2010-08-21, 10:19
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | قرارات في غير محلها | عمر احرشان Saturday, August 21, 2010 قررت وزارة الأوقاف الإقدام على خطوة جريئة تمثلت في إغلاق مئات المساجد بمبرر الحرص على سلامة المصلين حتى لا تتكرر مأساة مسجد البرادعيين بمكناس. للوهلة الأولى، يتضح أن الأمر إجراء بسيط وعادي وضروري، ولكن توقيته والإجراءات المرافقة له تبرز حجم الارتجال الذي يسود تدبير شأن حساس من شؤون المواطنين وعدم الاكتراث لما يضرهم وعدم مراعاة الوقت المناسب لصدور بعض القرارات التي قد تكون ضرورية ولكنها تفتقر إلى حكمة التنزيل. لقد تزامن إغلاق هذه المساجد مع شهر رمضان الأبرك الذي يتزايد فيه الإقبال على المساجد، وكان على الوزارة استثمار هذا الإقبال بتجهيز المساجد وتزويدها بالمعدات اللازمة لراحة المصلين والمحببة لعمارة المساجد، والقيام بتكوين للمؤطرين الدينيين لتعميم فهم صحيح للإسلام بعيدا عن مفاهيم الغلو والتسطيح والتساهل. لكن الملاحظ أن الوزارة لم تراع كل هذه الاعتبارات وتركت المصلين يعانون في مناطق عديدة ليجدوا مكانا يصلون فيه، تتوفر فيه ظروف ملائمة للخشوع والتدبر والسلامة، وخاصة في ظل موجة الحرارة السائدة وافتقار أغلب المساجد إلى وسائل التهوية الكافية وضيقها، مما يضطر المصلين إلى ملء الشوارع العمومية. أما المعاناة من قلة الأئمة الذين يجدب صوتهم إلى سماع القرآن والتدبر في معانيه فتلك صارت هي القاعدة باستثناء مساجد يمكن عدها على رؤوس الأصابع. والخطأ الثاني الذي ارتكبته الوزارة هو إقدامها على اتخاذ هذا القرار بتزامن مع إعلان وزارة الداخلية عن تفكيك "خلية إرهابية"، وهو ما يعكس ضعف التنسيق الحكومي وطغيان المقاربة القطاعية الخاصة بكل وزارة، مع العلم بأن بلاغ وزارة الأوقاف أكد على أنه تم التنسيق مع وزارة الداخلية في قرار إغلاق مساجد وتوفير بديل مؤقت للمصلين! وستكون الحكومة خاطئة إن ظنت أن لا علاقة بين الأمرين، لأنها حينذاك تلعب بالنار وتخلط الأوراق وتقدم فرصا ذهبية لمن ينتظر خطأ قاتلا مثل هذا. والخطأ الثالث هو عدم استيعاب الوزارة لحقيقة مهمتها، وهي التي تضم ضمن أجهزتها مديرية خاصة بالمساجد، أحدثت منذ 2003 وأسندت إليها مهمة تحديد حاجيات المساجد من التجهيزات والأدوات والمعدات اللازمة والعمل على تلبيتها وإعداد البرامج والمشاريع السنوية المتعلقة ببناء المساجد وتوسيعها وترميمها وصيانتها وإنجاز تقارير دورية عن أحوال المساجد بسائر أنحاء المملكة والأنشطة المنظمة بها. فأين كانت هذه المديرية طيلة السنين السابقة؟ ولماذا لم تتحرك حتى بداية رمضان؟ وإضافة إلى هذه المديرية، تضم الوزارة مديرية للشؤون الإسلامية تسهر على تطوير وتنمية الوعي الديني وتعميم التربية ونشر الأخلاق وتنشيط الحياة الروحية والدينية والرفع من مستوى الأطر الدينية وضمان إنجاز مهامهم في أحسن الظروف وتنشيط الحياة الفكرية والدينية. فهل نسيت الوزارة أن شهر رمضان هو أفضل مناسبة لتحقيق هذه الأهداف؟ وهل نسيت الحملات المنظمة من الداخل والخارج التي تستهدف قيم المغاربة ودينهم؟ وهل نسيت تشبث المغاربة بدينهم وحاجتهم إلى مؤطرين في مستوى تحديات العصر؟ إن مما يؤكد ارتجالية الوزارة أنها تفتقر إلى إحصائيات ودراسات عن المزاج الديني للمغاربة، ولم تكلف نفسها، إلى حد الآن، إنجاز هذا المسح الضروري الذي يمكن أن يشكل قاعدة للعمل بناء على برنامج ومخطط مدروسين.. ونحيل الوزارة على نتائج استطلاع حول اتجاهات الرأي العام العربي أنجزته جامعة ميرلاند ومؤسسة زغبي الدولية في شهر يوليوز الماضي في 95 صفحة، وهو الاستطلاع الذي شمل 816 مغربيا من بين 3976 مستجوبا من دول عربية أخرى، هي مصر والإمارات والسعودية والأردن ولبنان، وكشف تقدم المغاربة على باقي الدول في اعتبار الهوية الإسلامية هي الأكثر أهمية بنسبة 61 في المائة، تلاهم السعوديون بـ 47 في المائة، بينما عبر 25 في المائة فقط عن أهمية الهوية المغربية مقابل نسبة 4 في المائة لفائدة الهوية العربية، و10 في المائة منحوا الأولوية للهوية العالمية. أما الإشارة الأكثر دلالة فهي تلك التي عبر عنها 64 في المائة من المستجوبين المغاربة، وتتمثل في ضرورة ارتكاز القرارات الحكومية على ما هو أفضل للمسلمين، وهو الرأي نفسه الذي عبر عنه فقط 37 في المائة من مصر و32 في المائة من السعودية، بينما عبر 20 في المائة من المغاربة على ضرورة استناد القرارات إلى ما هو أفضل للبلد، مقابل 60 في المائة من لبنان و53 في المائة من الأردن، وعبر فقط 4 في المائة على ضرورة أن تستند قرارات الحكومة إلى ما هو أفضل للعرب. ألم يكن الأجدى أن تستثمر الوزارة هذا الأمر وهي تعلم، أكثر من غيرها، أن شعور المغاربة الديني يجب أن يصقل ويوجه ويحصن وينمى ليصبح عامل بناء وتطوير وتنمية؟ ألم يكن الأولى أن تلتقط الوزارة، ومعها الحكومة، الإشارة لتبذل جهدا تأطيريا يوضح للمغاربة أن لا تعارض بين انتمائهم الديني والقومي والوطني والإنساني، وأنها كلها انتماءات تتداخل وتتكامل لتصنع شخصية سوية قادرة على الاندماج في هذا العصر العولمي من موقع المؤثر والفاعل؟ ولأن المناسبة شرط، فلا بد أن نتائج هذا الاستطلاع تكفي للرد على أولئك الذين لا شغل لهم إلا النبش في نعرات قبلية وقضايا هامشية وافتعال ثنائيات متصارعة واستهداف قضايا ظلت تجمع المغاربة وتوحدهم بدون أن تلغي تعددهم وتنوعهم.. وأول المعنيين بهذا الكلام تلك الحركات المدافعة عن الإفطار العلني في رمضان، وهي التي لقيت هذه السنة ضربة قاضية لأنها لم تستطع شغل الرأي العام رغم الترويج المبالغ فيه الذي تحظى به. وهذه مناسبة أخرى للتأكيد على أن هذا النوع من التحركات الاستفزازية غير مجد لأنه ضد الدين والقانون والعرف، ولأنه يصادم شعورا مجتمعيا عاما، ولأنه يتناول قضايا غير ذات موضوع ولا ذات أولوية، ولأن الذي يمنح هذه الحركات انتشارا هو ردود الأفعال غير المتزنة التي تفوق حجم هذه الحركات النخبوية والمعزولة والمراهنة على النضال في عالم افتراضي بعيد عن معطيات الواقع التي تؤكد أن المغاربة متمسكون بدينهم وهويتهم وشعائرهم ولا يسمحون بالطعن فيها وإن تهاونوا في الالتزام بتعاليمها. للأسف، لم تستطع الوزارة، إلى حد الآن، إبداع برنامج، مثل تلك البرامج الدينية التي تحظى بنسب مشاهدة عالية، يقوي هذه المعاني التي نحس كمغاربة بأننا أحوج إليها من غيرنا لنربح رهان التنمية، ولنحصن جيلا بأكمله من فهم خاطئ للدين، وقبل ذلك ومعه وبعده، لنكون من الوجوه الناضرة الناظرة إلى ربها يوم العرض عليه، فنفوز بخير الدنيا والآخرة. هيسبريس | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=224652 التوقيع | | |
| |