من خصائص التعبير القرآني:الإيجاز - منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

2010-10-20, 23:46

رقم المشاركة : 1

زيد

أستـــــاذ(ة) مــــاسي

إحصائية العضو

زيد غير متواجد حالياً

من خصائص التعبير القرآني:الإيجاز

لا يستقيم الحديث عن الإيجاز في القرآن الكريم قبل الحديث عنه في اللغة العربية، ولا يستقيم الحديث عنهما معا قبل إبراز حالة العرب الفكرية قبيل عصر المبعث.

فمن تتبع تراث هؤلاء شعرا كان أم نثرا، يتضح بجلاء "مبلغ رقيهم الفكري والأدبي ممثلا في أسواقهم الأدبية، يعرضون فيها أنفس بضاعتهم من الكلام... ويتبارون في عرضها ونقدها واختيار أحسنها، والمفاخرة بأجودها - ولما كان الأمر كذلك- لم يكن غريبا أن نرى القرآن - وقد صادف هذا الرقي- يناقش ويجادل عن نفسه، وأن يشتد في جداله ودفاعه ويعلوا صوته حتى يصافح وجه السماء، فما إلا أنه وجد أمامه خصوما ألداء، وأعداء أشداء، أوتوا حظا من نضج الفكر، وبلاغة القول، وعزة النفس، كذلك لم يشأ الله أن تكون آيته إليهم إلا القران، آية عقلية تناسب نضجهم الفكري."[1]

وقد "أراد الله تعالى أن يكون القرآن كتابا مخاطبا به كل الأمم في جميع العصور، لذلك جعله بلغة هي أفصح كلام بين لغات البشر، وهي اللغة العربية. لأسباب يلوح منها أن تلك اللغة أوفر اللغات مادة، وأقلها حروفا، وأفصحها لهجة وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم، وأوفرها ألفاظا، وجعله جامعا لأكثر ما يمكن أن تتحمله اللغة العربية في نظم تراكيبها من المعاني، وفي أقل ما يسمح به نظم تلك اللغة مكان قوام أساليبه جاريا على أسلوب الإيجاز. فلذلك كثر فيه ما لم يكثر مثله في كلام بلغاء العرب."[2].

وهاهو أحد صناديد قريش:الوليد بن المغيرة، يسمع كلام الله فيقف منبهرا مما سمعه فيقول: " و الله، لقد سمعت من محمد كلاماً آنفاً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وأن أسفله لمعرق، وأن أعلاه لموفق ، وأن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وأنه ليعلو وما يعلى".[3]

فالقرآن الكريم اجتمع له من ألوان البلاغة ما لم يبلغه غيره ومن الخصائص الأسلوبية والمميزات التركيبية ما يعجز البشر.

ومن تلك الخصائص والمميزات الإيجاز. فترى الآية القرآنية بل اللفظ القرآني الواحد يجمع من المعاني الشيء الكثير وكمثال على ذلك:

قوله تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)[4] حيث " جمع في أحرف العنوان والكتاب و الحاجة "[5].

وقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )[6].

روى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوما ثم وقف فقال:" إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه"[7]

وقال تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.)[8] "الآية أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى، ونعت وسمى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام.

وفي "العجائب" للكرماني: أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم، فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها، وحسن نظمها، وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال"[9]