كذبة إعلامية كبرى تسبق كل تدخل غربي مسلّح ! الصحافي التقدمي ميشال كولون
ميشال كولون في القناة الفرنسية الثالثة. تحويل و ترجمة مواطن العالم د. محمد كشكار

أنقل حرفيا العبارة المكتوبة على الشريط في الفيسبوك: حرب ليبيا القضايا التي تُزعج

كل حرب تسبقها كذبة إعلامية كبرى و دجّال من يدّعي أنه يملك خفايا ما يقع الآن في ليبيا أو يستطيع أن يستشرف ما يُطبخ لمستقبلها على نار هادئة في كواليس الحلف الأطلسي
- عندما احتلّت أمريكا فيتنام، ادّعت الإدارة الأمريكية أن باخرتين فيتناميتين هاجمتا الأسطول الأمريكي. بعد الاحتلال اعترف الأمريكيون بكذبتهم
- عندما هاجم الحلف الأطلسي يوغسلافيا، تعللت القيادة الأمريكية بحدوث إبادة جماعية في كوسوفو. بعد القصف و التدمير اعترف الأمريكيون أن الإبادة التي يتحدثون عنها وقعت بعلمهم و تحت أنظار الخوذات الزرقاء
- عندما احتلّت أمريكا العراق، ادّعت الإدارة الأمريكية أن "صدام حسين" يملك أسلحة دمار شامل و هو متواطئ مع القاعدة. بعد الاحتلال اعترف الأمريكيون بكذبهم في الادعاءين
- عندما احتلّت أمريكا أفغانستان، ادّعت الإدارة الأمريكية أن نظام طالبان هو من تسبب في أحداث 11 سبتمبر. بعد الاحتلال اعترف الأمريكيون بكذبتهم
إذن كل حرب أمريكية تسبقها كذبة إعلامية كبرى و لا يضرّ أمريكا و في الوقت نفسه لا ينفع الشعب المُستهدف أن نكتشف الحقيقة بعد وقوع البلأ

قد أكون غبيا، لكن لم أفهم حتى الآن ما هو الفرق بين عربي جيد و عربي سيئ؟ و ما هو المعيار التي تعتمده الولايات المتحدة الأمريكية للتفريق بين الاثنين؟

- لنأخذ مثلا المعيار الأول المتمثل في تنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة و شفافة، صحيح أن هذا النوع من الانتخابات مفقود في العالم العربي لكنه توفر مرة واحدة في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة في الضفة الغربية التي فازت فيها حركة حماس. بعد الانتخابات بقليل، عزل الرئيس عباس الوزير الأول اسماعيل هنية، الفائز بأكثرية 56 في المائة و عين مكانه وزيرا أولا متحصلا على 2 في المائة من الأصوات. هل يحق لنا إذن و طبقا للمعيار الأول أن نقول أن عباسا عربي سيئ لأنه لم يحترم نتائج الانتخابات الديمقراطية ؟ لا يا سادتي يا كرام، عباس عربي جيد عند الغرب و عند إسرائيل لأنه احترم إرادة الصهاينة و لم يحترم إرادة شعبه

- لنأخذ المعيار الثاني المتمثل في حقوق المرأة. كانت المرأة في العراق قبل الغزو تتمتع بقدر من المساواة مع الرجل و كانت تتقلد مناصب عليا في الإدارة و يأتمر بأوامرها أعتي الرجال. هل يحق لنا إذن و طبقا للمعيار الثاني أن نقول أن "صَدّام حسين" عربي جيد لأنه يحترم المرأة؟ لا يا سادتي يا كرام، صدّام عربي سيئ لأنه أمّم البترول رغم أنه أعطى حقوقا للمرأة أما الملك فهد فهو عربي جيد لأنه لم يؤمّم النفط رغم أنه لا يحترم المرأة. فالمسألة إذن مسألة بترول و حقوق المرأة كلمة حق أرادت بها الإدارة الأمريكية باطلا و هو سرقة ثروات الشعوب

- لنأخذ المعيار الثالث المتمثل في ممارسة الإرهاب. كان "بن لادن" يقوم بعمليات إرهابية ضد الجيش الوطني الأفغاني، جيش نجيب الله. هل يحق لنا إذن و طبقا للمعيار الثالث أن نقول أن "بن لادن" عربي سيئ لأنه إرهابي؟ لا يا سادتي يا كرام، "بن لادن" عربي جيد لأنه يقوم بعمليات إرهابية ضد الاتحاد السوفياتي عدو أمريكا. بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان و دخول أمريكا إلى أفغانستان، أصبح "بن لادن" عربيا سيئا لأنه بدأ يقوم بعمليات استشهادية ضد أمريكا و عميلها "كارازاي

- لنأخذ المعيار الرابع المتمثل في ممارسة العنف و القمع ضد الشعب. قلتم أن القذافي قتل المدنيين و انتقلتم من رقم 6000 إلى 2000 ثم 200 قتيل و دجّال من يدعي في ظروف الحرب أنه يملك العدد الصحيح للشهداء و المصابين. و رغم تقدم تكنولوجيات الاتصال الحديثة و رغم وجود برمجية "ﭭوﭭل إرث"، لم تستطع أمريكا أن تنقل لنا صورا عن المجازر التي تقول أن القذافي ارتكبها ضد المدنيين الليبيين
لنفرض أن القذافي قاتل لكن لا تنسوا أيها الغربيون أن قنابلكم قتلت الآلاف من الشباب و الصغار و النساء و الشيوخ دون تمييز بين العسكري و المدني في يوغسلافيا و العراق و أفغانستان و سوف يقع نفس الشيء في ليبيا إن لم توقفوا تدخلكم العسكري غير البريء
في الوقت نفسه، تقع مجازر واضحة في البحرين ضد المدنيين و لم يحتجّ الغرب بشدة على مَلِكِ البحرين بل على العكس، فقد سمحت أمريكا بدخول 2500 عسكري سعودي لمساعدة البوليس البحريني على قمع المتظاهرين البحرينيين السلميين

و لو أراد الغرب أن نعطيه اسم و عنوان أكبر ديكتاتور عربي سيئ و رجعي في العالم، لقلنا له: اختر ملكا من ملوك السعودية "الحداثيين". لكن تجري الرياح بما لا تشتهي أساطيل الإدارة الأمريكية الإرهابية و العربي الجيد الوحيد هو العربي الذي يصادق أمريكا و لا يعادي إسرائيل و الذي يركع على ركبتيه أمام غطرسة الغرب و الذي يقول شكرا لأوباما و شكرا لساركوزي و الذي يفرّط مجانا في ثروات بلاده الحالية و المستقبلية و يبعثر القليل المتبقي منها في شراء أسلحة غربية قديمة فاسدة و هذا العربي يُسمح له أن يعامِل المرأة معاملة العبيد و يحرِمها حتى من قيادة سيارتها بمفردها و يُسمح له أيضا كما وقع في البحرين أن يطلق النار على مواطنيه المتظاهرين سلميا من أجل حقوق اجتماعية بسيطة

ساندة فرنسا نظام بن علي إلى آخر لحظة لا بل تفننت وزيرة خارجيتها في مساندته و عرضت عليه قوة بوليسية فرنسية محترفة في قمع المظاهرات السلمية في تونس
نعم القذافي ديكتاتور، لكنه أمّم البترول الليبي و ساند المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، ذنبان كبيران لن تغفرهما له أمريكا و إسرائيل و لن يمرّا دون عقوبة قاسية، طال الزمن أو قصر
لم يساند الغرب الربيع الثوري العربي الذي مرّ في تونس و مصر و لن يعود. مرّ الـ"تسونامي" الثوري بخير و عوضوا وجوه محروقة في العمالة بوجوه نظرة مستعدة لمزيد من الخيانة و بطرق علمية حديثة لكن "نظيفة" عند عامة الشعب
في ليبيا، هنالك انتفاضة شعبية مسلحة من أمريكا و بريطانيا و هدف الغرب من هذا التدخل هو الاستحواذ شبه المجاني على البترول الليبي مثل ما وقع في العراق و قطع الطريق أمام التوسع الروسي و الصيني في إفريقيا

يذهب ريع البترول العربي في جيوب الخمس شركات أمريكية الكبرى مع أختيهما الصغريين البريطانية "ب. ب" و الفرنسية "توتال". كان من المفروض أن يُستثمر هذا الريع النفطي لتنمية العالم العربي. بمشيئة أمريكا، أصبح هذا العالم العربي الغني بثرواته الطبيعية، عالما مُثقلا بالديون و عالما مُصنّفا للمرّة الأولى ضمن الأوائل لكن و للأسف الشديد في قائمة الدول المشهورة بالفساد و الرشوة و التخلف و المرض و الجهل. لو لم ينهب الغرب ثروات العالم العربي النفطية لاستطاع هذا العالم أن ينهض بنفسه دون الحاجة إلى قروض من البنك العالمي. و ما تركه الغرب من فتات للدول العربية النفطية التابعة، صرفته حكوماتها مثل حكومتي قطر و الإمارات في بناء ناطحات سحاب في الصحراء بعلو 600 و 800 م، تساوي الليلة الواحدة في جناح في فندق من فنادقها 20 ألف أورو

لو أراد الشعب العربي تغيير نظامه السياسي فهو الوحيد صاحب الشرعية و لستم أنتم الغربيون أوصياء عنه. ما يغيظني في عقلية السياسي الغربي هو اعتقاده بأنه أدرى من أهل مكة بشعابها
لماذا رفضوا اقتراح شافيز لحل الأزمة الليبية ؟ اقتراح نال إجماع العرب و الأفارقة. هذه عادتهم، يرفضون أي اقتراح فيه تدخل بالحسنى و حقن للدماء من الجهتين، جهة الثوار و جهة القذافي و الجهتين ليبيتين. يرفض الغرب كل اقتراح لم يأت من الغرب لأن أجندته الخفية في سرقة ثروات الشعوب لن ينفذها بأمانة أحدٌ غيره

خلاصة القول
بعد ما كذب علينا الغرب و بعد ما عودنا على كذبه المفضوح لتسويق حروبه الاقتصادية منذ قرنين من الزمن، انتهت كل تدخلاته العسكرية في العالم بكوارث إنسانية لدى الشعوب المستهدفة بداية من فلسطين إلى كوريا إلى فيتنام إلى العراق إلى أفغانستان، فبأي منطق تريدون مني أن أصدق "نواياكم الحسنة" في حماية المدنيين الليبيين في تدخلكم اليوم ضد القذافي؟ و بأي معجزة تطلبون مني أن أصدق أن الديمقراطية قد تنبثق يوما من أفواه مدافعكم أو تسقط مع قنابل طائراتكم النفاثة ؟

السؤال
هل أنا كفرد غربي راض على الأنظمة الغربية التي تُقنبل على بلدان الجنوب باسمي و بأموال الضرائب التي أدفعها كل سنة ؟
و هل تحسّن حال البلدان التي تدخل الغرب فيها عسكريا مثل العراق و أفغانستان ؟
قبل الغزو العسكري كانت الأمية تقارب الصفر في العراق
بعد الغزو وصلت إلى 40 في المائة
بعد الغزو، انتشرت زراعة المخدرات في أفغانستان و تطورت و تشعبت تجارتها في العالم
بعد الغزو، أصبح كوسوفو محورا لتجارة المخدرات و الجنس

الكلمة الأخيرة
مشاكل العالم العربي و الإسلامي معقدة
أمريكا و الغرب ليسوا الحل
الاستعمار الغربي القديم و الحديث هو الذي أوصل هذه البلدان إلى هذه الحالة المتخلفة مع عدم إهمال العوامل الداخلية المتداخلة مع العوامل الخارجية و المؤثرة فيها و المتأثرة به