منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى الإبداعات الأدبية الحصرية (https://www.profvb.com/vb/f89.html)
-   -   تـــــنــــبــــــؤ ... !!! (https://www.profvb.com/vb/t4691.html)

نورالدين شكردة 2009-09-02 17:57

تـــــنــــبــــــؤ ... !!!
 
تـــــنــــبــــــؤ ... !!!

لـم يـستطع الجيلالي بعد التـــخـلص مـن كـل شوائـب الـتـلمـذة و مشاعر و عوالق الطفولة التي لا زالت تسكنه و تموج في دواخله فيفرزها شغبا و مزاحا و تنكيتا و صداقة وطيدة مع تلاميذه و هو من اقترب من إكمال عقده الرابع ...
اعتاد الجيلالي أن يتنبأ لكل تلاميذه بالمستقبل المشرق الذي ينتظرهم و دأب على الإصرار و المجاهدة في محاولات شبه يومية لنفض براءة جزمهم القاطع و يقينهم المسبق بمآلهم المحتوم صوب محطات الحافلات و أسواق المدن الأسبوعية و امتهان حرف بديئة و مهن رديئة ...
لقد أقسم بأن يتصدى لهذا الحدس المحبط بكل عدته الإنسانية و ذخيرته المعرفية ... و شحذ لهذا الوضع كل طاقاته و إمكاناته و ملكاته ... و تبنى بإصرار غريب شعار “المدرسة رافعة عادلة للرقي المجتمعي” !!! ؟...
‹‹ مصطفى الخانة ›› تلميذه المحبوب لا يفتر عن تعداد محاسن أوربا . و إجراء مقارنة يومية بين مدارس و مباني وملابس وشوارع وسيارات وحلويات بلده مع مثيلاتها بأقرب بلد أوربي من وطنه وهو المدمن على مشاهدة قنوات الغرب...
- “ ستصبح سفيرا بإذن الله و في أسوأ الاحتمالات مبعوثا صحافيا لإحدى وكالات الأنباء العالمية” هكذا جدد الجيلالي في تلميذه الرغبة في التعليم و التحصيل .
‹‹ عباس بوسوسيطة›› ظاهرة القسم و زلزاله المتجدد ، بوادر الإجرام و اللصوصية منفضحة في ملامحه ... كان يميل لاختيار أركان الفصل أو مؤخرته للجلوس و له فيه مخابئ لا يعلمها إلا هو ... نفوذه و تحكمه في زمام المؤسسة كان جليا و سيطرته على تلاميذ الفصل كانت واضحة ... بل و لم تكن لمجاتهم و مقالمهم و جيوبهم تسلم من افتحاصه و تفتيشه اليومي عن الخبز و التين والتمر و القطع النقدية ...وكان لا يفتر عن رمي الجيلالي بنظرات مهددة غريبة ....
- “ ضابط صف أو سجان أو ممرض بقسم المستعجلات.. و سترى أن فراستي و توقعي لا يخيبان ” هكذا كان الجيلالي يخفف من حركية عباس و يضمد خيباته المتكررة و معدلاته المخيبة للآمال ...
“صدام بقشيش” كان طفلا هادئا مستكينا ... يقتعد دوما الصف الأول و يتأمل أستاذه فَاغِرًٍا فَاهُ غير مصدق بعينين عسليتين لامعتين تخفيان أطنانا من الفضول و المعاناة و الشجن ووجه شاحب يحيل على الجوع و المرض ...
- “ لا أدري لماذا أشتم فيك رائحة الإبداع ... كاتب أو ممثل مشهور أو مؤلف مسرحيات ناجحة و لربما كومبارس أو مخاطر بديل في أفلام العنف و الخيال ...”
جملة لم يكن الجيلالي ليتردد في تكرارها على مسمع صدام كلما انتابته نوبة ضحكه المتقطعة المبحوحة و التي تهتز لها الجدران و تنتقل عدواها الى كل تلاميذ القسم ...
- “ عبد الجبار شظف ” كان التلميذ الأكثر شعبية بالمدرسة يتصدر دوما نقط الامتحانات ملامحه توحي بالمرح والسكينة. غير أنه كان على الدوام منصرفا للدندنة و الغناء ...وكتابة الرسائل الغرامية..
- “ كلية الطب فتحت أبوابها لأمثالك . و لم لا مهندس أو ربان طائرة أو حتى عالم فلك ؟ مهن من أخرى كان الجيلالي يبدع في تعدادها على مسامع عبد الجبار ...
حاليا و بعد انصرام عشرين سنة من المهنة و تتبع جديد الأجيال التي لقنها الجيلالي الأسماء و الأفعال و الإبدال و الإعلال .
“ مصطفى الخانة” لقي حتفه في مضيق جبل طارق و هو يجرب حظه في ركوب قوارب الموت فامتنعت أمه عن أكل كل أصناف السمك طالما لم تتسلم جثته بعد...
“عباس بوسوسيطة” ينتظر حكما بالإعدام بتهمة قتل أحد باعة تمار الصبار إثر نزاع حول عدد *الهنديات* التي أكلها هو كان يصر أنها 43 *زعبولة *و بائع الصبار يقسم أنها 44 ..و بعد اعتقاله لم يجد معه رجال التحقيق غير درهمين يتيمين و سيفا صدئا و مذيتين حادتين ...
“صدام بقشيش ” تمكن بعد تدخل أحد أعوان السلطة مقابل 50 درهما كرشوة شهرية من الظفر بمساحة مترين على رصيف أحد الشوارع الرئيسية يفترش عليها سلعة تتكون من ثلاث قبعات صيفية و بعض حاملات مفاتيح و أعلام دول باهتة و عطور من دون كحول و بطاريات صينية من كل الأحجام و مناديل صحية للأنف و أشياء كثيرة أخرى لا تباع ... وقد بلغ إلى علم الجيلالي مؤخرا أن الحظ ابتسم له فصار حكواتيا ناجحا ينشط أشهر حلقة بساحة بوجلود التراثية..
“عبد الجبار شظف ” يعتصم أمام البرلمان منذ سنتين خلتا مطالبا بحقه المشروع في التوظيف بعدما حصل على شهادة جامعية عالية ... أصيب بكسر مزدوج لمرتين و كاد أن يفقد البصر مرة إثر ضربة مباشرة بعصا أحد رجال السلطة المهووسين على رأسه مباشرة ...
*على الأقل فكل هؤلاء كنت أشعرهم بمتعة التحصيل و لذة ترقب آمال مدغدغة.. و كانوا يتوهمون صادقين أنني أشكل لهم حقا منفعة كبيرة وأنا ألقنهم بنية الجملة الإسمية و أحدثهم عن شعر أحمد مطر .. أما أنا فبعد أزيد من عشرين سنة من الحرفة و التدريس لا زلت أنتظر الإفراج عن إسمي ضمن لوائح الترقية بالاختيار و لا زلت أترقب ظفرا بانتقال مستحيل إلى حيث تقطن عائلتي ..و لا زلت أنتظر.. و أنتظر.. و أنتظر ...
تلاميذي على الأقل صادفوا ما كانوا لا يأملونه حتى و إن كانت نبوءتي لم تحد كثيرا عما توقعته لهم ...فمصيرهم من مصير أبناء هذه الأمة وكل هذه الأجيال التي درستها وأوهمتها بنبوءاتي الكثيرة..*
هون الجيلالي على نفسه المضطربة و هو يزدرد غصة حرقة مطامح موؤودة مع رشفة قهوة سوداء مرة على قارعة رصيف إحدى مقاهي الوطن ..

ملحوظة:
للأمانة الأدبية ففكرة النص مستوحاة من ورقة مجهولة المصدر كنت قد عثرت عليها تتحدث عن معلم و هو يتنبأ لتلاميذه بأن يصير أحدهم مبشرا والآخر ملاكما والثالث أبلها.. http://www.dafatir.com/vb/images/smilies/mok.gif

بلابل السلام 2009-09-02 18:09

رد: تـــــنــــبــــــؤ ... !!!
 
حياك الله أديبنا المبدع نور الدين شكردة
اشتقنا للجيلالي وحكاياته التربوية المسلية المبكية ،نص رائع جدا ، وسرد لايشعر القارئ بأي ملل ، بل يتنقل بين الأحداث ويتفاعل معها.
نتمنى أن ينصف الواقع هذا الجندي المكافح فيظفر بما تتنبأ له به وزارتنا المصونة .
خالص التحية والتقديرأيها القاص المبدع

ميمون بوجنان 2009-09-04 03:42

رد: تـــــنــــبــــــؤ ... !!!
 
في كل مرة أزداد تذوقا لنصوصك...تقبل مروري المتواضع....دام لنا إبداعك...

لطيفة المزاج 2009-09-04 14:02

رد: تـــــنــــبــــــؤ ... !!!
 
حياك الله
نص رائع مزيد من التالق و العطاء


الساعة الآن 06:53

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd