منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   منتدى القضايا التربوية (https://www.profvb.com/vb/f100.html)
-   -   شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!! (https://www.profvb.com/vb/t40664.html)

عبد الغني سهاد 2010-07-12 23:21

شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!!
 
شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!!


كان الصباح جميلاً في ذلك اليوم بحرارته المعتدلة ونسماته العليلة ؛ مما أغراني بالخروج للشرفة ، وضعت يدي على سياجها الحديدي مستمتعاً بتلك الإطلالة الرائعة وأنا أرقب قطرات الندى التي للتو بدأت تتساقط من أوراق الأشجار مؤذنة بشروق الشمس ، ومبشرة بقدوم فصل الصيف ، هززت رأسي طرباً عند سماعي لزقزقة العصافير وهي تملأ الأرجاء بشذا ألحانها الجميلة وظهرت على وجهي ابتسامة خفيفة .
لم يدم وقوفي طويلاً حيث أرحت جسدي المتهالك على أحد المقاعد في تلك الشرفة التي اعتدت الجلوس عليها ، وأثناء تناولي لقهوتي الصباحية ، حاولت استنشاق أكبر كمية من الهواء لظني أنه محملاً بالأكسجين ومعطراً بشذا الياسمين . كان الطقس جميلاً بكل ما لهذه الكلمة من معنى مما جعلني أقبل بنهم شديد على مطالعة الكثير من الصحف التي تناثرت على المنضدة أمامي .
لم أكن أحفل بالكثير من أخبار الحروب والقتل والسياسات الدولية المملة والتزلف الممجوج للشخصيات القيادية ،وخلال قراءتي العبثية تلك كنت دوماً ما أبحث عن المقالات التي أشعر من خلالها بالارتواء المعرفي ، والإشباع الثقافي والسمو الفكري ، في خضم رحلتي تلك وقع بصري صدفةً على ذلك الخبر الصغير في محتواه والكبير في معناه ، شعرت براحة عجيبة تسري في جسدي ، كررت قراءته أكثر من مرة ؛ انتابني إحساس , بالزهو، ظهرت علامة النصر على قسمات وجهي ، غبت عن الوعي للحظات وأنا أسترجع ذلك الحوار الذي جمعني به ، غابت إشارات النصر وظهرت مكانها الحسرة وأنا أستحضر تفاصيل دقيقة عن ذاك اللقاء ، ياه .. كم مضى على ذلك الحوار ؟!
طفا هذا السؤال على صفحة تخيلاتي وأنا أجتر الذكريات مستكملاً حواري مع نفسي ، إن الأيام تمضي سريعاً ، لقد غبت عنه قرابة السنتين ، لكنني لن أنسى موقفه معي في ذلك اليوم ، فقد ناصبني العداء رغم أني لم أهدف من حواري معه الانتقاص منه أو التقليل من مكانته أو حتى الاستهانة بفكره وتجربته ، لأن أبجديات الحوار التي أؤمن بها تقضي ببساطة شديدة إعطاء محاوري ما يستحقه من تقدير واحترام ، وعدم الاستهتار بأطروحاته وأفكاره مهما كان الخلاف كبيرا بيننا ، فما الحال إن كان الواقف أمامي معلماً لي يحظى بما يستحقه من احترام وتقدير ، يليق بمكانته التي أوجدها لنفسه من خلال اضطلاعه بأهم دور من الأدوار الحياتية وهي تنمية العقول والأفكار, وصنع الأجيال ، والإسهام في رقي المجتمعات وبناء حضارتها .
ياه .. إن الأمر عجيب بالفعل , فهذه السنون التي مضت لم تستطع محو هذا اللقاء من ذاكرتي فلا زلت أذكر استغرابي الشديد من ثورته العارمة وهو يسوق لي من المبررات ما أعجز عن حصرها ليبرهن أن المعلم أشرف منزلة من كل من عايرته بهم من أصحاب المهن الأخرى التي حفظ لهم المجتمع مكانتهم وقدمهم كثيراً على أصحاب الطباشير والسبورة ومعلمي الصبيان الذين لا تقبل شهادتهم في المحاكم البريطانية كما يتناقله بعض الجهلة والسذج للسخرية منهم .
كانت ثورته عارمة ورغم ذلك لم ألمه والتمست له ألف عذر ولم أحفل بتهجمه الشخصي ووضعه لي في خانة من لا يرون للمعلم أي فضل بل ويرون مهنته من أقل المهن والسبب أني كنت المس عن قرب الظلم الذي يتعرض له وأرى موقفه مبرراً ، فهو لم يفعل سوى تفريغ شحنة اعتلت كثيراً بداخله , فما قلته له عن طريق المداعبة يقال أكثر منه بشكل ٍ جدي في المنتديات وفي المجالس الخاصة والعامة ، فالتعليم كما يعتقد الكثيرون أصبح بكل أسف مهنة من لا مهنة له .
الآن تذكرت ربما يكون غضبه مختزناً في عقله الباطن ومرتبطاً بي شخصياً بسبب ذلك الموقف الذي لطالما أضحكني كلما تذكرته ، عندما صرح أحد أولياء أمور الطلاب بكل فجاجة وقلة حياء وهو يتحدث بأريحية متناهية معه - وفي حضوري- بأن سقف طموحه تدنى إلى أقل درجة مع ابنه ــ المتأخر دراسياً والسيئ أخلاقياً ــ حتى أنه لم يعد يمني نفسه بأكثر من التحاقه بمهنة التعليم ولا يتوقع منه أن يصبح أكثر من ذلك في أفضل حالته !!
ربما تكون تلك العبارات التي أسمعته إياها في ذلك اليوم لها وقعها الكبير في نفسه وفي نفس كل معلم كونها تلامس واقعاً ملموساً يعيشه ، فطلابه ــ الذين وضع لبنة في مسيرتهم العملية والعلمية ، جعلت كل منصف ينسب له الفضل بعد الله فيما وصلوا إليه من مناصب وما تقلدوا من أوسمة ونياشين ــ يحفظ لهم المجتمع مكانتهم التي يستحقونها بينما هو لا زال يقف طوال ثلاثين عاماً مراقباً للصغار في فسحتهم وفي ذهابهم وإيابهم ، ولا تزال مستوياته وإبداعاته الوظيفية مرتبطة بمدى قدرته على إيصال المعلومة لشبيبة لا يعيرون أي اهتمام لشخصه أو للكلمات التي يتفوه بها والتي قد تصبح موضع تندر في جلساتهم ، ومطالباً بإصلاح ما أفسده المجتمع بمؤثراته المتعددة من وسائل إعلام هابطة ومن اختلال واضح في سلم الأولويات ومطالباً أيضاً بأن يعمل بجد وإخلاص لجني الثمار دون النظر للبيئة المنزلية التي تلقي بظلالها على نفسية طلابه ، وقد تكون معول هدم لكل ما يصنع داخل فصله .
كم هو مظلوم هذا المعلم وكم هي مظلومة تلك المنظومة التعليمية بكاملها من مجتمع بائس لا يرى لربانها الحقيقي ، وقائد مسيرتها التربوية والمعرفية فضلاً ، ولا يعطيه ما يستحقه من مكانة ، وربما يحسده على بعض الدراهم التي يتحصل عليها من كده وتعبه والتي بالكاد تسد رمقه في هذا الزمن الصعب ، رغم أن الشواهد أكثر من أن تحصر لتلك المجتمعات التي بنت نهضتها الصناعية والسياسية من اهتمامها بذلك الرجل الشهم الشجاع الذي لا يملك من الأدوات سوى قلم أزرق وآخر أحمر يترجم بهما فكره النير ويخط بهما مسيرة أمته التي يعيش بين جنباتها .
انتابني إحساس قوى في تلك اللحظات الشاعرية وأنا أقرأ ذلك الخبر عن التكريم الذي سيقام لمجموعة من المعلمين المتقاعدين ، أنه ضمن هؤلاء المكرمين فهو لم يمض على تقاعده سوى ثلاث سنوات ولم أسمع أن هناك تكريما قد أقيم خلال تلك الفترة مما جعلني أبادر بالاتصال به ــ وأنا في قمة النشوة ــ مطالباً إياه بمطالعة نفس الصحيفة التي بيدي كي يرى مقدار ظلمه لمجتمعه الذي لازال يحفظ له ولجميع المعلمين قدرهم ويسعى للاحتفاء بهذا العدد الكبير من الكوادر التعليمية التي ابتعدت عن السلك التعليمي من سنين مضت .
تعالت ضحكات معلمي بمجرد ذكري لهذا الخبر بشكل يدعو للدهشة ، ولم يترك لي مجالا لأكمل حديثي ، ازدادت ضحكاته بشكل هستيري حتى ظننته قد أصيب بالجنون ، واستمر هذا الموقف لدقائق قبل أن يغلق السماعة في وجهي .
وضعت جهازي الخلوي أمام وجهي وتأملته للحظات ولتفت يمنة ويسرة خشية أن يكون قد رآني أحد وأنا غير مصدق أن هذا الموقف يحدث معي ، فما الذي يضحك في خبرٍ يحمل بين طياته الكثير من الجوانب الإيجابية ؟
وما الذي يدعوه لغلق السماعة في وجهي بهذه الطريقة رغم انقطاعي عنه كل هذه المدة الطويلة ؟!
كان الأمر غريباً بعض الشيء لكنني آثرت الاستمرار في تصفحي لصحيفتي المفضلة محاولاً طي هذه الصفحة بعد أن تحولت دهشتي لابتسامة صفراء اعتبرها خير معين لي على تحمل الكثير من أعباء هذه الحياة ، ولعلي تعمدت القفز على كل أبواب الصحيفة بعصبية لم أستطع إخفاءها وانتقلت مباشرة للصفحات الرياضية التي أعشقها حد الجنون ممنياً النفس بأن يكون فيها سلوتي في وحدتي ؛ لكنني صدمت مرة أخرى عندما وجدتها على غير العادة قد كرست مجمل مساحتها المكونة من أربع صفحات بالتمام والكمال للتحدث عن حفل اعتزال أحد اللاعبين الذي أظنه من المتأخرين دراسياً بسبب انشغاله باللعب ومطاردة الكرة في أزقة الحواري قبل توجهه لأحد النوادي لينهي مشواره الحافل بالإنجازات العظيمة في تلك الليلة التي كلفت ما لا يقل عن خمسين مليون دولار .
تعالت ضحكاتي بشكل يفوق ما سمعته من صديقي وأنا أقارن بين ذلك الخبر الصغير جداً الذي يصعب أن تجده دون استخدام عدسة مكبرة وبين هذه الصفحات الكاملة التي خلدت مجداً زائفاً لأحد هؤلاء ... وبين هذه الحفلة المبسطة على قيمتها وتلك الأمسية المليونية ... ولكن ... لعلي الآن قد فهمت سر عصبية أستاذي بعد أن ازدادت قناعتي أن شر البلية ما يضحك ...
*******

لشهب 2010-07-13 13:55

رد: شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!!
 
نعم أخي الهم إلا كثر يضحك... بارك الله فيك

بلابل السلام 2010-07-13 15:50

رد: شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!!
 
حقيقة مما يندى له الجبين النهاية التي يختتم بها كل مدرس مشواره الدراسي
فلا الوزارة ولا النيابة تكلف نفسها حتى عناء ارسال شهادة تقدير وشكر لهذا الأستاذ المتقاعد
ولولا جهود زملائه في العمل ربما خرج بدون حفل تكريم رمزي
حق لصديق أن يضحك فقد خبِر ما بالصحيفة قبلك

lamhamdi22 2010-07-13 16:36

رد: شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!!
 
اختي لاتنتضري من احد لاجزاءولاشكور الامن الله الواحد القهار فهو يجازينا

أحمد أمين المغربي 2010-07-13 16:48

رد: شر البلية ما يضحك ... اعتزال معلم !!!!
 
من قام بعمله أحسن قيام فإنما جزاؤه الأوفى عند الله تعالى
وفعلا لاتنتظرن من أحد الشكر
الله وحده تعالى ينصف الناس


الساعة الآن 15:13

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd