المقامة الصوتية [قصة] - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2009-10-09, 12:13

رقم المشاركة : 1

محمد معمري

أديـب و مفكــر

إحصائية العضو

محمد معمري غير متواجد حالياً

المقامة الصوتية [قصة]

المقامة الصوتية

برق البرق حتى كاد أن يخطف الأبصار، وزمجر الرعد بدوّي زمْزمة هزيمه حتى كاد أن يصُمّ أسْماع البشر، وهدأ هدير موْج البحْر، وسكن صرير الرّياح العاتيّة الهوجاء، لم تبْق سوى رواسب عسجدية سبكتها شمس الغروب قبل الغلس لتزين بها لوحة السماء. انصرف الناس إلى مساكنهم لاحتساء شربة المساء، وللسهر مع من هن لباس لهم من النساء. خيّم السكون بعد أن انقرضت الهيْضلة والضوْضاء، وسكتت القهقهات والأهازيج، وانعدم الهرْج والضجيج، إلا هدير محركات بعض السيارات، واللغْط من مسافات، بين الفينة والأخرى يعكر صفو الأجواء.
صفا الجوّ بعد سكون العاصفة، استيقظتُ في الغد على إثر صياح ديك وإنقاض دجاجة، خرجت لصلاة الفجر فاستمتعت بهبوب الجُشأة، وبعدها قمت بنزهة، في مملكة الطبيعة، بين روْعة الجبال والميّاه، جلست فوق كُدْية، أتأمل هذه الحياة، كما يجلس "البُوذي" فوق صخرة، يتأمل طقوسه. لم أكن أسمع سوى شقشقة العصافير فوق أغصان أشجار الصّنوْبر، وزقزقة الطيور فوق أشجار العرْعار، وهديل الحمام في الجبل، وعلى ضفة الوادي تغريد البلابل. وما زاد في روعة هذه السيمفونية الرائعة حفيف الأوراق وخرير المياه، ما عدا طنطنة أوتار نعيق الغراب والبومة، وقد أفسد نقْر العود أزيز طائرة عَبَرَت فوق الأجواء لحْظة.
وعلى إثر مُواء هِرّ فرّ الفأر إلى الجُحْر، ومن نُباح كلب القط قدْ فرّ، وحين عوى الذئب عُواء الجُور، انقطع نَزيبُ الظباء بعد أن اختفت في الكُنّس، كما انقطع ثغاء البعير ونَبيبُ التيْس؛ ولكن عندما أتى مِنَ العَرين رَجْعُ صَدَى زئير الهِزبْر، أبْكم قِباع الخنزير، واختلط سليل الغزال بشجيج البغل، كما اختلط لحْن الشادي بالنٌواح والعويل؛ ولما جلدي اقشعرّ، ما كان علي سوى أن لُذْتُ بالفرار.
إلى أيْن أمْضي؟ وصهيل الخيْل أحْزاني! ونَهَمُ الفيل أنيني! ركضت كسهام الريح الطائشة، لم يُسْمعْ لي سوى خفق دبيب قدماي ولملابسي جفْجفة، ولهْثُ فمي، وغليان دمي.
قطعْتُ الوادي ولم يُوقفْني سوى الجبل، واسْتلقيت فوْق صخرة وثوبي مبلل، ومن أنفي ينبع الشهيق والزفير، ومن فمي التذمر، وأسناني في اصطكاك مستمر، ونبض قلبي في توتر..
وحين رفعْتُ الحجاب عن مسْمعي، سمعتُ خشخشة العشب يتخللها فحيح أفعى تريد مصْرعي، نظرت إلى الشمال فسمعتُ صَيْءَ عقرب، كانت تريد مني القرْب! قمتُ مُهرْولا أريد أن أصعد الجبل.. فتدحرجت الأحجار اتجاه بركة مخلفة من ورائها طقطقات مثل طقطقات حوافر الخيل، فأحدثت في المستنقع بقبقة فانقطع نقيق الضفادع، كما كانت آهاتي تتقاطع!
ولما وصلت إلى قمة الجبل صوت بطني كركرة، وأمعائي غرغرة، وجف اللسان عن التمطق، والشفاه عن النطق، كأنها ساعة الاستهلال، إلا أن صراخي كان في باطني يتغلغل. استرحت قليلا حتى علا الشخير، ولما استيقظت عدت إلى بيتي كالضرير، عدت إلى التأود والحنين والصخب، إلى الهمس والتمتمة والنحيب، إلى الهتاف والغناء والطرب...
كنت أمشي بين الناس ولا أسمع سوى الهيضلة، واللغط والبلبلة... دخلت بيتي عند الغروب! واستلقيت فوق سرير الكرب! تنفست تنفس الصعداء، وصحت بأعلى صوت: لماذا لم أسمع قط لعلعة! سوى عند الآذان؟ لماذا!؟ لماذا!؟

بقلم: محمد معمري

: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=28834

2009-10-09, 16:09

رقم المشاركة : 2

أحمد أمين المغربي

مراقب عام

إحصائية العضو

أحمد أمين المغربي غير متواجد حالياً

رد: المقامة الصوتية [قصة]

تخريجة جديدة لمقامة عالية الدقة عن جملة أصوات ترن بالمسامع كل يوم وايقاع صاخب تقوم على خلفيته أعطاها جمالا حسن السبك وقد جعلها ذلك تستغني عن محسنات البديعية إلا من ومضات الجناس ...
نصك مدهش يا معمري
بورك القلم عند حدود مقامتك الصوتية هاته.

التوقيع

2009-10-11, 11:35

رقم المشاركة : 3

محمد معمري

أديـب و مفكــر

إحصائية العضو

محمد معمري غير متواجد حالياً

رد: المقامة الصوتية [قصة]

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد أمين المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم أحمد أمين أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك المميز وكلماتك الراقية...
مودتي وتقديري


	للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :