الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات الأخبار والمستجدات التربوية > منتدى النقابات التعليمية


منتدى النقابات التعليمية خاص بأخبار وجديد وأنشطة النقابات والنقاشات النقابية المحترمة وبنشر البيانات و البلاغات النقابية للنقابات التعليمية فقط ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2009-08-31, 10:07 رقم المشاركة : 1
lakrimi mostafa
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
إحصائية العضو







lakrimi mostafa غير متواجد حالياً


افتراضي كراس الحركة النقابية بالمغرب



أولا- بداية التجمعات المهنية بالمغرب:
عمل الاستعمار الفرنسي في بداية تواجده بالمغرب على إرساء البنيات الأولى لهذا التواجد. فركز في هاته المرحلة، بالإضافة إلى القطاع الزراعي (استيطان المعمرين و وكلائهم المحليين و توطيد نظام الحماية)، على إنشاء قطاعات عمومية لإدارة البلاد و تسييرها و على مد الطرقات و السكك الحديدية و كذلك على قطاعات خدماتية من بريد و صحة و تعليم و غيرها، و هو ما جعل قاعدة المأجورين تتكون أساسا من موظفي نظام الحماية و مستخدمين و نساء و رجال التعليم و بريديين و مراقبي الأشغال و معاونيهم، (مأجورين أوربيين، فرنسيين بشكل خاص).
و إذا تركنا جانبا أعوان المخزن و مسخريه، فإن العنصر المغربي من المأجورين كان عبارة عن عمال يدويين غير مهرة في الغالب، كانوا يدا عاملة تحت الطلب، بدون وضعية مهنية قارة، يشغلون في غالبيتهم وفق "عقد عمل" يومية و بالقطعة، و يتقاضون أجورا جد متدنية.
و على مستوى التجمعات المهنية – إذا ما استثنينا تعاضدية البريديين (تأسست عام 1916) كأول تنظيم تعاوني بالمغرب – لم يكن هناك أي تجمع مهني يذكر. و يرجع ذلك إلى العديد من العوامل:
- الامتيازات المخولة للأوربيين العاملين بالمغرب، إذ يتقاضون رواتب بتعويضات عن الإقامة بالمغرب (الزيادة المغربية) و تعويضات السكن و غيرها من الامتيازات التي تدخل في إطار جذب الموظفين و المستخدمين للعمل في المغرب، كما حدث في معظم المستعمرات.
- ارتباط جزء منهم بتنفيذ المشروع الاستعماري بالمغرب (موظفو الحماية و المخزن).
- هيمنة الفكر الاستعماري على ما تبقى منهم. إذ كان جل المأجورين الأوربيين، إن لم نقل كلهم، على "قناعة" بالرسالة "الحضارية" للاستعمار:العمل على تحضير "الأهالي"
كما يرجع ذلك إلى حالة الحصار التي يؤطرها قانونيا الظهير الملكي لـ 24/5/1914 المقنن للترخيص للجمعيات.
إلا أن الوضع تغير مباشرة عقب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) و الذي تميز بنهاية اقتصاد الحرب. فارتفعت الأسعار و بدأت سلسلة من تسريحات العمال بأوروبا و ضمنها فرنسا، كما أن ثورة أكتوبر الاشتراكية (1917) كان لها وقع كبير على الشغيلة الأوربية، فعرفت النقابات نسبا متزايدة من الانخراطات و خاضت الشغيلة معارك مطلبية (مظاهرات، إضرابات ...) و كان لهذا الوضع انعكاساته على المغرب أيضا.
في ظل هذه الشروط تأسست ثلاث تجمعات مهنية في ظرف ثلاثة أشهر سنة 1919 :
- الجمعية العامة لموظفي الحماية (10 ماي 1919).
- تجمع عمال و مستخدمي الشحن و الإفراغ المغربي (8 يونيه 1919).
- اتحاد وداديات شغيلة الكتاب بالدار البيضاء (10 يوليوز 1919)
و مع صعود حكومة "الكتلة الوطنية" اليمينية في فرنسا، و التي ستقمع إضرابات ربيع 1920 الكبرى و تلاحق النقابيين و تحاكمهم، و هي الخطة التي سينتهجها "ليوطي" المقيم العام بالمغرب عبر إجراءات الاخضاع الصارم للموظفين و المستخدمين و العمال، و هي إجراءات تمثلت في:
- جلب أطر جديدة.
- إقرار حق المدراء في الطرد و الإحالة المباشرة على الإطار الأصلي.
- تخفيض التعويضات الإضافية للأجور بالمغرب من 100 في المئة إلى 50 في المئة.
- تقسيم المغرب إلى أربع مناطق عوض اثنين بالنسبة للتعويض عن السكن.
و قد أثارت هذه الإجراءات سخطا تزايد مع الوقت لدى العاملين. و هو ما جعل سنتي 1920-1921 تتميز بتأسيس بعض التجمعات، جمعية المهندسين و المراقبين المساعدين في الأشغال العمومية، الودادية الجامعية للمغرب (معلمين و أساتذة)، وداديات تعليم إقليمية أو خاصة بمؤسسة بعينها، تجمعات لمستخدمي الأبناك و المكاتب و التجارة، و لمستخدمي المقاهي و المطاعم و الفنادق بالرباط، و الجمعية الودادية لمستخدمي مكناس. و قد تطورت بعض هذه الجمعيات سنة 1922 في اتجاه تأسيس وداديات مهمة:
ً الجمعية الودادية لبريد المغرب ً
ًودادية التعليم الثانوي بالمغرب ً
ًودادية التعليم الإبتدائي بالمغرب ً
ًودادية الإدارة العامة للأشغال العمومية ً
و يظهر أن ودادية التعليم الإبتدائي بالمغرب كانت من أرقى هاته الوداديات استنادا على أرشيفاتها و في غياب معلومات عن الوداديات الأخريات، حيث نلمس مدى اتساع تنظيمها (500 منخرط من أصل 800 معلم)، و مستوى هيكلتها (مالية مضبوطة، مكتب منتخب، مؤتمرات سنوية منتظمة،)، و مستوى أشغالها (نشرات فصلية منتظمة). و يرجع ذلك إلى تواجد مناضلين ذوي خبرة اكتسبوها من داخل النقابة الوطنية للمعلمين بفرنسا المنتظمة داخل الكونفدرالية العامة للشغلC.G.T، كما كان هناك مناضلون من أنصار الكونفدرالية العامة الموحدة للشغلC.G.T.Uحيث يتواجد الشيوعيون، و كان في صفوفهم مناضلون متشبعون بالقيم الديمقراطية و العلمانية و هو ما يجسده ما جاء في النظام الأساسي للودادية حول "الدفاع عن الفكر العلماني و الديمقراطي و الجمهوري". و بما أنهم كانوا متيقنين بأنهم مكلفون بالعمل على "تحضر " و "ًإدماج الأهالي"ً فإنهم لم يكونوا في غالبيتهم واعين بحقيقة واقع الاستعمار.
لقد اعتبر المعلمون أن مكانهم في صفوف الحركة النقابية للطبقة العاملة ًفهم معلموها الواعون ً، و تركزت مطالب ودادية التعليم الإبتدائي بالمغرب حول:
- تطبيق مقررات القانون الفرنسي لـ 30-4-1921، القاضي بمنح زيادات في الرواتب.
- الحفاظ على الزيادة ًالمغربية ً ذات قيمة 80 في المئة من الراتب الأصلي و التي قررت الإقامة العامة حذفها.
- المطالبة بإنشاء لجن متعادلة التمثيل (اللجن المتساوية الأعضاء) تتكلف بالتعيينات و الترقيات.
إلا أن المكاسب الهزيلة التي تم الحصول عليها انعكست سلبا على الودادية، فشهد مؤتمرها الثالث (أبريل 1924) تصدعات بين أعضاء المكتب بصدد تقويم هاته التجربة و أشكال تجاوزها.
لكن هاته التجربة بالرغم من ذلك شكلت منعطفا في تاريخ الحركة النقابية بالمغرب، علما بالدور الريادي الذي لعبه المعلمون في الحركة التعاضدية، و ما سيلعبونه لاحقا في تأسيس العمل النقابي بالمغرب. فهذا المؤتمر، و رغم أنه كان في نظر البعض إقرارا بالفشل، فقد شكل محطة تصدرت نقاشاتها مسألة الممارسة النقابية، و طرحت ضرورة توطيد العلاقات مع النقابات بفرنسا: الانخراط في النقابة الوطنية للمعلمين (فرنسا) تجاوزا لقرار المنع ًالقانوني ً لسلطات الحماية.
ثانيا- تطور الحركة التعاضدية و الودادية و بدايات نشوء النقابات.
1- 1924-1926:بداية التحول:
خلال هاته الفترة حدثت تحولات مهمة على مستوى التجمعات المهنية. و قد حكمت هاته التحولات العديد من الأسباب و العوامل. فمن جهة هناك ما راكمته الحركة التعاضدية و الودادية (الخبرات النضالية و التنظيمية و أيضا الإخفاقات). و من جهة أخرى التغيرات و الأحداث السياسية التي كانت جارية أنذاك في فرنسا و المغرب. ففي فرنسا فاز ًتكتل اليسار ً في انتخابات ماي 1924، و كان من نتائج هذا ًالانتصار الانتخابي ً الاعتراف بالحق النقابي للموظفين و من بينهم نساء و رجال التعليم و البريد و الصحة. و كان من انعكاسات ذلك على المغرب رفع حالة الحصار التي كانت للسلطات العسكرية مسؤولية الحفاظ على الأمن في ًالمناطق المدنية ً، كما أن انشغال الحماية بحرب الريف (1925) دفعها إلى العمل على ًتهدئة النزاعات الاجتماعية ً.
أدت هاته الشروط العامة إلى نوع من ًالانفراج ً، و هو ما أتاح اتساعا ملحوظا للعمل السياسي و ًالنقابي ً. فأنشأ الشيوعيون بالكونفدرالية العامة الموحدة للشغلِC.G.T.U بفرنسا لجنة عمل ضد الحرب في الريف، و التي كانت تؤيد الحركات الوطنية في المستعمرات، و كان لهاته اللجنة مناضلون بالمغرب، كما عرف المغرب، منذ 1924 أنشطة مكثفة للحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية SFIOانطلق من مدينة الرباط، و تم تأسيس عدة فروع أخرى بين 1925-1926. و تجمعت الفروع المحلية لتشكل الفيدرالية الاشتراكية للمغرب. و قد انخرط في هاته الفيدرالية أيضا العديد من الشيوعيين.
و قد أعطى الاشتراكيون و الشيوعيون دفعة كبيرة للعمل النقابي بالمغرب إذ كانوا الأكثر نشاطا في الوداديات، و كانت أنشطتهم الحزبية تنصب أساسا على التكوين العمالي. إذ اهتم هؤلاء المناضلون بالتربية الاشتراكية و التربية العمالية و بمناقشة القضايا النقابية المطروحة وقتها. و في كل ذكرى نقابية (فاتح ماي مثلا) تلقى محاضرات نقابية. كما عملوا على تعبئة الشغيلة و محاولة تصليب التجمعات المهنية. كان لهاته التحولات السابقة الذكر أثر كبير على الحركة النقابية من حيث هيكلتها و مطالبها و كفاحيتها، و هو ما سنراه من خلال نموذجين هامين:
- السككيون: أسسوا الودادية المهنية (1925) و كانت مطالبهم تتمثل في سن نظام أساسي – الزيادة في الأجور بـ 35 في المئة (إسوة برفاقهم في فرنسا) – إنشاء صندوق التعاون – مجانية العلاج و التطبيب – لجنة الترقية.
و قرر من أجل ذلك سككيو الدار البيضاء شن إضراب عن العمل يوم 5/3/1926، و لم يتمكنوا إلا من انتزاع مكسب النظام الأساسي الذي سنته الإقامة العامة في 20/3/1926، و هو ما دفعهم إلى شن إضراب عام يوم 26/3/1926 اعتبر كأول إضراب مغربي. و كان من نتائج هذا الإضراب أن اعتقل قائدان نقابيان و أطلق سراحهما و تم تنقيلهما. و هو ما أدى إلى تفكك التنظيم النقابي و تشرذم المناضلين. و لم تنبعث الودادية من جديد إلا أواخر 1927.
- المعلمون: كانت هاته الفئة هي الأكثر نشاطا، هيمنت و تواجدت في أغلبية التجمعات المهنية. ففي سنة 1925 تواجدوا في 15 من هاته التجمعات، و ظلت الزيادة في الأجور و تعويضات الإقامة تتصدران لائحة مطالبهم. و في أبريل 1926 تحولت ًودادية التعليم الإبتدائي ً إلى ًالفرع المغربي للنقابة الوطنية لمعلمي و معلمات فرنسا و المستعمرات ً بالرغم من منع الاستعمار للحق النقابي بالمغرب. و بهذا تدعمت الودادية و بدأت تظهر كنواة صلبة للحركة النقابية المغربية.
2- التحولات الاقتصادية لسنوات 1926-1929 و انعكاساتها على المأجورين المغاربة:
عرفت هاته المرحلة تطورا كبيرا للنسيج الاقتصادي الاستعماري تمثل في:
- توسيع أراضي الاستيطان (أراضي المعمرين)
- توسيع الأشغال الكبرى: تشييد الطرقات. (1200 كلم) السكك الحديدية (500 كلم). السدود الكبرى. و الموانئ. البنايات الإدارية و المجموعات العمرانية.
- إنشاء مؤسسات صناعية و منجمية كبرى: الشركة الإفريقية لمؤسسة كارنوِCarnaud مصاهر الحديد، الشركة المغربية للسكر، الشركة الإفريقية للغزل و النسيج و عدة شركات منجمية (الفوسفاط مثلا) و الشركة الشريفة للبترول.
أدى الازدهار الرأسمالي لسنوات 1926-1929 إلى ازدياد الطلب على اليد العاملة و على الخصوص المغربية منها، فعرفت الفترة تنامي الهجرة الداخلية من الأرياف نحو المدن (هجرة ضحايا نزع الملكية) تحت اغراءات الزيادات في الأجور التي عرفت زيادة 100 في المئة بين يناير 1928 و يوليوز 1929، و هو ما أدى إلى تزايد في أعداد اليد العاملة المغربية و كان ذلك بداية تشكل جنيني للبرجوازية المغربية، غير أن حاجة المستعمرين إلى المزيد من اليد العاملة ظلت قائمة على الرغم من تزايد أعداد الشغيلة المغربية. و قد فسر المستعمرون قلة اليد العاملة بارتفاع الأجور؟؟ فحسب زعمهم، ما أن يحصل العامل المغربي على مبلغ كاف لسد حاجياته حتى ينقطع عن العمل خلال ما تبقى من أيام الأسبوع. و كان ذلك تبريرا لسياسة خفض الأجور، لذلك أقر نظام الحماية عدة إجراءات تماشيا مع هذه السياسة: منع هجرة اليد العاملة المغربية إلى فرنسا و الحث على المكننة في الورشات و لو زادت التكلفة، و هي إجراءات لم تصبح سارية المفعول إلا مع الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 و هو وضع أدى إلى وفرة اليد العاملة فنمو البطالة فانهيار الأجور.
و قد كان لهاته الإجراءات تأثير على الشغيلة المغاربة فتدهورت أوضاعهم المعيشية أكثر فأكثر.
و هي وضعية ستزداد سوءا خلال الثلاثينات كما سنرى فيما بعد.
3- تأسيس اتحاد النقابات بالمغرب:1930
بالرغم من المنع الاستعماري للحق النقابي فقد نشط العمل النقابي بالمغرب و كان يهدف إلى إلى تحقيق المطالب الأساسية التالية: الاعتراف القانوني بالحق النقابي، العطلة الأسبوعية و يوم عمل من 8 ساعات. هاته المطالب التي تمت صياغتها منذ نهاية العشرينات. و بالموازاة مع هذا النشاط بدأ مسلسل تجميع التجمعات المهنية و النقابية فبالاضافة إلى قطاع التعليم المنضوي تحت لواء ك ع ش C.G.Tحول البريديون وداديتهم إلى فروع للنقابات الوطنية الثلاث (أطر، مستخدمون، عمال) المنخرطة في ك ع ش. كما ظهر تجمع عام ًالتجمع الودادي لفئات المستخدمين البريديين في المغرب ً انخرط فيه المتعاطفون معC.G.T.U الكونفدرالية العامة الموحدة للشغل.
و توج هذا المسار بتأسيس اتحاد النقابات بالمغرب (الاتحاد الجهوي C.G.T) خلال مؤتمر تأسيسي انعقد بتاريخ 22-6-1930، و خلال هذا المؤتمر تم طرح القضايا التالية:
- يوم عمل من 8 ساعات.
- العطلة الأسبوعية.
- محاكم الشغل.
- مندوبو العمال الملحقون بمفتشية الشغل.
و كان هذا التأسيس منطلقا لتحويل الوداديات إلى نقابات: قطاعات الشركة المغربية لتوزيع الماء و الكهرباءSMD مثلا، كما أنشأت فيدرالية التعدين.
ثالثا- مرحلة تأسيس النقابات 1930-1936
1- الأزمة الاقتصادية و انعكاساتها على المأجورين:
كان للأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 أثر كبير على الاقتصاد المغربي، فلقد ازدادت وثيرة تفكك الاقتصاد التقليدي بفعل انهيار أسعار الحبوب، الذي أدى إلى إفلاس الفلاحين، و بفعل احتداد منافسة المنتوجات الأجنبية التي أدت إلى تدهور وضعية الحرفيين الذين فقدوا زبائنهم الأصليين: الفلاحين.
و تأثر الاقتصاد الرأسمالي أيضا: تدهور الصناعة المنجمية، نقصان صادرات الفوسفاط بين 1930 و 1931 (47 في المئة)، 242 حالة إفلاس (حتى سنة 1935) و لم ينج من هذه الأزمة –أو تأثر قليلا- سوى المقاولات الكبرى للمواد الموجهة للسوق الداخلي: المطاحن، مصانع المشروبات و التبغ و السكر و الإسمنت و الشموع.
فما هو انعكاس هذه الوضعية على المأجورين؟
على مستوى العمال الأوربيين تم تقليص الرواتب و الأجور و التعويضات و تم تسريح الأطر و انخفض عدد العمال بين 1931 و 1936 بنسبة 39 في المئة، فأصبح جيش احتياط العمال يمثل حوالي 5/2 من اليد العاملة المعروضة.
على مستوى العمال المغاربة، و إذا استثنينا تنامي أعداد العمال الزراعيين (90000 من أصل 6 ملايين مغربي حسب إحصاء 1936) فلقد تدهورت الوضعية أكثر. فالمناجم أوقفت تشغيل عمال جدد أو طردت مستخدميها، و نفس الشيء بالنسبة لأوراش البادية التي أوشكت على الانتهاء في معظمها سنة 1934، كما نخفض نشاط البناء في المدن، و كذلك انخفضت الأنشطة التجارية و أنشطة نقل البضائع، وحدها المقاولات الصناعية حافظت على نوع من النشاط.
كما ازدادت أعداد القرويين المنزوعي الأرض و المبلترين، النازحين نحو الأوراش و المناجم و المراكز الحضرية، طلبا للشغل، و انضاف إليهم الحرفيون المفلسون لتصبح المدن، كما في البوادي طبعا، مناطق تعرف درجات من الفقر المدقع، و تكونت حول المدن تجمعات سكنية لا تتوفر حتى على حدود دنيا من العيش، مدن الصفيح.
2- النقابات في مواجهة الوضع:
أدى تدهور وضعية الشغيلة إلى تكوين اتحادات نقابية لهاته الوضعية فتأسست ًالفيدرالية المغربية للتعليم العموميً (1934) ضمت إلى جانب نقابة المعلمين كلا من ًودادية التعليم العاليً (تأسست سنة 1933) و ًفيدرالية وداديات التعليم الأوربي للسلك الثانوي بالمغربً (تأسست سنة 1934)، و دخلت فيدرالية التعليم العمومي في تكتل مع فيدرالية الموظفين و فيدرالية البريد أطلق عليه ًتكتل المصالح العموميةً (1934).
و قد نظمت هاته الفيدراليات العديد من الاحتجاجات على شكل تجمعات و مظاهرات عقب إجراءات دولة الحماية في مارس 1935.
أما بالنسبة للقطاعات الأخرى فلقد توسع الانخراط في الاتحاد الجهوي لـ ًك ع شً و على الخصوص الصيادون البحارة و الفوسفاطيون، و لضمان وجود قانوني و التمكن من التفاوض مع المشغلين اتخذت تجمعات هاته القطاعات تسمية ًجمعية مهنيةً أو ًمجموعةً، و نذكر هنا مثالين:
- نقابة البحارة الصيادين ذات التسمية الرسمية ًالجمعية المهنية للبحارة الصيادين للدار البيضاء و لباقي مدن المغربً (يونيه 1934)، و كانت تضم 350 منخرطا (80 في المئة من البحارة: إسباب، برتغاليون و مغاربة).
- ًالجمعية المهنية لمستخدمي الفوسفاطً و التي تم الاعتراف بها يوم 18-9-1933، و كانت مطالبها تتركز حول المطالبة باستقرار الشغل و ضمان (الترسيم) و الدفاع عن الأجور و المطالبة بإعداد ًنظام أساسي للمستخدمينً.
كما عمل المناضلون النقابيون على تنمية منظماتهم عبر استقطاب المستخدمين و العمال المغاربة الذين كانوا قليلي التنقيب حتى 1933، و تم داخل الاتحاد الجهوي لـ ًك ع شً طرح مطلب ًأجر متساو لعمل متساوً. و بذلك تم إدراك أن وحدة الطبقة العاملة هو أكبر سلاح لمواجهة تصلب مواقف أرباب العمل و سلطات الحماية. و لقد كان لهاته الخطوة تأثير، على ما يبدو، على الحركة الوطنية المتمثلة في ًكتلة العمل الوطنيً، و إلا كيف نفسر أن ًبرنامج الاصلاحاتً الذي طرحته هاته الكتلة سنة 1935، يضم نفس البرنامج المطلبي لاتحاد النقابات بالمغرب(C.G.T ) :
+ يوم عمل من 8 ساعات
+ الحد الأدنى الحيوي
+ مساواة الأجور
+ محاربة البطالة
+ التعويضات عن حوادث الشغل
+ الترخيص بإنشاء ًنقابات للدفاع عن مصالح الشغيلة المغاربةً
+ توسيع سلطات محكمة الشغل
+ التطبيق الصارم للقوانين الجاري بها العمل فيما يخص الهجرة
3- إضرابات يونيه 1936:
لم يجد العمال أمام تعنت الباطرونا و سلطات الحماية لتحقيق مطالبهم سوى اللجوء إلى الإضراب، لقد كان سلاحا رفعه المأجورون في وجه أعدائهم الطبقيين بهدف تحقيق مطالبهم، مطالب كانت تطرح دائما في مؤتمرات ًك ع شً:
+ الاعتراف بالحق النقابي
+ مكافحة البطالة
+ منح الاسعافات
+ مراقبة الهجرة
+ تطبيق قانون 8 ساعات عمل
+ الأجر الأدنى
+ تثبيت طرق تأدية الأجور
+ منح بطاقات الشغل
+ حذف نظام الغرامات
و نقدم هنا كرنولوجيا لهاته الإضرابات حسب القطاعات و المؤسسات:
- الشرمة المغربية للسكر: شهدت هاته الشرمة الموجود مقرها بالدار البيضاء إضرابا استمر من 11 إلى 13-6-1936 شارك فيه 600 عامل مغربي و أوربي (من أصل 750)، و كان سببه رفض إدارة الشركة قرار الشغيلة بتشكيل ًجمعية مهنيةً و رفضها الملف المطلبي النقابي (10 يونيه)، فتقرر خوض إضراب مصحوب باحتلال المعمل. و قد توقف الإضراب بعد تدخل الإقامة العامة الذي أدى إلى توقيع اتفاقية بين إدارة الشركة و الجمعية تم من خلاله: الاعتراف بحق الإضراب و بممثلي العمال و بمطالب أخرى متعلقة بالأجور و العطلة السنوية المؤدى عنها (15 يوما) إلخ ...
- عمال الفوسفاط بخريبكة: بعد رفض ملفهم المطلبي المقدم للإدارة قام العمال (كل المغاربة و جزء من الأوربيين) بشن إضراب و احتلال مواقع الإنتاج يومي 12 و 13 يونيه.
- عمال الفوسفاط لوي جونتي (اليوسفية): التحقوا بإضراب عمال خريبكة و سوف تتدخل الإقامة العامة أيضا و يتم قبول مناقشة الملف المطلبي الذي تضمن النقط التالية: الاعتراف بالجمعية المهنية للفوسفاطيين، إقرار نظام أساسي للمستخدمين، و يوم عمل من 8 ساعات. و قد أعطيت وعود بصدد الملف.
- الحركة الإضرابية بالدار البيضاء: ابتدأت في 11 يونيه و توسعت في الأيام التالية لتبلغ ذروتها يومي 18 و 19 يونيه حيث بلغ عدد المضربين 2000 (3/1 أوربيون و 3/2 مغاربة)، و شاركت في هذا الإضراب العديد من المؤسسات الإنتاجية و الخدماتية، كانت الإضرابات تلقائية (بمعنى استجابة تلقائية لنداءات الإضراب) و لم تتبلور المطالب إلا خلال هاته المعارك. و قد رفعت ثلاثة مطالب أساسية: يوم عمل من 8 ساعات – رفع الأجور و تحديد أجر أدنى – والحق النقابي.
- إضراب بفاس و مكناس و غيرها.
و لم يسجل خلال هاته الإضرابات أية تدخلات تذكر لقوات الحماية، باستثناء حدث طرد 240 كناس بالدار البيضاء و تقديم 17 رئيس فرقة كناسة للمحاكمة، و يرجع ذلك إلى أن هذا القطاع يضم المغاربة فقط.
و إثر هذه الإضرابات أصدرت الإقامة العامة ثلاثة ظهائر (19-6-1936) تتناول تحديد يوم العمل في 8 ساعات، الأجر الأدنى، أسلوب أداء الأجور، الغرامات و المقتضيات، و تم إلزام الباطرونا بمد العمال و المستخدمين ببطاقات الشغل. و هي ظهائر لم يتم العمل بها فيما بعد، فمدى تطبيقها ظل رهينا بميزان القوى بين العمال و الرأسمال، و لم يتم الاعتراف بالحق النقابي بل فقط بالجمعيات المهنية و بممثلي العمال.
و رغم ذلك فقد كانت معارك يونيه 1936 غنية بالدروس، إذ أنها أبانت:
- الروح الكفاحية العالية لدى العمال و على الخصوص المغاربة منهم و وحدتهم للتصدي لقوى الرأسمال.
- عن المبادرة العمالية الخلاقة التي تمثلت في اللجوء إلى أشكال نضالية أخرى: احتلال مقرات العمل و الإنتاج.
- بروز أشكال تضامنية مع المضربين تمثلت في تنظيم التضامن من طرف العائلات و تجار الأحياء.
- عن مستوى وعي معين لدى العمال المغاربة الذين تحركوا لوحدهم عكس ما كان سابقا، إذ كانوا دوما تابعين لرفاقهم الأوربيين، و يرجع ذلك إلى عامل تواجد عمال مغاربة سبق و اشتغلوا في فرنسا، و قد جلب هؤلاء العمال معهم تقاليد التنظيم و النضال النقابيين.
رابعا- مرحلة النهوض النقابي 1936- ماي 1938
1- الاعتراف بالحق النقابي: اقرار بواقع:
لقد كان لنجاح إضرابات 1936 أثر كبير على العمل النقابي و قد ساهم في ذلك أيضا عامل الانتصار الانتخابي للجبهة الشعبية في فرنسا، هذا العامل الذي دفع بالإقامة بعد رفضها سابقا إلى الاعتراف بالحق النقابي (ظهير 24-12-1936)، إلا أن هذا الحق ظل مقيدا إذ احتفظ بالترخيص المسبق تأسيس النقابات، و اقتصر على الأوربيين، كما منع انخراط النقابات المغربية في الاتحادات الفرنسية، و هو ما أثار احتجاج النقابيين فحصلوا فقط على حق تأسيس الاتحادات.
بعد الاعتراف بالحق النقابي تدعمت الحركة النقابية فازدادات نسب التنقيب، فقد ضم الاتحاد الجهوي ِC.G.T: 20000 منخرط، و لم يكن يتعدى 4000 سنة 1931، و شهدت النقابات توسعا مهما خصوصا بالنسبة لقطاعات المصالح ذات الامتياز (لاحقا مؤسسات القطاع شبه العمومي):
- بالاضافة إلى نقابة الفوسفاطيين باخريبكة تشكلت نقابتان بلوي جانتي (اليوسفية) و آسفي.
- قطاع الكهرباء: تأسست نقابات محلية للطاقة الكهربائية (الدار البيضاء و مكناس)، و شكلت خلال مؤتمر عقد بالدار البيضاء يوم 10-1-1937: ً الاتحاد المغربي لنقابات الإنارة و القوى المحركةً.
- و عرف قطاع السككين بدوره توسعا و كان قد عرف انتقالا لعدد المنخرطين من 450 إلى 985 بين نونبر 1935 و نونبر 1936. و تأسست نقابتان بالقنيطرة و آسفي (1936)، و تم عقد مؤتمر فبراير بمكناس في 7 و 8 نونبر 1936، و قد طرحت خلاله المطالب التالية:
+الزيادة في الأجور
+ دمج الزيادة ًالاستعماريةً في حساب التقاعد
+ حضور ممثل منتخب عن المستخدمين في لجنة تدبير صندوق التقاعد
+ عطلة 30 يوما سنوية
+ مساواة أجور النساء مع أجور الرجال
+ الترسيم بعد فترة من العمل للمياومين
و قد تحولت فيدرالية سككيي المغرب إلى ًاتحاد نقابات شبكات المغربً في فاتح يناير 1937، و من بين المطالب التي طرحها هذا الاتحاد تمتيع المغاربة بالحق النقابي.
كما تم انتعاش في القطاع الخاص حيث أشرف الاتحاد الجهوي على تنظيمه و بالخصوص شركة COSUMA (200 منخرط) و بدأ إنشاء اتحادات محلية في العديد من المدن.
2- تأسيس اتحاد النقابات الكونفدرالية بالمغرب USCM/ إضرابات 1937:
انعقد المؤتمر الثامن للاتحاد الجهوي لـ ًك ع شً بالدار البيضاء يومي 16 و 17-1-1937، و هذا المؤتمر الذي تم فيه التأكيد على خصوصية الحركة النقابية في المغرب، مما دفع المؤتمرين إلى تغيير اسم الاتحاد الجهوي لـ ًك ع شً بـ ًاتحاد النقابات الكونفدرالية بالمغرب USCM. و هو مؤتمر حضره مناديب عن 5 اتحادات محلية و 48 منظمة نقابية تضم حوالي 7000 منخرط: 60 في المئة من القطاع العمومي، 21 في المئة من المصالح ذات الامتياز و 19 في المئة من القطاع الخاص. و قد برز الطابع العمالي المحض للحركة النقابية، و أعطى التواجد المهيمن للشيوعيين و للاشتراكيين (حيث يسيطر على فيدراليتهم اليسار الثوري) خصوصية لهذا المؤتمر من حيث طبيعة القضايا المطروحة.
و قد تم خلال هذا المؤتمر:
+ الاحتجاج بالإجماع على عدم الاعتراف للمغاربة بالحق النقابي
+ الاحتجاج على الأجر الأدنى ذو القيمة المتدنية
+ الاحتجاج على غلاء المعيشة
+ الاحتجاج على مناورات أرباب العمل و تسريحات المناضلين النقابيين
+ المطالبة بالتطبيق الصارم لقانون يوم عمل من ثمان ساعات
+ المطالبة بزيادة عدد مفتشي الشغل (أنذاك ثلاثة فقط)
+ المطالبة بتطبيق التشريع الفرنسي المتعلق بالاتفاقيات الجماعية و بالعطل السنوية المؤدى عنها و بأسبوع من 40 ساعة عمل.
و قد تلت هذا المؤتمر عدة إضرابات سنة 1937 عمت العديد من المدن (الدار البيضاء، فاس، خريبكة) و في العديد من القطاعات: البناء، التعدين، النقل، الفوسفاط، السكر، إلخ ...
و تصدرت هاته الإضرابات المطالب التالية: الزيادة في الأجور، سلم الأجور، تطبيق الاتفاقيات الجماعية.
و قد تميزت هاته الحركات الاحتجاجية بنشاط شغيلة القطاع الخاص و خصوصا المغاربة منهم.
خامسا- تحولات الحركة النقابية لفترة ما بعد الحرب:
عقب إنزال قوات ًالحلفاءً بإفريقيا الشمالية، استعادات الحركة النقابية نشاطها بعد توقف دام طيلة سنوات الحرب.
و هكذا تأسس في يوليوز 1943 اتحاد نقابي سيحمل عقب مؤتمره التأسيسي (5 مارس 1944) اسم ًالاتحاد العام للنقابات الكونفدرالية بالمغرب (U.G.S.C.M) منضويا تحت لواء المركزية الفرنسية (C.G.T).
و بسبب جذورها الاجتماعية و خطها الايديولوجي (وطني برجوازي)، طغى أنذاك داخل الحركة الوطنية ميل نحو النضال السياسي ًالصرفً مما جعل مسألة تنظيم العمال من مهام الحزب الشيوعي فقط رغم هيمنة العنصر الأوربي داخله و فصله النضال من أجل المطالب المباشرة عن النضال من أجل التحرر الوطني. هكذا نما تأثير الحزب الشيوعي داخل ًالاتحاد النقابيً و وصل عدد أعضائه داخل مكتب الاتحاد سنة 1946 إلى 7 من أصل 10.
و يمكن تلخيص مطالب ًالاتحادً في تلك الفترة في مطلبين أساسيين:
1- أجر متساو، لعمل متساو، دون عنصرية أو ميز عرقي.
2- الحق النقابي للعمال المغاربة.
و إزاء الحظر النقابي الذي كانت تفرضه إدارة الاحتلال على العمال المغاربة عمل ًالاتحادً على اسقاطه بوضع الإدارة أمام الأمر الواقع: { يجب أن ندرك أن مطالبنا لن تتحقق أبدا طالما أننا لم نضع الحكومة أمام الأمر الواقع، و ذلك بتشجيع المغاربة على الانخراط و بأعداد كبيرة}(1).
1- مغربة الحركة النقابية:
لم تكن تمردات الحرفيين، فيما بين 1937-1944 سوى امتدادا للاحتجاجات الفلاحية و تمردات القبائل المناهضة للاستعمار. أما الأحداث التي عرفها المغرب و التي تفجرت على إثر اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد في يناير 1952. فإنها مؤشرات على ولادة حركة جديدة تعكس التحولات الاقتصادية و الاجتماعية التي عرفها المغرب في فترة ما بعد الحرب، انتقل على إثرها مركز التحريض السياسي من ًالمسجدً إلى الأوراش و المصانع و المقرات النقابية، و أصبحت دار النقابات قبلة العمال لأداء فريضة التحرير الوطني. و أصبحت الدار البيضاء المدينة العمالية هي مركز الحركة الوطنية، إلا أن هذه الأخيرة و بسبب أصولها الاجتماعية و ايديولوجيتها البرجوازية، كانت ترفض مفهوم الصراع الطبقي و تعتبر { البرولتاريا و الرأسمالية و البرجوازية ... كلمات مستوردة لا معنى لها} و أن { القول بصراع الطبقات في وسط مضطهد، و نشر الايديولوجيا الأممية، في بلد لازال فيه الوعي الوطني في طور التكوين، يعني إرادة الحفاظ على هذا البلد في عبودية خالة} (2).
هذا الرفض لمفهوم الصراع الطبقي يجد تفسيره في تعارض المصالح الطبقية بين قيادة الحركة الوطنية و الطبقة العاملة و هو أمر يمكن تبيانه من خلال مكانة مطالب الشغيلة في ًبرنامج الاصلاحات لكتلة العمل الوطنيً، أو من خلال غياب أي إطار عمالي داخل قيادة الحركة الوطنية في هذه الفترة و غياب أي عامل أو نقابي ضمن الموقعين على ًعريضة المطالبة بالاستقلالً، و كما هو الشأن عقب إعلان الجمهورية سنة 1931 في منطقة الريف، حيث حاول قادتها احتواء غضب العمال، بتأسيس نقابات المستغلين، لجأ الوطنيون عقب الإضرابات الصاخبة التي عرفها المغرب سنة 1948 إلى تأسيس ًنقابات مستقلةً لا تستند إلى محتوى طبقي بل ذات محتوى ديني – ًنقابة إسلامية- قائمة على تمييز عرقي بين العمال ذوي الأصول الدينية المختلفة، مسلمين، يهود، أوربيين. إلا أن تجربة ًالنقابية الإسلاميةً آلت إلى الفشل لطابعها العنصري و تحت ضغط القاعدة اتخذ حزب الاستقلال سنة 1949 قرارا حاسما يقضي بالتحاق أعضائه جماعيا بـ ًالاتحاد العام للنقابات الكونفدراليةً و إلزام قيادة الحزب بفتح اتصالات رسمية مع ًالحزب الشيوعي المغربيً من أجل تنسيق العمل النقابي، إلا أن التوجه الجديد لحزب الاستقلال لم يكن نتيجة تحول في اختيارات الحزب الايديولوجية و السياسية، بقدر ما فرضه الأمر الواقع. فقد انتقل عدد العمال المغاربة داخل ًالاتحاد العام ...ً من 2500 (1944) إلى 30000 (1945). و عقب المؤتمر الرابع للاتحاد وصل عدد النقابيين المغاربة داخل الأجهزة القيادية إلى 7 أعضاء داخل اللجنة التنفيذية و ثلاثة أعضاء داخل مكتب الاتحاد. و انتخاب الشيوعي المغربي امحمد طاهر في منصب ًكاتب عام مشاركً الذي تم إحداثه إلى جانب الكاتب العام. و قد كان ًالحزب الشيوعي المغربيً أنذاك، بالرغم من انحرافه عن مبادئ الشيوعية الثورية الأصيلة، يعتبر أن الحركة العمالية هي الحلقة المركزية من أجل قيام حركة شعبية قوية، ترتكز على وحدة المصالح الطبقية للبروليتاريا، بالرغم من تعدد الهويات الثقافية و العرقية و الخصوصيات الإقليمية. إذ كانت الطبقة العاملة القطاع الوحيد الذي كان الحزب مؤمنا و متأكدا من انكانياته النضالية.
و في المؤتمر الخامس للاتحاد في مارس 1948، و هو المؤتمر الذي انعقد مباشرة بعد الانشقاق الذي عرفته CGT و تأسيس ًالقوات العماليةً (F.O)، ازداد تأثير الشيوعيين و تقدم المغاربة فأصبحت اللجنة التنفيذية تضم 15 مغربيا من أصل 42 و المكتب يضم 4 شيوعيين مغاربة و 4 شيوعيين فرنسيين و 2 اشتراكيين.
2- المطالب و النضالات:
كانت مطالب الاتحاد تتمحور حول أربعة نقط:
- الحق النقابي للعمال المغاربة
- مسألة مساواة الأجور
- التشريع الاجتماعي
- ظروف العمل الزراعي
و من أجل إعطاء طابع علمي لهذه المطالب الاقتصادية أنشأ الاتحاد شعبة اقتصادية و شكل مجموعات دراسية لمتابعة الأزمة الرأسمالية على أوضاع العمال المعيشية و هو ما مكنه من فضح قيمة أجور العمال المغاربة التي لم تكن تسمح بتغطية حاجياتهم الغذائية، كما مكنه من فضح التوزيع العنصري للوحدات الانتاجية عبر مناطق البلاد: المغرب النافع و المغرب غير النافع.
و في دجنبر 1945 تمكن الاتحاد من انتزاع زيادة في الأجور بنسبة 70 في المئة، و في يوليوز 1948 قاد عمال السكك حركة مطلبية امتدت إلى قطاعات الحديد و المناجم و الموانئ، و تضامن عمال باطن الارض و البريد و الطاقة الكهربائية و ستتمكن هذه الحركة من شل الحركة الاقتصادية و أرغم الإقامة العامة و أرباب العمل على تقديم تنازلات فيما يخص التعويضات الاجتماعية و الأجور. و لإرغام أرباب العمل الصناعيين على تطبيق الزيادات المقررة، خاض عمال الصناعات إضرابا عاما، ًاعتبرته كونفدرالية أرباب العملً ًإضرابا سياسياً و قررت في 12 أبريل 1948 تسريح عمال مؤسسات الميكانيك، و بعد إضراب عام لا محدود دام 18 يوما، تمكن عمال الصناعات الحديدية من إرغام أرباب العمل على التراجع عن قرار التسريح و تطبيق زيادة في الأجور بنسبة 11,5 في المئة، و يوم 22 أبريل 1948 دخل عمال المناجم بجرادة و خريبكة في إضراب عام دام 23 يوما، و بعد تدخل الجيش و الشرطة لفرض استئناف العمل و رفض ًالمكتب الشريف للفوسفاطً التحاور مع ًلجنة الإضرابً، شرع اتحاد العمال في تنظيم الرد العمالي الشامل: توسيع حركة الإضراب إلى كل المناطق و إعطاء المطالب طابعا شموليا.
3- هجوم الباطرونا و الإقامة العامة و محدودية الاتحاد العام:
تمثلت انعكاسات الحرب الباردة في المغرب في حملة قمع واسعة على الحركة النقابية و إقدام الحكومة الفرنسية على تعيين اليميني الجنيرال ًجوانً كمقيم عام الذي عمل على تطببيق مخطط كان يهدف إلى تفكيك الحركة النقابية التي أصبحت تهدد إدارة الاحتلال بفعل تزايد ًمغربتهاً و تنامي دور الشيوعيين المغاربة داخلها:
- تفكيك نقابة المنجميين في خريبكة و جرادة
- حل فيدرالية باطن الأرض و الحكم على قادتها بالأشغال الشاقة مدى الحياة
- خلق ًلجان الصلحً و ًالتحكيمً لمنع العمل النقابي و حق الإضراب
بعد هذا الهجوم ظهرت محدودية الاتحاد العام، فبالرغم من كونه أهم منظمة جماهيرية بعد الحرب، فقد بقي الاتحاد حركة مدينية أساسا، في مجتمع ذي أغلبية فلاحية:{الحركة النقابية في المغرب لن تأخذ وجهها الحقيقي إلا بوجود نقابات زراعية قوية} (3).
لقد كان عدم تجانس الطبقة العاملة و تمايز مكوناتها: أوربيين (محظوظين) عمال يهود (ذوي امتيازات) و عمال مسلمين (محرومين)، عاملا مساعدا على غياب تضامن طبقي، و هو ما ستستغله الايديولوجية الاستعمارية لإضعاف وحدة العمال الطبقية.
كما أن التعارض السياسي داخل الطبقة العاملة لم يكن بين تيارات عمالية، بل تعارضا بين تيار وطني برجوازي، و تيار عمالي شيوعي ذي نزعة ستالينية، و هو ما حال دون تحول الحركة العمالية إلى حركة شعبية، تعطي لمسلسل التحرر الوطني مضمون تحرر اجتماعي و اقتصادي.
4- تجذير الحركة النقابية:
شكل المؤتمر السادس للاتحاد العام محطة مهمة في تاريخ الحركة النقابية بالمغرب، فقد أعلن المؤتمر عن قرار التحول إلى ًمركزية نقابية مغربيةً مستقلة عن CGT.
انعقد المؤتمر يومي 11-12 نوفمبر 1950 بدار النقابات بالدار البيضاء تحت الرئاسة الشرفية ًلجميع ضحايا القمعً و دعا إلى عقد مؤتمر تأسيسي، و انتخب لجنة تنفيذية من 50 عضوا و مكتبا من 9 أعضاء من بينهم 6 مغاربة هم: الطيب بن بوعزة كاتب عام، مامون العلوي أمين المال المساعد، البير عياشر، مبارك علال، محمد الحداوي، المحجوب بن الصديق، كتاب.
و قد جاء هذا القرار نتيجة عاملين:
1- تزايد عدد الشيوعيين المغاربة و انخراط مناضلي حزب الاستقلال
2- التوجه الجديد للحزب الشيوعي المغربي بعد ًنقد ذاتيً ترتب عنه تغيير في الموقف من عدد من القضايا، التي تلخصها توصيات اللجنة المركزية المنعقدة في 25 يونيو 1949، التي أكدت على مكانة الحركة العمالية كعمود فقري لأية ًحركة وطنية حقيقيةً:
1- التخلص من الاتجاهات الاصلاحية و الاقتصادية و الاستعمارية
2- الاقرار بكون النظام الاستعماري مصدر الشر الذي يعاني منه العمال
3- إعطاء الأهمية لمطالب الفئات الأكثر تعرضا للاستغلال
في يونيو 1952 انعقد المؤتمر التأسيسي للمركزية النقابية المغربية، بعد قيام تحالف بين الحزب الشيوعي و حزب الاستقلال، أفضى إلى الاتفاقات التالية:
1- إصدار جريدة مشتركة: ًالأخبار المغربيةً.
2- تأسيس دار نشر مشتركة IMPRIGNEUX
3- الاتفاق على التوجه العام للمركزية النقابية:
النقطة الثالثة ترتب عنها:
1- ًالاتحاد مع عمال العالم داخل الفيدرالية النقابية الدولية، ضد جميع أشكال الاستغلال الرأسمالي و أكثرها شراسة: الاستعمار"
2- التنديد بالنقابة القريبة من الامبريالية: "الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة".
إلا أنه ابتداء من مارس 1951 تراجع "الاستقلاليون" عن هذه الاتفاقات، و أعلنوا الانضمام إلى النقابة "الامبريالية" مقابل تصويت الولايات المتحدة الأمريكية لصالح "القضية المغربية" داخل هيئة الأمم. الذي كان مشروطا بالقطيعة مع الشيوعيين.
إلا أن موقف "الاستقلاليين" لا يمكن تفسيره فقط بهذه "الواقعية السياسية"، فقد جاء بعد انضمام "الاتحاد العام لعمال تونس" إلى هذه النقابة الدولية و انسحابه من "الفيدرالية النقابية الدولية" التي كانت أنذاك تحت رئاسة C.G.T الفرنسية. و قد ذهب " الاتحاد العام" التونسي في مؤتمره سنة 1951 إلى حد مطالبة المؤتمر التأسيس للمركزية النقابية المغربية بالانضمام إلى "الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة"، و قد كان توجه "الاتحاد العام" التونسي نابعا من طموح فرحات حشاد إعطاء "حركة التحرير المغاربية" طابعا طبقيا و هو ما كان يعني بالنسبة إليه "إرساء تنظيم نقابي مغاربي قادر على النضال" بفعالية ضد الرأسمالية و النظام الاستعماري "الذي كان يمر، في نظره، عبر التخلص من C.G.T الفرنسية، و ضمان دعم "الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة".
"الاتحاد المغربي للشغل": تحالف العمال و المقاومة.
يوم 20 مارس 1955 انعقد المؤتمر التأسيس للاتحاد المغربي للشغل، و بالرغم من كون تأسيس المركزية النقابية كان بمبادرة حزب الاستقلال، أو على الأصح جناحه اليساري الذي خرج عن تعاليم يمين الحزب، فإن ولادة الاتحاد المغربي للشغل جاء نتيجة تحالف بين الحركة العمالية و حركة المقاومة المسلحة، و لعل أكبر دلالة على ذلك هو عقد مؤتمر الاتحاد في أحد الأحياء العمالية (حي بوشنتوف) الذي كان أنذاك خاضعا لسيطرة قيادة المقاومة المسلحة بالدار البيضاء. و قد نتج عن هذا التحالف صراع أجنحة داخل حزب الاستقلال حول السياسة الاقتصادية و الاجتماعية المزمع تطبيقها بعد الاستقلال و حول طبيعة "الدولة المستقلة"، و قد كانت مطالب المقاومة المسلحة و الحركة العمالية تلتقي حول برنامج حد أدنى:
1- إقرار ديمقراطية حقيقية
2- الإعلان عن مجلس تأسيسي
3- إقرار دستور ديمقراطي
4- إنجاز إصلاح زراعي جذري
5- تطهير الإدارة من الخونة و المتواطئين مع الاستعمار
6- تصفية القواعد العسكرية الأجنبية (4)
و سواء من خلال ظروف نشأة الحركة النقابية "الجديدة": ارتباط هدف مركزية نقابية "مستقلة" بهدف الاستقلال. و من حيث ظروف ولادة المركزية النقابية إ م ش: التحالف مع المقاومة المسلحة. أو من حيث بعد مطالبها: دمج المطالب الاجتماعية المباشرة بمطلب ديمقراطية انتقالية.
يستخلص أن الحركة النقابية المغربية قد وضعت لنفسها أهدافا سياسية منذ ولادتها، و هو أمر سيطبع مسيرتها طيلة عقود. و قد خاضت المركزية النقابية منذ ولادتها إضرابات سياسية من أجل تحقيق تلك الأهداف:
.أكتوبر 1956: إضراب عام لمدة 24 ساعة.
. فبراير 1957: إضراب عام لمدة ساعة.
و قد كانت مطالب حركة الإضراب واضحة: التضامن مع الثورة الجزائرية و المطالبة بسحب القواعد العسكرية الأجنبية من البلاد.
. مارس 1957: عمال الميناء بالدار البيضاء يتمردون و يمنعون نزول الجنود و السفن الحربية الفرنسية بالميناء.
و قد استطاع الاتحاد النقابي أن يرسم لنفسه خطا سياسيا مستقلا عن الخط السياسي للبرجوازية الوطنية و هو أمر تجاهله الكثير من الدارسين لتاريخ الحركة النقابية لدوافع ايديولوجية محظة. و قد برز هذا التعارض السياسي بين اتحاد العمال النقابي و اتحاد أرباب العمل "الاستقلاليين" (الاتحاد المغربي للتجارة و الصناعة) في الموقف من:
- إصلاح صندوق المساعدات الاجتماعية (C.A.S)
- تأميم استيراد الشاي و السكر
- الموقف من السوق الأوربية
و لعل هذا التعارض هو ما سيفضي سنة 1959 إلى انقسام حزب الاستقلال و انشقاق جناح يساري راديكالي، ذي أهداف ديمقراطية جذرية، لكن دون التحول إلى حزب عمال يكون أداة تطوير الاستقلالية السياسية للطبقة العاملة و أداة تحررها من الهيمنة السياسية للأحزاب البرجوازية.
بموازاة الإضرابات السياسية ذات البعد الديمقراطي تمكن الاتحاد النقابي من انتزاع عدة مكاسب اجتماعية ستظل من أهم مكتسبات الطبقة العاملة في "مغرب الاستقلال" قبل الاجهاز عليها من قبل البرجوازية و دولتها:
1956: انتزاع اتفاقية جماعية في القطاع الفلاحي
1957: ظهير 17 أبريل الخاص بالاتفاقات الجماعية
1957: ظهير 7 يوليوز الخاص بطب الشغل
1957: ظهير 17 يوليوز حول النقابات المهنية
1958: ظهير 9 أبريل حول شروط العمل و الأجور في القطاع الزراعي
1959: ظهير 31 أكتوبر الخاص بالسلم المتحرك للأجور و الأسعار
1959: ظهير 31 ديسمبر القاضي بإحداث الضمان الاجتماعي
هكذا استطاعت المركزية النقابية أن تصبح أهم قوة اجتماعية، و استفادت في ذلك من تقاليد البروليتاريا الفرنسية و من الأطر النقابية المتدربة داخل النقابات الفرنسية، و انتقل عدد المنخرطين من 500 ألف (1956) إلى 600 ألف (1957) ثم 650 ألف (1959)، و شمل التنظيم النقابي كل القطاعات بما في ذلك الرعاة و ماسحي الأحذية، و انتقل عدد الفيدراليات من 14 (1955) إلى 24 (1959)، و في سنة 1957 تم إنشاء منظمة "الشبيبة العاملة" (JOM) و ظهر المسرح العمالي و انتعشت المدارس التكوينية و الندوات النقابية. إنه بحق العصر الذهبي للحركة النقابية.
الحركة النقابية بين خطري الاحتواء و التبقرط:
بالرغم من المدى الذي عرفته الحركة النقابية و الأوج الذي وصلت إليه، فإن غياب استراتيجية واضحة، تفتح آفاق واسعة أمام النضال النقابي بدمجه باستراتيجية تحويل اشتراكي للعلاقات الاجتماعية و الاقتصادية، أفقد النقابة تدريجيا دورها كأداة كفاح طبقي و جعلها تصبح معتركا للمنافسة السياسية بين تيارات المعارضة البرجوازية و بالتالي سهل عملية تشكيل فئة عليا من الأطر النقابية ذات مصالح مشتركة و متمايزة عن مصالح القاعدة العمالية و تارة متعارضة معها. لقد كان مستقبل الحركة النقابية يتوقف على صهر الحركة النقابية في حزب عمالي اشتراكي يحمي المنظمة العمالية من خطر التشويه البيروقراطي و من خطر الاحتواء البرجوازي.
و قد مثل تأسيس "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" سنة 1959، جوابا "مشوها" عن الحاجة إلى حزب العمال، فرغم احتلال قادة المركزية النقابية لمواقع قيادية في الحزب و رغم الإعلان عن الرغبة في "تحويل التيار الشعبي" المنشق عن حزب الاستقلال في 25 يناير 1959 إلى "حزب ثوري منظم" فإن "الحزب الجديد" لم يتجاوز حدود حزب "شعبي راديكالي" قريب إلى "قومية راديكالية" منه إلى الاشتراكية الثورية. سرعان ما سيعرف هو الأخير أزمة داخلية عميقة انقسم على إثرها إلى جناح "نقابي" و جناح "سياسي" لم يكن الانفصال عن الاتحاد الوطني نتيجة تبلور خط سياسي طبقي مستقل لدى الجناح النقابي بل كمؤشر على بداية انحطاط بيروقراطي داخل المركزية النقابية. و قد ساعد على ذلك عدم إدراك الاتحاد الوطني لظاهرة تبقرط المنظمات العمالية و لطبيعة البيروقراطية النقابية، و هو ما جعله يفشل في صراعه ضد الجناح البيروقراطي و بالتالي إقامة ديمقراطية عمالية داخل المركزية النقابية. و قد ساعد على ذلك تعارض خطه السياسي مع الخط السياسي لحزب عمال طبقي.
من "سياسة الخبز" إلى "خبز السياسة".
طرح الاتحاد الوطني في مؤتمره الثاني (ماي 1962) في تقرير المهدي بن بركة "الاختيار الثوري بالمغرب" مهمة بناء "الأداة الثورية" و أكد على "العلاقة الجدلية بين النضال المباشر و تقوية أداة هذا النضال" إلا أن صراعه ضد الجناح البيروقراطي لم يأخذ مضمونا طبقيا واضحا و كان أقرب إلى منافسة الجناح البيروقراطي على قيادة المركزية النقابية منه إلى نضال طبقي يهدف إلى إقامة ديمقراطية عمالية و بناء حزب العمال الثوري.
و قد ساعد هذا المنحى الجهاز البيروقراطي على إبعاد الجناح السياسي، و ذلك بطرحه لشعارات "الاستقلالية النقابية" التي لم تكن تعني استقلالية المنظمة العمالية عن الهيئة السياسية و الايديولوجية للبرجوازية، و حق الشغيلة في تسيير ذاتي و ديمقراطي لمنظمتهم، بعيدا عن كل وصاية. بل كانت تعني "الاستقلالية" عن كل نضال سياسي و الوقوف موقف "حياد" إزاء أحداث الصراع الطبقي في أرقى أشكاله: النضال من أجل إقامة سلطة ديمقراطية شعبية. و قد ظهر هذا التوجه المحافظ لدى البيروقراطية النقابية منذ يونيو 1961 حينما قامت الأمانة العامة للاتحاد النقابي بإلغاء الإضراب العام الذي دعت إليه المركزية النقابية احتجاجا على "سياسة المغربة" و تجميدها لمشروع بناء "منظمة الفلاحين"، كما تجلى من خلال قرار المجلس الوطني، ليوم 3 ماي 1963، "عدم المشاركة" في الانتخابات البلدية. لم يكن موقف الجهاز النقابي من المؤسسات التمثيلية و رفضه المشاركة فيها نابعا من موقف ديمقراطي يدعو إلى حل المؤسسات التمثيلية الشكلية و المزورة و الاستعاضة عنها بمؤسسات ديمقراطية منتخبة و خاضعة لرقابة شعبية، بل كان موقفا يخدم الرجعية أكثر مما يخدم المطامح الديمقراطية للجماهير العمالية و الشعبية، و لعل هذا ما جعل جريدة "الوضوح" الناطقة بلسان رضا كديرة، ينوه بموقف "حياد" الاتحاد المغربي للشغل و "رزانة قيادته". كما أن دعوة المحجزب بن الصديق يوم 17 يوليوز 1962 إلى "البرلمانيين التقدميين" من أجل الانسحاب من "البرلمان" احتجاجا على "الديمقراطية المزورة" تسير في نفس الاتجاه، ما دامت تقف عند حدود إعلان الموقف و لا تذهب إلى حدود تعبئة الجماهير العمالية و الشعبية و المطالبة بانتخاب مجلس شعبي ديمقراطي. و قد تعاوت هذه الدعوة أمام جواب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأن الأمر يتعلق {بمشاركة نضالية تهدف إلى تفكيك المؤسسات المصطنعة من الداخل}. و بدل الدعوة إلى حكومة شعبية تستند إلى العمال و الفلاحين دعا الجهاز النقابي إلى "حكومة وحدة وطنية" و القيام بدعاية شوفينية من أجل "إجماع وطني" ضد "تهديد خارجي" مزعوم، في وقت قام فيه "إجماع شعبي" ضد استراتيجية الإمبريالية المدعومة من طرف الرجعية المحلية الهادفة إلى ضرب الثورة الجزائرية. و استنزافها في "حرب حدود" وهمية. و الحكم على 14 مناضلا بالإعدام. و اعتقال كل أعضاء اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية يوم 13 يوليوز 1963 فيما سيعرف "بالمؤامرة الثانية". كل هذه المواقف للقيادة النقابية كانت تؤشر على أن الانحطاط البيروقراطي داخل المركزية النقابية قد وصلت إلى درجة التعفن و أن الحركة النقابية دخلت مرحلة أزمة، أصبحت معها هدفا للتقسيم و الاحتواء.
فبعد تأسيس " الكونفدرالية الحرة للعمال المغاربة" سنة 1956، و تأسيس النقابة "الاستقلالية" "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" في مارس 1960، التي كانت أول اختراق برجوازي لصفوف الحركة النقابية، أقدم الخطيب زعيم "الحركة الشعبية" على تأسيس نقابة رجعية جديدة "اتحاد نقابات العمال الأحرار" (U.S.T.L) سنة 1963، سنة بعد ذلك سيقدم رضا كديرة الكاتب العام لحزب شكلي "الاشتراكي-الديمقراطي، على تأسيس نقابة شكلية رجعية "الاتحاد النقابي للقوى العمالية" (U.S.F.O).
إلا أن توالد هذه التشويهات النقابية لم يكن ليهدد تمثيلية الاتحاد المغربي للشغل الذي ظل يهيمن على الأغلبية المطلقة في انتخابات مناديب العمال: 55,7 في المئة (1963)، 71 في المئة (1965)، 72,1 في المئة (1967)، 65,2 في المئة (1969).
و بذلك تكون الطبقة العاملة قد انتصرت على الحكم و أفشلت كل محاولاته لتقسيم الحركة النقابية، كما استطاعت تجاوز كابح البيروقراطية في منتصف الستينات، فإبتداء من سنة 1964 انطلقت موجة من الإضرابات العنيفة في كل من معامل السكر (كوزيما) و عمال الدوكيرات و مستخدمي الطيران بالدار البيضاء و البحارة بأسفي (8 أيام)، و عمال الصناعات الغذائية و النسيج و الصناعات البترولية. و في فاتح ماي 1964 رفع المتظاهرون شعارات التنديد بالتوجه الإصلاحي للقيادة النقابية و المطالبة بتحرير المعتقلين و التضامن مع إضرابات طلاب الجامعة، و إبتداء من 5 إلى 24 أكيوبر 1964 دخل عمال المحروقات لاسمير (المكتب الشريف للبترول، شبكة التوزيع ...) في إضراب عام شمل كل البلاد. و تجاوزت مطالب المضربين حدود الأجور و تحسين شروط العمل، إلى المطالبة بإحداث "مكتب وطني للبترول" (تأميم الشركات) "يضع حدا لامتيازات الشركات الرأسمالية". و استمرت موجة الإضرابات إلى يوم 23 مارس 1965 حيث ستتحول إضرابات التلاميذ بالدار البيضاء إلى انتفاضة شعبية، و بذلك عبرت الحركة العمالية بطريقتها على أن النضال ضد البيروقراطية يجب أن يكون على قاعدة المصالح الطبقية للمأجورين و ليس على قاعدة منافستها على المراكز القيادية. و ستؤكد انتفاضة مارس 1965 أحد دروس انتفاض الريف سنة 1959 في ظل "الكومة التقدمية": عجز المنظمات السياسية للبرجوازية التقدمية و البيروقراطية النقابية عن السير على رأس الانتفاضات الشعبية، و هو درس ستؤكده، و بشكل مأساوي، كل الانتفاضات اللاحقة. كل المنظمات السياسية تعاملت بصمت مع أحداث 1965، و اكتفت اللجنة الإدارية للمركزية النقابية المنعقدة يوم 28 مارس بإدانة تفسير الحكم لأسباب الانتفاضة و أكدت على الأزمة "سياسية" و "مؤسساتية" و لم يفتها طبعا أن تعلن عن "الدور الطليعي لـ إ م ش في النضال السياسي الوطني" و على "خوض المعركة بكل الوسائل" و المطالبة بحكومة "تتمتع بثقة الطبقة العاملة" أي ثقة الجهاز البيروقراطي. بالطبع كان الحكم يدرك جيدا أن كل "وسائل نضال" البيروقراطية لا تشكل تهديدا بالنسبة إليه. و هو ما جعله يعلن يوم 7 ماي عن حالة الاستثناء و عن حكومة جديدة برئاسة الملك. و اختطاف الزعيم الشعبي المهدي بن بركة في أكتوبر 1965. و بعد صمت دعت قيادة إ م ش يوم 12 نوفمبر إلى إضراب عام من أجل رفع "حالة الاستثناء" و من أجل حكومة جديدة تترأسها "شخصية تتمتع بثقة الشعب". إلا أنه بعد أن شرع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الإعداد لحملة تضامن شعبية، عقدت قيادة إ م ش لقاء مع الملك في إفران حول "التعويضات الاجتماعية في القطاع الخاص"
و بعد أن نجح الحكم في تفادي قيام حركة شعبية تضامنا مع الزعيم الوطني المغتال بعد ضمان "حياد" المركزية النقابية، أقدم في 7 يونيو 1967 على اعتقال المحجوب بن الصديق نفسه بعد أن بعث هذا الأخير ببرقية إلى الديوان الملكي يدين فيها "الدعم المتواصل و غير المشروط الذي تقدمه الحكومة إلى حفنة من الصهاينة" عبر "مكتب التسويق و التصدير" في وقت كان فيه الشعب العربي يجتاز أياما عصيبة (حرب الأيام الستة).
إ م ش إعادة البناء أم ترميم الجهاز البيروقراطي المنهار.
بعد اعتقال المحجوب بن الصديق دعت اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى "عمل موحد" بين الحزب و النقابة للرد على ضربات الحكم و الإعلان عن مكتب سياسي للحزب يتكون من عبد الله إبراهيم، المحجوب بن الصديق، و عبد الرحيم بوعبيد. و في يوليوز 1970 توسعت هذه "الوحدة" لتشمل حزب الاستقلال و قيام "الكتلة الوطنية" و من أجل إضعاف دور المركزية العمالية داخل هذه "الكتلة" عمل الحكم على نسخ نقابة رجعية جديدة "الاتحاد المغربي للعمال الأحرار" (U.M.T.L). تم حل نقابة الطلبة في 24 يناير 1973 و شن حملة قمع واسعة في صفوف الاتحاد الوطني و المعارضة الماركسية الناشئة. و بعد محاولة الضباط الإطاحة بالنظام الحاكم، ظهرت الحاجة من جديد إلى حركة شعبية ديمقراطية بدل خيار قيام نظام عسكري. و كون الحركة العمالية هي العمود الفقري لكل حركة شعبية ديمقراطية، تم التفكير في إعادة ترميم الحركة النقابية بعد أن تظافرت كل عوامل تفككها: رغبة الحكم في تقسيمها و البرجوازية في احتوائها و البيروقراطية في كبحها و فرض وصايتها عليها.
قبل ذلك ظهر توجه نحو "الوحدة" بين الاتحاد الوطني و إ م ش، و في غشت 1967 إلتحق مناضلو الاتحاد الوطني بالمركزية النقابية بعد مقاطعة دامت سنوات. فقام اندماج بين "النقابة المستقلة للبريد" و "الجامعة الوطنية للبريد" في "جامعة موحدة".
و في ديسمبر 1967 عقد مؤتمر التوحيد بين "النقابة الوطنية للتعليم" و "الجامعة الوطنية للتعليم" أسفر عن عدة قرارات:
- انتخاب قيادة وطنية تضمن تمثيلية التيارات
- تنظيم انتخابات على صعيد الفروع في أفق مؤتمر وطني
- عقد مؤتمر "التعاضدية العامة للتربية الوطنية" الخاضعة لهيمنة "الجامعة الوطنية"
- عقد مؤتمر "التضامن الجامعي" التابعة للنقابة الوطنية للتعليم
إلا أن هذه الوحدة ستنتهي إلى الفشل بعد رفض حل "النقابة الوطنية للتعليم" و رفض "الجامعة الوطنية" لنتائج انتخابات بعض الفروع التي لم تكن في صالحها.
في هذا السياق عقد المؤتمر الخامس للمركزية النقابية من أجل "إعادة بناء" المنظمة، و وضع المؤتمر ثلاثة أهداف:
1- تشبيب الأطر: تم تشبيب قيادة المنظمة، بتعيين بيروقراطيين جدد و إلحاق القدماء بـ "لجان المراقبة" و "لجان التحكيم"، و خلق جهاز جديد: "مجلس الاتحاد" يتكون من 50 عضوا، من مهامه إعداد الدراسات و تكوين الأطر.
2- وضع ميثاق ايديولوجي: من أجل توحيد رؤى المناضلين النقابيين حول عدد من القضايا كمسألة الدين، الدولة البرجوازية، الرأسمالية، الاشتراكية ... و تكوين الأطر وفق هذا الميثاق.
3- إعادة تنظيم دورات التكوين النقابي، حيث تمت تعبئة أطر المنظمة لعدة شهور من أجل "توسيع الأفاق السياسية" للطبقة العاملة.
لم تكن طبعا مسألة "تشبيب الأطر" و وضع "ميثاق ايديولوجي" سوى غطاء لأهداف البيروقراطية في "تجديد" ما تعفن من أجهزتها، و ضرب إحدى المبادئ الأساسية التي تشكل أوكسجين العمل النقابي: التعددية السياسية و الايديولوجية فإعادة بناء المنظمة النقابية لم يكن من مهام الجهاز البيروقراطي بل من مهام طليعة نقابية واعية و مدربة، و على أسس طبقية و ديمقراطية.
إلا أن عزوف المناضلين النقابيين و خضوع جزء منهم لأكاذيب و مناورات الأجهزة البيروقراطية – "عدم المغامرة". ربط التكتيك النقابي بالتكتيك السياسي- و عدم إدراك الجزء الأخر المعنى الحقيقي لظاهرة البيروقراطية و بالتالي فشله في استعمال السلاح الناجع لمواجهتها، كل هذه الأسباب مجتمعة، جعلت عملية "إعادة البناء" لا تتجاوز حدود "إعادة ترميم الأجهزة البيروقراطية".
ديمقراطية عمالية أم مركزية نقابية جديدة؟
لقد مثل عمر بن جلون أنذاك حالة فريدة في دراسة ظاهرة البيروقراطية و تحديد أساليب النضال من أجل إقامة ديمقراطية عمالية داخل المركزية النقابية.
يرجع عمر بن جلون تبقرط المنظمة العمالية إلى ثلاثة عناصر:
1- عنصر تاريخي: يتعلق بالظروف التاريخية التي نشأت في سياقها الطبقة العاملة بالمغرب. { فالطبقة العاملة المغربية كانت مكونة مباشرة من الفلاحين الذين غزيت أراضيهم ... الشيء الذي جعل الصراع الطبقي مرتبطا بمجابهة الأجنبي بغض النظر عن التنظيم السياسي للحركة الوطنية "تم" تفجر المسلسل الثوري منذ 1952 ... قبل أن تتمكن هذه القوات من أن تبلور ايديولوجيتها الثورية}.
2- عنصر ظرفي: ارتباط الصراع الطبقي بالصراع الوطني:
{توقيت المسلسل الثوري في ظروف الخلط بين "النضال الطبقي" و "النضال الوطني" لا يعني أنه لم تكن هناك تناقضات في صفوف الحركة الوطنية. لكن المشكل المطروح هو أين يكمن التناقض الأساسي آنئذ؟، هل هو بين الجماهير من جهة و البرجوازية من جهة أخرى ... أو بين الحركة الوطنية ببرامجها و تناقضاتها من جهة و الإقطاع و خطر الاستعمار الجديد من جهة أخرى "هذا السؤال لم يجب عنه أحد" في هذه الظروف يقول عمر "تشكل فيها إ م ش. و من أعلى، حيث تكونت لجان من فةق لا من القاعدة" و هو ما جعل الصراع "صراعا شخصيا على تشكيل اللجان و قيادة الجهاز: بدل من أن يكون الصراع موضوعيا يقوم على على أسس طبقية و ايديولوجية واضحة". و يخلص عمر إلى أن "ما يسمى بالانحراف ليس وليد اليوم ... أو وليد 1960-1961. بل كانت هناك ظروف موضوعية شجع عليها بعض الاخوان و التي جعلت التنظيم النقابي عوضا أن يعتمد على الطبقة العاملة و ينبثق من ديناميتها و نضاليتها التي تفرز العناصر القيادية و المؤطرة. عوضا عن هذا كانت هناك من أول وهلة ثلة مخلوقة من أعلى". و عندما سقطت "الحكومة التقدمية" و أصبح الاختيار بين "النضال أو الانتظار" كان الاختيار بطبيعة الحال هو الاختيار الثاني. و بالتالي الفراغ النقابي "فالجهاز يتظاهر بأن له نشاطا و لكنه لا يريد نشاطا، لا يريد عمالا، لا يريد تنظيمات نقابية حقيقية بل هو الذي يدفع و يشجع العمال على مغادرة الجهاز، كلما رأى فيهم لبنة لخلق دينامية و كلما لمس فيهم استعدادا لتجاوز الجمود".
3- عنصركيفي:
يتعلق الأمر بالتغيير الكيفي وسط الطبقة العاملة و دخول "عنصر الشباب من جهة و عنصر المتعلمين من جهة ثانية" "لأن الديماغوجية التي ينهجها الجهاز النقابي لا تنفع مع هذه الفئات. إلا أن المؤسف هو أن فعل هؤلاء هو الابتعاد عن العمل النقابي، عوض العمل الجاد و المسؤول على تغييره و تطويره". و لعل أهم درس استخلصه عمر بن جلون من دراسته لظاهرة تبقرط المنظمة النقابية لا زال يحافظ على راهنيته، و هو درس يجب أن يعيه كل المناضلين النقابيين المكافحين ضد الانحطاط البيروقراطي للمنظمات النقابية و الملتزمين بإعادة الديمقراطية العمالية إلى عقر دارها. هو عدم الدوران "في حلقة مفرغة من النقاش" و اختزال النضال ضد البيروقراطية في "استبدال الوسيط بين العمال من جهة و الحكم و الباطرونا من جهة أخرى، بوسط أخر "باسم تأسيس نقابة جديدة".
إلا أن استنتاجات عمر بن جلون لم يكن يشاركه فيها كثير من النقابيين.
حركة تصحيحية من أجل "بديل تاريخي".
انعقد يوم 15-16 يوليوز 1978 ندوة بين 6 نقابات وطنية مستقلة عن إ م ش من أجل "خلق إطار وحدوي ديمقراطي" و انتهت الندوة إلى عدة توصيات:
1- انبثاق "لجنة تنسيق" بين النقابات الوطنية.
2- تشكيل لجنة تحضيرية من أجل عقد مؤتمر تأسيسي.
3- نداء من أجل تكوين تنظيم نقابي ديمقراطي.
و قد أكد التقرير العام الصادر عن الندوة على أن "السبيل الوحيد لإصلاح الأوضاع النقابية يحتم ضرورة خلق تنظيمات نقابية مفتوحة" على قاعدة 4 مبادئ أساسية:
1- الديمقراطية.
2- الطابع الجماهيري.
3- التوجيه النقابي التقدمي.
4- الوحدة.
و يوم 25 نوفمبر 1978 عقد المؤتمر التأسيسي للمركزية النقابية الجديدة: "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل"، و قد جاءت ك د ش كجواب عن حاجة العمال إلى أداة نقابية كفاحية.
تستجيب لمطامح الطبقة العاملة في التحرر من كل أنواع الاستغلال و بناء الأداة النقابية الديمقراطية. كما جاءت كجواب على الانحطاط البيروقراطي و الانتهازية النقابية. و "لما كانت ك د ش تسعى إلى تنظيم الجماهير العمالية الواسعة ضد الاستغلال و التبعية الاقتصادية فإنها جعلت من ركائزها الأساسية: احترام الديمقراطية الداخلية و توسيع المبادرة القاعدية".
بالرغم من الدور الكابح لبيروقراطية إ م ش و بالرغم من شعار "الإجماع الوطني" استطاعت "النقابات الوطنية" أن تقود العديد من الإضرابات قبل المؤتمر التأسيسي لـ ك د ش. في 28 دجنبر 1977 قادت النقابة الوطنية للفوسفاط إضرابا عاما عرف مشاركة أزيد من 10000 منجمي و استمر الإضراب إلى 19 يناير من نفس السنة.
11-12 أبريل 1978 دعت النقابة الوطنية للتعليم إلى إضراب عام عرف مشاركة آلاف المدرسين و امتدت حركة الإضراب يوم 20 أبريل إلى الجامعات و المدارس العليا و رفع مطلب "دمقرطة الهياكل الجامعية" بالرغم من موقف حزب الاستقلال المعادي للاضراب باعتباره "إضرابا سياسيا"
18-19 أبريل إضراب عمال النقل و السائقين احتجاجا على تعسفات السلطة و ضد نزع رخص السياقة.
25 ماي إضراب عمال و مستخدمي "مكتب التسويق و التصدير" و إضراب عمال "لاسامير" ثم إضراب تقنيي الطيران.
17 يوليوز إضراب عمال مصاهر الرصاص بوادي الحيمر بمنطقة وجدة.
لقد ولدت ك د ش و دخلت الساحة النقابية من باب الكفاح العمالي و اتسمت بداية مسيرتها النقابية بطابع كفاحي بعد اجتماع الدار البيضاء حضره مندوبو 8 نقابات تابعة سابقا لـ إ م ش و قرروا تأسيس ك د ش، و تشكيل لجنة قيادية من 13 عضوا على رأسها مدرس (الأموي) كاتب عام، و اتهمت اللجنة إ م ش بـ "الجهاز البيروقراطي المرتشي" و أدانت تعاونه مع "الرجعية و الباطرونا" و عدم احترام القواعد الديمقراطية التي تفرض عقد المؤتمرات الوطنية وفق المدة التي يحددها القانون الأساسي.
و قد تجلى الطابع الكفاحي لـ ك د ش في قيادتها للعديد من النضالات، في يناير 1979 توقف عمال المؤسسات الصناعية عن العمل تضامنا مع عمال المكتب الوطني للكهرباء. في 4 يناير 1979 عشرة ألاف سككي يخوضون إضرابا لا محدودا استمر إلى غاية 19 من نفس الشهر، 30 يناير 1979 عمال الدوكيرات في إضراب لا محدود بميناء الدار البيضاء. فبراير 1979 أربعة آلاف عامل بمناجم جرادة في إضراب دام أسبوعين، و 2000 عامل بمكتب الأبحاث و المساهمات المعدنية في إضراب لعدة أيام. أبريل 1979 بعد عدة إضرابات متقطعة يخوض المدرسون إضرابا عاما لمدة 48 ساعة في حين تنضم نقابة حزب الاستقلال (الجامعة غير الحرة) إلى جمعيات "للآباء" و تقف موقف معاديا للإضراب، أما الحكم فقد أفرغ المدارس و عوض التلاميذ بعناصر الشرطة و طالت الاعتقالات العديد من المدرسين.
و في محاولة لوقف التمرد العمالي يدعو الحكم إلى مفاوضات بيم مسؤولي القطاع العام و الخاص و المركزيات النقابية، و تستجيب النقابات الرجعية و بيروقراطية إ م ش و توقف إضراب مستخدمي الأبناك، و يعلنون مقاطعتهم لـ ك د ش التي دعت إلى إضراب عام في قطاع الصحة يوم 7 مارس. و رغم الحملة القمعية التي شنها الحكم (طرد و توقيف 1600 عامل) استمرت ك د ش على رأس الاحتجاجات العمالية.
و بعد الزيادة في أسعار المواد الغذائية التي أقدمت عليها الحكومة يوم 28 ماي 1981، أصدرت ك د ش يوم 2 يونيو نداء إلى العمال من أجل التعبئة العامة و فرض "تراجع المسؤولين عن الزيادات الأخيرة و تلبية الملف المطلبي"
6 يونيو انطلاق مظاهرات عنيفة في الشرق (وجدة – بركان) أرغمت الحكومة على تقليص الزيادات في الأسعار بنسبة 50 في المئة.
7 يونيو المجلس الوطني لـ ك د ش يعطي مهلة 7 أيام كي تتراجع الحكومة عن الزيادات المقررة، و يدعو المركزيات النقابية إلى "حركة مشتركة" و بقيت الدعوة بدون جواب.
15 يونيو ك د ش تدعو إلى إضراب عام يوم 20 يونيو.
16 يونيو الاتحاد المحلي لـ إ م ش يدعو إلى إضراب محلي بالدار البيضاء يوم 18 يونيو.
20 يونيو ك د ش تنفذ الإضراب العام الذي عرف مشاركة واسعة في مجموع البلاد، و تعرف الدار البيضاء مظاهرات شعبية عنيفة ستواجه بحديد و نار الشرطة و الدرك و الجيش.
عرفت فترة ما بعد 1984 ركودا نسبيا و انحسارا نقابيا (عدا النضالات البطولية لعمال مناجم جرادة، الفوسفاط (اليوسفية 1986) ...).
غير أن بداية التسعينات ستشهد تحولا نسبيا في المسيرة الكفاحية لـ ك د ش و يتجلى هذا التحول في:
1- محاولة دمج النضال من أجل المطالب الاقتصادية للمأجورين بالمطالب السياسية لأحزاب المعارضة الرسمية حول "الاصلاح السياسي" لكن دون الجرأة على تعبئة المأجورين حول شعارات سياسية.
2- التنسيق مع النقابة "الاستقلالية" ا ع ش م و إن ظل هذا التنسيق محكوما بخلفية المصالح السياسية لأحزاب المعارضة الرسمية.
لقد فشل إضراب 14 دجنبر في تحقيق أهدافه ذات الصبغة الاستعجالية (1-ارجاع المطرودين -2- الزيادة في الأجر -3- فتح حوار مع النقابات العمالية -4- الانكباب على الملف المطلبي) باستثناء بعض الزيادات الهزيلة. و يعزى هذا الفشل إلى ضعف الحركة النقابية و انقسامها و غياب أية دعاوى سياسية عمالية وسط المأجورين من جهة و إلى تذبذب النقابيين مسؤولين و قواعد، و الدور المشؤوم لقيادة إ م ش و العجز عن شق خط مستقل عن خط المعارضة الليبرالية. كما فشلت الحركة العمالية عموما في مواجهة سياية الخوصصة و ما ترتب عنها من ضرب التنظيمات النقابية، قمع كل احتجاج، التسريح الجماعي لكل العمال المضربين.
بعد فشل الإضراب العام لـ 14 دجنبر 1990 و أمام تصعيد الهجوم البرجوازي على حقوق الشغالين، كان المفروض على كل قيادة نقابية حازمة أن تستخلص الدروس اللازمة، و تعمل على إعداد المأجورين و شحذ قواهم و رص صفوفهم في جبهة موحدة لصد هجوم أرباب العمل، عوض ذلك ستعمد قيادة ك د ش و برجوازية ا ع ش بعد سنة من الانتظار إىل سلسلة من الإضرابات القطاعية، كانت الشروط متوفرة لفشلها، تفكك التنظيمات النقابية، استنفاذ المأجورين لطاقتهم الاحتجاجية و بلبلتهم أمام هجوم أرباب العمل و عجزهم عن تنظيم مقاومة ذاتية، إضافة إلى تضخم التطلعات الانتخابية لدى المسؤولين النقابيين المحليين، الذي يعني حدا أدنى من "حسن السلوك" تجاه سلطات الداخلية.
عدد الساعات
تاريخ الإضراب
القطاع
24 ساعة
24 ساعة
48 ساعة
48 ساعة
10 دجنبر 1991
25 فبراير 1992
16-17 فبراير 1993
17-18 مارس 1993
التعليم
48 ساعة
72 ساعة
24 ساعة
72 ساعة
17-18 فبراير 1993
13-14-15 أبريل 1993
13 ماي 1993
1-2-3 يونيو 1993
السكك
24 ساعة
48 ساعة
16 يناير 1992
19-20 فبراير 1992
الفوسفاط
24 ساعة
24 ساعة
48ساعة
10 فبراير 1992
29 أكتوبر 1992
16-17 مارس 1993
الصحة
24 ساعة
24 ساعة
29 يناير 1992
18 مارس 1993
الأشغال العمومية
24 ساعة
27 فبراير 1992
البريد
24 ساعة
20 أبريل 1992
البلديات
24 ساعة
11 دجنبر 1991
النقل الحضري
7 ماي 1991
التبغ
24 ساعة
27 يناير 1994
الأبناك

إن الميزة المشتركة بين هذه الإضرابات القطاعية، هي ضعف المشاركة، و انعدام أية تعبئة جادة، كما أن صيغة "عدم الالتحاق" سهلت مأمورية الحكم في تكسير هذه الإضرابات و إبطال مفعولها عبر إصدار مذكرات ترهيبية تعتبر الإضراب "انقطاعا غير مبرر" و بالتالي اقتطاع أجرة يوم الإضراب، و استقدام عناصر الجيش لتعويض المضربين (السكك، النقل الحضري، البريد ...) لضمان سير عادي للعمل و تفادي الخسارة المفروض من أي إضراب إحداثها داخل المؤسسة أو القطاع المضرب، لا بل سيتم تحويل هذه الخسارة إلى صفوف العمال المضربين عبر الاقتطاع، والإجهاز على بعض التعويضات و تقليص المنحة السنوية، كإجراء انتقامي لتطويع العمال المضربين و كسر شوكةالاحتجاج لديهم، مما سيفرغ الإضراب من مضمونه و تحويله إلى ثقل مادي ينضاف إلى ثقل تكاليف العيش لدى المأجورين في غياب تنظيم صناديق الدعم المادي للعمال المضربين.
و فضلا عن كبح نضالات الطبقة العاملة، بإلغاء تظاهرة فاتح ماي 1992، ثم بإلغاء الإضراب العام الذي كان من المقرر خوضه في 25 فبراير 1993 بدعوى "تدخل الأحزاب الصديقة" و هو ما فضح مبدأ استقلالية العمل النقابي، كيف لا، و "الأحزاب الصديقة" هي التي أصبحت تقرر مكان قواعد النقابة. و سيتم التراجع و تطالب النقابة بتلبية المطالب المعنوية (رحم الله المطالب المستعجلة) التي لا تكلف خزينة الدولة شيئا؟؟ أما المطالب المادية فتجدول إلى أمد غير منظور.
فضلا عن كل ذلك سيعقد بين الاتحاد العام للجامعات الاقتصادية المغربية (نقابة الباطرونا) و المكتب التنفيذي لـ ك د ش في 22-3-1995 و حسب بلاغ لهذا الأخير فقد "جاء اللقاء في ظرف تتميز فيه العلاقات الاقتصادية على المستوى الدولي بتحولات جذرية ... تنذر بانعكاسات خطيرة على المقاولة المغربية بمفهومها الواسع و على عالم الإنتاج و الشغل ببلادنا و تجعل جميع الفرقاء الاقتصاديين أمام نفس التحديات"[*]، معنى هذا أن كلا من أرباب العمل و العمال هم جميعا في سلة واحدة، و يواجهون نفس التحديات؟؟؟ و قد كان الهدف من اللقاء "تأسيس تقليد جديد و ممارسة حضارية ضرورية للتداول و النقاش و التفكير و التشاور بين أرباب العمل و المسؤولين النقابيين لبلورة ثقافة حوارية مثمرة" [**].
هذا الهدف الذي عبر عنه هنا بلغة "حضارية" بليغة ليس شيئا أخر في لغة العمال غير سياسة التعاون الطبقي بين أرباب العمل و العمال، إن العلاقة بين أرباب العمل و المسؤولين النقابيين قد أصبحت بالفعل علاقة تشاور و تداول و نقاش و تفكير لا علاقة صراع و مجابهة، العلاقة الأولى هي مطلب الرأسماليين، علاقة التصالح و التعاون الطبقيين، علاقة الأخوة بين الجلاد و الضحية، علاقة نفي للتناقض و التضاد، هذا المطلب العزيز على كل الرأسماليين. أما العلاقة الثانية (الصراع و المجابهة) فهي العلاقة الفعلية الوحيدة كما هي متحققة في واقع المأجورين المغاربة و في تاريخ الحركة العمالية عموما، أما ما سمي تقليدا جديدا فهو ليس كذلك إنه تقليد قديم قدم بيروقراطية إ م ش، أما الممارسة الحضارية فهي حضارية من وجهة نظر الباطرون لا من وجهة نظر العامل، و كذلك "الثقافة الحوارية المثمرة" وحده الباطرون سيأكل ثمارها بعد أن يكون العامل قد جناها له.
و يستمر بلاغ المكتب التنفيذي في نفس الاتجاه بحيث اعتبر "اللقاء مناسبة لتبادل الأراء حول عدد من القضايا الاجتماعية و الاقتصادية التي تتطلب الانكباب و المعالجة خدمة لمصالح مختلف أطراف الشغل و الاقتصاد الوطني، و قد تم ذلك في جو من الصرامة و الثقة المتبادلة، و الرغبة في بلورة برامج عمل مشتركة حول القضايا التي تحظى بالأولوية القضايا ذات البعد الاستراتيجي" [***].
خدمة مختلف مصالح أطراف الشغل؟ الثقة المتبادلة؟ وحدهم السدج يؤمنون بإمكانية خدمة مصالح أرباب العمل و العمال في نفس الوقت، و بإمكانية وجود ثقة مثل هذه بين المأجورين و الباطرونا.
هل يمكن أن يثق العمال و يبلوروا برامج عمل مشتركة مع من يطالب بـ:
- وضع قانون شغل جديد يكرس مبادئ المقاولة الحرة خاصة بما يخص التقليص المبرر لعدد العمال و ساعات العمل [1].
- اللجوء إلى العمل المؤقت عند الضرورة [2].
- مراجعة أشكال تطبيق قانون الشغل من قبل المحاكم المعنية بالنزاعات الاجتماعية إذ "لايمكن الاستمرار في معاقبة دائمة للمقاولة" [3].
- مراجعة الإضراب "الذي يجب تقنينه" باتجاه "أكثر عدلا و توازنا لمصلحة الطرفين" [4].
إن كل من يريد أن "يبلور برامج عمل مشتركة" مع من يحمل هذه المطالب، لا يمكن أن يكون معبرا عن مصالح العمال، و من يقدم مثل هذه الدعوة إنما يقدم عمالا مكتوفي الأيدي و الأرجل لطاحونة الاستغلال الرأسمالي.
هل تحولت ك د ش إذن من منظمة كفاحية إلى منظمة تسلك سياسة الوفاق الطبقي؟
هل استكملت ك د ش دورة انحطاطها البيروقراطي ليجد المناضلون النقابيون أنفسهم الآن أمام نفس التحديات التي كانت مطروحة عند تأسيس ك د ش؟
و إذا كان كذلك، هل يستدعي الأمر تأسيس مركزية نقابية جديدة أم اتباع استراتيجية أخرى لتفادي الانحطاط النهائي لـ ك د ش؟
ما هي مهام النقابيين من أجل ضمان استقلالية منظمتنا ليس فقط عن الدولة و أرباب العمل، بل أيضا عن كل الأحزاب السياسية يسارية كانت أم إصلاحية؟
أبريل 1994: تمزق جديد:
منذ تأسيس إ م ش التزم مناضلو حزب التقدم و الاشتراكية بالنضال داخل المركزية النقابية رغم التسلط البيروقراطي، و هو نهج كان يتماشى و التقاليد الماركسية الأصيلة: النضال و التواجد حيثما وجد العمال بما في ذلك النقابات الرجعية. و هو ما كان يحظى بعطف و تقدير كل مناضلي الطليعة النقابية حتى داخل النقابات الأخرى، بالرغم من سياسة المهادنة و الصمت إزاء التفسخ البيروقراطي الذي كان ينخر المركزية النقابية مقابل بعض المقاعد في الأجهزة القيادية، و هو صمت كان ينبغي نقده بشدة، كلما كان يتعارض مه مصالح العمال و التقاليد الأصيلة للعمل النقابي.
إلا أنه ابتداء من سنة 1993 أقدمت البيروقراطية على تدشين تصفية تواجد تيار "التقدم و الاشتراكية" داخل المركزية النقابية بوسائلها المعهودة: الاستيلاء على الاتحادات الجهوية التي كان يسيرها مناضلو الحزب و تدشين حملة طرد واسعة، و سحب الاعتراف، بتواطؤ مع السلطة، من المسؤولين النقابيين. و بانتهاء سنة 1993، يكون قد انتهى الوجود النقابي لهذا التيار داخل إ م ش بعد زهاء نصف قرن قضاها التيار في خدمة البيروقراطية. في 5 فبراير 1994 عقد الحزب "ندوة استشارية" توصلت إلى اقتراحات تم رفعها إلى سلطات الحزب للحسم فيها:
1- البقاء في إ م ش.
2- الالتحاق بمركزية نقابية أخرى.
3- تأسيس مركزية نقابية جديدة.
و توالت الندوات:
10 أبريل 1994، ندوة العاملين في قطاع التعليم، و كان الخيار هو تأسيس نقابة جديدة. و بعدها ندوة العاملين بالسكك الحديدية، انتهى إلى الإعلان عن تأسيس "الجامعة الديمقراطية للسككيين".
و يوم 8 مارس، أي بعد تأسيس النقابتين، انعقدت اللجنة المركزية للحزب لتؤكد على خيار تأسيس نقابة جديدة، و اعتبرت أن التأسيس "ليس بهمة الحزب بل منوطة بالمناضلين النقابيين كانوا بالحزب أو خارجه" و على أن "النقابة الجديدة" ستكون "مستقلة عن الحزب و القوى السياسية و السلطة" و شددت على مهمة "إعادة توحيد الحركة النقابية"؟؟؟
بعد أسبوع من قرار اللجنة المركزية، انطلقت عملية تقطيع الجسم النقابي: فيدرالية الصحة، فيدرالية الموظفين الجماعيين ... و بالمولود الجديد تكون قد ولدت معه بيروقراطية جديدة و عائق جديد أمام وحدة الحركة النقابية.
لم يحظ هذا التمزيق الجديد للحركة النقابية بأي اهتمام من لدن المناضلين النقابيين، كما لم يحظ من قبله الاضطهاد البيروقراطي الذي تعرض له مناضلو "التقدم و الاشتراكية" داخل إ م ش بأي رد فعل أو مقاومة سواء سواء من داخل غ م ش أو من خارجه. و هي بالتأكيد صفحة سيئة في تاريخ الحركة النقابية، إلا أنها تعطي صورة على درجة التيه و الشلل الذي تعيشه الطليعة النقابية، و غياب أية استراتيجية لديها لمواجهة الاضطهاد البيروقراطي، كما أن تأسيس "مركزية نقابية جديدة" يؤشر على غياب أي منظور سليم لبناء حركة نقابية ديمقراطية.
من أجل استراتيجية للنضال ضد الانحطاط البيروقراطي للمنظمات النقابية:
1- ماذا تعني البيروقراطية:
تقتضي ممارسة وظائف المسؤولية داخل النقابات أوقات فراغ كافية و طاقات فكرية و تنظيمية في مستوى تعقيدات الصراع الطبقي، و كلا الشرطين يصعب توافرهما في المجتمع الرأسمالي: يوم عمل شاق و طويل، وجود منهك و مستلب للعمال في المصنع. لذا يجد العمال أنفسهم مرغمين على إسناد وظائف المسؤولية إلى رفاقهم الأكثر تفانيا و حنكة و كفاحية، و لا يشكل هذا الاختيار أي خطر للحركة النقابية، ما دام "الموظفون النقابيون" في خدمة العمال و ليس العمال في خدمة "الموظفين". إلا أن هذه الوظائف، في غياب رقابة عمالية على موظفي النقابة، تتحول إلى وظائف "خاصة" و إلى "حرفة" يتمسك بها المتفرغون و الموظفون النقابيون، و في غياب تناوب ديمقراطي على هذه الوظائف، تصبح مصدرا للترقي الاجتماعي و وسيلة لتنمية الامتيازات المادية و المعنوية. و هذا ما يفسر ميل الموظفين النقابيين إلى احتكار هذه الوظائف و اللجوء إلى كل الوسائل الخسيسة لإبعاد كل خطر يهدد مواقعهم.
هذه درجة أولى من التبقرط، أو ما يسمى "التشويه البيروقراطي" للمنظمات النقابية. و علاج هذا التشوه البيروقراطي، هو فرض رقابة عمالية قاعدية على موظفي النقابة، عن طريق الانتخاب الدوري و الديمقراطي للمسؤولين النقابيين و عزلهم كلما ظهرت لديهم ميولات نحو التبقرط.
أما الدرجة الثانية، فهو تحول هذا "التشويه" إلى تفسخ و انحطاط بيروقراطي، أي تشكل الموظفين النقابيين في شريحة اجتماعية ترتبط فيما بينها بواسطة مصالح خاصة بها كفئة و انتظامها في أجهزة. أنذاك تتحول البيروقراطية من كابح نسبي إلى كابح مطلق أمام تطور الحركة النقابية، فستبدل الكفاح الطبقي بالوفاق الطبقي، و التنظيم بالميوعة، و الديمقراطية بـ "الانضباط" و التفاوض بالمساومة ...
إزاء هذه الدرجة من الانحطاط، يتطلب النضال ضد البيروقراطية، تشكل الطليعة النقابية في معارضة ديمقراطية على قاعدة برنامج ديمقراطي عمالي.
2- معارضة ديمقراطية: كيف؟
ليس باستبدال "وسيط" بين العمال و الباطرونا بوسيط آخر، باسم تأسيس "نقابة جديدة"
ليس بترك النقابات بدعوى "اصلاحيتها" و "خرابها"، بل إن قيام معارضة نقابية رهين بتجاوز الطليعة النقابية لخطرين:
3- خطر إخلاء المنظمات النقابية: أي العزوف عن العمل النقابي بدعوى لا جدواه و باعتبار أن النقابات "إصلاحية" أو اختزال النضال ضد البيروقراطية في خوض صراع ضد رموزها، بدعوى كونهم سيئين و عديمي الأخلاق و "عملاء" ...
نعم، البيروقراطي شخص سيئ و عديم الأخلاق، لكن حصر النضال ضد البيروقراطية في الصراع ضد بعض الأشخاص أو اختزاله في التمرد على بعض إجراءاتها (الاقصاء – التجميد النقابي ...) ناتج عن فهم خاطئ لظاهرة البيروقراطية، و هو نهج يلتقي في أخر المطاف مع خيار تأسيس "نقابة جديدة" أي استبدال "وسيط" متعفن، بوسيط سيتعفن غدا.
فبالرغم من درجة التعفن و التغييب الكلي للديمقراطية لا يصح لأنصار الديمقراطية العمالية إخلاء المنظمات النقابية. عكس ذلك عليهم البرهنة على أنهم أفضل النقابيين، و ذلك بالعمل الدؤوب على تعديل موازين القوى بين القاعدة و القمة، و لن ينجح النقابيون في ذلك دون تجنب خطرثان هو:
4- خطر العصبوية: كثيرا ما تتحول التمايزات السياسية في صفوف الطليعة النقابية إلى عائق أمام وحدتها، و سبب مباشر في فشل أدائها لمهامها النقابية. فالعصبويون يعتبرون أنفسهم وحدهم "على صواب" و غيرهم "انهزاميين" و "خونة"؟؟؟. و الخاضعون لتأثير البيروقراطية و سياستها الليبرالية، يعتبرون أنفسهم مثالا ""للرزانة" و "التعقل" و غيرهم "مغامرين" و "فوضويين" و "لايجيدون ربط التكتيك النقابي بالتكتيك السياسي"؟؟؟ هذا الوضع تستغله البيروقراطية لإضعاف الطليعة النقابية و تقسيمها، خوفا من قيام وحدة نقابية على مستوى القاعدة. لا بد إذن من احترام حق الاختلاف و التعددية السياسية وسط الطليعة النقابية و اللجوء إلى الحوار و التشاور و إلى الأساليب الأكثر ديمقراطية لحل الخلافات.
من أجل حركة نقابية ديمقراطية:
1- الديمقراطية الداخلية:
الديمقراطية الداخلية هي نظام تسيير منظمة جماهيرية بشكل ديمقراطي، و قد عرفت تجربة الحركة النقابية عدة أشكال من تطبيق الديمقراطية. الشكل المطبق حاليا هو "الديمقراطية التمثيلية" حيث سلطة التسيير و القرار هي بيد الممثلين النقابيين: المكاتب و الاتحادات النقابية و نسبة الديمقراطية تقاس هنا بدرجة انتخاب العمال لممثليهم بحرية و ديمقراطية.
الحرية و الديمقراطية هي بالتأكيد شرط ضروري. لكنه غير كاف نظرا لأسباب نذكر منها:
1- عدم توفر العمال على أدوات لمراقبة ممثليهم، و حق عزلهم كلما انحرف هؤلاء عن الدفاع بإخلاص عن مصالح العمال.
2- نسبة المشاركة في انتخاب الممثلين النقابيين (لا تتعدى 10 في المئة من عمال المؤسسة) تترتب عنها نقط اغتصاب سلطة القرار و التسيير من قبل أقلية على حساب الأغلبية، بل الأكثر من ذلك تفويضها إلى أجهزة فوقية مفصولة تماما عن القاعدة، و لا تخضع لرقابتها.
مثال: تفويض صلاحية تحديد شكل و توقيت الإضراب؟
تفويض صلاحية تحديد شكل و مضمون التفاوض النقابي؟
3- شكل المشاركة العمالية في تسيير النقابة: التصويت هو الوسيلة البديهية لممارسة الديمقراطية، و هي مع ذلك وسيلة بدائية موروثة عن زمن لم يكن فيه بإمكان الأغلبية التعبير عن إرادتها إلا عن طريق رفع اليد أو التصفيق خلال جمع عام. إلا أن نجاح جمع عام تدعو إليه النقابة منتسبيها من أجل اتخاذ قرار ما، يتوقف قبل كل شيء على نسبة المشاركة و بحق كل مشارك في التعبير عن رأيه بحرية، لأجل ذلك يلزم ليس أقل من 10 دقائق و إذا كان العدد يفوق المئة يلزمنا اجتماعا مفتوحا لعدة أيام؟؟؟ و لأن هذا غير ممكن، يتحول الجمع إلى مسرحية يلعب فيها النقابيون دور الممثل و العمال دور المتفرجين، هذا في أحسن الأحوال و في أسوئها يتحول العمال إلى مجرد "جمهور للمناورة" أو "أغلبية صامتة" ترفع يدها لدقيقة و تعود للصمت لأعوام كاملة.
هذا الشكل من إشراك العمال في التسيير و اتخاذ القرار، بعيد كل البعد عن مضمون الديمقراطية العمالية. إنها الشكل البيروقراطي لممارسة الديمقراطية.
أما الديمقراطية العمالية فتعني التسيير الذاتي الديمقراطي، أي تسيير العمال الذاتي لشؤونهم النقابية. و الديمقراطية العمالية هي سلاح العمال في أوقات السلم كما في أوقات الكفاح. لذا ينبغي البدء في بناء أدواتها:
أ- عقد التجمعات العامة داخل أماكن و أوقات العمل، و ستلقى هذه الحركة معارضة ليس فقط من قبل أرباب العمل، بل أيضا من قبل البيروقراطية و النقابيين الخاضعين لتأثيراتها، تحت دعاوي شتى: "إجراء يؤدي إلى مواجهة مباشرة"؟، "لم يسبق أن حدث هذا"، "ميزان القوى الحالي لا يسمح بذلك" ... إلخ. من التبريرات الانهزامية و المحافظة، العمال الواعون لن يلتفتوا إلى هذه التبريرات، فمن يصنع الثورات ليس بعاجز عن فرض عقد تجمعات عامة داخل أماكن العمل.
ب- انتخاب لجنة الإضراب: بعد الإعلان عن الإضراب يجب المرور إلى المهام التنظيمية الملحة لإنجاح الإضراب، أولى هذه المهام، هي عقد تجمع للعمال و انتخاب لجنة لإدارة الإضراب. و يجب أن تكون منتخبة بشكل ديمقراطي و أن تحترم فيها التعددية النقابية، و أن يقبل النقابيون أن يكونوا أقلية داخل اللجنة، كل السلطة للجمع العام.
من مهام اللجنة:
- ربط الاتصال بين المؤسسة التي يجب أن تحتل من طرف العمال المضربين، و الأجهزة النقابية.
- الاتصال مع عمال المؤسسات القريبة و الجمعيات المناصرة لقضايا العمال من أجل جمع الدعم المادي: التغذية، الأدوية، الأغطية ...
- الإعلام، و مراسلة الجرائد و المنظمات السياسية و الحقوقية و النقابية للإخبار بتطورات الإضراب و إصدار المنشورات و البيانات لفك الحصار على الإضراب.
- دراسة المؤسسة و مراقبة الدخول و الخروج و منع تهريب المعدات أو دخول كاسري الإضراب ...
- التفاوض المباشر مع إدارة المؤسسة، و يجب أن يكون التفاوض علنيا و ليس في الكواليس، و أمام أعين العمال.
ج- الإعلام النقابي: لا يمكن أن يحظى بالمصداقية مطلب المركزيات النقابية بحرية الصحافة في المجتمع دون أن تحترم هي نفسها حق منخرطيها في إصدار المطبوعات و المنشورات النقابية.
و لاحترام حرية التعبير داخل النقابة، لا يكفي أن تصدر الأجهزة المركزية جرائد و مطبوعات تعبر في الأخير عن رأيها، فالإعلام النقابي تعددي من أصله.
و هو يعكس التعددية المهنية و الفكرية و السياسية التي تخترق كل مركزية نقابية. إن قمع حق إصدار المنشورات و المطبوعات النقابية تحت تبرير "مركزة الإعلام" لا يختلف في شيء عن احتكار الدولة لوسائل الإعلام، و هو أقرب إلى الاستبداد إن لم يكن الاستبداد بعينه.
المراجع:
(1): "الحركة النقابية بالمغرب": ألبي عياش.
- الجزء الأول 1919-1942: دار الخطابي.
- الجزء الثاني 1943-1948: دار ولادة.
- الجزء الثالث 1949-1956: دار لاماتان.
(2): "الحركة العمالية بالمغرب": عبد اللطيف المانوني.
:عبد اللطيف المانوني.Le mouvement syndical au maroc (3):
(4): شكيب أرسلان: "الحركة النقابية بالمغرب": مجلة "أبحاث"
(5): البيان التأسيسي لـ ك د ش.
Seminaire des syndicats nationx 15/16 juillet 78 (6):
Le maroc à la recherche d.une revolution :(7)
le mouvement ouvrier magrébin
collection : etudes de l.annuaire de l.afrique du nord
Hassan BAZWI : UMT – le réve et la réalité (8):
(9): عمر بن جلون: عرض أمام الشبيبة الاتحادية سنة 1975
الهوامش:
[*] – [**] – [***]: جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 4250 بتاريخ 30/03/1995
[1]: التقرير الأدبي للجمع العام العادي لكونفدرالية أرباب العمل 27 يونيو 1991
[2]: كونفدرالية أرباب العمل – التقرير الأدبي لجمع 16 يونيو 1989
[3] – [4]: نفس المصدر






: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=15037
    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 09:10 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd