منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   أرشيف مواضيع النقاش (https://www.profvb.com/vb/f293.html)
-   -   ماذا جنيت من الثورة التونسية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار (https://www.profvb.com/vb/t65747.html)

mkochkar 2011-03-24 22:07

ماذا جنيت من الثورة التونسية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
 
ماذا جنيت من الثورة التونسية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
ماذا جنيت من الثورة التونسية بعد مرور ثلاثة أشهر على تاريخ اندلاعها بسيدي بوزيد بعد استشهاد البوعزيزي
1
نزعت الثورة من قلبي الخوفَ من البوليس. خوفٌ سكنني و استقرّ بالعظم منذ طفولتي. كنا صغارا في قرية جمنة، نلوذ بالفرار بمجرد مشاهدة سيارة "لاندروفر" الخضراء للحرس الوطني و هي مُقبلة على قريتنا، قادمة من قبلي لأننا و الحمد لله لم يكن في قريتنا مركز للأمن. كان الأمن مستتبا في قريتنا دون رجال أمن و منذ قدومهم المشؤوم و استقرارهم الدائم بقريتنا، بدؤوا في استغلال نفوذهم و بث الفرقة بين المواطنين فأصبح الجمني يشتكي أخيه الجمني بمجرد مرور حمار الثاني على أرض الأول
قبل الثورة، كنت أحترم إشارات المرور حرفيا: لا أحرق الضوء الأحمر حتي في أنصاف الليالي و المكان خال، لا أُسرع أكثر من 60 كلم في الساعة في الطرقات العادية و 90 في الطرق السيارة، لا أنسى أوراق السيارة و أراقبها قبل الخروج و إن نسيتها أرجع من نصف الطريق، عند السفر أرى الشرطي من بعيد و إن لم يكن موجودا تخيلته موجودا حتى أُعوّد قلبي على الخوف و لا أرتاح لخُدَعِهم في التخفي وراء الأشجار. كانوا ينصبون كمائن نكاية فيَّ أنا العبد الخواف و في أمثالي و هم كُثرُ
بعد الثورة، أذهب إلى عملي و أرجع و أوراق سيارتي عند ابني، أصل إلى 80 كلم في الساعة عندما تكون الطريق خالية، لا أقف في الضوء الأحمر لو كان مفترق الطرق خاليا في الممرات الثلاثة الأخرى. أرى البوليس و أتجاهله و أتصرف و كأنه غير موجود. ركبت على مفهوم الشرطة أو "بَرْكَسْتُ" عليه بالتونسي منذ رأيت رجال الأمن و نساء الأمن يفقدون الأمن و يهربون بسلاحهم جريا و فزعا من جماهير الثوار الغاضبة و المزمجرة و المكشرة عن أنيابها. هذه الجماهير التي طالما أذاقها رجال الأمن المهانة و الذل و الضرب و التعذيب في مراكز الأمن. أنا أستاذ، مسالم و خواف و ليس لي أية سابقة أمنية، كنت أشعر بالخوف الدفين و الخفي كلما مررت أمام مركز أمن و كنت أموت رُعبا عند اجتياز الحدود و أنا لم أحمل في حياتي ممنوعات سوى كتب العفيف لخضر أو نوال السعداوي أو شريط للشيخ إمام أو كتاب "صديقي بن علي" أو كتاب الآيات الشيطانية لسلمان رشدي. عند دخولنا للجزائر، كان البوليس يحجز جريدة الصباح التونسية و يصنّفها من الممنوعات. كنت يوما راجعا من السفر و أحمل كتاب بعنوان " العنف الثوري" كتبه وزير مغربي من وزراء الحسن الثاني الموالين و ليس المعارضين، يحلل فيه العنف الثوري من وجهة نظره الرجعية، لمح الكتاب شرطي الحدود في غار الدماء فخطفه مني، سألته: لا يغرنّك العنوان، أستطيع أن أُلخّصه لك. رد بتشنج: أنا أيضا أعرف ألخّص. لم أفهم رده حتى الآن و كأنني قلت له أقرؤه لك فيكون رده عندئذ منطقيا و يقول لي: أنا أيضا أعرف القراءة
2
انخرطت في النقابة سنة 1976 و كونت أول نيابة نقابية بإعدادية غار الدماء و منذ ذلك الوقت صنفت نفسي في خانة المعارضين للنظام البورقيبي و من بعده نظام بن علي. كنت معارضا على طريقتي السلمية الفكرية النقابية الثقافية و لم أنتمِ يوما في حياتي لحزب سري أو علني. كنت أناضل في المعهد و في الاتحاد و في المقهى و في المنتديات الثقافية
قبل الثورة، لم أتعرض يوما للتهديد من البوليس و لا من الحزب الدستوري في عهد بورقيبة و لا من التجمع في عهد بن على و لا أسمع بالبوليس السياسي إلا من الناس
بعد الثورة، تعرّضت للتهديد المباشر العنيف و الصريح من أعز أصدقائي اليساريين الحقوقيين لاختلاف في الرأي مع أنني كنت و لا زلت أكنّ له كل الاحترام على المستوى الشخصي و العائلي، فالثورة إذن ألغت مقولة " الاختلاف الفكري لا يفسد للود قضية". نعم، عند بعض اليساريين، لا يستقيم الود إلا إذا أسلمت بما يؤمن به زعيمهم أو قل ربهم الأعلى لمن لا رب له
3
لم يتغير في مرتبي شيء ما عدى ترقية مهنية هزيلة جاءتني أول أمس. معهدنا في برج السدرية لم يتغير فيه شيء بعد الثورة سوى انعدام نظافة القاعات و نقص ملاحظ في حضور التلاميذ
حمام الأنف، لم يتغير فيها شيء، ما زالت أكياس القمامة مكدسة جنب التجاري بنك و ما زال الإرهابي "الشنغال" خاطف السيارات يصول و يجول و الفدية 30 دينار ظلما و قهرا و ما زلت أدور حول سيارتي خمس مرات بعد أن أوقفها في المكان الحلال حتى أتأكد أنني لم أخطئ المكان و أرجع أراقبها كل نصف ساعة و لا أنسى أن آخذ معي 30 دينارا احتياطا لعمل الشيطان
مقهى البلميرا، أين أجلس كل مساء، ما زالت القهوة بـ550 مليم و الخدمة المقدمة هي هي قبل و بعد الثورة
في حينا، بدؤوا أشغال تغيير أنابيب الصرف الصحي قبل الثورة. مرت الثورة و عطلت الأشغال و لم يعيدوا تعبيد الطريق الذي حفروه بآلياتهم و بقينا نتخبط في أوحال الثورة
4
قبل الثورة، كان لي أصدقاء كُثر. بعد الثورة تقلص العدد إلى النصف تقريبا، قال لي الأول: لم يكن هنالك أي خطر مسلّط على المتظاهرين، يوم 15 جانفي، يوم فَتَحْتَ أنت صدرك للكرطوش أمام عدسات قناة "فرانس 24" ! الواقع أنه كان يوم كر و فر بيننا و بين البوليس أمام البالماريوم في شارع يغمره الدخان المتصاعد من القنابل المسيلة للدموع و الخانقة للنفوس. هددني الثاني قائلا: " اسكت ولّ تو نتلهى بيك". أما الثالث فقد هجر جلستنا اليومية في المقهى و عمرها 20 سنة و إلى الآن لا أعرف السبب
هجم عليَّ اليساريون أبناء عمومتي واقعيا و افتراضيا، ، لأنني انتقدتهم بشدة أيام الثورة و لم أنقد خصومهم الإسلاميين، أقول خصومهم و ليسوا خصومي لأن ابنتي متحجبة و ملتزمة بتعاليم دينها و لا أستطيع معاداة ابنتي و أصدقائي الإسلاميين كما لا أنكر انتمائي الفكري لليسار و هو حسب تعريفي الخاص: معارضة السلطة، أي سلطة يمينية كانت أو يسارية، و الانحياز الكامل و الواضح للطبقات المسحوقة و المستغَلّة من الرأسمال المحلي و الأجنبي و قدري هو قدر المثقف حسب تعبير سارتر: يعيش المثقف دائما خارج السلطة و على هامش المجتمع المدني و العادي
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي


الساعة الآن 20:02

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd