي يرجعون إليه فيما بعدمتفرّقا قدّمناه نحن مجتمعا».
ثم يشبّه عمله هذا بعمل الفقهاء من أصحاب أبي حنيفةفيقول: «و كذلك كتب محمد بن الحسن رحمه اللّه، إنّماينتزع أصحابنا و هنا يعني فقهاء الحنفية منها العلل، لأنّهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه، فيجمع بعضه إلي بعض الملاطفة و الرفق، و لا تجد له علّة في كلامه مستوفاة محرّرة، و هذا معروف من هذا الحديث عند الجماعة غير منكور».
ب و أما أنّها ليست وصفية تاريخية فلأنّها مع هذاالتصريح الواضح من ابن جني أنّه اتّبع في تأسيس أصوله«طريقة الفقهاء»و هي وصفية تاريخية نجد أنّ أصوله النحويةو أصول من تأخّر عنه، ليست لها تلك الطبيعة الوصفيةالتسجيلية لأصول الأحناف، و ذلك لأنّ ملاحظاته و ملاحظات أصحابه، في الواقع، لم تأخذ طريقها الطبيعي فتعمد إلي مسائل النحو الذي يؤرّخون له، و مواضع الخلاف بين أقطابه كعيسي بن عمر و الخليل و سيبويه من البصريّين، و الكسائي و الفرّاء و هشام الضرير من الكوفيّين، و طرائق كل فريق من هؤلاء للاحتجاج لرأيه، ليستنتجوا من إحصائها و تصنيفها أدلّةعلماء النحو و أصولهم التي بنوا عليها مسائله، كما صنع فقهاء الحنفية في استنتاج أصولهم من كتب أبي يوسف و محمد بن الحسن، و إنّما عكسوا القضية فركبوا الطريق من نهايته، و عمدوا إلي أدلّة و أصول معروفة لعلم آخر هو الفقه، فجعلوها بداية شوطهم، و حمّلوها راضية أم كارهة فروع علم آخر لا يمتّ إليها بصلة، بحجّة«أنّ كلاّ منهما معقول من منقول»كما يقول الأنباري. و لو أنّهم ركبوا الطريق الصحيح لما وجدوا في كتب قدمائهم شيئا من هذه الأصول، عداالسماع و القياس، كما سنبيّن ذلك فيما يأتي.
و مع ذلك فلننظر في قيمة هذه الأصول التي نقلوها من الفقه إلي النحو، لنجد هل وفّقوا في هذا النقل؟
قيمة ما سمّي بأصول النحو

و نبدأ من هذه الأصول بما رجّحناه أنّ أدلّة النحو لا تتعدّاه، و هي أدلّة«السماع و القياس» .
و هذان الأصلان، و إن وجد في الفقه ما يقابلهما من: «النص»و«القياس علي النصّ»، إلا أنّ طبيعة«الحكم»الذي يستنبطه الفقيه، و مجال حركته يختلف تماما عن طبيعة«الحكم»النحوي فيهما، لذلك فلا يكون مورد الفقيه و النحوي من هذين المصدرين واحدا، لاختلاف نظر الوارد، و لتفصيل ذلك نشير إلي بعض ما نأخذه علي النحاة من فروق يختلف فيها استنباط الحكم، من النصّ و القياس عليه، بين كل من النحوي و الفقيه، ثم مقدار ما قدّمه كل من النحاة و الفقهاء من«تأصيل»لهذه الأدلّة التي ادّعي اشتراكهما فيها، و صقل للقواعدو الضوابط التي أعانتهم في أوجه دلالتها، و أهمّها عند الطرفين:
1 النصّ أو السماع

هناك نصوص مشتركة بين الفقهاء و النحاة أهمّها: القرآن و السّنّة، و لكن يصعب أن نوحّد بين مناهج البحث فيهما، فيستعير النحاة كلّ ما وضعه الأصوليّون من قواعد لأوجه دلالتها علي المطلوب، لأنّ هذا«المطلوب»ليس واحدا بين الطرفين، و لا يكفي ما نقلناه عن ابن الأنباري من«أنّ كلاّ من النحو و الفقه معقول من منقول»لأنّ جهة النظر العقلي فيهمامختلفة.
أ القرآن: و القرآن هو أهمّ الأدلّة السمعية المشتركة، و أهمّيته نابعة من كونه النصّ المتواتر وصوله إلي كل من النحوي و الفقيه، و لكن استفادة كل منهما من هذا الدليل المقطوع به تختلف باختلاف طبيعة المستدلّ عليه عندهما، و نحن نسجّل ذلك في النقاط الآتية: 1 إنّ النحو يمكن أن يستنبط من كل آية في كتاب اللّه،
146

لأنّ طبيعة أحكامه تتعلّق بلفظ القرآن و نظمه، و ليس الأمركذلك بالنسبة للفقه، لأنّ أحكامه لا تصدر إلاّ عن الآيات المتعلّقة بأفعال المكلّفين ممّا نسمّيه«آيات الأحكام»و هي لاتتجاوز خمسمائة آية.

فمصدر النحوي من القرآن إذن غير مصدر الفقيه.
لأنّ نظر هذا يتعلّق بالشكل، و نظر ذلك يتعلّق بالمضمون.
و يحتجّ هذا بكل ما في كتاب اللّه، و يحتجّ ذلك ببعض آياته.
و دلالة النصّ القرآني علي المطلوب تختلف بين الفقيه و النحوي، فهي عند النحوي«دلالة قطعية». و عند الفقيه«دلالةظنّية»، لأنّ حكم النحوي برفع الفاعل و نصب المفعول مثلا، لايختلف بين أن تكون الآية«نصّا»في مدلولها أو«ظاهر نصّ»، و لكنّ حكم الفقيه يختلف بين النصّ و الظاهر، حتي اضطرّالأصوليون لأن يبحثوا كثيرا في دلالات الصيغ من: الأمر، و النهي، و العموم و الخصوص، و الإطلاق و التقييد، و في دلالات التنبيه و الإشارة، و الإيماء، و في مفاهيم الشرط، و الوصف، و الحصر، و الغاية و أمثال ذلك مما هو معروف، و كل دلالاتهاظنّية، لأنّها كلّها من ظواهر الكتاب.
من أجل ذلك كان ينبغي أن تكون«قواعد الاستنباط»من هذا النصّ تختلف بين مستنبط و مستنبط .
2 إنّ مسألة اختلاف القراءات و حجّيّتها، مسألة لا تبحث عادة في أصول الفقه، و ربّما في الفقه إلاّ نادرا، مثل جوازالقراءة في الصلاة بإحدي هذه القراءات، و لكنّ هذه المسألةمهمّة جدّا بالنسبة للنحوي، لأنّ أكثر القراءات متواترة و مرفوعةإلي النبي (ص) ، و حتي لو افترضنا بأنّ القرآن لم ينزل إلاّبواحدة منها، تبقي الأخريات من أقوي الحجج النحوية، لأنّهانصوص عربية فصيحة، و رواتها من الصحابة و التابعين قوم فصحاء، و في قمّة العصر الذي يحتجّ به النحاة عادة.
و لكنّ النحاة مع ذلك لم يبحثوا في حجّية القراءات، و لم يحقّقوا فيها كما حقّق الأصولّيون في حجيّة الظواهر، بل إنّ النحاة و بخاصة نحاة البصرة لم يجعلوا القراءات مع تواترها أولي بالاحتجاج من شواهدهم التي أقاموا عليهاقواعدهم، و ردّوا كثيرا منها متّهمين أصحابها باللحن أوالشذوذ، لأنّها تخالف القاعدة التي بنوها علي الشاهدو الشاهدين، و ربما كان هذا الشاهد لشاعر مجهول، أو امرأة من أسد أو تميم غير معروفة، حتي انتقد ذلك الفخر الرازي (606 ه ) في أثناء شرحه لقوله تعالي في أول النساء: و اتقوااللّه الذي تساءلون به و الأرحام و قراءة حمزة و مجاهد لها بجرّ«الأرحام»التي رفضها البصريّون، لأنّها مخالفة لقاعدتهم بعدم جواز العطف علي الضمير من غير إعادة حرف الجرّ، و تجويزسيبويه لذلك مستشهدا ببيتين مجهولي القائل، مثل: فاليوم قرّبت تهجونا و تشتمنا*فاذهب فما بك و الأيام من عجب بجرّ«الأيام»عطفا علي«بك»فعلّق الفخر الرازي: «و العجب من هؤلاء النحاة أنّهم يستحسنون إثبات هذه اللغةبهذين البيتين المجهولين، و لا يستحسنون إثباتها بقراءة حمزةو مجاهد، مع أنّهما من أكابر علماء السلف في علم القرآن».
و قبل الرازي كان الشيخ الطوسي (460 ه ) يقول عن الاحتجاج بمثل هذه الأشعار علي صحّة الشي ء المشتبه في القرآن: «لأنّ غاية ذلك يستشهد عليه ببيت شعر جاهلي، أولفظ منقول عن بعض الأعراب، أو مثل سائر عن بعض أهل البادية، و لا تكون منزلة النبي (ص) و حاشاه من ذلك أقلّ من منزلة واحد من هؤلاء، و لا ينقص عن رتبة النابغة الجعدي، و زهير بن كعب و غيرهم، و من طرائف الأمور أنّ المخالف إذاأورد عليه أي القرآن شعر من ذكرناه و من هو دونهم سكنت نفسه، و اطمأنّ قلبه، و هو لا يرضي بقول محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، و مهما شكّ الناس في نبوّته، فلا مرية في نسبه و فصاحته، فإنّه نشأ بين قومه الّذين هم الغاية القصوي في الفصاحة، و يرجع إليهم في معرفة اللغة. . . و كيف يجوز أن يحتجّ بشعر الشعراء عليه، و لا يجوز أن يحتجّ بقوله عليهم؟!. . . لأنّهم ليسوا بأن يجعلوا عيارا عليه، بأولي من أن يجعل هو (ع) عيارا عليهم».
و إليك نماذج مما ردّ به النحاة هذه القراءات الصحيحة، و اتّهامهم لقرّائها و هم من فصحاء العرب: 1 ردّوا قراءة نافع المدني و ابن عامر الدمشقي قوله تعالي: و جعلنا لكم فيها معائش الأعراف: 10 لأنها بالهمز، حتي قال المازني: «إنّ نافعا لم يدر ما العربية». و حجّتهم في ذلك أنّ القاعدة تقضي أنّ حرف العلّة إذا كان زائدا يقلب عندالتكسير همزة مثل: «صحيفة و صحائف»و«عجوز و عجائز»و لكنّه إذا كان أصليا لا يقلب مثل: «معيشة و معايش» و عليه قراءة الجمهور و لكنّ استقراءهم كان ناقصا، و القاعدة غيرمطّردة، فالعرب تجمع مصيبة علي«مصائب»و منارة علي«منائر»مع أنّ همزتها مقلوبة عن حرف أصلي.
147

2 ردّوا قراءة ابن عبّاس، و عروة بن الزبير، و مقاتل، و مجاهد، و ابن أبي عبلة و غيرهم قوله تعالي: ما ودعك ربّك و ما قلي بالتخفيف، بحجّة أنّ العرب أماتت ماضي«يدع»و مصدره، مع أنّ هؤلاء الّذين قرؤوها بالتخفيف هم من العرب و من فصحائهم، و ممن يحتجّ بكلامهم، و مع أنّ الفعل جار علي القياس، و بعض اللغويّين يثبتون ذلك استنادا إلي حديث رسول اللّه (ص) : «لينتهينّ قوم عن ودعهم الجمعات أوليختمن علي قلوبهم»و مع أنّهم يروون عن إمام النحاة أبي الأسود الدؤلي قوله: ليت شعري عن خليلي ما الذي*غاله في الحبّ حتي ودعه 3 إنّ البصريّين حين أسّسوا قاعدة عدم جواز الفصل بين المضاف و المضاف إليه بغير الظرف و المجرور، ردّوا قراءة ابن عامر المتواترة: و كذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم الأنعام: 137 و قراءة غيره: و لا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إبراهيم: 47 مع أنّ لهما شواهدشعرية و نثرية يذكرها الكوفيّون و شرّاح ابن مالك عادة، و لكنّ البصريّين غالوا في ردّها جميعا، و ما ورد في الشعر أجازوه للضرورة، حتي اتّهم الزمخشري في الكشّاف عبد الله بن عامر و هو أحد القرّاء السبعة، و من كبار التابعين، و من صميم العرب الّذين يحتجّ بكلامهم بقوله: «إنّ الذي حمله علي ذلك أن رأي في بعض المصاحف (شركائهم) مكتوبا بالياء»ممايوحي بأنّه اخترع القراءة من نفسه، و قد ناقشه الأستاذ سعيدالأفغاني في كتابه«في أصول النحو»مناقشة جيّدة، ختمهابقوله: «و كان علي الزمخشري، و هو أعجمي تخرّج بقواعدالنحاة المبنية علي الاستقراء الناقص، أن يتجزأ لنقد رجل عربي قويم الملكة، فصيح اللسان، حجّة في لغة العرب، شيئا غير هذه الخطابيّات».

ب السّنّة: و أمّا سنّة رسول اللّه (ص) و المفروض أنّها من أوسع المصادر المشتركة بين الفقيه و النحوي، فإنّنا نجد الفوارق الآتية بينهما: 1 ما تقدّم في الكلام عن القرآن من تعلّق نظر الفقيه بالمعني و المضمون، و تعلّق نظر النحوي بشكل السّنّة و نظمها، علي أنّ الفقهاء يوسّعون دائرة السّنّة لتشمل فعله (ص) و تقريره، و النحو لا علاقة له بالفعل و التقرير.
2 إنّ النحاة السابقين لم يشاركوا الفقهاء بالاحتجاج حتي بالسّنّة القولية، مع أنّ رسول اللّه (ص) أفصح من نطق بالضاد، و ذلك لسببين ادّعاهما أبو حيّان و غيره من المتأخّرين : وقوع التصحيف و اللحن في بعض الأحاديث. . . و أنّ كثيرا ممن يوثق بدينه ينقل الحديث بالمعني، و أساس الحكم النحوي قائم علي صحّة اللفظ و إن صدر عن كافر مبتدع، لذلك أهمل النحاةالاستشهاد بالحديث، حتي قال أبو حيّان الأندلسي: «إنّ الواضعين الأولين لعلم النحو، المستقرين للأحكام من لسان العرب، كأبي عمرو، و عيسي بن عمر، و الخليل، و سيبويه، من أئمّة البصريّين، و الكسائي، و الفرّاء، و علي بن مبارك الأحمر، و هشام الضرير، من أئمّة الكوفيّين، لم يفعلوا ذلك يقصدالاحتجاج بالحديث و تبعهم علي هذا المسلك المتأخّرون من الفريقين، و غيرهم من نحاة الأقاليم، كنحاة بغداد، و أهل الأندلس».
و قد استشهد ابن خروف (609 ه ) بالحديث فتعقّبه ابن الضائع (680 ه ) في شرح الجمل، و ردّ عليه متحاملا، ثم جاء دور ابن مالك (672 ه ) فأكثر من الاستشهاد بالحديث في التسهيل، و قسا عليه شارحه أبو حيّان (745 ه ) حتي قال: «و المصنّف قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر، متعقبابزعمه علي النحويّين، و ما أمعن النظر في ذلك، و لا صحب من له التمييز»كما ردّ علي ابن مالك أبو إسحاق الشاطبي (790 ه ) و جلال الدين السيوطي (911 ه ) و غيرهم، و لم ينح نحو ابن مالك في الاحتجاج بالحديث إلاّ قلّة، منهم ابن هشام (761 ه ) و المحقّق الرضي (686 ه ) فقد أضاف إلي الاحتجاج بسنّة الرسول (ص) احتجاجه بأقوال أهل البيت (ع) .
و بإهمال النحاة الاحتجاج بالسّنّة، أفقدوا نحوهم أوسع مصادره الموثوقة، و اقتصروا علي شواهد من الشعر و الأمثال، فوقعوا فيما وقعوا فيه من نقص الاستقراء، في حين استفادأصحابهم اللغويّون من احتجاجهم بالسّنّة فأثروا معجماتهم بمفردات عربية سليمة.
3 إنّهم لم يعتمدوا في تحقيق ما احتجّوا به من شواهدالشعر و الأمثال، كما اعتمد الفقهاء و المحدّثون في تحقيق السّنّةالنبوية سندا و متنا لذلك جاء الكثير من شواهدهم مجهول القائل و الرواية، بل وجد فيما احتجّوا به نفس السببين اللذين أنكروهما علي الأحاديث: وقوع التصحيف و اللحن. . . و النقل بالمعني أحيانا، كما أنّهم لم يتحرّجوا في الاحتجاج بما نقله مثل حمّاد الراوية الذي كان كما يقول يونس : «يلحن، و يكسر الشعر، و يكذب، و يصحّف»، و يروي أنّ الكميت امتنع
148

عن إملاء شعره عليه، و قد طلب منه ذلك، و قال له: «أنت لحان و لا أكتبك شعري».

و إذا كان الأمر كذلك، فلم استعار واضعو هذه الأصول من أصحاب أصول الفقه كلّ ما قالوه في طرق حمل النصّ، و وثقةالنقلة و الرواة، و التواتر، و الآحاد، و المرسل، و المجهول و أمثالهامما لم يلتزموا به في نقلهم لغة العرب، الأمر الذي دعا الفخرالرازي إلي أن ينحو باللائمة علي أصحابه الأصوليّين، لأنّهم لم يقوموا هم بهذه المهمّة بدلا من النحاة و قد نقل النحاةالمتأخّرون نصّ قوله هذا قال: «و العجب من الأصوليّين أنّهم أقاموا الدلائل علي خبر الواحد أنّه حجّة في الشرع، و لم يقيمواالدلالة علي ذلك في اللغة و النحو، و كان هذا أولي، و كان من الواجب عليهم أن يبحثوا في أحوال اللغات و النحو، و أن يفصحوا عن جرحهم و تعديلهم، كما فعلوا ذلك في رواةالأخبار، لكنّهم تركوا ذلك بالكليّة، مع شدّة الحاجة إليه، فإنّ اللغة و النحو يجريان مجري الأصل للاستدلال بالنصوص».
و لو أنّ النحاة قاموا بتحقيق نصوصهم التي يحتجّون بها لمادعا الرازي أصحابه إلي ذلك .
2 القياس

يعرّف القياس عند النحاة، كما يعرّف عند الأصوليين: «حمل غير المنقول علي المنقول، في حكم، لعلّة جامعة»و ربما فضّل الأصوليون أن يقولوا: «حمل غير المنصوص علي المنصوص. . . »أو: «حمل فرع علي أصل في حكم، بجامع بينهما أو ما يشبه ذلك مما يتضمّن أركانه الأربعة : الأصل، و الفرع، و الحكم، و العلّة المشتركة. و لكنّ هذه التعريفات عندكلّ من النحاة و الأصوليّين متأخّرة جدّا عن نشأة القياس عندهما، و هذا أمر طبيعي خاضع لقانون التطور في أيّ فنّ من الفنون.
لمحة تاريخية

و يبدو لي أنّ القياس نشأ عند الطرفين، في عصر متقارب، و قد يكون الفقهاء أسبق من النحاة قليلا، و كانت نشأته عندهمانشأة بدائية، قوام القياس فيها علي«المشابهة»بين الحادثتين، و من يقرأ«رسالة»الشافعي و هي أقدم تدوين منظّم لأصول الفقه يجد القياس عنده: مرادفا للاجتهاد، و ليس واحدا من مجالاته، و لا يجد فيها ما نجده في أصول الفقه المتأخرة، من أركان القياس و شرائطها، و مسالك العلّة و قوادحها، و أمثال ذلك من دقّة اقتضاها تطوّر الفقه الإسلامي.
و لا يبعد أنّ النحاة في هذا العصر المتقارب لم يأخذوانفس القياس الذي كان يستعمله الفقهاء، و إنّما تأثّروا، جميعا، بما جدّ في الحياة العقلية للمسلمين يومئذ في جميع فروع المعرفة، فأخذ كلّ منهما عن مصدر ثالث، و بخاصة إذا تذكّرناأنّ حلقات الدرس في مساجد البصرة و الكوفة لا تبعد كثيرا عن بعضها، فالمسجد الواحد يحتوي حلقات مختلفة، للحديث، و الفقه، و التفسير، و علم الكلام، و القراءة، و النحو، و أنّ بعض الطلاّب في بداية نشأته يتنقّل عادة بين جلّ هذه الحلقات، فيأخذ عن شيوخها طريقه أدائهم و أسلوب تفكيرهم، و تنطبع في ذهنه بعض مصطلحاتهم، و لكنّه إذا تخصّص بعد ذلك و انصرف بجهده لواحدة من هذه الحلقات، ثم جاء دوره ليكون هو شيخ الحلقة، ظهر تأثير جولته تلك، علي أسلوبه و طريقة تفكيره، و بعض مصطلحاته.
و لا أدري لم يصرّ بعضهم علي أنّ النحاة، في هذه الفترة، أخذوا القياس عن الفقهاء، و القياس في اللغة أكثر طبيعية منه في الشريعة؟!ثم لم يصحّ للفقيه أن يحمل«الفقّاع»المأخوذمن الشعير، علي«الخمر»فيحكم«بحرمته»لأنّه يجد في شاربه ما يعتري شارب الخمر من«سكر»، و لا يصحّ للنحوي أن يحمل«طاب الخشكنان»الذي لم تعرفه العرب، و لم تنطق به، علي«طابق السويق»فيعطيه نفس الحركات، لأنّه يجد فيه نفس الإسناد؟!
و ما لنا نذهب بعيدا، و نحن نجد القياس أمرا طبيعيا حتي عندالأطفال حين يتعلّمون لغة آبائهم، فهم إذ يسمعون آباءهم، يحاولون أول الأمر أن يحاكوهم فيما يتكلمون به، حتي إذاألفوا حركة ألسنتهم و نطق أصواتهم، و ترسّخت في أذهانهم طريقتهم في صياغة الأسماء و الأفعال و الأوصاف، و في التذكيرو التأنيث، و تأليف الجمل و أساليبها، نراهم يعودون إلي هذاالمخزون الذي ألفوه فيركّبون جملا من مفردات لعلّ آباءهم لم يسمعوا بها من قبل، و تكون جملهم الجديدة صحيحة في العادة، و ما ذلك إلاّ نتيجة«عملية قياسية»عفوية.
فالقياس إذن أقرب إلي واقع اللغة منه إلي واقع الشريعة.
و لكنّ الذي يؤخذ علي النحاة أنّهم لم يبذلوا جهدا في تأصيل هذا القياس، بل في أصولهم عموما، كما بذل الفقهاءجهدهم في تأصيل قياسهم و أصولهم الفقهية.
و نظرة تاريخية لما حدث من تطور في تأصيل القياس عندالطرفين، نجد أنّه حين نشأ عند الفقهاء في أوائل القرن الثاني، و اختلفت مدارسهم في طريقة الأخذ به، و اضطرب كثيرا بين
149

العراقيّين و أهل المدينة، فاختلط ب«الرأي»حينا، و«بالاستحسان»و«المصلحة المرسلة»حينا آخر، و بقي علي هذا الاضطراب، و اختلاف المدارس في تطبيقه، من وفاةإبراهيم النخعي، رأس مدرسة الرأي بالكوفة (95 ه ) إلي وفاةمحمد بن الحسن (189 ه ) تلميذ أبي حنيفة. في آخر هذه الفترة جاء دور الإمام الشافعي (204 ه ) ، و هو نتاج المدرستين معا، فنقد فقه العراقيين بنفس القوّة التي نقد بها فقه أهل المدينة، و وضع حدّا لاضطراب القياس في الفترة السابقة، و شاعت«رسالته»التي بعثها إلي عبد الرحمن بن مهدي (198 ه ) و فيها خطّته في أصول الفقه و الاعتماد علي القياس فقط، و ألّف كتبه المعروفة في: «إبطال الاستحسان»و«اختلاف العراقيّين»و«الردّ علي محمد بن الحسن»و«اختلاف مالك و الشافعي»و«جماع العلم»و«اختلاف الحديث»و كلّها وصلتنا في كتاب«الأمّ»، و كان من الطبيعي أن يدافع فقهاء الحنفية و المالكية عن مناهج أئمّتهم و أصولهم الفقهية، فبدأ الأحناف في استخراج أصولهم مما تفرّق في كتب أبي يوسف و محمد بن الحسن، كما بدأ المالكية يجمعونهامن أصول إمامهم في«الموطأ»و ما روي عنه في«المدوّنة»، و نتجت عن حملة الشافعي و الردّ عليها، هذه الثروة الهائلة من الكتب الأصولية المعروفة.

أمّا في الجانب النحوي فإنّ القياس عندهم يقترن باسم«عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي» (177 ه ) في الكلمةالمشهورة التي قالها عنه ابن سلام وردّدها بعده الآخرون بأنّه: «أول من بعج النحو و مدّ القياس و العلل»ثم تلميذه من بعده عيسي بن عمر الثقفي (149 ه ) الذي قيل: إنّه وضع كتابين في النحو سمّي أحدهما«الإكمال»و الآخر«الجامع»و لكن لم يصلنا هذان الكتابان، و لا مقتطفات منهما في الكتب المتأخّرة، كما لم يصلنا شي ء عن«القياس»الذي مدّه ابن أبي إسحاق، و الحقيقة أنّ الذي وصل إلينا هو ما بعد هذه الفترة، ممّاأفاض به عبقريّ البصرة الخليل بن أحمد، الذي قام علي نحوه كتاب سيبويه، و منه تعريف طريقته في القياس و التعليل.
و الملاحظ أنّه لم يحدث أن كتب أحد النحاة ممن تأخّر عن الخليل، ما يشفي الغليل عن أصول هذا القياس، و اختلاف النحاة في مدرستي البصرة و الكوفة في طريقة الأخذ به، مع إمكان أن يستخرج أتباع المدرستين النحويّتين كما استخرج أتباع المدرستين الفقهيّتين أصول هذا النحو و القياس من كتاب سيبويه و شروحه، و من معاني الكسائي، و معاني الفرّاء، و مقتضب المبرّد، و مجالس ثعلب، و الكتب النحوية المتأخّرةعنها، و لكنّ شيئا من ذلك لم يحدث، و كل ما حدث أن انبري نحوي في القرن الرابع، و آخر في القرن السادس، و ثالث في القرن العاشر، و وجدوا أمامهم صنيع الفقهاء، و ما حرّروه من أصول القياس و مسالك علّته، فأخذوا يستعيرونها لقياسهم النحوي، كأن لم تكن هناك فوارق بين اللغة و الشريعة.
و أنا قد أتعقّل أن تكون أركان القياس في كل من الفقه و النحو هي هذه الأربعة: الأصل و الفرع و العلّة و الحكم و لكن كيف أعقل أن تكون شروط هذه الأركان نفس الشروط، و قواعدها نفس القواعد، و مسالك العلّة نفس المسالك، و قوادحها نفس القوادح!!؟مع اختلاف طبيعة«الأصل»و طبيعة«الحكم»الذي يبني عليه كما تقدّم بيان ذلك.
و لأضرب مثلا لذلك ب«مسالك العلّة»أي الطّرق التي نستطيع بها تشخيص علّة الحكم.
و هذه الطرق عند الأصوليّين نوعان: نوع مقطوع بدلالته، لأنّ تشخيص العلّة جاء من قبل الشارع، و ذلك: بنصّ الشارع علي العلّة، أو إيمائه إليها، أو قيام الإجماع علي أنّ العلّة كذا .
و نوع دلالته علي العلّة ظنّية، لأنّ الشارع لم يشر إليها، و إنّما استنبطها الفقيه بطرقه الظنية، كالمناسبة، و الشّبه، و الطرد، و الدّوران، و السبر و التقسيم.
و هذه المسالك بنوعيها هي ما ذكروه للقياس النحوي.
و ملاحظاتنا علي المسألة القياسية في ذلك ما يأتي: 1 النصّ علي العلّة: قد يكون النصّ علي العلّة من قبل الشارع، أو الإيماء إليها ممكنا، لأنّ الأحكام الشرعية قوانين يرادبها تنظيم علاقات الأفراد و المجتمعات و لا بدّ أن تكون مبنيّةعلي أسباب، و لأنّ نصوص الشارع فيها متوفّرة في كتاب اللّه و سنّة نبيّه، و في بعضها يذكر الشارع حكمه في الحادثة، و يريدأن يعرّف المكلّفين بالوجه الذي من أجله شرع لهم هذاالحكم، فينصّ علي العلّة أو يومي ء إليها، كقوله تعالي: فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم ومن أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل. . . وكي لايكون دولة بين الأغنياء منكم و كقول رسول اللّه (ص) : «إنّما نهيتكم عن لحوم الأضاحي لأجل الدافّة»و«من أحياأرضا ميتة فهي له»و أمثال ذلك.
150

و لكن هل يعقل أنّ العربي حين يتكلّم بلغته فيرفع الفاعل، و ينصب المفعول، و يرفع اسم كان و ينصب خبرها، و يعرب بعض الألفاظ و يبني بعضها، و يشتق، و يصوغ، و يذكّر و يؤنّث، و يحذف و يضمر، و أمثال ذلك ينصّ علي الأسباب التي جعلته ينطق بلغته علي هذه الكيفية؟!بل هل له أن يراعي أو يدرك تلك الأسباب حتي ينصّ عليها في بعض و يومي ء إليها في البعض الآخر؟!أو أنّ العربي كغيره من الأجناس الأخري يتكلم بلغة قومه، بصورة عفوية دون أن يخطي ء في حركاته، و اشتقاقاته، و تركيباته، كما لا يخطي ء غيره من المتكلّمين باللغات الأخري، لأنّهم يصدرون في كل ذلك عن مخزون ماألفوه من صياغة و تركيب؟!

بل هل نحن الّذين تكلّمنا بلغة العرب بعد أن عرفنا عللهاكما استنبطها النحاة حين نتكلّم بهذه اللغة، فنرفع، و ننصب، و نخفض، و نجزم، ننصّ أو نشير إلي أسباب ذلك؟!و هل يكون كلامنا حينئذ لغة عربية عفوية؟!أو هو بحث في اللغةالعربية!!؟.
و قد حاول هؤلاء المؤلفون في أصول النحو، أن يؤكّدوامسلك النصّ علي العلّة، و بخاصة ابن حنّي، فهو بعبقريته اللغوية النادرة، و ملاحظته الدقيقة عقد فصلا في كتابه لذلك، مؤكّدا أنّ العرب نصّوا علي العلّة أحيانا، و لم يذكر أكثر من خمسة شواهد لا تنهض جميعا لأن تعتبر أمثلة للنصّ علي العلّة، إلاّ بتدخّل فهم ابن جني لها، بعكس تنصيص الشارع الواضح : «من أجل ذلك»أو«لعلّة كذا»أو«لأنّها مسكرة»، و لعلّ أوضح هذه الشواهد ما دار بينه و بين صاحبه«الشجري»، و هو بدويّ في القرن الرابع، و قد سأله ابن جنّي:
«كيف تقول: ضربت أخاك؟فقال: كذاك، فقلت: أفتقول: ضربت أخوك؟فقال: لا أقول (أخوك) أبدا، فقلت: فكيف تقول: ضربني أخوك؟فقال: كذاك، فقلت: ألست زعمت أنّك لا تقول (أخوك) أبدا؟فقال : أيش ذا؟!اختلفت جهتا الكلام»ثم يعلّق ابن جنّي مستنتجا: «فهل هذا في معناه إلاّ كقولنا نحن: صار المفعول فاعلا».
و هذا النوع من الاستنكار لمماحكة من يحاورك، يمكن أن يصدر عن أيّ عربي ألف طرائق لغته، فإذا استوضحته، أو غالطته بها، فهو يدرك بسليقته و مخزون ما ألفه من كلام قومه: كيف ينطق هنا، و كيف ينطق هناك، بل حتي الأطفال في سنّ الرابعةيدركون«اختلاف جهات الكلام»و إن لم يدركوا لماذااختلفت. . . يؤيّد ذلك ما سبق لابن جنّي في موضع آخر من أنّه سأل صاحبه الشجري هذا: «كيف تجمع (دكّانا) ؟فقال: دكاكين، قلت: فسرحانا؟قال: سراحين. قلت : فقرطانا؟قال: قراطين، قلت: فعثمان؟قال: عثمانون، فقلت له: هلاّ قلت أيضا: (عثامين) ؟قال: أيش عثامين!أرأيت إنسانا يتكلّم بماليس من لغته، و اللّه لا أقولها أبدا».
فأنت تجد أنّ الرجل يعلّل اختلاف الجمع هنا و هناك، بعادته اللغوية فقط، و أنّ الإنسان لا يتكلّم بما ليس من لغته، و لكن هذا ليس إدراكا للعلّة القياسية، و لا تنصيصا عليها، بل و لا في معني: صار المفعول فاعلا» كما يقول ذلك لأنّ ابن جنّي لولم يغالط صاحبه : «ألست زعمت أنّك لا تقول (أخوك أبدا) »لما كان بحاجة لأن يلتفت إلي اختلاف جهتي الكلام .
و المفروض أن النصوص العربية التي استقراها الخليل و أصحابه، ليستنبطوا قواعدهم منها، كانت خالية من هذاالظرف المغالط الذي وضع ابن جنّي صاحبه فيه، فكيف ينصّون علي الجهات التي من أجلها رفعوا و نصبوا، أو اشتقّواو صرّفوا!!و قد كان الخليل أقرب إلي واقع القضية ممّا ادّعاه ابن جنّي لها، و أنت تعرف أنّ موضع الخليل من النحو كموضع الشافعي من أصول الفقه و يعتبره ابن جنّي«كاشف قناع القياس في علمه»و هو بعد ذلك أقدم عهدا و أكثر صلة بالعرب الّذين يحتج بأقوالهم من كل هؤلاء، يقول الخليل حين سئل عن العلل التي يعتلّ بها في النحو : «عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟فقال: إنّ العرب نطقت علي سجيّتها و طباعها، و عرفت مواقع كلامها، و قام في عقولها علله، و إن لم ينقل ذلك عنها، و اعتللت أنا بما عندي أنّه علّة لما عللته فيه، فإن أكن أصبت العلّة فهو الذي التمست، و إن تكن هناك علّة له، فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء، عجيبة النظم و الأقسام، و قد صحّت عنده حكمة بانيها. . . فكلّما وقف هذا الرجل في الدار علي شي ءمنها، قال: إنّما فعل هذا هكذا لعلّة كذا، و لسبب كذا و كذا، سنحت له و خطرت بباله، محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني فعل ذلك للعلّة التي ذكرها هذا الذي دخل الدارو جائز أن يكون فعله لغير تلك العلّة، إلاّ أنّ ذلك ممّا ذكره هذاالرجل محتمل أن يكون علّة لذلك، فإن سنح لغيري علّة لماعللته من النحو، هي أليق ممّا ذكرت بالمعلول، فليأت بها».
و هذا كلام في حدود تعليل النحاة لأقيستهم طبيعي
151

جدّا، و لكنّه من العلل المستنبطة لا المنصوصة.

2 الإجماع علي العلة

و أغرب من نصّ العرب علي العلّة الإجماع عليها، فأنا قدأفهم في الفقهيات أنّ المسلمين الّذين حرّمت الخمر عليهم أو أنّ فقهاءهم يدركون علّة ذلك، أو يتخيّلونها، لأنّهم في صدد البحث عنها، فيقولون هي«الإسكار»مثلا، و قد يجمعون علي ذلك، فيكون المسلك لمعرفة العلّة حينئذ إجماع المسلمين أو إجماع الفقهاء، و لكن كيف يتيسر ذلك في اللغة؟ما المقصود بالإجماع علي العلّة هنا: أهو إجماع العرب، أو إجماع النحاة؟
أ فإن كان إجماع العرب، فقد سبق أنّ كل قبيلة تتكلّم بلغتها و لهجتها بطريقة عفوية، و لا شكّ أنّ هناك قبائل أخري تختلف معها في طريقة النطق أو الاشتقاق، و لم تكن هذه القبيلة، و لا غيرها حين التكلّم بصدد أن تدرك علل كلامها، و علي فرض أنّها كانت بهذا الصدد، فهل أدركت؟ثم هل علّلت؟و أخيرا هل أجمعت؟و هي أسئلة يتوقّف إمكان الإجماع علي الإجابة عنها، ثم ما قيمة هذا الإجماع مع علمنا باختلاف القبائل؟و ما فائدة هذا الإجماع لمدّعيه من النحاة، و قد كان يكفيهم أنّ عربيا، أو قبيلة عربية علّلت كلامها، فنقيس علي تلك العلّة، لأنّها حينئذ علّة منصوص عليها، و يصحّ القياس عليها من دون حاجة إلي هذا التمحّل بادعاء الإجماع؟
ب و إذا كان المقصود بالإجماع علي العلة هو إجماع النحاة، و هو أمر معقول، و لكن هل حصل هذا الإجماع؟و علي فرض حصوله فما قيمته من ناحية الاحتجاج به؟لأنّ المقصودأن نقيس علي كلام العرب، لا كلام النحاة.
قد يقال: بأنّ إجماع النحاة علي العلّة«يكشف»عن أنّها هي العلّة عند العرب، كما يكشف إجماع الفقهاء علي العلّة أنّهاهي التي قصدها الشارع في حكمه. و لكن ذلك قياس مع الفارق، فالمفروض أنّ الشارع هو الذي أعطي الحجّة لإجماع الفقهاء«ما اجتمعت أمّتي علي خطأ»أو ضلالة، فكان لإجماعهم هذا«الكشف»عن العلّة عند الشارع، و لكن من الذي أعطي النحاة هذه القوّة«الكاشفة»عن قول العرب؟!أقال العرب مثلا: «ما اجتمع النحاة علي خطأ أو: «ما قاله نحاتنا فهوقولنا»!!
و سيأتي مزيد إيضاح لذلك عند الحديث عن مسألة«الإجماع»نفسها.

3 المسالك المظنونة

و إذا كان الحديث عن النصّ علي العلّة، و الإيماء إليها، و الإجماع، ما قد رأيت، فلم يبق إلاّ الحديث عن المسالك المظنونة، و لا أعتقد أنّ المعقول منها و المفيد في المسألةالنحوية غير«المشابهة»و«الاطّراد»، و هذا ما حصل في أوليات الاستنباط النحوي، حينما سأل يونس بن حبيب شيخه ابن أبي إسحاق: «هل يقول أحد (الصويق) يعني (السويق) ؟قال: نعم، عمرو بن تميم تقولها ثم أردف : و ما تريد إلي هذا، عليك بباب من النحو يطّرد و ينقاس»و«الشّبه»و«الطرد» و يتبعه الدّوران لأنّه طرد و عكس هي المسالك المعقولة للقياس النحوي.
و أمّا المناسبة، و هي الملاءمة بين العلّة و الحكم، فإنّنا إذاأخذنا المثال الذي ضربه النحاة لها، فلا نجدها تفيد النحوي في قياس غير المنقول علي المنقول، و هذا المثال هو ما ضربه ابن الأنباري و نقله عنه السيوطي، في رفع ما لم يسمّ فاعله، فقال: «اسم أسند الفعل إليه، مقدّما عليه، فوجب أن يكون مرفوعا، قياسا علي الفاعل، فالفاعل: و نائبه : فرع مقيس، و الحكم: الرفع، و العلّة الجامعة: الإسناد».
و هذه العلّة مناسبة فعلا، و لكنّ القياس حينئذ هدر، لا فائدةمنه، لأنّه لم يكن أكثر من توجيه لكلام العرب، و لا يفيدنا في القياس علي كلامهم، فكلاهما المقيس و المقيس عليه عرف بالنقل لا بالقياس، و لا حاجة حينئذ للعملية القياسية، و كثير من علل النحاة المتأخرين و بخاصة الأنباري و السيوطي كذلك، فهم لا يذكرونها لتفيد في قياس غيرالمنقول علي المنقول، و إنّما ليجدوا مثالا للعلّة القياسية عندالفقهاء.
4 أركان القياس

و في أركان القياس نجد الأصوليّين لا يقيسون«الأصل»علي أصل آخر، لأنّه إذا جعلنا أحدهما مقيسا و الآخر مقيسا عليه، فإن ظهر حكم الفرع بنتيجة القياس موافقا لحكم الأصل، بطلت فائدة القياس، لأنّ الحكم في كل منهما معلوم بالنصّ، و إن ظهر مخالفا فقد أبطلنا النصّ الوارد في الفرع بالقياس و هومنفي إجماعا. كذلك هم لا يقيسون الأصل علي الفرع، للسبب نفسه، و لا الفرع علي الفرع إلاّ ما قيل عن بعضهم لما فيه من التشريع الباطل، لأنّه من دون مستند.
و هذه اللوازم كلّها لا تتنافي عند هؤلاء النحاة، لذلك نراهم
152

يحملون: الفرع علي الأصل، و الأصل علي الفرع، كمايحملون الأصل علي الأصل، و الفرع علي الفرع، و قد ذكرالسيوطي لذلك أربعة أنواع: 1 حمل فرع علي أصل، كإعلال الجمع لإعلال المفرد، مثل«قيمة، و قيم»أو تصحيحه لصحّته مثل: «ثور و ثورة».

2 حمل أصل علي فرع، كإعلال المصدر لإعلال فعله: «قام قياما»أو تصحيحه لصحة فعله: «قاوم قواما».
3 حمل النظير علي نظيره، كما منعوا«أفعل التفضيل»من رفع الظاهر لشبهه ب «أفعل التعجّب»، و أجازوا تصغير«أفعل التعجّب»حملا علي اسم التفضيل.
4 حمل ضدّ علي ضدّ، و من أمثلته النصب ب«لم»حملاعلي الجزم ب«لن»، أولهما لنفي الماضي، و الثاني لنفي المستقبل.
و أنت تعلم أنّهم في هذا كلّه في غني عن القياس، لأنّ الأصل و الفرع قد ورد به السماع من العرب في كل هذه الأمثلة، فلماذا القياس؟
علي أنّ هذه الأنواع الأربعة من وجهة فنّية نوع واحد، لأنّها كلّها في المصطلح القياسي من باب«حمل الأصل علي الأصل»و لعلّ الذي أشبه السيوطي فيها كلمتا«الفرع»و«الأصل»فهما تردان في باب القياس بمعني المقيس و المقيس عليه، و في باب الاشتقاق بمعني المشتق و المشتقّ منه، و كون المصدر«أصل»الاشتقاق و الفعل«فرعه»عندالبصريّين، و كون المفرد«أصل»التصريف، و المثني و الجمع«فرعان»مسألة لا دخل لها مطلقا في باب القياس، فالأصل و الفرع في تنويع السيوطي من باب القياس، و الأصل و الفرع في أمثلته من باب الاشتقاق و التصريف!!
و يقول ابن جنّي: إنّ النحويّين«شبّهوا الأصل بالفرع في المعني الذي أفاده الفرع من ذلك الأصل، ألا تري أنّ سيبويه أجاز في قولك: (هذا الحسن الوجه) أن يكون الجرّ في موضعين : أحدهما الإضافة، و الآخر تشبيهه ب (الضارب الرجل) الذي إنّما جاز فيه الجرّ تشبيها ب«الحسن الوجه»ثم نسب ابن جنّي هذا الوضع«الدائر»إلي العرب، و ذلك في دفاعه عن رأي سيبويه ب: «إنّ العرب إذا شبّهت شيئا بشي ء مكّنت ذلك الشّبه لهما، و عمرت به الحال بينهما، ألا تراهم لمّا شبهواالفعل المضارع بالاسم فأعربوه، تمموا ذلك المعني بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه».
و قال في موضع سابق: «و هذا يدلّك علي تمكّن (الفروع) عندهم، حتي أنّ (أصولها) التي أعطتها (حكما) من أحكامهاقد حارت فاستعادت في فروعها ما كانت هي أدّته إليها، و جعلته عطيّة منها لها!!».
و هذا كلام لو صدر عن غير ابن جنّي لقيل: هو إلي الخيال الشعري أقرب منه إلي البحث اللغوي، و كلّه ممّا لا حاجة لهم به، لأنّ الدليل عليه، ليس هو القياس و لا التشبيه، و إنّما هو كلام العرب الذي ثبت بالاستقراء، و العرب لم تشبّه شيئا بشي ء، و لم تفترض أنّ أحدهما أصل، و الآخر فرع، و إنّما أنت الذي شبّهت الفعل المضارع بالاسم، فادّعيت: أنّه أعرب لذلك، و شبّهت اسم الفاعل بالفعل، فادّعيت: أنّه أعمل لذلك، و الحقيقة أنّ العرب نطقوا بالفعل المضارع مرفوعا، و منصوبا، و مجزوما، و نطقهم بذلك يكفي في الدلالة علي إعرابه، من دون حاجةإلي قياسه علي الاسم، و لا تأتي النوبة إلي القياس إلاّ بعد فقدان النصّ«السماع» .
5 القياس و الاستقراء: من الفوارق المهمّة بين القياس النحوي و الفقهي مسألة«الاستقراء»فالمحقّقون من النحاة حين يعرّفون النحو يقولون: هو«علم بمقاييس مستنبطة من استقراءكلام العرب» . و يقول ابن السرّاج: «و هو علم استخرجه المتقدّمون فيه من استقراء كلام العرب». و يقول أبو إسحاق الشاطبي: «الّذين اعتنوا بالقياس و النظر فيما يعدّ، من صلب كلام العرب، و ما لا يعدّ، لم يثبتوا شيئا إلاّ بعد الاستقراء التامّ، و لا نفوه إلاّ بعد الاستقراء التامّ».
فالقياس النحوي إذن قائم علي الاستقراء، و لا تكاد تتمّ لهذاالأصل فائدته دون الاعتماد علي أصل آخر هو«الاستقراء»و هذاأمر معروف عند النحويّين عموما، حتي قال بعض المحدثين : «لست أعقل النحو إلاّ استقراء ثم قياسا».
و الأمر ليس كذلك بالنسبة للقياس الفقهي، فهو عندهم: عملية اجتهادية تتمّ من دون حاجة إلي الاستقراء، لا التامّ منه و لا الناقص، و ذلك لأنّ المشرّع عند الفقهاء«واحد»و نصوصه معروفة فنضبطه في كتاب اللّه و سنّة نبيّه، و يمكن القياس علي أيّ نصّ تظهر لهم علّته، و المشرّعون عند النحاة لا يحصون عددا، و بلادهم متباعدة، و لهجاتهم مختلفة، لذلك فعمليةالاستنباط عندهم بحاجة إلي: التتبع، و الإحصاء، و الفرز، و الملاحظة، ثم استنتاج العلّة حتي يصحّ القياس عليها، و لايصحّ لهم القياس علي أيّ نصّ لأيّ عربي، كما يصحّ ذلك عند الفقهاء .
153

و إذا افترض أنّنا سمعنا عربيا، ممن يصحّ الاحتجاج بقوله، قال: «علّمته تعليما»فلا يصحّ لنا أن نصوغ المصدر بزنة«تفعيل»من كل فعل مضعّف«فعّل»ما لم نستقري ء ما وصلنامن كلام العرب في ذلك فإذا وجدناهم يصوغون باطّراد مصدر هذا الفعل بهذه الصيغة، قسنا حينئذ عليها: «تثقيف من ثقّف»و«تنظيم من نظّم»و«تبويب من بوّب»و أمثالها، و هكذاالقول في صوغ أسماء الفاعلين و المفعولين، و أسماء الزمان و الآلة، و جموع التكسير، و النسب، و التصغير و غير ذلك.

الاستقراء أولا ثم القياس.
و لهذا أخذ الأخفش علي بشّار بن برد حين قال: الآن أقصر عن سميّة باطلي*و أشار ب (الوجلي) عليّ مشيرو قال: علي (الغزلي) منّي السلام فربما*لهوت بها في ظلّ مخضلّة زهرفاشتقّ من الوجل و الغزل وصفا: «وجلي»و غزلي»لأنّ ذلك لم يسمع من العرب.
و إنّما قاسه بشّار علي«جمزي»من«الجمز» أي السرعة و هو ليس موضوع قياس.
و«جمزي»هذه لم ترد إلاّ في بيت لأميّة بن أبي عائذ: كأنّي و رحلي إذا رعتها*علي جمزي جازي بالرمال فقاس بشّار عليه غزلي و وجلي دون أن يتمّ استقراء هذاالوصف.
و مع هذا الفرق الواضح بين قياس لا يتمّ إلاّ بالاستقراء، و قياس لا علاقة له به، لا بدّ أن تكون هناك فروق بين قواعدتأصيل كل منهما، و لذلك اختلفت الأقيسة النحوية بين مدرستي البصرة و الكوفة، و بين نحاة المدرسة الواحدة أحياناتبعا لنقص التتبّع و التصنيف اللذين لا يتمّ تجريد القاعدة ثم القياس عليها إلاّ بهما، و هذا شي ء لا حاجة به للإطالة لأنّه معروف .
يضاف إلي ذلك أنّ المدرستين معا أهملتا الاحتجاج بالحديث الشريف كما سبق ففقدتا مادة غنية جدا لاستقراءاللغة، كما أهملوا الاحتجاج بالقراءات المتواترة لأنّها تخالف القاعدة التي استعجلوا في تجريدها و بنائها علي استقرائهم الناقص، و أمثال ذلك ممّا تمّ عرضه .

3 الإجماع

و قد ذكر هؤلاء النحاة، لهذا الأصل، ثلاثة أنواع: إجماع العرب، و إجماع البلدين، و الإجماع السكوتي.
أ إجماع العرب: و نستبق الأمر فنقرّر: أنّ إجماع العرب لايمكن أن يكون دليلا«مستقلا»عن السماع و القياس، لسببين: 1 لعدم إمكانه، و قد قال عنه السيوطي نفسه: «إجماع العرب حجّة، و لكن أنّي لنا بالوقوف عليه». و قد كانت تجربةالأصوليّين قبله في«إجماع الأمّة»قليلة الجدوي، لعدم إمكانه، إلاّ فيما هو ضروريّ من ضروريات الدين، و هي في غني عن الإجماع، لتوافر النصوص فيها، لذلك ضاق هذا الإجماع، عندالمذاهب الفقهية المختلفة، فأصبح يعني : إجماع الصحابة، أوإجماع الخلفاء الراشدين، أو إجماع أهل المدينة، أو إجماع الإمامية، أو إجماع العترة، أو إجماع المذاهب الأربعة، إلي آخرما ادّعاه الأصوليّون من صور الإجماع، كل ذلك من أجل أنّهم لم يتمكّنوا من تحصيل«إجماع الأمّة»فكيف يمكن لمقلّديهم من النحويّين تحصيل«إجماع العرب»علي قول ما، مع أنّنا نعلم أنّ استقراءهم، سواء أكانوا في البصرة أم الكوفة، كان استقراءناقصا، لأنّه مقصور علي قبائل بعينها في كلّ من المصرين.
2 لعدم الحاجة لهذا النوع من الإجماع، و ذلك لأنّ أساس الأحكام النحوية هو السماع من العرب، و السماع، عندهم، يكفي أن تمثّله القبيلة و القبيلتان، بل و الشاهد و الشاهدان، فلم الإجماع إذن؟و لم نجد نحويا اشترط«للسماع»أن تجمع عليه العرب، فإذا قال سيبويه مثلا عن الفعل المضاعف مثل«وددت»أنّه«إذا تحرّك الحرف الأخير فالعرب مجمعون علي الإدغام»، أوقال في المفرد المنادي: «كلّ العرب ترفعه بغير تنوين»، أو قال: «و ليس من العرب إلا و هو يقول (تنّبأ) مسيلمة فليس معناه: أنّه يحتجّ بالإجماع باعتباره دليلا مستقلا عن السماع، بل إنّه يريدأن ينفي عن السماع الذي احتجّ به الندرة أو الشذوذ، إلي حدّأنّ العرب كلّها تنطق به.
تماما كما لو قال الفقيه مستدلا بحديث ما: «أجمعت (الصحاح) علي نقله»أو«المحدّثون قاطبة يروون ذلك»، أو«لاأحد منهم إلاّ و يروي ذلك»و ليس معني هذه العبارات أنّه يستدلّ ب«الإجماع»، بل بالنصّ المستفيض.
ب إجماع البلدين و البلدان هما: البصرة و الكوفة، و أول من بحث في هذا النوع من الإجماع، أبو الفتح عثمان بن جني في الخصائص، قال: «اعلم أنّ إجماع أهل البلدين إنّما يكون حجّة، إذا أعطاك خصمك يده: ألاّ يخالف المنصوص،
154

و المقيس علي المنصوص، فأمّا إن لم يعط يده بذلك، فلايكون إجماعهم حجّة عليه».

معني ذلك أنّ ترتيب الأدلّة من حيث حجّيّتها عند ابن جنّي: النصّ أولا، ثم القياس علي النصّ، ثم الإجماع، و قد كان ترتيبها عند الأصوليّين، أن يقع الإجماع بعد النصّ، ثم يأتي القياس علي أصل ثبت بالنصّ أو الإجماع.
و سرّ مخالفة ابن جني ترتيب الأصوليّين، أنّ حجّيّة الإجماع عندهم تستند إلي قوله (ص) : «لا تجتمع أمّتي علي ضلالة»الذي أعطي لإجماعهم العصمة عن الوقوع في الخطأ، «و لم يرد ممن يطاع أمره في قرآن و لا سنّه أنّهم النحاة لا يجتمعون علي الخطأ».
من أجل ذلك قدّم القياس علي إجماعهم، و سوّغ لكل قائس بلغ شأوهم، أن يخالف إجماعهم، و ذلك لأنّ النحو«علم منتزع من استقراء هذه اللغة، فكلّ من فرق له من علّة صحيحة، و طريق نهجة، كان (خليل) نفسه و (أبا عمرو) فكره».
ثم ذكر بعد ذلك: أنّه«مما جاز خلاف الإجماع الواقع فيه منذ بدي ء هذا العلم و إلي آخر هذا الوقت، ما رأيته أنا في قولهم: (هذا جحر ضبّ خرب) فهذا يتناوله آخر عن أول، و تال عن ماض، علي أنّه غلط من العرب، لا يختلفون فيه و لايتوقّفون عنده. . . إلي آخره»ثم يذكر حجّته في مخالفة هذاالإجماع.
و حين تصل إلي هذا الحدّ من قول أبي الفتح، تعجب ممن فهم عن هذا الرجل قوله بحجّيّة الإجماع، لأنّه و هو من نعرف جلالة قدر، و دقّة ملاحظة، و تمكّنا من زمام قول لا يمكن أن يصل إلي رأي لا محصّل له!!و ذلك لأنّه إمّا أن يكون إجماع البلدين عنده حجّة، فبعد عصر انعقاده لا يصح له و لا لأيّ مجتهد آخر، و إن بلغ مبلغ الخليل، أن يخرق هذا الإجماع لأيّةعلّة فرقت له، و هذا هو معني حجّية الإجماع عند من يعترف به. . . و إمّا أن يكون جائزا له، أو لغيره، أن يخرجوا علي إجماع البلدين، لإمكان وقوعهم في الخطأ و هو رأي سديد جدّا فلماذا يذهب إذن إلي أنّ إجماعهم حجّة؟!
قد تقول لي: إنّ أبا الفتح لحجّية هذا الإجماع من أول: أن يعطيك خصمك يده، ألاّ يخالف هذا الإجماع المنصوص، و لاالمقيس علي المنصوص، و قد خالف إجماع النحويّين علي تغليط«هذا جحر ضبّ خرب»القياس الذي انعقد في نفس ابن جنّي، فلم يعد إجماعهم حجّة عليه.
أقول لك: أنا أفهم من اشتراط ابن جنّي ذلك، أنّه قصد به إضعاف القول بحجّية الإجماع، و ذلك لأنّنا نفهم من حجّيةالإجماع أنّه، بعد انعقاده، يكون حجّة علي المجتهدين الّذين يستطيعون أن يقيسوا، لا علي المقلّدين أو المبتدئين في النحو، و إلاّ فإذا جاز لكلّ مجتهد فرقت له علّة صحيحة أن يخالف إجماع المجمعين، فلا خصوصية حينئذ لقصر الحجّيّة علي«إجماع البلدين»، ذلك لأنّ إجماع أهل البصرة وحدهم حجّةعليك إذا لم يخالف المنصوص و لا المقيس عليه، و إجماع أهل الكوفة، أو بغداد، أو الأندلس، أو مصر، كذلك حجّة إذالم يخالف المنصوص و لا المقيس علي المنصوص، بل إنّ قول الكسائي وحده، أو سيبويه، أو المبرّد، أو ابن جني حجّةعليك إذا لم يخالف المنصوص و المقيس، فإذا انعقد في نفسك قياس علي خلاف ما قاسوا، لم يعد قولهم حجّة!!
فما معني حصر الحجّية إذن بإجماع البلدين وحده؟!
أمّا الّذين تأخروا عن ابن جنّي من مؤلّفي هذه الأصول، فإنّ السيوطي كعادته نقل قوله و لم يعقّب.
و ابن الأنباري، في لمع الأدلّة، حصر أدلّة النحو في ثلاثة: النقل، و القياس، و استصحاب الحال. و ذكر الاستحسان و أدلّةأخري و لم يرتضها، و لم يذكر في كتابه الإجماع لا بنفي و لاإثبات، و لكنّه في كتاب«الإنصاف»احتجّ كثيرا بالإجماع، أوبخلاف الإجماع، لآراء البصريّين و الكوفيّين، أو للردّ عليها.
و يبدو لي أنّه لم يكن يقصد من ذكر«الإجماع»في الإنصاف، إلاّ معناه اللغوي«الاتّفاق علي الأمر»لا المعني الاصطلاحي الذي يقصد منه أنّ الإجماع دليل مستقلّ عن النقل و القياس، و ذلك: 1 لأنّ هذه المسائل التي ذكر فيها الإجماع، كانت أدلتها عند الطرفين إمّا منصوص عليها، أو مقيسة، و ذكر الإجماع فيها إنما هو من باب إلزام الخصم بأنّه«متّفق»مع خصمه علي صحّة النصّ، أو صحّة القياس، و ليس هذا من باب الاحتجاج بالإجماع، علي أنّه دليل مقابل للنصّ أو للقياس عليه.
2 أنّ الأنباري لو كان يذهب إلي حجّية الإجماع لذكره في موضعه الطبيعي، و هو كتاب«لمع الأدلّة»مع أنّ هذاالكتاب وضعه كما يقول في مقدّمته بعد وضع كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف.
3 و لو سلّمنا بأنّه كان يعني هنا بالإجماع معناه المصطلح عليه، فإنّه يكون من باب«الإجماع المنقول»و هو كخبر
155

الواحد، لا بدّ من معرفة ناقله، و عدالته و توثيقه، و معرفة العصرالذي نقل الإجماع عنه، و عدم وجود المخالف فيه، و أمثال ذلك ممّا هو غير متوافر فيما حكاه الأنباري، و الكتاب، بعدذلك، كتاب في مسائل الخلاف، و ما من مسألة فيه إلاّ كانت مسرحا لخلاف بين نحاة المصرين، أو بين نحاة كل مصرمنهما أحيانا، فكيف نقطع بعدم وجود المخالف؟!

ج الإجماع السكوتي: و الإجماع السكوتي ذكره السيوطي، علي أساس أنّه صورة من صور«إجماع العرب»و عرّفه بما يلي: «أن يتكلم العربي بشي ء، و يبلغهم يعني العرب و يسكتون عليه» .
ثم استشهد له باستدلال ابن مالك في التسهيل علي جوازتوسيط خبر«ما»الحجازية، و نصبه بقول الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد اللّه نعمتهم*إذ هم قريش، و إذ ما مثلهم بشرو قد قرّب استدلاله بالإجماع: «أنّ الفرزدق كان له أضدادمن الحجازيّين و التميميّين، و من مناهم أن يظفروا له بزلّة، يشنّعون بها عليه، مبادرين لتخطئته، و لو جري شي ء من ذلك لنقل، لتوفّر الدواعي علي التحدّث بمثل ذلك، إذا اتّفق ففي عدم نقل ذلك دليل علي إجماع أضداده الحجازيّين و التميميّين علي تصويب قوله».
و هذا الحديث كلّه ضرب من الوهم، و ذلك: 1 لأنّه يكاد يكون نقلا حرفيا من احتجاج بعض الأصوليّين بالإجماع السكوتي، و قد كفانا الشافعي مؤنة الردّعليهم بقوله: «لا ينسب إلي ساكت قول» .
2 إنّ مدّعي هذا الإجماع بينه و بين الحادثة قرون و قرون، فمن أدراه بأنّ كلّ واحد من الحجازيّين و التميميّين بلغه قول الفرزدق؟أو أنّ كل واحد لم يعترض عليه حين بلغه ذلك؟علي أنّ المسألة لا تتعلّق بأضداده من الحجازيّين و التميميّين، فالمفروض أنّ الإجماع هنا صورة من صور إجماع العرب، لاإجماع أهل الحجاز، و لا بني تميم، فلا بدّ أن يبلغ العرب كلّهم فيسكتوا ثم إنّ مجرّد عدم علم السيوطي أو ابن مالك بنقل اعتراضهم، لا يكوّن له علما بعدم وقوعه، لأنّ«عدم الوجدان لايدلّ علي عدم الوجود».
3 إنّ مدّعي هذا الإجماع من الأصوليّين أن يتوفّر في سكوت الساكتين عنصر«الرضي»بالقول، حتي يتمّ الإجماع، فمن أدرانا علي فرض أنّهم سمعوا و سكتوا علي قول الفرزدق غير معترضين أنّ سكوتهم كان عن«رضي»بقوله، ألا يحتمل أنّ كل قبيلة سمعته ظنّت أنه يتكلّم بلغة قبيلة أخري، فلم تعترض عليه؟ألا يحتمل أنّ من سمعه، و لم يعترض اعتبره خطأمن أخطاء الفرزدق، و تجنّب الاعتراض إمّا لعدم اهتمامه، أواعتمادا علي اعتراض غيره، كما سكت معاصر و عبد الله بن أبي إسحاق حين اعترض الفرزدق و خطّأه بقوله: مستقبلين شمال الشام تضربنا*بحاصب من نديف القطن منثورعلي عمائمنا تلقي و أرجلنا*علي زواحف تزجي مخها ريرفقال: إنّما هي«رير»بالضم . . ثم حاول أن يصلح له البيت: «علي زواحف نزجيها محاسير»أو لعلّهم سكتوا خوفا من لسان الفرزدق لأنّه هجا ابن أبي إسحاق حين اعترضه: و لو كان عبد الله مولي هجوته*و لكن عبد الله مولي موالياو هذه الاحتمالات، أو أكثرها، واردة علي الحادثة و أمثالها، و مع ورودها لا يمكن التحقّق من أنّ قول الفرزدق بلغ كلّ العرب، و أنّهم حين بلغهم سكتوا و لم يعترضوا، و أن سكوتهم كان عن رضي بقوله، حتي يتمّ هذا الإجماع!!
4 إن الفرزدق ممن يحتجّ بأقوالهم عادة، و تكلّف الإجماع علي مثله سكوتيا أو غير سكوتي ضرب من العبث لا طائل تحته، علي أنّ«ما»هنا تسمّي«الحجازية»، و لا بدّ أنّ الفرزدق نطق بها علي لغتهم، لأنّهم هم الّذين يعملونها، و التميميّون يخالفون في ذلك، فكيف يعتبر سكوتهم عن رضي، لنكوّن بذلك إجماعا!
4 الاستحسان

و الاستحسان من أدلّة الحنفية، و قد ردّه الشافعي و كتب فيه«إبطال الاستحسان»و لذلك لم يعتبره الأنباري و السيوطي من أدلّة النحو، لأنّهما شافعيّان!!و من تعاريفه عند الحنفيّة أنّه: «ترك القياس و الأخذ بما هو أوفق للناس»علي أساس أنّ العلّةالقياسية و إن كانت ظاهرة إلاّ أنّ العمل بها قد يقتضي في بعض الأحيان عسرا و حرجا، فيتركها المجتهد إلي العمل بعلّةخفيّة ضعيفة«استحسانا»منه لها، لأنّها توجب اليسر و السهولةعلي الناس.
و علي هذا الأساس خصّ ابن جنّي هذا الاستحسان بباب في خصائصه، و عرّفه بما يشبه تعريف أصحابه من الحنفية،
156

فقال و جماعة«إنّ علّته ضعيفة غير مستحكمة، إلاّ أنّ فيه ضربامن الاتّساع و التصرّف» . ثم ضرب له أمثلة كثيرة منها: قولهم: الفتوي، و البقوي، و التقوي، علي أساس أنّ القياس يقتضي أن تكون بالياء: الفتيا و البقيا. . . و لكنّهم تركوا القياس هنا، للتفريق بين الاسم و الصفة.

ثم رأي أنّ هذا«التفريق»علّة خفيّة غير مطردة، لأنّنا نراهم لا يفرّقون بينهما الاسم و الصفة أحيانا، و ضرب لذلك أمثلةمنها: أنّهم يجمعون«حسن»علي«حسان» و هي صفة كمايجمعون«جبل» علي جبال و هي اسم و لو كان التفريق بين الاسم و الصفة واجبا، لا طردا في جميع الباب، كاطّراد رفع الفاعل و نصب المفعول.
«و من الاستحسان: رجل غديان و عشيان، و قياسيه: غدوان و عشوان؛لأنّهما من: غدوت و عشوت . . . و مثله: دامت السماءتديم ديما، و هو من الواو. . . و من ذلك: استحوذ، و أغيلت المرأة، و (صددت فأطولت الصدود و قلّما) . . . »إلي آخر ما ذكر من أمثلة تتعلّق بخروج بعض الكلمات العربية عن قياساتها.
و هناك ملاحظتان علي هذا الاستحسان باعتباره واحدا من أدلّة النحو: 1 أنّ هذه الأمثلة التي ذكرها ابن جنّي هنا في باب الاستحسان، سبق له أن ذكرها في أبواب أخري تعود للقياس، مثل باب الاطّراد و الشذوذ 1/69، و باب تخصيص العلل 1/144، و هي بالقياس أشبه منها بالاستحسان، و ذلك لأنّ خروج مثل«فتوي»و«غديان»و«ديما»و«استحوذ»و«أغيلت»و أمثالها عن أبوابها يعتبر شذوذا، و عدم اطّراد للعلّة القياسية في هذه المواضع، و هنا يأتي النزاع الذي أثاره الأصوليّون و تبعهم فيه النحاة أنّه: إذا اطّردت العلّة القياسية في أكثر أمثلة الباب، و دار الحكم معها حيث تدور، و لكنّه تخلف في بعض الأمثلة، مع وجود العلّة، فهل يعتبر هذا التخلّف«نقضا»للعلّة، بمعني أنّه يكشف أنّ ما افترضناه علّة لم يكن في الواقع علّة، فيبطل القياس؟أو أنّ ذلك يعتبر«تخصيصا»لعموم العلّة، و يبقي القياس جاريا في كل ما اطّردت علّته، عدا الأمثلة الشاذّة؟
و كثير من الأصوليّين و النحويّين و منهم ابن جنّي اختارالقول بتخصيص العلّة و عدم النقض، بمعني أن يبقي القياس عاما جاريا في كل موضع وجدت فيه العلّة، أمّا الشواذّ التي كانت موارد لتخصيص العموم، فهي صحيحة أيضا استناداإلي نصوصها المسموعة و لكنّها تظلّ مقصورة علي مواردهاو لا يقاس عليها.
قال في باب تخصيص العلل: «اعلم أنّ محصول مذهب أصحابنا، و متصرّف أقوالهم مبني علي جواز تخصيص العلل، و ذلك أنّها، . و إن تقدّمت علل الفقه، فإنّها، أو أكثرها، إنّماتجري مجري التخفيف و الفرق، و لو تكلّف نقضها لكان ذلك ممكنا، و إن كان علي غير قياس».
و قال في باب الاطّراد و الشذوذ: «و اعلم أنّ الشي ء إذا اطّردفي الاستعمال و شذّ عن القياس، فلا بدّ من اتباع السمع الواردبه في نفسه لكنّه لا يتّخذ أصلا يقاس عليه غيره، ألا تري أنّك إذا سمعت (استحوذ) و (استصوب) أدّيتهما بحالهما و لم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلي غيرهما، ألا تراك لا تقول في استقام: (استقوم) و لا في استساغ: (استسوغ) . . . إلي آخره».
و حتي في الباب الذي عقده للاستحسان، فإنّه بعد أن ذكرأمثلة خارجة علي أبوابها، علّل ذلك بأنّه: «يخرج ليعلم به أنّ أصل استقام: استقوم، و أصل مقامة مقومة و أصل يحسن: يؤحسن، و لا يقاس هذا، و لا ما قبله، لأنّه لم تستحكم علّته، و إنّما خرج تنبيها و تصرّفا و اتّساعا».
و عقّب علي قول الشاعر: «أقائلنّ أحضروا الشهودا»بقوله: «فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيها له بالفعل المضارع، فهذا إذن استحسان، لا عن قوّة علّة، و لا عن استمرار عادة، ألاتراك لا تقول: أقائمنّ يا زيدون، و لا: أمنطلقنّ يا رجال، إنّماتقوله بحيث سمعته، و تعتذر له، و تنسبه إلي أنه استحسان منهم علي ضعف منه، و احتمال بالشبهة له».
فإذا تمّ هذا و كانت هذه الأمثلة راجعة إلي القول بتخصيص العلّة القياسية، فهي إذن ليست من باب الاستحسان المصطلح عليه، لأنّ الاستحسان شي ء، و تخصيص العلل شي ء آخر، و أصحاب ابن جنّي من الحنفية الّذين تابعهم في تأصيل الاستحسان في النحو لأنّهم أصّلوه في الفقه هؤلاء في الوقت الذي يلتزمون به صحّة القول بالاستحسان، يذهبون إلي فسادالقول بتخصيص العلل.
2 و في حالة الفرض بأنّ القول بالاستحسان قول بتخصيص العلّة القياسية كما يراه بعضهم و إن كان ذلك خطأ عند أصحاب ابن جنّي من الأحناف نعود لمناقشة الّذين يذهبون إلي أنّ هذا الاستحسان دليل من أدلّة النحو، كالقياس و كالسماع فنسألهم: إذا كانت هذه أمثلة الاستحسان عند ابن جنّي، أي: المواضع التي يشذّ فيها الحكم القياسي و لا تطّردعلّته، و إذا كانت هذه المواضع عنده نسمعها و لا نقيس عليها، أي أنّنا لا يمكن أن نستفيد منها«حكما نحويا فيما لا
157

نصّ فيه»كما يستفيد الأحناف من استحسانهم«حكما شرعيافيما لا نصّ فيه»فكيف يكون هذا الاستحسان من أدلّة النحوو مصادر أحكامه؟!

إنّ كل ما يفيده هذا الباب الذي عقده ابن جنّي للاستحسان، و نقله السيوطي في الاقتراح، هو تفسيره لشذوذهذه الأمثلة، و قد يكون بعض هذا التفسير مقبولا في الأسباب التي دعت العربي للخروج عن سنن القول التي سار عليها، و لكن ليس هذا هو الغرض من الاستحسان باعتباره«أصلا»، فالأصول ليست بصدد أن تقول لنا: إنّ هذا العربي ترك نهج القياس الذي سار عليه و«استحسن»هنا أن يضيف نون التوكيدإلي اسم الفاعل، و إنّما هي بصدد أن تقول: إنّ النحوي يستطيع أن يترك القياس و يستحسن إضافة نون التوكيد إلي اسم الفاعل، و ابن جنّي يصرّح بأنّ ذلك غير ممكن، فلا يصحّ أن تقول: أقائمنّ يا زيدون، و لا: أمنطلقنّ يا رجال.
و إذا كان هذا الاستحسان مخالفا لوظيفة«الأصول»المشابهة له، لأنّه«أصل غير منتج»فجعله في أصول النحوو أدلّتها إرباك لهذه الأصول، و إذا كانت وظيفته تفسيرية فقط، فليجلس في زاوية من زوايا«فقه اللغة»و أسرار العربية.
5 الاستصحاب

لم يذكر ابن جنّي الاستصحاب، كما ذكر الاستحسان، ربّما لأنّ أصحابه من الحنفية لم يعتبروه من أدلّة الفقه، و إن ذهب بعض المتأخّرين منهم إلي أنّه: «حجّة دافعة، لا حجّةمثبتة، أي: حجّة لدفع ما يخالف الأمر الثابت بالاستصحاب، و ليس هو حجّة علي إثبات أمر لم يقم دليل علي ثبوته».
و لكنّ الأنباري و السيوطي و هم شافعيّان أثبتاالاستصحاب و أنكرا الاستحسان، و لك أن تقدّر بعد ذلك، أكانت هذه الأصول النحوية قائمة علي تتبع مناهج النحوالكوفي و البصري لمعرفة أدلتهما؟أم علي تقليد مناهج الفقه الحنفي و الشافعي لتطبيق أصولهما؟
و مهما يكن من أمر، فإنّ الأصوليّين و إن اختلفوا في تعريف الاستصحاب و حجّيّته، إلاّ أنّهم اتّفقوا علي أنّه: «استفعال مأخوذ من الصحبة، و هي استدامة إثبات ما كان ثابتا، أو نفي ماكان منفيا».
و أوجز تعريفاته أنّه: «إبقاء ما كان»أو«الحكم ببقاء أمر شكّ في بقائه».
و الظاهر أنّ الاستصحاب عندهم يستند إلي قاعدة قد تكون مسلّمة عند العقلاء هي: «عدم نقض اليقين بالشكّ»تؤيّدهماروايات كثيرة لذلك قال ابن القيم في توجيه بعض الأمثلة: «و لمّا كان الأصل بقاء الصلاة في ذمّته أمر الشاكّ أن يبني علي اليقين و يطرح الشكّ».
يؤخذ من ذلك أنّ أهمّ أركانه، أو العناصر التي تضبط عمليةاستصحاب الحال هي: 1 اليقين السابق، و هو العلم بواقع الحال السابقة للشي ء.
2 الشكّ اللاحق، و هو عندهم أعمّ من الشكّ المنطقي أي تساوي الاحتمالين و الظنّ، و الوهم.
3 فعليّة اليقين و الشكّ، و يعنون بذلك: أنّ اليقين السابق ما يزال قائما بالنفس في ظرف وجود الشكّ اللاحق، أي أنّ ماحصل من شكّ متأخّر يعارض بقاء المتيقّن و استمراره فقط، لاأنّه يسري إلي اليقين السابق، في ظرف وجوده، فيزلزله من أساسه، لأنّه حينئذ لا يبقي شي ء يمكن استصحابه.
و لتوضيح فكرتهم عن ذلك نضرب المثل الآتي: لنفترض أنّي كنت في يوم«الجمعة»علي يقين من أنّ«هندا»هي زوج«عمرو»، و استمرّ هذا«اليقين»إلي يوم السبت حيث سمعت بخصومة وقعت بينهما، حصل لي منها«شكّ»أو«ظنّ»بطلاقها و انتهاء زوجيّتها، فيقال لي حينئذ: كنت علي يقين من«بقاء»الزوجية، و لم يحصل لك يقين آخربانقطاعها، و إنما حصل لك شكّ«و لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ»أمّا إذا افترضنا بأنّ شك يوم«السبت»لم يعارض استمرار اليقين فقط، و إنّما رجع القهقري إلي يقين يوم الجمعةفزلزله من الأساس، فلم تعد الزوجية ثابتة لنستصحب بقاءها.
علي ضوء ذلك نعود إلي تطبيق النحاة لقاعدة الاستصحاب في المسائل النحوية، و هم يعرّفونه بما يشبه تعريف الأصوليّين: «إبقاء حال اللفظ علي ما يستحقّه عند عدم دليل النقل عن الأصل» .
ثم يضرب ابن الأنباري لذلك مثلا فيقول: «و مثال التمسّك باستصحاب الحال في الفعل أن نقول في فعل الأمر: الأصل في الأفعال البناء، و إنّما يعرب منها ما يشابه الاسم، و هذا الفعل لم يشابه الاسم، فكان باقيا علي أصله في البناء».
و أنا في حدود جهدي لا أعرف كيف يمكن تطبيق الاستصحاب هنا، و لا يوجد«يقين»نشكّ في استمراره و بقائه!!و مع ذلك فلنلاحظ ما يأتي:
158

1 ما المقصود من استصحاب الحال هنا؟أ فإن كان المقصود: أنّ الأفعال كلّها محكومة بالبناءيقينا، و فعل الأمر واحد منهما، فلا يشذّ عن هذا الحكم، فالمسألة إذن خاضعة للقياس المنطقي«الاقتران»، لاللاستصحاب، و تكون مقدّمات القياس هكذا: «صيغة الأمرفعل، و كل فعل مبنيّ، إذن صيغة الأمر مبنية».

و كذلك إذا كان المقصود أنّ: كلّ فعل غير مشابه للاسم مبني، و فعل الأمر غير مشابه للاسم، إذن هو مبنيّ.
ب و إن كان المقصود من الاستصحاب هنا: أنّنا كنّا علي«يقين»من أنّ الأفعال كلّها مبنيّة، لأنّها لا تتحمّل المعاني الإعرابية كالأسماء، ثم حصل لنا«شكّ» أو يقين آخر بأنّ بعضها يتحمّل المعاني الإعرابية لمشابهته الاسم، فذلك يقتضي نقض اليقين السابق، أي نقض الأصل، لأنّ الذي حصل إن كان يقينا فقد نقضنا اليقين السابق بيقين مثله، و إن كان«شكّا»فليس هو شكّا في استمرار اليقين السابق حتي نستصحبه، و إنّما هو شكّ في أصل وجود اليقين، أي أنّ الزمن الذي تيقّنّا به أنّ الأفعال كلّها مبنية انتقض هو نفسه، فقد ظهرلنا فيه أنّ بعض الأفعال غير مبني، فزال ذلك اليقين.
2 علي أنّ المسألة خالية من«اليقين»أصلا، و كلّها ظنون يختلف فيها النحاة بحسب اجتهادهم و إن سمّوها«أصولا»، فالبصريّون يرون أنّ«أصل الإعراب للأسماء فقط»و الكوفيّون يرون أنّ«أصل الإعراب للأسماء و الأفعال، و أصل البناءللحروف»و ليست هناك قاعدة عقلية أو غير عقلية تقول: «لاتنقض الظنّ بالظنّ»حتي تكون مجالا للاستصحاب.
3 إنّ بعض النحاة المتأخّرين، و منهم الأنباري و السيوطي و بعض الدارسين المحدثين، يحمّلون قدماء النحويّين بصريّين و كوفيّين حتي سيبويه و الخليل استدلالهم بقاعدةالاستصحاب، لأنّهم قالوا مثلا : و هذا«مخالف للأصل»أو«موافق للأصل»أو«و هو الأصل»، أو استدلّ بعضهم بقاعدة مادون أن يسمّيها«أصلا»أو«استصحابا»، كاستدلال سيبويه بقاعدة: «إن الواو لا تزاد أولا أبدا»و أمثال ذلك من قواعدو أصول استنبطها النحاة من استقرائهم الناقص، و لا يمكن أن يقصد بها الخليل أو سيبويه«قاعدة الاستصحاب»لأنّ التطوّرالفكري في عصرهما لم يصل بعد إلي هذه القاعدة.
يؤيّد ذلك أنّ«استصحاب الحال»لم يكن أصلا من أصول الفقه إلاّ في وقت متأخّر، «و هو من وضع متأخّري الشافعية»لذلك لم نجد لمصطلح الاستصحاب ذكرا في«رسالةالشافعي»، و لا في كتب محمد بن الحسن و غيره من أصحاب أبي حنيفة، و لا عند غيرهم من الفقهاء إلاّ في القرن الرابع، و ليس من المعقول أن يكون«الاستصحاب»أصلا من أصول النحو، في زمن لم يعرف عند الفقهاء، مع اعتراف واضعي هذه الأصول النحوية بأنّهم وضعوها طبقا لأصول الفقه!!
علي أنّ هذا المصطلح«الاستصحاب»لم يذكر كما ذكرالقياس و لا مرّة واحدة في كتب النحو المتقدّمة، من كتاب سيبويه إلي خصائص ابن جني، و لعلّ أول من ذكره منهم هوابن الأنباري في القرن السادس.
4 إنّ كلمة«الأصل»لا تعني«الاستصحاب»بالضرورة، فقد سبق أنّها تطلق علي معان منها: «الدليل»الذي قد يكون نصّا، و قد يكون قياسا، و منها: «القاعدة»التي انتهي إلي تعقيدها أصحاب الفنّ في توجيه الاستفادة من الدليل، كالذي يقوله الأصوليّون مثلا: «الأصل أنّ النصّ مقدّم علي الظاهر»و«الأصل أنّ عامّ الكتاب قطعي»و أمثالها، كما تطلق كلمة«الأصل»علي«الراجح»عند التردّد بين أمرين كل منهمامحتمل، فيقال: «الأصل الحقيقة»عند تردّد اللفظ بين حمله علي الحقيقة أو المجاز، و«الأصل عدم الاشتراك»عندما يتردّدكون اللفظ مشتركا أو غير مشترك .
فإذا تنازع الفقهاء في مسألة ما و طبّقوا عليها واحدة من هذه الأصول و القواعد فليس معني ذلك أنّهم عملوا بالاستصحاب، و إنّما رجعوا لتطبيق القاعدة علي جزئيّاتها و مصاديقها .
و تعبير النحاة هنا ب«الأصل»من هذا القبيل.
ذلك لأنّ ما يسمّيه النحاة ب«الأصل»مثل: «الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة»و«الأصل في الخبر أن يكون نكرة»و«الأصل في الفعل أن يكون ثلاثيا صحيحا مجرّدا. . . إلي آخره»و«الأصل في الأسماء الإعراب»و«الأصل في الأفعال البناء»و أمثال ذلك من أصول ذهنية مجرّدة، اخترعها النحاةدون أن تخطر ببال المتكلّم العربي، أقول: هذه الأصول ما هي في الواقع إلاّ«مثل عليا»افترضها النحاة للكلمة و الجملة العربيةلتسهّل عليهم عملية التصنيف و التبويب فيما بعد، فما كان جاريا علي هذا«الأصل المثالي»جعلوه في«قاعدة»و ما خرج عن هذا الأصل، فإن غير مطّرد اعتبروه«شاذّا»لا يقاس عليه، و إن كان مطّردا، جعلوا له«قاعدة»فرعية أخري، فالفعل«ضرب»جار علي«الأصل»و الفعل«قال»معدول به عن هذاالأصل، و لكنّهم أخضعوه لأصل آخر، مفترض أيضا، فقالوا:
159

الأصل في قال: قول، و الأصل في باع: بيع»ليستنتجوا من ذلك قاعدة تصريفية مطّردة يصح القياس عليها: «إذا تحرّكت الواو أو الياء و انفتح ما قبلها قلبت ألفا»كما استنتجوا قاعدة: «إذا وقعت الواو أو الياء متطرّفة، إثر ألف زائدة، قلبت همزة»مثل: كساء و بناء، فإنّ أصلهما«كساو»و«بناي».

و حين وجدوا المبتدأ في قوله تعالي: وجوه يومئذناضرةمعدولا به عن الأصل المفترض: «الأصل في المبتدأأن يكون معرفة»جعلوه ضمن«أصل»فرعي آخر: «حصول الفائدة للمخاطب»: و لا يجوز الابتدا بالنكره* (ما لم تفد) كعند زيد نمره و هكذا. . . فليس مرادهم من هذه الأصول»المفترضة إذن غير بناء نظريّتهم النحوية الكاملة، و تأسيس القواعد و الضوابطالتي لا تشذّ عنها بنية صرفية، أو جملة نحوية.
و الخلاصة: أنّ ما يقوله النحاة السابقون: «موافق للأصل»أو«مخالف للأصل»لا يقصدون به فيما أعتقد أن«ضرب»مستصحبة لأنّها موافقة للأصل، و«قال: غير مستصحبة لأنّهامعدولة عن الأصل!!كما فهم ذلك أستاذنا الدكتور تمّام حسّان في أصوله مع كبير إجلالي لما قدّمه من جديد في المسألة النحوية و لعلّ ذلك كان اعتمادا منه علي ما قاله ابن الأنباري في الإنصاف: «من تمسّك بالأصل فقد تمسّك باستصحاب الحال»و يبدو لي أنّ ذلك كان تطبيقا غير سليم للاستصحاب و ذلك لأنّ المقصود ب«استصحاب الحال» كما هو واضح من بعض تعريفاته : «الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء علي ثبوته في الزمان الأول»أن يكون للشي ءالواحد حالان في زمانين: الحال الأولي معلومة ثابتة، و الحال الثانية مجهولة مشكوكة، فنستصحب حال العلم به في الزمان السابق إلي حال الشكّ به في الزمان اللاحق، لنلغي بهذه العملية الاستصحابية دور الشك الطاري ء و قيمته. و ليس الأمركذلك بالنسبة ل«ضرب»و«قال»فكلّ منهما معلوم الحال في كلّ من الزمانين: السابق و اللاحق، لاطّرادهما في كلام العرب جاهليّين و إسلاميّين فأين الاستصحاب إذن؟!
نعم لو حدث ل«ضرب»أو«قال»نطق آخر، يختلف عمّاكانت تنطق به سابقا، و حصل لنا من ذلك ما يوحي بأنّ هذاالنطق المتأخّر قد يكون فصيحا، فلنا حينئذ أن«نستصحب»الحال المعلومة لكل منهما، و نلغي بذلك دور النطق المتأخّرالمشكوك بفصاحته، و هنا يكون للاستصحاب دور في المسألةالنحوية، و لكنّ مثل هذا في حدود ما أعلم لم يحصل عندالنحاة السابقين، أي أنّهم لم يجروا الاستصحاب في نفي ماطرأ علي اللغة من تطوّر أو تغيير، لأنّهم حدّدوا الفترة الزمنيةالتي يحتجّ بها، في الحواضر، من الجاهلية إلي منتصف القرن الثاني، دون أن يعطوا للسابق فيها حقّ الامتياز عن اللاحق، فإبراهيم بن هرمة ( 150 ه ) و هو آخر من يحتجّ به عندهم له من قوّة الاحتجاج بشعره ما لامري ء القيس و غيره من الأوائل، أمّا ما تأخّر عن هذه الفترة فقد قطعوا بعدم فصاحته، و لم يحتاجوا فيه إلي الاستصحاب لعدم وجود الشكّ بفصاحته.
خلاصة البحث

بعد هذا العرض الموجز لما سمّي ب«أصول النحو»يبدو لي أنّ الّذين وضعوا هذه الأصول، لم يكونوا علي جانب من الجدّية في وضع«أصول»يراد لها أن تكون«منطقا»أو منهج بحث للتفكير النحوي، و استنباط أحكامه، كما كانت«أصول الفقه»منطق الفقه، و منهج التفكير الفقهي، و كل ما في الأمرأنّهم رأوا في أصول الفقه«أصولا جاهزة»يمكن ضرب الأمثال لها و لو بالتمحّل من مسائل النحو و أحكامه.
و قد رأيت أنّ الأصول أيّة أصول تبحث في ناحيتين: تشخيص الأدلّة. . . و أوجه دلالتها و لم يوفّق هؤلاء المؤلّفون عدا ابن جنّي في عملية«التقليد»التي ساروا عليها، لا في تشخيص أدلّة النحو، و لا في طرق دلالتها، أمّا التشخيص فلم يثبت منها ما يصلح لأن يكون«دليلا»لاستنباط الحكم النحوي غير«النصّ»و«القياس علي النص»مع ما أثرناه و أثاره الكثيرون من ملاحظات علي أصولهم في السماع و القياس.
أمّا الإجماع، و الاستحسان، و الاستصحاب، فهي إلي الوهم أقرب منها إلي الظنّ، و قد أوحتها طبيعة تقليد هؤلاء النحاةلمذاهبهم الفقهية كما رأيت!!
و أمّا أوجه دلالة الأدلّة، فقد نقشت بصورة ساذجة عن أصول المذاهب الفقهية التي كان يتبعها هؤلاء النحاة سواء في الأركان، أم الشرائط، أم الأقسام أم المسالك، أم قواعد التوجيه .
و أنا إذ أستثني ابن جنّي، فلأنّ كتابه«الخصائص»لم يعقدلأصول النحو وحدها و إن توسّع في بحوث القياس بما يعودنفعه علي فروع اللغة عموما و لأنّه بما له من أصالة، و سعة، و جدّية، لم ينقل عن أصول الفقه نقلا يكاد يكون حرفيا كمافعل الأنباري و السيوطي بل إنّ عقده بابين للإجماع
160

و الاستحسان، لم يكن فيهما ما يشعر بأنه يؤكد حجّيّتهما، علي أساس أنّهما كالقياس و السماع، و قد رأيت كيف أنّه غمزمن قناة الإجماع و جوّز للقائس مخالفته، و جعل الاستحسان أصلا تفسيريا، أمّا بقيّة كتابه فهو من أروع ما كتب في فقه اللغةو خصائصها و أسرارها، و سيبقي مصدر طلاّب فروع اللغة الّذي لا يغني عنه مصدر آخر.

و يغلب علي الظنّ أنّه إذا أريد وضع أصول يستكشف منهاطبيعة استنباط الحكم النحوي عند مؤسسيه، فيجب أن تترك هذه المحاولات جانبا، و يعمد الدارسون المحدثون، إلي كتاب سيبويه و شروحه، و مقتضب المبرّد، و معاني الفرّاء، و مجالس ثعلب، و أمثالها من كتب تمثّل الفروع النحوية في فترتين من ألمع فترات الدرس النحوي في مدرستي البصرةو الكوفة، و يستنتج من بناء أصحابها أحكامها علي النصوص المسموعة، و ما استعانوا به من تعليل أقيستهم و طرق احتجاجهم، و تؤخذ بنظر الاعتبار النقود المتأخرة المتسمةبالجدّية لمناهج النحاة السابقين، و تكتب بذلك كلّه«أصول النحو»الصحيحة الملائمة لطبيعة أحكامه و أدلّته و ليس ذلك علي جهد الدارسين المحدثين ببعيد.







: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=394104
التوقيع




    رد مع اقتباس
قديم 2011-07-14, 18:34 رقم المشاركة : 2
خالد السوسي
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية خالد السوسي

 

إحصائية العضو








خالد السوسي غير متواجد حالياً


وسام المنظم في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

وسام المنظم مسابقة الأستاذ الرمضانية

مسابقة كان خلقه القران1

وسام المرتبة الأولى في مسابقة المصطلحات

وسام المرتبة الأولى في مسابقة ألغاز رمضان

وسام المشاركة في مسابقة التصوير الفوتوغرافي

وسام المركز الأول في مسابقة استوقفتني آية

وسام مشارك في دورة حفظ سورة البقرة

افتراضي رد: أصول النحو و صلته بأصول الفقه





مساهمة جد قيمة ومتميزة وتبين بجلاء أن تعلم اللغة العربية وتعلم اصول النحو مهم جد لكل من يرغب في تعلم العلم الشرعي و إتقانه

جزاكم الله خيرا أخي الكريم رشيد وبارك الرحمن فيكم وأحسن إليكم







التوقيع


جميع من عاش في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفل بالمولد
فلم نحتفل نحن ؟ هل نحن أعلم و أفقه منهم ؟
و لماذا غاب هذا الخير عنهم وعلمه من جاء بعدهم ؟
و لماذا لا يتحدث الناس عن يوم وفاته الذي كان يوم 12 ربيع الأول ؟
أغلب الناس الذين يحتفلون لسان حالهم :
بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون
من كان مستنا فليستن بمن سبق...
اللهم أمتنا على السنة..


    رد مع اقتباس
قديم 2011-07-14, 18:43 رقم المشاركة : 3
رشيد زايزون
مشرف منتدى التعليم العالي ومنتدى التفتيش التربوي
 
الصورة الرمزية رشيد زايزون

 

إحصائية العضو









رشيد زايزون غير متواجد حالياً


وسام المشارك

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

افتراضي رد: أصول النحو و صلته بأصول الفقه


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد السوسي مشاهدة المشاركة



مساهمة جد قيمة ومتميزة وتبين بجلاء أن تعلم اللغة العربية وتعلم اصول النحو مهم جد لكل من يرغب في تعلم العلم الشرعي و إتقانه

جزاكم الله خيرا أخي الكريم رشيد وبارك الرحمن فيكم وأحسن إليكم




شكرا لك أستاذي الفاضل خالد السوسي على مرورك وتنوير المتصفح بمساهمتك وجميل حذيثك.





التوقيع




    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسوأ , الفقه , النجو , بأصول , صلته

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 11:11 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd