الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الثقافة والآداب والعلوم > منتدى المواضيع الأدبية المنقولة > قصص وروايات


شجرة الشكر1الشكر
  • 1 Post By فاطمة الزهراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2010-12-07, 14:53 رقم المشاركة : 1
فاطمة الزهراء
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية فاطمة الزهراء

 

إحصائية العضو








فاطمة الزهراء غير متواجد حالياً


مسابقة الصحابة والصحابيات 1

وسام المشاركة

وسام الرتبة الأولى في مسابقة طاكسي المنتدى لشهر يو

وسام المرتبة الاولى لصناعة النجاح عن ورشة التفوق ه

وسام المراقبة المتميزة

وسام المركز السادس في دورة التقنيات الأسرية

افتراضي حكايات عجيبة.. للكاتب أحمد القاطي



بـَــكـِّـيــطـة



بكيطة رجل في الثلاثينات من عـمره ، برنوصي قح . ازداد في الجوزات، وهـناك ترعـرع وتناوب مع بقـية إخوته عـلى رعي غـنم أبيه ،وبعض رؤوس المعز . لـقـد كان يقـوم في الصباح الباكر، والطير ما زالت في وكناتها؛ ويصطحب الجميع إلى الغابة ، وفـوق ربوة من رباها كان يجلس ، ويشدو أعـذب الألحان بشبابته التي لا تفارقه أبدا، وعـيناه تحرسان القـطيع خوفا من أن يـبتعد وتفـترسه الذئاب. كان لا يعود إلى الدار إلا عـند حلول منتصف النهار، حيث كان أخوه يأتي عـنده ليتناوب معه على رعاية القـطيع وحراسته ريثما يعود هـو من الدار بعد تناول وجبة الغذاء.
لـقـد حرم صحبة إخوته من الذهاب إلى المدرسة من أجل تعلم مبادئ القـراءة والكتابة ، ورغـم أن الاستعمار الفـرنسي كان يعاقـب الآباء الذين يتخلفـون عـن إرسال أبنائهم البالغين سـن التمدرس ، فـقـد كان أبوه يفـضل العقــوبة على أن يذهـب ابنه إلى المدرسة من أجل تعلم لغة المستعمر الكافـر. لما كبر بكيطة وأصبح في عقـده الثاني ، زوجه أبوه بنت أحد الأقارب. وهــو بذلك لم يخرج عن عادة القـبيلة وأعـرافها الصارمة التي لقـنها السلف للخلف ، وحثه على ضرورة التمسك بها وكأنها شيء مـقـدس.
بعـد سنة من زواجه أنجب بكيطة أول أبنائه ، والمولود الجديد جعله يفـكر مليا في مستقـبله ومستقـبل أسرته. وهـكذا بدأت تراوده فـكرة الهجرة والاستقلال عن أبيه الذي لم يتغير سلوكه نحوه ، حيث كان يريده أن يبقى دائما تحت سيطرته وأوامره . وفي المقابل كان هـو يريد الاستقلال بـذاته .

طرح بكيطة الفكرة على زوجته رقـية التي شجعته كثيرا خصوصا أنها كانت على خلاف دائم مع أمه التي كانت تكرهـها لأنها كانت تريد لبكيطة أن يتزوج بنت أختها حادة. واقـترحت عـليه أن يبيع حليها التي قـدمها لها مهرا يوم زواجها منه ، ويشتري بثمنها ثلاث شـياه حتى إذا كثرت باعاها وأمنا بها هـجرتهما . استحسن بكيطة فـكرة زوجته التي كان يحبها كثيرا ووعـدها بتحـقـيـق رغـبتها يوم السبت المـقـبل ،لأنه هـو اليوم الذي ينـعـقـد فـيه السـوق الأسبوعي ،وطلب منها أن تترك الأمر سرا بينهما خوفا من رفـض أبيه . أربعة أيام كانت تفـصلهما عن اليوم الموعـود . وكم كانت طويلة بالنسبة إليهما طول الدهـر. فهما يتعجلان شراء الشياه لتحقـيق مشروع الهجرة في أقرب وقـت ممكن.

ليلة الجمعة نام بكيطة باكرا، وقام عـلى أذان الفجر، وذهـب إلى السوق دون تناول وجبة الفـطور خوفا من التأخر في الوصول، فـيجد البضاعة قـد نفـدت ، أو بيع أكثرها فلا يبقى له مجال لاختيار الأفـضل منها . عـندما وصل، باع حلي رقـية، واشترى أربع شياه، وعاد إلى الدار وهـو مزهـو بعمله الذي أقـدم عـليه . أحضرت له زوجه الفـطور، وجلست إلى جانبه ، تستمع إليه وهـو يحكي لها كل ما فعله هـذا اليوم . لكن سرعان ما سمعت صراخ أم زوجها ، وشتمها لها على تأخرها في كنس حوش الدار، فـقامت مهرولة وامتثلت لأوامرها ، وهي تغلي من الغضب والـقـهر الذي تعيشه معها. ما أن انتهت من كنس حوش الدار حتى طلبت منها مرة أخرى حمل البطانيات والثياب الوسخة والذهاب بها إلى عـين الدوار القـريبة لغسلها وتنظيفها والإسراع في ذلك للعودة قـصد تحضير وجبة الغذاء.
غـسلت رقـية البطانيات، والملابس الوسخة، وحضرت وجبة الغذاء، وهـيأت مائدة الأكل دون أوامر من أحد ، وطلبت من الجميع الجلوس حول الطاولة للأكل. أثناء الأكل ، كان الصمت يخيم عـلى المكان عـلى غـير عادته وكأن الأسرة في مأتم. ولاحظ بكيطة الوجوم على وجه أبيه الذي لم يكلمه منذ عودته، ولم يبارك له في ما اقـتناه من شياه، فأراد أن يعيد الدفء إلى عهده السابق فخاطب أباه قائلا:
ـــ لقـد ذهـبت إلى السوق يا أبي، واقـتنيت أربع شياه، هـل رأيتها، إنك لم تقـل رأيك فـيها ؟
سكوت مطبق ، لم يرد الأب على تساؤل ابنه مباشرة. نظر إليه عـميقا وأرسل تنهيدة طويلة ثم قال له :
ـــ الآن تخاطبني بيا أبي ، سبحان الله ، لو كـنت أباك حقا لأطلعتني من قـبل على ما قـمت به !
ـــ لـقـد كـنت أريد أن أتركها لك مفاجأة .
ـــ إنها فعلا مفاجأة ، ويا لها من مفاجأة ! مفاجأة لأنك الوحيد الذي تجرأت على تجاوزي وعدم أخذ رأيي في الموضوع ، وبذلك خرجت عـن أعـراف الأسرة، وعـن طاعة أبيك.
ـــ أعـتـذر يا أبي، أنا لم أقـصد ما يدور في خلدك.
ـــ وماذا يدور في خلدي ؟
ـــ ربما تعتقـد أنني قـد تحديتك ولم أعـتبرك.

هــذه العبارة أصابته في الصميم فـما أن أكملها بكيطة حتى قام أبوه وانصرف غاضبا، فـتبعته أمه، فـتعكر مزاج بكيطة، وبدأ يفـكر جديا في الكيفـية التي يمكنه أن يسترضيه بها ، ويعـيد المياه إلى مجاريها. لكنه تذكر عـناده، فعدل عـن الفكرة ، وترك الأيام تصلح ما أفـسده تصرفه. مضت سنتان لم تكونا كافـيتين كي ينسى أبوه ، أو أن يغفـر له عـدم مشورته . سنتان كان يحس أنه يقـضيهما في سجن ، لكن ما كان يخفـف عـنه ، ويواسيه بعض الشيء هـو رؤية الشياه تتضاعـف أمام عـينيه . صبر إلى أن عـيل صبره ، فـباع الشياه ،واشترى بغلا ، واحتفـظ بما تبقى من مال للطوارئ . أخبر رقـية ، وطلب منها أن تجمع ما لديهما من متاع قـليل وتستعد للهجرة عـند الفجر. إنه أصعب قـرار يتخذه في حياته ، لذلك لم ينم طوال الليل، بسبب التفكير في الهجرة التي سوف يقـدم عليها غـدا . عـند سماعه أذان الفجر ، أيقـظ رقـية التي كانت تغط في نوم عـميق بسبب الأشغال الشاقة لليوم الفارط . حضرت الفـطور، وبعد أن تناولاه ،طرق باب غرفة أبويه النائمين، فأجابته أمه من الداخل.
ـــ من الطارق ؟
ـــ أنا بكيطة يا أمي .
- ماذا تريد يا ابني في هـذا الليل؟
- أريد أن أودعـك أنت وأبي .
-ماذا، تـقـول تريد أن تودعـني أنا وأبوك؟
- نعــم أريد أن أودعكما .
أشعلت أم بكيطة قـنديل الغاز ونهضت ، وأيقـظت زوجها، ثم فـتحت الباب ،فـدخل بكيطة ، وقـصد أباه الذي لم يغادر فـراشه ، وقـبل رأسه ، وقال له:
- مع السلامة يا أبي ، أنا مهاجر الساعة مع زوجتي.

لم يتلق منه أي جواب ، فالتفـت إلى أمه وعانقها عـناقا حارا وقـبلها قـبلة الوداع ، وطلب منها الدعاء له بالتوفـيق كي يوفـقه الله في هجرته . وبحنان الأم الرؤوم ضمته إلى صدرها وطلبت منه أن يلعن الشيطان، ويعدل عـما هـو عازم القـيام به . لم ينفع استعطاف الأم في شيء ، فالسكـين قـد بلغ العظم ، والقـرار نهائي لا رجعة فـيه . وضع أمتعته في الشواري ، وساعـد زوجه التي كانت تحمل ابنهما على ظهرها على الركوب ، وضرب البغل على مؤخرته حاثا إياه على السير . انطلق البغل شرقا باتجاه المجهـول، وبكيطة ماسك بذيله كلما رأى منه تهاونا إلا وأعاد ضربه على مؤخرته كي يسرع أكثر . لـقـد امتدت رحلة بيكطة
من أذان الفجر إلى مغرب نفـس اليوم. مر خلالها عـبـر التلال والهضاب والجبال الوعـرة، والدواوير المنتشرة هـنا وهـناك ، حيث كان كلما مر بمحاذاتها تهاجمه كلابها التي كان يهـش عليها بعصاه أو يضربها بالحجارة التي يلتقـطها من الأرض كي تبتعد عـنه . كما مر عـبر غابات البلوط المتكاثفة الأشجار والتي تجعل المرور منها صعبا وشاقا. لكن لم يكن له من خيار سوى المرور منها . عـندما وصل إلى إحدى العيون الجارية ، كانت الشمس عمودية وسط كبد السماء فـتوقـف عـن السيـر، ليرتوي من مائها هـو وزوجه، وابنه الذي كان يبكي من الجوع والظمأ ، ويترك البغل يستريح قـليلا ، ويرتوي هـو الآخر، ويتزود ببعض الزاد القـليل الذي يحمله معه . عـند المغرب، وبعد أن نال الكلل من الجميع ، قـرر الجنوح إلى إحدى الدور الكائنة وسط بستان كبير من أشجار الزيتون، والتي يبدو أن مالكها من أصحاب اليسار. عـرج نحوها وما كاد يقـترب منها حتى هاجمته من كل جانب مجموعة من الكلاب الشرسة، لم تنفعه معها عصاه ولا الحجارة التي كان يرميها بها، الشيء الذي جعل البغل يجـفـل ويسقـط زوجه وابنه أرضا، فالتفـت الكلاب حول الجميع محاولة النيل منه ، لكن بكيطة كان يذودها عـن عائلته بكل ما أوتي من قـوة ، مما أدى إلى ارتفاع نباح الكلاب الذي لم ينقـطع قـط ، فخرج صاحب الدار يستطلع سبب نباح كلابه ، ليجد بكيطة في صراع دائم معها. طلب الرجل الميسور من كلابه التوقـف فـورا عـن مهاجمة بكيطة ، وقـصده كي يـقـدم العون إلى زوجته التي كانت ساقطة على الأرض ، وابنها يبكي بجانبها. الألطاف الإلهية كانت بجانب رقـية وابنها، إنهما لم يصابا بأي أذى.

رحـب الرجل الميسور ببكيطة الذي طلب منه أن يضيّـفه هـذه الليلة ، وفي داخل الدار حكى له قـصة هجرته من أولها إلى آخرها ، ولما انتهى من الكلام قـدم له الرجـل الميسور نفـسه قائلا له:
ـــ أنا اسمي عـياد، وزوجي ، الطاهرة ، أبنائي انتقـلوا إلى المدينة لإتمام دراستهم وتركونا وحيدين ، ويبدو أن الله أرسلك إلي من حيث لا أحتسب ، فإذا قـبلت عـرضي، فأهلا وسهلا بكم عـندي ، وعـملك مضمون عـندي بالإضافة إلى الإقامة ، فـماذا تقـول ؟ :
ـــ هـذا كل ما أبحث عـنه يا سيدي عـياد ، فالله كان رحيما بنا عـندما ساقـنا عـندك ، وإلا كنا بتنا مشردين هـذه الليلة.

ما أن أتم بكيطة كلامه حتى قام عـياد من مكانه، وانصرف إلى المـِذود ، وأخرج كبشا أقـرن ذبحه إكراما لضيوفه. وبعد أن انتهى من سلخه بمساعـدة بكيطة، قـطع جزءا منه وأعـطاه لزوجه كي تهيئه للعشاء . وفي انتظار تحضير العشاء الذي تكلفـت به الطاهـرة بمساعـدة رقـية، طلب عـياد من بكيطة مرافـقـته إلى حيث أراه محل إقامته هـو وزوجه وابنه، وأخبره أنه ابتداء من الغد يمكنه أن يشرع في العمل معه، والمكوث عـنده الوقـت الذي يشاء. لما حُضّـر العشاء ، تناوله الجميع ، وكعادة أهـل البادية قاموا للتـو قصد النوم باكرا، على أمل أن يكون الاستيقاظ مثله كي يشرع بكيطة في مزاولة الأعمال التي سيعينها له عـياد.
ظـل بكيطة يشتغل عـند عـياد مدة عـشر سنوات دون انقـطاع ، لم ير طوالها أسرته ، أو أسرة زوجه ، استطاع خلالها جمع قـدر محترم من المال، اقـتنى بجزء منه ضيعة ، وشيد فـوقها مسكنا خاصا بعائلته . كما أصبح له قـطيع من الغنم ، وبقـرتان . وضْعية بكيطة الجديدة دفعته إلى الاستقلال والاستغناء عـن العمل عـند عـياد الذي ظلت علاقـته به حميمة حيث كان لا يتردد في الذهاب عـنده كلما استدعاه للمساعـدة في عـمل ما . هـذه الوضعية الجديدة تناهـت إلى علم صهره إدريس الذي اغـتبط لها كثيرا، وشوقـته إلى رؤية بنته التي لم يطق عـدم رؤيتها أكثر، فـزارهـما زيارة مفاجئة أدخلت البهجة على قـلبيهما ، لكنها للأسف الشديد كانت قـصيرة ، حيث شاءت الأقـدار الإلهية أن يتوفى عـندهـما عـصر اليوم الثالث من الزيارة . فـبكـته رقـية بكاء حارا ، أرسلت فـيه الدمع مدرارا على خديها ، وندبتهما ندوبا عـميقة عندما أصيبت بنوبة هـستيـرية لم تتمالك فـيها نفـسها . أما بكيطة ، فـقـد كان قـابعا في ركن من الـدار، ينتظر هـدوء زوجته كي يسرع إلى حمل جثمان صــهره بغية إيصاله إلى أهـله ، كي يوارى التراب في مسقـط رأسه عملا بتقاليد الأسرة ، وتصلى عـليه صلاة الجنازة ظهر يوم الغـد . جهز بكيطة بغله ، ووضع فـوقه جثمان صهره ، فـتشبثت به رقـية وبدأت تنوح ، وتلح على الذهاب رفـقـته كي تحظر مراسيم تشييعه ، وصِـلة الرحم مع أمها وعائـلـتها ، لكن بكيطة كان له رأي آخر ، فهـو يريد أن تبقى في الـدار مع ابنهما الــوحيد ، وأن يجنبها مخاطر الطريق لأن مسؤولية حمل الميت والذهاب به ليلا عـبر مسالك وعـرة ليست بالسهلة . وما أن أقـنعها، وودعـها عـلى أمل اللقاء بها في أقـرب وقـت ، حتى كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب . فـحث بغله على السير ضاربا إياه على مؤخرته الضربة تلو الأخرى ، وبينما هـو يسير كان يتناهى إليه من بعيد بكاء زوجه التي فارقها لأول مرة ، فـتأثر لحالها كثيرا ، ولم ينقـطع تفـكـيره فـيها ولو للحظة واحدة إشفاقـا منه عـليها. سار الليل كـله دون تـوقـف ، وقـبيل الفجر بـقـليل ، وصـل إلى مقـبرة مترامية الأطراف ، تحضن أجساد من قـدموا أرواحـهم فـداء لاستـقلال الوطن ، فـلم يكن له من بـد سوى المرور وسطها ، لكن البغـل حرن ، فألح عـليه في السيـر دون جدوى ، فاضطر إلى إمساكه من اللجام لإرغامه على السيـر، لكـنه كان يقـفـز برجليه الأماميتيـن إلى الأعـلى ويحرن أكثر، فـلم يجـد من حيلة معه سوى تغطية عـينيه عـلّـه ينـقـاد له . نفـعته حيلته ، وعاود البغل السير من جديد، ولما بلغ إلى وسط المقـبرة شعر بكيطة بخوف كبير لا عهـد له به ، فـبـدأ شعر رأسه يـقـف ، وفـرائصه ترتعـد من شدة الفـزع ، فـطفـق ينهال على مؤخرة بغله كي يسرع للخروج من المقـبرة خوفا من أن يقع له مكروه ما . ولما تـوقـف عـن ضربه ،لاحظ أن ما وضعه فـوق البغل يطل عـليه ، عـاود ضرب البغل ، وعـيناه مسمرتان في الأرض كي يتجنب رؤية ما رآه ، لكن البغل حرن من جـديد، فـرفع بصره مرة أخرى ليرى ما رآه في المرة الأولى. دون تفـكير في العواقـب ، وبخفة البرق ، ألقى الجثة أرضا، وامتطى صهـوة البغل بعد أن نزع غـطاء عـينيه ، وانهال على عـنقـه ضربا فـشرع البغل في الركض ، لكن ركضه كان ثـقـيلا . نظر إلى خلفه فـرأى شيئا ما يتشبث بـذيل البغل . مسافة قـصيرة كانت تفـصله عن مغادرة المقـبرة، لكنها كانت كالدهـر بالنسبة إليه ، الجثة متشبثة بذيل البغل والبغل لوحده ودون ضرب يركض، ويركض ، ويركض، وأخيرا غادر المقـبرة فازدادت سرعـته ، وظل البغل يركض إلى أن وصـل إلى دار أبيه . الحيوانات لها ذاكرة قـوية تستطيع العودة إلى مكان إقامتها دون حاجة إلى توجيه من أحد . خرج الأب ، مذعـورا ليجد ابنه بكيطة، يتصبب عـرقا ، وكأنه كان في سباق للمارطون ، أنزله من فـوق ظهر البغل ، وخاطبه قائلا :
ـــ بكيطة ماذا بك يا ابني ، هـل أنت مريض ، لماذا أتيت لوحدك دون رقـية وابنك ؟
تحامل على نفـسه ، وأشار إلى فـمه كي يعطيه شربة ماء، فـنادى قـدور على الضاوية أم بكيطة كي تحضر له كوبا من الماء ، قـدمه له ، وبصعوبة استطاع أن يوصله إلى فـمه ويرتشف منه جرعة ماء كانت كافـية ليقـول له:
ـــ إدريس صهـري وسكت .
إنه لم يستطع الكلام من هـول ما رأى .
ـــ أتمم كلامك يا بكيطة ما ذا تقـصد ؟
ـــ لـقـد م ا ت وهــو في المقـبرة المحاذية للغابة قـرب الوادي. بالكاد استطاع بكيطة أن ينطق بهذه الكلمات القـليلة ثم فارق الحياة وهـو رافع سبابته نحو السماء .

إنا لله وإنا إليه راجعون. الفاجعة فاجعتان. مات بكيطة ، ومات صهره إدريس . كان الله في عـوننا وعـون عائلته .هـذه العبارات رددها قـدور دون أن ينتبه إلى وجود الضاوية التي ما أن أتم كلامه حتى صرخت صرخة دوت في كل الأرجاء ، ليسمعها الجيران ، وليتوافـدوا عـلى الدار التي عجت بهم . تجلد قــدور، وخرج وفـمه لا يكـف عـن ترديد ، إنا لله وإنا إليه راجعون . لا حول ولا قـوة إلا بالله. تذكر إدريس ، الذي حدثه عنه بكيطة قـبل أن يموت ، فـعاد إلى داخل الدار، وتوجه نحو الإسطبل، وأسرج فـرسه الأبلق، وامتطاه قاصدا المقـبرة المحاذية للغابة قـرب الوادي. لما وصل وجـد إدريس ممددا عـلى الأرض وملابسه مغـبـرة . حمله بمشـقـة ، ووضعه فـوق فـرسه وأرجعه إلى داره . وعـندما كان يُـغـسل قـصد دفـنه عـثروا في فـمه عـلى آثار لذيل البغل ، لم يعرفـوا سبب وجودها فـيه وظلوا حائرين مشـدوهـين إلا أنت أيها القارئ الكريم .

أحمد القاطي
من المجموعة القصصية : حكايات عجيبة






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=302720
التوقيع

الوفاء أن تراعي وداد لحظة ولا تنس جميل من أفادك لفظة"

    رد مع اقتباس
قديم 2017-02-28, 22:52 رقم المشاركة : 2
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: حكايات عجيبة.. للكاتب أحمد القاطي


-************************************************-
شكرا جزيلا لك..بارك الله فيك

تحياتيـــ العطرة
-******************-





    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتب , محمد , القاطي , حكايات , عجيبة..

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 09:09 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd