يوميات الثورة التونسية: يوم 28 /01/11. مواطن العالم د. محمد كشكار
1.
اليوم، و بعد إبقاء الغنوشي وزيرا أولا على رأس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، كتبت شعارا جديدا و رفعته عاليا في السماء و جبت "افتراضيا" كامل مدن و قرى الجمهورية التونسية من جمنة إلى المزونة: "اصمدوا بني قومي، لقد تَيَقنتُ بما لا يدع مجالا للشك أن ثورتكم، ثورة البوعزيزي و ثورة القصرين و تالة و سيدي بوزيد، قد سُرِقت من قبل المخابرات الأمريكية. هل توجد ثورة في العالم تُنصّب على رأسها رئيسا و وزيرا أولا من العهد القديم ؟ "
2.
كيف و بقدرة قادر- الأمريكان - يطغى اللون الأحمر على اللون الأخضر في الحكومة المؤقتة. و أخذ اليسار حصة الأسد في البث التلفزي التونسي زمن "ثورة الياسمين"، الثورة المستوردة قسرا. رغم أنني أطمح إلى انتشار العَلْمَاِنيَّة غير الملحدة لكنني لا أفرح بنشرها على يد الأمريكان الذين - بتغليبهم قصدا اليسار على الإسلاميين - يقدّمون لليساريين التقدّميين غير الستالينيين هدية مسمومة - هم في غنى عنها - قد تظهرهم بمظهر الخائنين لوطنهم.
3.
في شهر الغضب، غضب التونسيين بكل تلويناتهم السياسية دون تمييز، أدافع بكل اقتناع و حب و أحتجّ ضد إقصاء أكبر تيار سياسي في المجتمع التونسي. أنا أقف ضد إقصائه من الحكومة المؤقتة برئاسة رموز العهد البائد، المبزع و الغنوشي، و أرفع صوتي عاليا في الأزمة بعد ما رفعته في زمن "بن علي" و أطالب بتشريكه في الحوارات التلفزية التونسية لأنني لست مُنْبَتّا عن تراثي العربي الإسلامي الذي أنقده و لا أعاديه. و هل جُنِنْت حتى أعادي أهلي؟
4.
"قالوا": أنبّه إلى أن الردّ على نشر الأخبار السياسة الزائفة، لا يكون بحجبها أو مراقبتها و إنما بمزيد من نشر الأخبار السياسية الصحيحة و على كل مقال سيئ، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفضي أو المادي. قالوا: ليليا العبيدي، وزيرة المرأة، متزوجة من أمريكي. لزهر القروي الشابي، وزير العدل النزيه، يستعين ببطانة فاسدة معيّنة من "بن علي". مختار الجلالي، وزير الفلاحة، أصيل سيدي بوزيد، مُتهم بالفساد و المحامون يحقّقون في هذه التهمة.
5.
سوف ينتقدني بعض اليساريين غير الستالينيين، رفاقي، و لا يهضمني بعض مُعَارِضِيَّ من الإسلاميين الإقصائيين، قصيري النظر، غير المؤمنين بأن "الاختلاف في وجهات النظر لا يُفسد للودّ قضية" و يقولون: ما بال هذا اليساري الحالم المثالي يتنكّر لرفاقه و يتقرّب من مخالفيه في الرأي؟ أنا أطرح وجهة نظري الشخصية الحرة المستقلة و "لا أخشى في الحق لومة لائم". أنا لم و لن أتخلى عن "العدالة الاجتماعية" العمود الفقري للفكر الاشتراكي.
6.
ما قولكم في السيناريو التالي، من إخراج "هوليود": دخل "المكتب التنفيذي" للاتحاد العام التونسي للشغل بثلاثة وزراء في الحكومة المؤقتة الأولى ثم انسحب و برّر انسحابه بعذر سخيف و "رُبَّ عذر أَقْبَحُ من ذنب". انسحب من الحكومة المؤقتة باتفاق مع الحكومة و أسيادها الأمريكان حتى يظهر بمظهر المعارض لهذه الحكومة و عندما يحتاجوه، يوظفوه ليقول فيها "كلمة حق أُرِيدَ بها باطل". و هذا ما وقع بالفعل ، قال الآن إنه يساند حكومة "الغنوشي" الجديدة.
7.
لقارئ من قُرّائي - الأعزّاء الصادقين الخالين من كل خلفية إيديولوجية أُحفورية سخيفة و متكلّسة - أن يطرح السؤال الإنكاري التالي: من أين أتت، لهذا الدكتور المفكر الحر النكرة، كل هذه الشجاعة الأدبية و سلاطة اللسان في الحق؟ أتت من استقلاليّتيي و عدم انتمائي الحزبي و الإيديولوجي و تجذّري في وطني - رغم عالميتي - و إلمامي عبر قراءاتي المتنوّعة بثقافتنا العربية الإسلامية و الفكر العالمي الاشتراكي و الليبرالي و من عدم طمعي المادي في المناصب.
8.
أجيبوني، كِدْتُ أُجَنّ: هل وُجدت ثورة في العالم، تعهّد جيش النظام السابق بحمايتها و هو الذي ساند ديكتاتوريّتين ظلامِيَّتين، الـ"بورڤيبيّة" و الـ"بِنعَلِيّة"، طوال 54 سنة و هو الذي قام بنقل رسالة الأمريكان إلى "بن علي" و هذا نصّها: "واشنطن تأمُرُك بالهروب" ؟ و هل وُجدت قيادة ثورة، لم تحتلّ، منذ انتصارها على العهد السابق، مؤسسات الإعلام التابعة للنظام السابق و تركتها لقياديّ النظام السابق، يغسلون عبرها على الهواء عارهم.
9.
في عهد "بورقيبة"، كان الطلبة يندّدون بالإمبريالية في تجمّعاتهم، و عندما يخرجون في مظاهرة، يقصدون السفارة الأمريكية. و في عهد "بن علي"، كانت تجمّعات النقابيين في ساحة محمد علي ترفع شعارات تساند فلسطين و العراق ضدّ الغزو الإسرائيلي و الأمريكي. هل من الصدفة أنّ خلال الانتفاضة الأخيرة، لم يُرفع شعار واحد يندّد بأمريكا و لم يخطر على بال المتظاهرين مهاجمة سفارة أمريكا و لم يُرفع شعار واحد مساند لفلسطين و العراق؟
10.
إعلام لقرّائي الكرام المساندين و المعارضين: أنشر مقالاتي في صفحتي الفيسبوكية و عنوانها "المفكر الحر مواطن العالم د. محمد كشكار" و أعلمكم أن مقالاتي في هذه الصفحة وقع تصفّحها من قبل 33.580 "أنترنوت" في شهر و هذا شرف أعتز به. أنشر أيضا في 4 منتديات: تونيزيا سات و تونيزيا سكول و دريكيمو و الأستاذ (مغربي). و في مدوّنة "بروبليماتيك كشكار". و في 5 "ڤروب" فيسبوكي منهم جمنة و "درابو" و التعليم الثانوي و أساتذة العلوم.
11.
كيف يُتّهم مدير قناة حنبعل الخاصة التونسية بالخيانة العُظمى و لا تُوجّه نفس التهمة إلى "بن علي" قاهر و ظالم و قامع 10 ملايين من التونسيين الأبرياء. أُقسم بالله العليّ العظيم جازما أنَّ لـ"بن علي" أتباع مخلصين في الحكومة الجديدة. اقتصر القاضي على اتهام "بن علي" بسرقة الأموال العمومية و قد يكون استشاره: "أيّ تهمة، سيّدي الرئيس بن علي، ترغب أن نوجّهها لكم؟ أجابه: "أنا فهمتك، لقد سرقت الكثير فلا يضيرني أن أُرجع القليل".
12.
كل مُحَلِّلِي العالم يمجّدون ثورة تونس و أنا أيضا أعشقها. أشكرها، لكن من كثرة خوفي عليها، أَنقُدُها نقدا لاذعا و مُوجِعَا، "اِسمع الكلام الذي يبكيك و لا تسمع الكلام الذي يضحكك": لم تُجَهّز ثورتنا بديلها في المجالات التالية مثل : القضاء المستقل تماما عن السلطة التنفيذية و عن وزارة العدل إداريّا و مادّيا، التعليم الجيّد المجاني، الضمان الصحّي للجميع، حرية الصحافة بجميع أنواعها، التنمية في الجهات المحرومة منذ 54 سنة، دستور جديد، ألخ.
13.
لو أنّ كل أجهزة قمع المظاهرات السلمية في العالم تخلّت عن دورها الرادع، لَخَرَجَ كل سكان العالم للإطاحة بأنظمتهم السياسية الظالمة حتى في أمريكا و فرنسا و بريطانيا، لا أستثني أحد إلا الدول الإسكندنافية التي جمعت و طبقت مكتسبات الاشتراكية و مكتسبات الرأسمالية الليبرالية. أسوق مثالا: "فنلندا" لا تطلب من تلامذتها مقابل مادي عند تسجيلهم و تعطيهم وجبة مجانية يومية و تنقلهم مجانا من البيت إلى المدرسة و تفكر في الأجيال القادمة.