ماذا جنيت من الثورة التونسية؟ يوم 25/03/11. مواطن العالم د. محمد كشكار

ماذا جنيت من الثورة التونسية بعد مرور ثلاثة أشهر على تاريخ اندلاعها بسيدي بوزيد بعد استشهاد البطل البوعزيزي
- جنيت حرية في نقد رئيس الدولة و رئيس الوزراء و الوزراء، حرية شكلية مشهدية كنت أفتقدها قبل الثورة
- جنيت رئيسا لدولة الثورة، شخصا خدم بإخلاص النظامين البائدين على مدى 50 عاما
- جنيت رئيسا لوزراء الثورة، شخصا خدم في سلك الأمن البورقيبي لمدة 13 عام و نصف و ترأس برلمانا مزيفا في عهد بن علي
- جنيت لجنة وطنية لحماية الثورة و الانتقال الديمقراطي تضم الكثير ممن لم يشارك في الثورة و القليل ممن شارك في الثورة
- جنيت بوليسا يقمع و يفضّ بالقوة الاعتصام السلمي الثالث بالقصبة و بإذن من النائب العام لدولة الثورة
- جنيت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية للإدارة الأمريكية الإرهابية، تصول و تجول في عاصمتنا و في تلفزتنا، يحرسها أمنها المتغطرس غير المعترف بسيادتنا على أرضنا في وطننا
- جنيت من الثورة التونسية جيشا من العاطلين عن العمل و من الثورة الليبية جيشا من الفاقدين للعمل
- جنيت موسما سياحيا لا يبشر بخير لمئات الآلاف من التونسيين العاملين في هذا القطاع الهش
- جنيت 40 حزبا، فيهم الكثير من ركب الثورة و فيهم القليل من شارك في صنعها و حمايتها
- جنيت صراعا مغلوطا و مُركّبا و مُبيّتا و مُفبركا بين العَلمانيين من جهة و الإسلاميين و المسلمين من الجهة الأخرى
- النظام البائد-الباقي-الحاكم-القديم-الجديد، هو من أذكى نار هذا الصراع حتى يفرّق فيسودَ، يُلهي الناس في مشكل مغلوط حتى لا يلتفتوا لدسائسه و مؤامراته الدنيئة ضد الثورة و ضد العَلمانيين و اليساريين و المسلمين و الإسلاميين
- جنيت عَلمانيا يشوه فكر الإسلامي و يختزله عن قصد أو جهل أو عداوة مجانية في إقامة الحدود و لباس الحجاب و تحريم الخمر و إغلاق بيوت الدعارة العلنية
- جنيت إسلاميا يُعادي العَلمانية بحدّة و عنف و يختزلها عن قصد أو جهل أو عداوة مجانية في الإلحاد. هل العَلمانيون، محمد أركون و محمد الطالبي و عبد المجيد الشرفي و هشام جعيط، مُلحدون؟
- لماذا يتشبث اليساريون باستعمال مفاهيم العَلمانية و اللائكية و العِلمانية، مفاهيم غامضة لعامة الناس و لبعض المثقفين، مفاهيم تثير حولها الكثير من سوء الفهم و العديد من الشبهات؟ لماذا لا يطالب اليساريون بوضوح بدولة مدنية عوض الدولة الدينية؟ دولة، يُباحُ فيها تولّي المسؤوليات العليا لكل مواطن تونسي دون تمييز عرقي أو ديني، يتولاّها حسب كفاءته في ما انتُدِب إليه و ليس حسب درجة تقواه و تقرّبه من الله. نستطيع تقييم كفاءة الفرد و أدائه في المهمة المهنية التي كُلّف بها لكن من المستحيل قياس درجة تقوى الفرد لأن مقياسها غيبي إلهي، ببساطة لا نملكه! تستطيع أن تدافع حتى في الجامع عن مفهوم الدولة المدنية في مجتمع مسلم، دون أن تُتهم بالكفر و الإلحاد و القرضاوي نفسه ينادي بدولة مدنية. فهل القرضاوي ملحد؟
- في حصة تلفزية، نجح حمة الهمامي و راشد الغنوشي في عدم الوقوع في الفخ الذي نصبه لهما المذيع الخبيث. أراد هذا المذيع تجنيب النظام القائم الانتقادات اللاذعة لحمة و لراشد و حاول تحويل وجهة النقاش حول "فزّاعة" الإخوان و "فزّاعة" الشيوعية، فشل المذيع في محاولته و لم يتخاصم حمة مع راشد و واصلا الاثنان نقدهما للنظام القائم. لماذا لا يتخذ اليساريون و الإسلاميون من قياداتهم الرشيدة قدوة حسنة و يعملون مثلهم و يحوّلون سهامهم نحو النظام القديم سارق ثورتنا الجديدة؟ هل اليساري المعارض، هو من سجن و عذب و أبعد الإسلاميين المعارضين طيلة 30 سنة ؟ هل الإسلامي المعارض، هو من سجن و عذب و أبعد اليساريين المعارضين طيلة 56 سنة؟ النظام البائد هو من ظلم الاثنين، اليساري و الإسلامي
- 99 في المائة من التونسيين مسلمين عقائديا مالكيّين مذهبيا و 100 في المائة من التونسيين مسلمين حضاريا و اجتماعيا و وراثيا و تراثيا و وجدانيا و عائليا و تقاليديا. قد يكوّن معارضو العَلمانية الأغلبية و قد يكون دعاة العلمانية أقلية من مسلمين و غير مسلمين. فلماذا الصراع إذن؟ فَلْتَحترم الأغلبية رأي الأقلية و تتركها و شأنها تعيش كما ارتأت لنفسها و هذا هو تعريف الديمقراطية التي يؤمن بها الاثنان حسب علمي. و فلتحترم الأقلية حق الأغلبية بالتصويت في سن القوانين و هذا عين الواقعية السياسية. لو كنت لبنانيا أو عراقيا، لَتمسّكت بكل قوتي بتطبيق العَلمانية و اللائكية في المجتمع و الدعاية لها فكريا لأنها و في هذين البلدين بالذات تمثل أفضل حل للتناحر الطائفي و الديني و العرقي. لكن و من حسن حظي وُلِدت تونسيا، بلد لا يوجد فيه تناحر عرقي أو طائفي و رغم أنني يساري من نوع جديد، لا أنتمي لأي حزب و لا أؤمن بأية إيديولوجيا، أناقض الرأسمالية المتوحشة فكرا و ممارسة و أعارض على الدوام السلطة القائمة مهما كان منهجها و لا أعادي و لا أقصي أحدا من الساحة السياسية التي تسع الجميع لولا ضيق الأفق عند بعضنا و رغم أنني أؤمن إيمانا راسخا بــ"الـعلمانية التي لا تقصي العامل الديني من المجتمع" فأنا لست من المتحمسين لخوض صراع مغلوط و مبتذل مع أبناء شعبي و أفراد عائلتي و أصدقائي، أفضّل الالتفات للنظام البائد-الباقي-الحاكم-القديم-الجديد الذي أبعدنا و سجننا و عذبنا و حرمنا من حرية التعبير و سرق منا مستقبلنا و ثرواتنا دون أن يفرق بين عَلماني و مسلم و إسلامي، تحالف هذا النظام و تكاتف مع الاستعمار ضدنا، فَلْنتكاتف و نوحّد جهودنا ضد هذا العدو المشترك و ضد حليفه الاستعمار الفرنسي الأمريكي و ننسى الخلافات الوهمية التي زرعها فينا حسب سياسة "فرّق تسد
- جنيت وعودا بمجلس تأسيسي و انتخابات ديمقراطية و تشغيلا مستقبليا و تنمية جهوية في الأفق، إن شاء الله تتحقق هذه الوعود البراقة المشهدية لكن سرعان ما أتذكّر المثلين التونسيين المعبّرين جدا عن مستقبل ثورتنا: "الجواب بيّن من عنوانه" و "يا طامع بالعسل من طبلة بُوفِرْزِزُّو" (الطبلة هي الخلية بالفصحى و الفرززو هو الدبور بالفصحى
- أنهي مقالي التشاؤمي هذا بشيء من التفاؤل و بعض من الثقة في المستقبل على ضوء ما حققته بعض لجان حماية الثورة المحلية و الجهوية من إنجازات ثورية نادرة و محدودة

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي