مع المفكر محمد مصباحي: الفلسفة تعلمنا أن نكون في مستوى زماننا
يتحدث المفكر المغربي محمد مصباحي في هذا الحوار الخاص ببيان اليوم، عن دلالات الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة، كما يبرز أهم الخلاصات التي خرج بها من مؤلفاته الوافرة التي كرسها لدراسة فكر ابن رشد، ويتحدث كذلك عن مشاركته في الندوة التي نظمت أخيرا، حول التجربة الفكرية للراحل محمد عابد الجابري، ويسلط من جهة أخرى الضوء على الجدوى من الفلسفة اليوم.
* ما هي خلاصة مداخلتك في ندوة التجربة الفكرية للجابري، التي نظمتها النقابة الوطنية للتعليم العالي؟
- في البحث الذي قدمته بهذه المناسبة، تناولت كيفية تشكل العقل عند محمد عابد الجابري، وما هي الصعوبات التي يطرحها، عندما نريد أن نقرأه أو نؤوله. الموضوع في الحقيقة، يقسم إلى ثلاثة أقسام، في القسم الأول تساءلت عن الصفات التي يتميز بها العقل العربي عند محمد عابد الجابري، وأحصيتها في ست سمات، هذه السمات تضع العقل العربي في مقابل العقل اليوناني والعقل الغربي الحديث، مما يعني أن الجابري حاول أن يصف العقل العربي وكأنه عقل لا تاريخي، غير قابل للتطور وغير قابل للإبداع، بسبب طبيعته الأصلية، فهو خلق مكتملا ولا يمكن أن يتطور. كذلك بسبب أنه نشأ في بيئة صحراوية، في بيئة المنفصل الذي لا يؤمن بالسببية الطبيعية ولا بأهمية الإنسان في الكون، ثم بعد ذلك تناولت خصائص العقل أو النظام البياني، باعتباره يشكل العقل الذي ابتكرته الثقافة العربية. العقل هو نفسه يتسم بسمات تجعله عقلا لا عقلانيا. النقطة الثانية، هي السؤال كيف وصف الجابري العقلانية، وهو قد وضع كهدف استراتيجي في فلسفته الوصول إلى مرتبة العقلانية، سواء في المجتمع أو في الفكر،هنا عرضت لأمور تتعلق بتحرير العقل العربي من مسبقاته ومن نفسه، وجعله مناسبا وملائما للعقل الحداثي. عملية التحرير هذه تكون اتجاه العقل العربي القديم، واتجاه الحداثة، بمعنى أنه ممارسة لنوع من النقد المزدوج للعقلين، من أجل أن يحقق استقلالا ثقافيا للعقل العربي، هذا الاستقلال الذي يعد ضروريا للدخول إلى عالم الحداثة.
إذن الهدف الاستراتيجي للجابري، كان هو السياسة وليس الفلسفة.
* ماهو الانطباع الذي تخرج به من ذكرى اليوم العالمي للفلسفة، وكيف في نظرك ينبغي الاحتفال به؟
- من المعلوم أن هذا العيد، أقرته منظمة اليونسكو أخيرا، أي منذ أواخر العقد المنصرم، بطلب من المغرب، وقد كرست اليونسكو أهمية المغرب في مجال الفلسفة، عندما جعلت الندوة العالمية الثانية، تعقد في المغرب، بعد أن انعقدت الندوة الأولى في الشيلي.
الاحتفاء بالفلسفة، ينبغي أن يكون جماهيريا، وينزل إلى المقاهي الأدبية والفلسفية، وأن تكون في كل مدرسة وقفة، من أجل تعريف ولو وجه من أوجه الفلسفة، وينبغي أن نحتفي بالفلسفة لأنها أداة الحداثة بالنسبة إلينا.
* خصصت جزء كبيرا من اهتماماتك، لدراسة فكر ابن رشد، ما هي أهم خلاصة خرجت بها، من هذا الجهد الفكري الدؤوب؟
- من الصعب اختصار هذه الدراسات، ولكن يمكن لي القول إن هذه الدراسات، اتجهت نحو اتجاهين: رصد العقل وأنواعه وأشكاله وأدواته ومساءلاته، ثانيا رصد الوجود وما يتصل به من وحدة وتغير وما إلى ذلك، هذان العنوانان أو القطبان، كانت لهما أهمية كبرى، ولكن بينهما، كانت هناك عدة دراسات تتجه إلى حفر بعض المفاهيم المتصلة، إما بالمرأة أو بالطب، أو بالحداثة أو بما بعد الحداثة، وبعلاقة ابن عربي بابن رشد.
* ما جدوى الفلسفة اليوم؟
- جدواها هي أن تتدخل بعد التأمل في كل ما نصنعه، فإذا لم يكن المهندس المعماري، مثلا، عارفا بعلم الجمال وبالأبعاد والمعاني التي ستترتب عن بنائه لمعلمة أو لبناء معين، فلا يمكن مثلا أن يكون بناؤه جديا. فمن المعلوم أن مدننا، ساحات رديئة وقبيحة للغاية، ربما بسبب غياب البعد الجمالي في رأس وعقل المهندسين. البعد الجمالي هو جزء من الفلسفة. هذا جانب، كما أنه يمكن أن نرى أهمية الفلسفة في ميادين الرياضيات والتكنولوجية والديمقراطية، إن الفلسفة تعلمنا الحوار، تعلمنا الاعتراف بالآخر، تعلمنا أن نكون في مستوى زماننا، وهذا أمر مهم للغاية.
بيان اليوم : 21 - 11 - 2010