صلاة أهل الأعذار صلاة أهل الأعذار جمع عذر ، والمراد به هنا : المرض ، والسفر ، والخوف . فأهل الأعذار هم المرضى ، والمسافرون ، والخائفون . أولاً : صلاة المريض : 1. يلزم المريض أن يؤدي الصلاة قائماً ، وإن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه في قيامه أو مستندا على جدار ونحوه ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . 2. فإن لم يستطع المريض القيام في الصلاة ، بأن عجز عنه أو شق عليه وتحرج من ذلك ، أو خيف من قيامه زيادة مرض أو تأخر برء ؛ يصلي قاعداً . ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام ، ولا يكفي لذلك أدنى مشقة ؛ بل المعتبر المشقة الظاهرة . 3. فإن لم يستطع المريض الصلاة قاعداً ؛ بأن شق عليه الجلوس مشقة ظاهرة أو عجز عنه؛ فإنه يصلي على جنبه ، ويكون وجهه إلى القبلة ، والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن ، إلا إن كان الأيسر أسهل، فهو أفضل ، وإن لم يكن عنده من يوجهه إلى القبلة ، ولم يستطع التوجه إليها بنفسه ؛ أو كان في توجهه حرج ومشقة ، صلى على حسب حاله ، إلى أي جهة تسهل عليه . 4. فإذا لم يقدر المريض أن يصلي على جنبه ؛ تعين عليه أن يصلي على ظهره ، وتكون رجلاه إلى القبلة مع الإمكان . 5. وإذا صلى المريض قاعداً ، ولا يستطيع السجود على الأرض ، أو صلى على جنبه أو على ظهره كما سبق ؛ فإنه يومئ برأسه للركوع والسجود ، ويجعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع ، وإذا صلى المريض جالساً وهو يستطيع السجود على الأرض ؛ وجب عليه ذلك ، ولا يكفيه الإيماء ، والدليل على جواز صلاة المريض على هذه الكيفية المفصلة ما أخرجه البخاري وأهل السننن من حديث عمران بن حصين t قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي e فقال : (( صل قائماً ؛ فإن لم تستطع ؛ فصل قاعداً ، فإن لم تستطع ؛ فعلى جنبك )) زاد النسائي : (( فإن لم تستطع ؛ فمستلقياً )) . 6. فإن لم يتمكن من الإيماء بالرأس ، فإنه يستحضر أفعال الصلاة بقلبه ، ويحرك لسانه بأقوالها ، فإن لم يتمكن ، استحضر الأقوال أيضا بقلبه . وما سبق بيانه هو في حق من ابتدأ الصلاة معذوراً ، واستمر به العذر إلى الفراغ منها ، وأما من ابتدأها وهو يقدر على القيام ، ثم طرأ عليه العجز عنه ، أو ابتدأها وهو لا يستطيع القيام ، ثم قدر عليه في أثنائها ، أو ابتدأها قاعداً ، ثم عجز عن القعود في أثنائها ، أو ابتدأها على جنب ، ثم قدر على القعود ؛ فإنه في تلك الأحوال ينتقل إلى الحالة المناسبة له شرعاً ، وجوباً عليه ؛ لقوله تعالى : } فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {[التغابن: 16] ؛ فينتقل إلى القيام من قدر عليه ، وينتقل إلى الجلوس من عجز عن القيام في أثناء الصلاة … وهكذا . مسألة : وإن قدر على القيام والقعود ، ولم يقدر على الركوع والسجود ؛ فإنه يومئ برأسه بالركوع قائماً ، ويومئ بالسجود قاعداً ؛ ليحصل الفرق بين الإيماءين حسب الإمكان . ثانياً : صلاة الراكب : يجب على من يصلي الفريضة على مركوبه لعذر مما سبق ، ولا يمكنه النزول في الوقت ؛ أن يستقبل القبلة إن استطاع ؛ لقوله تعالى : } وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ…{ [البقرة: 144] ، ويجب عليه فعل ما يقدر عليه من ركوع وقيام ، وسجود وطمأنينة ؛ لقوله تعالى : } فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {[التغابن:16] وما لا يقدر عليه لا يكلف به . وإن لم يقدر على استقبال القبلة ؛ لم يجب عليه استقبالها ، وصلى على حسب حاله ، فإن لم يتمكن من الركوع والسجود ، أومأ بسجود قاعدا ، وبركوع قائما ؛ إن تمكن من القيام . فإن تمكن من النزول في الوقت ، أو كانت تجمع لما بعدها وتمكن من النزول في وقت المجموعة ؛ انتظر حتى ينزل فيصلي صلاة تامة . ثالثاً : صلاة المسافر : أ. القصر : يشرع للمسافر قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين ؛ كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى : } وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ…{ [النساء: 101] والنبي e لم يصل في السفر إلا قصراً ، والقصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء ، ويكره الإتمام عند شيخ الإسلام -رحمه الله- ، وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها-: (( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين؛ فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر )). مسألة : ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده ؛ لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض ، وقبل خروجه من بلده لا يكون ضارباً في الأرض ولا مسافراً ، ولأن النبي e إنما كان يقصر إذا ارتحل . ويقصر المسافر الصلاة في كل سفر ، ولو كان محرماً ؛ عند أبي حنيفة ، واختاره شيخ الإسلام -رحمه الله- ولو كان يتكرر سفره ؛ كصاحب البريد وسيارة الأجرة ممن يتردد أكثر وقته في طريق بين البلدان ، لعموم الأدلة . وليس للسفر مسافة محددة ، بل كل ما دل عليه العرف ، فالمسافة القصيرة في الزمن الطول سفر ، فالأقسام أربعة : 1. أن تكون المسافة طويلة ، والزمن طويل ، فهذا سفر . 2. أن تكون المسافة طويلة ، والزمن قصير ، فسفر إن دل العرف على ذلك . 3. أن تكون المسافة قصيرة ، والزمن قصر ، فليس سفراً ، إلا إن دل العرف عليه . 4. أن تكون المسافة قصيرة ، والزمن طويل ، كما لو لم يرجع إلى أهله في يومه فيقصر . مسألة : فإن إئتم مسافر خلف مقيم ، فإن كان في رباعية ، أتم أربعا إن أدرك من صلاته ركعة فأكثر ، وإلا قصر ، وإن صلى خلفه في ثنائية قصر ، وفي ثلاثية خير . مسألة : ولا تشترط نية القصر ، فيقصر من لم ينو القصر . مسألة : وليس للمسفر الذي تقصر فيه الصلاة مدة محدودة إذا أقام المسافر ، وأطال الإقامة ، وتشبه بأحوال المقيمين ، من التهيؤ بالمنزل ، واستئجاره ونحوه أتم . مسألة : وإذا دخل الوقت ، ثم سافر قصر اعتبارا بالفعل . ب. الجمع : يجوز للمسافر الجمع بين الظهر والعصر ، والجمع بين المغرب والعشاء ؛ في وقت أحدهما ، ويسن إذا كان جادا في السير . وإذا نزل المسافر أثناء سفره ؛ فالأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها قصراً بلا جمع ، وإن جمع فلا بأس . مسألة : يباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في الحضر للحاجة التي يلحقه بترك الجمع مشقة وحرج ، لما روى ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : (( جمع رسول الله e ، بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر )) وفي رواية : (( من غير خوف ولا سفر )) رواهما مسلم . مسألة : يشترط لمن جمع في وقت الأولى : 1. وجود العذر عند الإحرام بالثانية . 2. الموالاة بين الصلاتين ، بحيث لا يفصل بينهما بفاصل طويل عرفاً . وعند شيخ الإسلام -رحمه الله- : عدم اشتراط المولاة . ويشترط لمن جمع في وقت الثانية : 1. نية الجمع . 2. وجود العذر إلى دخول وقت الثانية . فإذا زال العذر قبل دخول الثانية لم يجز الجمع . ومن يباح له الجمع ؛ فالأفضل له أن يفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم ، والأفضل بعرفة جمع التقديم بين الظهر والعصر ، وبمزدلفة الأفضل جمع التأخير بين المغرب والعشاء ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ، وجمع التقديم بعرفة لأجل اتصال الوقوف ، وجمع التأخير بمزدلفة من أجل مواصلة السير إليها . رابعاً : صلاة الخوف : تشرع صلاة الخوف في كل قتال مباح ؛ كقتال الكفار والبغاة والمحاربين ؛ لقوله تعالى : } إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا .. { [النساء: 101] وقيس عليه الباقي ممن يجوز قتاله ، ولا يجوز صلاة الخوف في قتال محرم . والدليل على مشروعية صلاة الخوف الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، قال الله تعالى : } وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ { [النساء: 102] . وتفعل صلاة الخوف عند الحاجة إليها سفراً وحضراً ، إذا خيف هجوم العدو على المسلمين ؛ لأن المبيح لها هو الخوف لا السفر . وتشرع صلاة الخوف بشرطين : الشرط الأول : أن يكون العدو يحل قتاله كما سبق . الشرط الثاني: أن يخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة ؛ لقوله تعالى : } إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا .. { [النساء: 101] ، وقوله : } وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً .. { [النساء: 102]. ومن صفات صلاة الخوف الصفة الواردة عن النبي e : 1. حديث سهل بن أبي حثمة الأنصاري t . وصفتها كما رواها سهل : (( أن طائفة صفت مع النبي e وطائفة وجاه العدو ، فصلى بالتي معه ركعة ؛ ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم )) متفق عليه . 2- ما روى جابر t قال : (( شهدت مع رسول الله e صلاة الخوف ، فصففنا صفين والعدو بيننا وبين القبلة ، فكبر رسول الله e فكبرنا ، ثم ركع وركعنا جميعاً ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي e السجود ، وقام الصف الذي يليه ؛ انحدر الصف المقدم ، ثم ركع وركعنا جميعا ، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً ، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وكان مؤخراً في الركعة الأولى ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى e السجود ، وقام الصف الذي يليه ؛ انحدر الصف المؤخر بالسجود ، فسجدوا ، ثم سلم e وسلمنا جميعاً )) رواه مسلم . 3- ما رواه ابن عمر t قال : (( صلى رسول الله e صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين والأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو ، وجاء أولئك ، فصلى بهم ركعة ، ثم سلم ، ثم قضى هؤلاء وهؤلاء ركعة )) متفق عليه . 4- ما رواه جابر t قال : (( أقبلنا مع رسول الله e ، حتى إذا كنا بذات الرقاع )) ؛ قال : (( فنودي للصلاة ، فصلى بطائفتين ركعتين ثم تأخروا ، فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين )) ، قال : (( فكانت لرسول الله e أربع وللقوم ركعتان )) متفق عليه . وهذه الصفات تفعل إذا لم يشتد الخوف ، فإذا اشتد الخوف ؛ بأن تواصل الطعن والضرب والكر والفر ، ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما ذكر ، وحان وقت الصلاة ؛ صلوا على حسب حالهم ، رجالاً وركباناً ، للقبلة وغيرها يومئون بالركوع والسجود حسب طاقتهم ، ولا يؤخرون الصلاة ؛ لقوله تعالى : } فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً {[البقرة: 239] ، أي : فصلوا رجالاً أو ركباناً ، والرجال جمع راجل ، وهو الكائن على رجليه ماشياً أو واقفاً ، والركبان جمع راكب . ويستحب أن يحمل معه في صلاة الخوف من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله ؛ لقوله تعالى: } وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ {[النساء: 102] ومثل شدة الخوف حالة الهرب من عدو أو سيل أو سبع أو خوف فوات عدو يطلبه ؛ فيصلي في هذه الحالة راكباً أو ماشياً ، مستقبل القبلة وغير مستقبلها ، يومئ بالركوع والسجود . ونستفيد من صلاة الخوف على هذه الكيفية العجيبة والتنظيم الدقيق : أهمية الصلاة في الإسلام ، وشرط الوقت فيها ، وأهمية صلاة الجماعة بالذات ؛ فإنهما لم يسقطا في هذه الأحوال الحرجة ؛ كما نستفيد كمال هذه الشريعة الإسلامية ، وأنها شرعت لكل حالة ما يناسبها ، كما نستفيد نفي الحرج عن هذه الأمة ، وسماحة هذه الشريعة ، وأنها مصلحة لكل زمان ومكان . |
رد: صلاة أهل الأعذار بارك الله فيك |
رد: صلاة أهل الأعذار |
رد: صلاة أهل الأعذار |
رد: صلاة أهل الأعذار بارك الله فيكم |
الساعة الآن 01:39 |
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd