2011-03-22, 22:03
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | أحقا مات؟ قصة من الأدب الإيطالي | أحقا مات؟ قصة قصيرة للأديب الإيطالي :
Lugi Pirandello
لويجي بيرنديللو *
ترجمها عن الإنجليزية : خلف سرحان القرشي اضطر الركاب المغادرون روما ، في القطار الليلي السريع ، للتوقُّف حتى يبزغ الفجر ، في محطة صغيرة في (فابريا نو) ، ليواصلوا رحلتهم في قطار محلي صغير ، ذي طراز قديم ليقلهم إلى (سيلومونا) . بحلول الفجر ، في واحدة من عربات الدرجة الثانية ، هواءها فاسد ، تعجُّ بالدخان ، كان خمسة أشخاص قد أمضوا ليلتهم هناك . انضمت إليهم امرأة ضخمة ، مستغرقة في حزن عميق ، بدت وكأنها كتلة بلا ملامح ، ومن ورائها زوجها يلهث ويئن، رجل ضئيل الجسم ، ذو وجه نحيف ، له عينان صغيرتان ومشعتان ، بدا خجولاً ومضطربا . ما إن أخذ مقعده ، وشكر بلطف الراكب الذي ساعد زوجته ، وأفسح لها مكانا ، التفت إلى زوجته محاولاً إصلاح وضع شالها ، وبأدب جم سألها : - هل أنت على ما يرام عزيزتي ؟ لم تجِبْه ، سحبت شالها ثانية نحو عينيها وكأنها تريد إخفاء وجهها . تمتم الرجل بابتسامة حزينة : - تعب كلها الحياة . شعر بأهمية توضيح الأمر لبقية المسافرين ، فزوجته تستحق الشفقة لأن الحرب أخذت منها ولدها الوحيد . شاب يافع في العشرين من عمره ، كرَّسا له حياتهما تماما ، حتى أنهما غادرا منزلهما في (سيلومونا) ليلحقا به في روما إبان دراسته هناك . بعد ذلك سمحا له بالتطوع للحرب ، بعد أن أكد لهما بأنه لن يرسل للجبهة على الأقل في الأشهر الستة الأولى من انضمامه ، لكنهما وعلى غير توقع، تسلما منه برقية ، مفادها أنه يتوجَّب عليه الذهاب إلى الجبهة في غضون ثلاثة أيام ، ويطلب منهما أن يأتيا لوداعه . كانت المرأة تتململ تحت شالها الكبير، وأحيانا تدمدم مثل حيوان بري ، واثقة من شعورها بأن إيضاحات زوجها تلك لن تحظى بأي تعاطف ، من قبل هؤلاء الأشخاص الذين هم في الأغلب في نفس محنتها . قال أحدهم بعد أن استمع لزوجها باهتمام شديد : - عليك أن تشكر الله ، لأن ابنك لن يذهب للجبهة إلا الآن ، سيدي. إن ابني قد ذهب إلى هناك منذ أول يوم اندلعت فيه الحرب ، عاد إلينا مرتين جريحًا ، وعاد أدراجه ثانية إلى الجبهة !!! أضاف آخر : - وماذا بوسعي أن أقول ، لي ولدان في الجبهة الآن ولأخي ثلاثة. تجرَّأ الزوج ، وقال : - قد تكون على حق . بالنسبة لنا الوضع مختلف ، إنه ابننا الوحيد . - وما الفرق ؟ قد تفسد ابنك الوحيد بالاهتمام المفرط به ، لكن يستحيل أن تحبه أكثر لو كان لديك غيره . الحب الأبوي ليس خبزًا يمكن تقسيمه إلى قطع توزع بالتساوي بين الأبناء . إن الأب يعطي لكل واحد من أبنائه كل حبه ، من غير تفضيل ، بغض النظر عمَّا إذا كانوا واحدا أو عشرة . إنني عندما أعاني من أجل أبنائي الاثنين ، فأنا لا أعاني نصف المعاناة لكل منهما ، بل أعاني الضعف.... تنهَّد الزوج المحرج وقال : - حقًا ، لكن لنفرض – ونتمنى أن لا يحدث هذا لك – أنَّ أبًا له ولدان في الجبهة وفقد أحدهما ، سيبقى له ولد آخر يعينه ويواسيه ، لكن من ليس له إلا ولد وحيد فـــ .......... - نعم ، يتبقى لديه أخر ليعينه ويواسيه ، .... لكن ذلك الذي يبقى ، يتوجب على والده أن يعاني من أجله أيضا أما في حالة الأب ذي الولد الواحد ، فلو مات ذلك الولد، فبوسع الأب أن يموت أيضا ، ويضع نهاية لمحنته . فيا ترى أي الحالتين أسوأ ؟ ألا تتفق معي أن حالتي أسوأ من حالتك ؟ قاطعهما مسافر ثالث ، رجل بدين ذو وجه مشوب بحمرة ، وعينين محمرتين ، كان يلهث ويكاد يتفجر من عينيه المتورمتين' عنف داخلي ، لا يستطع جسده الواهن احتواءه ، قائلا: - هراء . كرر الكلمة ، محاولا تغطية فمه بيده ، كما لو كان يريد إخفاء موضع سنيه الأماميتين المفقودتين ، وأردف : - - هل ننجب أبناءنا من أجل مصلحتنا ؟ حملق فيه بقية المسافرين بضجر، وأجابه ذلك المسافر - الذي لديه ابن في الجبهة منذ أول يوم نشبت فيه الحرب - قائلاً : - أنت على حق ، أطفالنا ليسوا لنا ، إنهم للوطن . وهنا ردَّ عليه الرجل البدين بقوَّة : - هراء، وهل نفكر في الوطن عندما ننجبهم، أبناؤنا ولدوا لأنهم ..... حسنا .... لأنهم لا بد و أن يولدوا ، وعندما يأتون إلى الحياة ، فإنهم يأخذون حياتنا معهم ... تلك هي الحقيقة . نحن لهم ، لكنهم ليسوا لنا ، وعندما يبلغون العشرين ، فإنهم يكونون تماما ، ما كنا عليه في تلك السن ، نحن أيضا كان لكل منا أب و أم ، ولكن كانت هناك أشياء أخرى كثيرة : ألأصدقاء ، السجائر ، الأوهام ، العلاقات الجديدة .... والوطن. من يا ترى منا عندما كنا في العشرين ، كان يسمع لأبيه وأمه عندما يقولان له (لا) . الآن وفي سننا هذه ، حب الوطن ما زال كبيرا ، بالطبع ، ولكن أكبر منه ، حبنا لأطفالنا ، هل يوجد منا من يمانع أن يكون مكان ابنه في الجبهة لو استطاع إلى ذلك سبيلا ؟ ساد صمتٌ مطبق ، بيْد أن كل شخص أومأ برأسه موافقًا . واستطرد الرجل البدين : - لماذا إذن لا نأخذ بعين الاعتبار مشاعر أطفالنا ، عندما يبلغون العشرين ؟ أليس من الطبيعي في هذه السن أنهم يعدُّون حبهم للوطن أعظم من حبهم لنا ؟ إنني أتحدث عن الأولاد الصالحين . أليس من الطبيعي أن تكون المسألة على النحو التالي : أبناؤنا ينظرون إلينا على أننا أولاد كبار لم يعد بوسعنا الحراك وعليه لا بدَّ أن نبقى في منازلنا ، فطالما أن الوطن حاجة فطرية ، مثله مثل الخبز فيجب على كل منا أن يأكل منه كي لا يموت جوعا ، فلا بد أن يكون هناك من يدافعون عنه . لقد هبٌ أبناؤنا لذلك عندما بلغوا العشرين ، لذا فهم لا يريدون منا دموعا، وإذا ماتوا فسوف يموتون سعداء مبتهجين ، إنني أتحدث عن الأولاد الصالحين ، وماذا يمكننا أن نرجو أكثر من ذلك لشاب مات سعيدا من غير أن يطوله الجانب القبيح من الحياة ، السأم ، التفاهة ، خيبات الأمل . نعم ما الذي نرجوه له أكثر من ذلك؟ يجب أن يكف كل شخص عن البكاء ، ويضحك بملء فيه، كما أفعل أنا ، أو على الأقل يشكر الله كما أفعل أنا أيضا لأن ابني قبل أن يموت بعث إلي رسالة يقول فيها بأنه سيموت راضيًا لأنه أنهى حياته بأفضل طريقة كان يرغبها ، ولهذا السبب ، وكما ترون فأنا لم أرتد أي لباس حداد من أجله . أزاح معطفه الخفيف ليريهم أنه لا يرتدي تحته سترة حداد ، كانت شفته المزرقَّة ترتجف فوق موضع سنيه المفقودتين . عيناه الشاخصتان مغرورقتان ، أنهى حديثه بإطلاق ضحكة مدوية بدت كأنها تنهيدة . ووافقه الآخرون بقولهم : - حقًا..، حقًا. جلست المرأة العجوز تستمع وهي متكوِّمة في زاوية تحت شالها ، تستمع ، إنها منذ ثلاثة أشهر تحاول أن تجد في كلمات زوجها وأصدقائها شيئا ما فيه مواساة وعزاء عن حزنها العميق ، شيئا ما يريها كيف يكون بوسع امرأة أن تذعن لفكرة إرسال ولدها ليس حتى إلى الموت ولكن إلى أيِّ مكان فيه خطر محتمل على حياته . ومع ذلك لم تجد ولو كلمة واحدة من بين كل ما قيل تشفي علتها . وتعاظم حزنها لعدم رؤيتها أحدا كما ظنت يشاركها مشاعرها . غير أن الوضع تغير الآن ، فكلمات هذا الرَّاكب ، حيرتها وصدمتها ، جعلتها تكتشف فجأة بأن الآخرين ليسوا هم الذين على خطأ ، ولم يفهموها ، بل هي نفسها التي لم تستطع أن ترقى بنفسها إلى مستوى هؤلاء الآباء والأمهات ، الذين لديهم الرغبة ليكيفوا أنفسهم ، من غير بكاء، ليس فقط على مغادرة أبنائهم بل حتى على موتهم . أطلت برأسها ، وسحبت نفسها ، تحاول الاستماع باهتمام شديد إلى كل التفاصيل التي سيسردها الرجل البدين لمرافقيه عن الطريقة التي سقط بها ابنه بطلا من أجل مليكه ووطنه ، سعيدا من غير ندم ، بدا لها لحظتها وكأن قدمها زلَّت بها في عالم لم تحلم به قط ، كانت مسرورة جدا لسماعها بقية الركاب ، يهنئون ذلك الأب الشجاع الذي استطاع برباطة جأش الحديث عن سقوط ابنه ميتًا في سبيل الوطن . فجأة ، كأنها لم تسمع شيئًا من كل ما قيل ، وكأنما أوقظت من منام ، التفتت نحو الرجل البدين سائلةً إياه : - هل حقًا مات ابنك ؟ حملق فيها الجميع ،التفت إليها الرجل العجوز بدوره مثبتًا على وجهها نظرة عينيه الكبيرتين المتورِّمتين الشاخصتين ، لوهلة حاول أن يجيبها ، لكن الكلمات خذلته ، نظر إليها محدقًا ، وكأنه فقط عند ذلك السؤال الغبي، اكتشف فجأة أن ابنه قد مات فعلاً ، وذهب إلى الأبد ، نعم إلى الأبد ، انكمش وجهه ، وصار مشوَّهًا بشكل مفزع ، في عجلة خطف منديلا من جيبه و وسط حيرة الجميع ، انخرط في بكاء مرير .. | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=358628 التوقيع | الوفاء أن تراعي وداد لحظة ولا تنس جميل من أفادك لفظة" | |
| |